حيث حضر هذا الاحتفاء الكبير والقيّم نخبة من الشعراء والأدباء والنقاد والمربين وطلاب الجامعة ومحاضرون واعلاميون .
الجلسة الأولى: رئيس الجلسة ابراهيم جريس
تحدّث فيها الناقد بروفيسور محمود غنايم من مجمع اللغة العربية في حيفا ومحاضرته بعنوان ( محطات أخيرة في تجربة محفوظ الأدبية) ، طرح فيها مراحل من رحلة محفوظ في الفن القصصي قائلا: كثرت الأبحاث التي تناولت المراحل الأولى التي وضع فيها محفوظ بصمات واضحة على تاريخ الفن القصصي العربي وخاصة في المرحلة التي سيطر فيها بلا منازع تقريبا على المذهب الواقعي في الأربعينات والخمسينات ، كما وقف النقد على نهاية تلك المرحلة التي تحوّل فيها نجيب محفوظ من الواقعية التقليدية الى واقعية جديدة امتدت منذ الستينات والسبعينات حيث اتسمت بالفلسفة والرمز والبحث في الذات الداخلية للشخصية وعوالم أخرى .هذه المرحلة بمقارنة مع المرحلة الأولى يبدو أنها لم تلق الاهتمام الكافي وهي مرحلته الواقعة في الثلاثين سنة الأخيرة من ابداعه القصصي وسوف نركّز على هذه المرحلة بالذات وعن سمات المرحلة برمّتها ، ويمكن ايجازها بصورة عامة في النقاط التالية :
·      الايقاع السريع
·      هاجس السيرة الذاتية
·      منابع الطفولة
·      التكنوقراطية
·      التناص الداخلي
المداخلة الثانية: للأديب سامي ميخائيل الذي ربطته بمحفوظ علاقة شخصية من حيث الترجمة والأدب وكون مسقط رأسه العراق واطّلاعه على الأدب العربي وخاصة الرواية ومنها أعمال محفوظ التي تطرّق الى بعضها ، حيث اعتبر محفوظ من كبار الأدباء العالميين فكرا ورواية وقصة .وتحدث عن قفزات في علاقته بالعالم العربي وخاصة مع كتاب وشعراء من العراق حتى اليوم تربطه بهم علاقة متينة .
بروفيسور مناحيم ميلسون من جامعة القدس : قدّم محاضرة عن نجيب محفوظ ما ظهر من الاسم وما خفي .من خلالها تطرّق لاختيار محفوظ لأسماء الشخصيات في رواياته وعن ما يسمى ب" الايرونيا" والتي صاحبته في معظم رواياته وقد تكون الأسماء مناسبة للشخصية وقد لا تكون ، ويعترف أنه التقى بمحفوظ في بيته وكان اللقاء معه قيّما ومثيرا ومن بعدها انقطعت علاقته الاّ من متابعاته له ودراساته الجامعية عنه ومحاضراته لطلابه .
الجلسة الثانية: بدأها بروفيسور مسعود حمدان وطرح رواية " العائش في الحقيقة" لمحفوظ اخناتون بين الشاعر والحاكم وهو جوهر الفن الحقيقي .مداخلة مسعود حمدان كانت شيقة حيث سرد الرواية من خلال ديالوج بين الشخصيات قائلا:
" بطل رواية محفوظ العائش في الحقيقة ( 1985) هو اخناتون الفرعون والذي ضحى بوفرة مصادر القوة والنفوذ في سبيل رحلة شاقة غايتها البحث المضني عن الحقيقة وهكذا يتألق اخناتون في سماء الأسطورة والأدب كرمز لظاهرة فريدة تسير عكس المتوقع في حركة التاريخ .المحاضرة تناولت عدة أسئلة ، وطرح المحاضر أسئلة تدور حول هذه الرواية ومنها : لماذا كان على اخناتون أن يتنازل عن القوة الممنوحة له طلبا للحقيقية ؟ لماذا تنظر هذه الرواية الى " الحقيقة" و" السلطة" كنقيضين ما هي القوة وما هو الضعف ؟ من هم الأقوياء بحسب رواية نجيب محفوظ ولماذا ؟ ما العلة من وراء" ضعف" اخناتون ولماذا لم ينتصر ؟ ما هو مفهوم الهزيمة وما هو مفهوم الانتصار في الرواية ؟ من هو عدو اخناتون الأرعن في نهاية المطاف ؟وقد تطرق مسعود الى قضيتين لهما صلة وثيقة بالأسئلة المحورية منها : مفهوم التناقض الذي يشكله النسيج الروائي بين الشاعر والحاكم ،وثانيا تعريف جوهر الفن الحقيقي من جانب مبدع رفض الحكم .وأردف بروفيسور حمدان أنه في سياق متصل سيلتفت الى استحالة اعتماد " الحياد والموضوعية" كقناع أكاديمي حيال النظر تحليلا وتفكيكا الى شخوص وأحداث هذه الرواية .
المحاضرة في هذه الجلسة كانت الاضاءة المشرقة التي قدّمتها د. كلارا سروجي شجراوي من جامعة حيفا وكلية القاسمي حيث تطرقت في أطروحتها النقدية عن موضوع " التوظيف الفني للحلم في رواية ( الشحّاذ) لنجيب محفوظ" وتناولت شخصية عمر الحمزاوي وهي الشخصية المركزية في رواية الشحاذ والتي صدرت عام ( 1965 ) ، عمر الحمزاوي محام ناجح في الخامسة والأربعين من عمره متزوج منذ عشرين سنة من امرأة قد أحبّها بشدّة، وله منها ابنتان ، تصيبه فجأة حالة من الاكتئاب والقلق ويشعر أنه لم يعد يبالي لا بزوجته ولا بعمله وكل ما في هذا الكون مملّ ولا معنى له والبقاء في الحياة أمر عبثيّ وأنّ الحقيقة الوحيدة التي بانتظارنا هي الموت ، يبحث عمر عن المتعة التي ربما تعيده للحياة من جديد وذلك من خلال علاقات خارج اطار الزواج وينجح في البداية لكنه يكتشف أنّ المتعة الجسدية ليست ما يبحث عنه وتتأزم حالته النفسية فيقرّر الانعزال بعيدا عن الجميع في كوخ ، منتظرا اللحظة التي فيها سيصمت حوله كلّ شيء ويندمج مع العدم .في تسلسل الأحداث تنتاب الحمزاوي وهو لوحده في الكوخ حالة من الانفصام عن الواقع ولا يتعرف حتى على صديقه عثمان ، هذا لتكيّف الأحلام يجعلنا نتساءل عن سبب اختيار محفوظ لهذه الوسيلة الفنية وما هدفه منها خاصة حين يواجه القارىء بسلسلة من الأحلام التي قد تدفعه الى فقدان ذلك الوهم الجميل بواقعية الأحداث والشخصيات ،، وتتساءل كلارا ألسنا هنا أمام احدى مجازفات نجيب محفوظ الفنيّة؟
هدفت المحاضرة للاجابة على الأسئلة التالية:
لماذا لجأ نجيب محفوظ الى تقنيّة الحلم وما هدفه النهائي منها؟
ما الذي يميّز لغة الحلم عادة وكيف يتجلّى ذلك في النص الروائي ؟ وتقديم أمثلة
كيف نفسّر الحلم في الرواية؟
وتشرح د. كلارا :عند تفسير أحد أحلام عمر الحمزاوي سيتم اختيار منهج كارل يونغ لأنه الأنسب في نظرها وبأنّ أزمة الحمزاوي الحقيقية هي رغبته الوصول المطلق الالهي المتعالي ( transcendental ) وفي ذلك منحى صوفي واضح للرواية وهو سبب لاختيار الكاتب تقنية الحلم في التعبير عن العالم الداخلي للشخصية ،وقد أضافت كلارا أنها لم تتجه نحو " فرويد" لأن المنحى هو الرغبة الجنسية ولا يتوافق مع تقنية الحلم الذي وظّفه محفوظ في روايته .
الشحّاذ هي قصة الانسان في بحثه عن النشوة اليقينيّة المستعصية ، أما انغلاق الرواية بعبارة " ان تكن حقا تريدني فلم هجرتني؟" فلا تدل الاّ على أنّ " الصوفية" جذابة كتجربة جميلة لكنها ليست الحل لأزمة الانسان الوجودية .
المداخلة الثالثة في هذه الجلسة كانت للناقدة : كوثر جابر من جامعة حيفا وكليّة سخنين ، وقد كانت بعنوان " حواريات نجيب محفوظ ، بوادر التجريب في فن القصة المسرحية و" المسرواية ".خلال المداخلة طرحت المحاضرة عن أشكال أدبية ربما تكون جديدة على القارىء العربي والنقاد وهما : القصة المسرحية والمسرواية ، شكلان أدبيان ناتجان من تداخل فنيّ القص والمسرح معا ، حيث يتناوب الوصف السردي والمشهد المسرحي في النص ، فيجد القارىء نفسه أمام لوحات سردية مصوّرة تارة ومشاهد درامية مسرحية تارة أخرى ، وتعود امكانية الجمع بين الصيغتين المسرحية الدرامية والسردية القصصية الى وجود عوامل مشتركة ما بين فن القصة وفن المسرح ،من الممكن أن يلتقي المسرح بالقصة والرواية في عدد من الخصائص الفنية والجمالية ومنها ما هو نابع من العملية الابداعية نفسها ، أو من طبيعة الجنس نفسه ، كالزمان والمكان والحبكة ولحظة التأزم والديالوج والمونولوج والسارد والروائي ، والسرد والشخصيات ، وجود هذه العوامل من شأنه أن يتيح هذا التداخل ليخرج في سياق أدبي ونظام تماثلي مشترك هو " المسرواية" أو " القصة المسرحية" .
كانت بداية هذه التجربة من محاولات محفوظ ( 1912 -2006 ) في منتصف القرن العشرين في فن القصة القصيرة ، وقد أطلق عليه اسم " الحوارية" وقد قدّم نجيب محفوظ نفسه على أنه الأسبق في ابتكار هذا الشكل في الأدب العربي ، وصرّح أنه لم ير نظيرا له في الأدب العالمي  وقد أطلق محفوظ اسما آخر لهذا الشكل وهو ( ق . م) وهما الحرفان الأولان من كلمتي قصة ومسرحية لأن الحواريات جمعت بين جوهر القصة وشكل المسرح .
وقد أدلت المحاضرة كوثر جابر بأمثلة من هذا الشكل الفني وشواهد من أدب نجيب محفوظ بمجموعته القصصية تحت المظلّة ( 1967 ) حيث تبعد هذه المجموعة عن أن تكون قصصا قصيرة نقيّة بسبب بنائها المسرحي وحوارها الدرامي وكذلك قد ينظر بعض النقاد الى رواية أمام العرش ( 1983 ) لنجيب محفوظ على أنها أشبه ما تكون من حيث تأليفها بالمسرحية منها بالرواية .
في ختام المؤتمر دار نقاش وأسئلة من الجمهور في القاعة حول ما قدّم من مداخلات خلال الجلسات على أمل الاستمرار بجلسات أخرى في يومي 13 / 14 ديسمبر في جامعة تل أبيب والنقب سيشترك فيها كل من الأدباء والنقاد : د. نبيه القاسم عن الرواية التاريخية لدى محفوظ ، وبروفيسور ساسون سوميخ عن القاهرة في أدب نجيب محفوظ وسوف تقدّم أيضا بروفيسور جطروير عن أنماط روائية حديثة في أدب محفوظ في السبعينات والثمانينات . والباحث العراقي نجم والي عن " معرفتي بنجيب محفوظ" وستقدم على بساط البحث قضية الأدب العربي والترجمة الى العبرية والحوار بين الحضارات ومن بعدها سيقدم عرض لرواية " أمام العرش"  ..!