|
عرار: خلال ندوة "القصيدة العمودية شكل فني أم مرجعية ثقافية".....البازغي وعكاشة يثيران أسئلة الحداثة وتطور الشعر العربي الشارقة - عرار: أثارت ندوة "القصيدة العمودية، شكل فني أم مرجعية ثقافية؟" صباح أمس في بيت الشعر، أسئلة الحداثة والتجديد في الشعر العربي، وإشكاليات قصيدة النثر، إن كانت امتدادا لتطور الشعر العربي أم حالة إبداعية منفردة أستوردها الحداثيون من الثقافة الغربية. وشارك في الندوة التي تأتي ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي، الناقد د. سعد البازعي من السعودية، والناقد د. رائد عكاشة من الأردن، فقدم البازعي ورقة بعنوان "شجار البيت: عمود الشعر عمود الثقافة، وقدم عكاشة ورقة بعنوان "محاولات تغريب القصيدة العمودية"، وأدار الندوة د. بهيجة مصري. وانطلق البازعي في ورقته من فكرة الاعتراض على التجديد بصورة عامة، ووجوده كظاهرة ثقافية في العالم العربي والغربي، فقدم الخلافات التي دارت بين الشاعر عبد المعطي حجازي وعباس محمود العقاد في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كنموذج لتأكيد رؤيته على نشوء الاعتراض على التجديد والمجدد إلى أن يثبت صلاحيته. واستشهد ببيت شعر لحجازي يهجو فيه العقاد ليفتح الباب على إحداثيات الخلاف بينهما، فقال: "من أي بحر عصي الريح تطلبه إن كنت تبكي عليه نحن نكتبه" موضحاً أن هذا البيت جاء بمناسبة رفض العقاد لشعر التفعيلة الذي كان حجازي أحد رواده. وأعتبر أن موقف العقاد وردة فعل حجازي حدثان يحملان مؤشرات ثقافة هامة يمكن من خلالها استقراء بعض ملامح التكوين الثقافي العربي من خلال الإبداع الشعري والموقف منه، مكملاً سيرة الخلاف بين العقاد وحجازي وكيف رد حجازي على من يتهمه بأنه يهرب من الوزن ولا يجيد الكتابة فيه. ولفت إلى أن المثير في إشكالية كل من حجازي وهيكل هو سرعة لجوء الشعراء إلى الشعر الموزون المقفى من قبل شعراء يطالبون بتجاوز مرحلة القصيدة العمودية إلى شعر حر أو شعر تفعيلة رأوه أكثر قدرة على استيعاب متغيرات المرحلة ورؤى الإنسان، إلى غير ذلك من مرتكزات التحديث الشعري العربي. وأشار البازغي إلى أن الخروج عن عمود الشعر، أو كلاسيكية القصيدة العربية، جاء منذ زمن مبكر إلا أنه واجه أيضاً الاعتراض والنقد والمواجهة، مؤكداّ ذلك بقوله: "كان أحد الذين خرجوا على بعض عناصر الشعر التي استحسنها العرب، أبو تمام، وأبو نواس، وابن الرومي، وغيرهم" مشيراً إلى أنه من الصعب العثور على شاعر كبير التزم بتلك العمودية. ولفت إلى أن ما التزم به الشعراء الكبار قديماً هو الوزن والقافية بناء على بحور الشعر المعروفة وإن نوّع بعضهم في تشكيلها وتشطيرها إلى غير ذلك كما في الموشحات الأندلسية، لكنهم خرجوا على الكثير من القواعد التي منها: شرف المعنى وجزالة اللفظ والإصابة، والوصف وغيرها. واستحضر البازعي بعض الخلافات التي دارت في الثقافات الغربية على آليات التجديد وأشكالها، ليؤكد رؤيته في وجود نوع من الاعتراض البديهي على أي جنس إبداعي جديد ومختلف عن المكرس، فقدم موقف الاتباعيين الأوروبيين في نهاية القرن الثامن عشر من الحركة الرومانسية. وقال: "حين جاء شعراء مثل وزردزورث وكيتس ليخرجا على النمط السائد آنذاك، وهو نمط اتبع فيه شاعران القرن السابق شكل القصيدة الكلاسيكية أو اللاتينية القديمة، واجههم واعترض عليهم الاتباعيين الأوروبيين ولم يقبلوا خروجهم. وخلص إلى القول: "هذا التذمر من الجديد ليس حكراً إذا على ثقافة بعينها وإنما هو ردة فعل طبيعية تجاه التغيير الذي يخشى منه على القيم المستقرة للجمال والقواعد القارة للدلالة. بدوره قدم عكاشة رؤيته مستنداً فيها منذ البداية على اعتبار قصيدة النثر شكلا فنيا لا ينتمي للثقافة العربية، ولا يمثل تطور للقصيدة العربية، وإنما هي نتاج لحاق نخبة من المثقفين العرب بالفكر الغربي، وحالة تأتي في سياق فلسفي يشمل متغيرات الحياة كافة. وقال: "لقد أسهمت الحداثة وما بعد الحداثة في إنشاء تصوّر عربي يكاد يتماهى مع التصورات الغربية للوجود. ولعل من أبرز الأخطاء المعرفية والمنهجية التي أصابت (العقل العربي والعقل الإسلامي)، التماهي مع النظريات المعرفية والفكرية والفلسفية والأدبية واللغوية ذات البناء المعرفي المغاير للبناء المعرفي الإسلامي، بتجاوز الخصوصيات الثقافية والحضارية والاجتماعية لتلكم النظريات، والأسس الفلسفية والمعرفية التي قامت عليها. وأدّى هذا الخلل في الرؤية إلى مجانبة الصواب في قراءة تراث الأمة". وأضاف: " عبّر بعض الحداثيين عن انتمائهم إلى بنية النظام المعرفي الغربي، وشعروا بأن ثمة تماهياً فكرياً وروحياً مع هذا النظام، فأسقطوا معطياته وأفكاره وتقنياته على الثقافة العربية؛ فذا أدونيس يعبّر عن هذا الشعور الوجودي والانتماء للغير، وعن اغترابه في الوقت ذاته فيقول:" وأنا شخصياً أجد نفسي أقرب إلى نيتشه وهيدغر، إلى رامبو وبودلير، إلى غوته وريلكه، مني إلى كثير من الكتاب والشعراء والمفكرين العرب." وأكد أن المحاولاتُ التّجديدية (التحديثيّة بمفهومٍ من المفاهيم) التي عرفها النصف الأول من القرن العشرين، في البيئة العربيّة، كانت مرفوضةً كلَّ الرّفض لدى دعاة الحداثة ومنظّريها، مشيراً إلى أن جهود مدرسة الإحياء الأولى والثّانية، وجماعة الديوان، وجماعة أبولو، وُوجِهَت بعاصفة نقديّة هائلة، حتى إنّهم وصَمُوا ما سُمِّي عصر النّهضة العربية ونتاجَه الفكري والأدبي بوصفه "عصرَ احتذاء وتقليد واصطناع بحيث يبدو عصر الانحطاط بالنسبة لهم عصراً ذهبيّاً. ولفت إلى أن هذا الموقف لا يمكن فهمه إلا بسياقين منطقيين يريدون تحقيقهما، فقال: "إنّ هؤلاء لا يفهمون الحداثة إلاّ في سياق الهدم أوّلاً؛ فكلُّ تصالُح مع التّراث، أو تأثّر به، أو استنهاضٍ لبعض ما فيه من كَوامن، أو حِيادٍ قُبالتَه، يمثِّل تخلُّفاً وتصلُّباً ورجعيَّةً وانتفاءً من التّاريخ. لذلك ينبغي تحرير العقل العربي بهدم "البنى الثقافية-الاجتماعية التي يرثها المجتمع العربي وتسوده، أو أنّهم لن يتمكّنوا من بناء منظومتهم الجديدة في ظلّ المنظومة التي صاغها التّراثُ عبر عصور، ولا بدّ لهم لإرساء منظومتهم التي تُدخِلُ البيئةَ العربية في لُحمَة اللحظة التاريخية، وتجعلُها متحقِّقةَ الوجود في العالَم، من قطعِ العلاقة بكلّ ما يغيِّبُ هذه اللحظة ويُضعِف التّواصُل مع العالَم بمقتضى ما هو عليه. وحتى يتحقق الوجود والحضور العربي الإنساني ينبغي نقض هذا التراث بعد نقده". واعتبر عكاشة أن علاقة الحداثي بالتراث علاقة متوترة، لذلك تأخذ الحداثة موقفاً مبدئياً وعقدياً وفكرياً من التراث والمرجعية بوصفهما مكونين مهمين من مكونات الحضارة؛ فتنحو منحى القطيعة التامة؛ لأنه" ثوري، موضحاً أن الحداثة في سياقه تعني نشوء حركات ونظريات وأفكار جديدة ومؤسسات وأنظمة جديدة تؤدي إلى زوال البنى التقليدية القديمة في المجتمع وقيام بنى جديدة، وهكذا تتمثَّل الحداثةُ بوصفِها "ازدراء التّراث" بكلِّ ما فيه. ورأى أن الحداثيّين العرب يعتقدون أنَّ الثّورة على المحافظة، والنُّظُم اللغويّة والتّقاليد الأدبيّة، وحدها هي التي ستمكِّن من خلق لُغة ثوريّة، وهذه بدورها حيويَّةٌ لتخليق ثقافة عربيّة جديدة مُغايرِة، مبيناَ أن الحداثيين يرون أن ذلك يتطلب تحقيق تلك اللغة بنُظُمها الجديدة الثّوريّة من هدم وظيفة اللغة القديمة (التّراثيّة)، وإفراغها من محتواها ومضمونها الدّلاليّ بصورة خاصَّة، وتحقيقِ انزياحات مُدهشةٍ فيها لتكون حَداثيَّة تُمكّن الإنسان العربيّ، والمسلمَ من دُخول بوّابة العصر. حتى لو أدى ذلك إلى قلق دلالي عند القارئ وربما الأديب. وخلص إلى قول:"بناء على ما سبق فإن التأطير المعرفي والفني للحديث عن القصيدة العمودية، والتيارات التي خرجت منها وعليها، ينبغي أن يتأسس على مفهوم هوية القصيدة العمودية وخطاب هذه الهوية، لا على أساس الإطار الفني فحسب، بل على أساس المرجعية التي صاغت وتصوغ التفكير العربي. وعندما نتحدث عن مكانة المرجعية في بناء خطابنا النقدي وإبداعاتنا الفنية، فإننا نستحضر قوتها في التفكير والتنظير، من خلال انتمائنا الحضاري، واستعدادنا الفكري في استيعاب الأفكار وإنضاجها، والقدرة على التحاور بها وتطويرها، والإبداع في إنتاج البدائل. عندئذ نستطيع الحديث عن قوة المرجعية بدلاً عن الحديث عن مرجعية القوة". الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الخميس 09-01-2014 12:22 صباحا
الزوار: 3394 التعليقات: 0
|