|
عرار: حاوره - إبراهيم السواعير - يضع وزير الثقافة د.صلاح جرار (قانون اللغة العربيّة) أولويّةً يحققها بالتعاون مع مجمع اللغة العربية ومدّ جسور التبادل بين الوزارة والأكاديميين والمفكرين والمثقفين، منطلقاً في إقراره القانون من أنّ أيّ خطابٍ في (الإصلاح) لا بدّ يستند إلى الثقافة في الهويّة والتراث والفكر. ويؤكّد د.جرار أنّ وزارة الثقافة مدعوّة إلى نشر خطاب العقل وتأكيد أهميّة الفكر والأدب والفن في حفز الجميع على تبنّي المنطق والحكمة في تداول الأمور، مهتمّاً بالشباب الجامعيّ قطاعاً مثقّفاً تمنعه ثقافته من أن يجلس على مستديرة الحوار أو منبر الشعر أو خشبة المسرح وفي الوقت ذاته يشارك في مشاجرة. يجمع د.جرار بين الإدارة الثقافية والعمل الأكاديمي والإبداع الأدبي؛ أميناً سابقاً لوزارة الثقافة، وأستاذاً للأدب الأندلسيّ في الجامعة الأردنية، ومشتغلاً بقضايا الفكر والثقافة والأدب. له حضوره الفكريّ في كتابه(الجدار الأخير)، إضافةً إلى عنايته الفائقة بمؤتمرات الجامعة الأردنية، وتحديداً المؤتمر الثقافي الوطني الذي أسهم بالتشارك في إيقاظه من سباته الطويل. تالياً الحوار: مارستَ في (الجدار الأخير)، الكتابِ، تنظيراً لافتاً حول الثقافة حصناً حصيناً؛ تلوذ به الأمّة في لحظاتها الأخيرة، وراهنتَ على الهُويّة رهانَ المجرّبين. كيف تحمل هذه الأجندة إلى الوزارة على مستوى التطبيق؟! عندي أنّ الثقافة هي الأكثر ثباتاً في هذه الحياة؛ بينما سائر الجوانب متحوّلة، لا تستقر على حال، وقصدتُ من كتابي(الجدار الأخير) أن ألفِتَ المهتمّين أنّ الثقافة سلاحٌ يصدق حين تضعف بقيّة الأسلحة، وأن أقول إنّها الأقدر على الدفاع عن نفسها؛ فهي جدارٌ أخير نحتمي به، وهي الضامن الوحيد لكي لا نسقط. وثقافتنا العربية، وبحمد الله، هي ثقافة غنيّة، بقيمها، والتفاف الأمّة حولها، فهي تحفزنا للدفاع عن تراثنا الذي هو عنوان هذه الهويّة. الجدار الأخير وقد تقصّيتُ في الكتاب قضايا ذات صلةٍ بالثقافة قابلة لأن تُترجم. أما عن تنفيذ ذلك إجرائياً، استناداً لكوني وزيراً للثقافة، فأنت تعلم أن انتماءنا للهوية العربية الإسلاميّة يحتّم علينا أن نعتني بها على صعيد تطبيق هذا الانتماء في أعمال وزارة الثقافة، ذلك أننا إذا عدنا إلى الدستور الأردني وجدنا فيه من الثوابت ما يتعلق بلغتنا وعقيدتنا؛ فهي من مكوّنات هويّتنا، بل هي عنوانها العريض. سنعمل، ولا أقول سأعمل، وسننطلق بروح المحبّة والعقل مع المثقفين والمفكرين وأصحاب الرؤى الحريصين على مصلحة هذا الوطن وهويّته نحو خدمة موضوع اللغة العربية، ولعلّ من أهمّ أولويات هذا الموضوع إقرار (قانون اللغة العربية) الذي يضمن تعزيز الانتماء العربي والقومي؛ فلغتنا ليست ألفاظاً أو مجموعة مفردات، بل هي وسيلة تفكيرٍ وتواصل، وهي وعاءٌ يحمل أفكارنا ويؤكّد شخصيتنا وهويّتنا التي نظّرتُ بشأنها في الكتاب. فسنتعاون مع مجمع اللغة العربية الأردنيّ وسائر المؤسسات الوطنيّة المعنيّة لتطوير قانون اللغة العربية، تمهيداً لرفعه إلى الحكومة لإقراره بمشيئة الله. من جانب آخر، وبما أن الثقافة من أهمّ أدوات التطوير والإصلاح، وبما أنّ الرسالة الملكيّة السّامية للحكومة أولت موضوع الإصلاح عنايتها، فإنّني سأركز على قضيّتَي الإصلاح المجتمعيّ ومحاربة الفساد؛ مستثمراً دور الثقافة المهمّ في تحقيق هذا الهدف. وتعلم أنّنا بالثقافة نضمن نتائج أفضل وآثاراً أطول وأرسخ وأعمق في هذا الموضوع، موضوع الساعة، الإصلاح. فالإصلاح المستند إلى الثقافة مصدره العقل والإقناع والحوار، ونحن مدعوون إلى هذا وتبنّي وسائله، وهي وسائل حضاريّة تنأى بنا عن كثير مما يستجدّ من عوائق التواصل التي هي نُذُرٌ مهمّة لنحتكم إلى منطقٍ يقبل به الجميع ويجد فيه حلاً مريحاً لا بدّ نجني ثماره ونحن تطلع علينا نزعات عنفٍ أو بوادر تشنّجٍ أو توتّر. فوزارة الثقافة مدعوّة إلى نشر خطاب العقل وتأكيد أهميّة الفكر والأدب والفن في حفز الجميع على تبنّي المنطق والحكمة في تداول الأمور. ولدينا في الوزارة مفرداتٌ تخفّض كثيراً من نزعات طارئة في العنف المجتمعيّ والانغلاق؛ بل هي مفرداتٌ تمحو الجوانب المظلمة فتتوهج بالضياء والتصالح مع الذات والمجتمع والمحيط، وذلك ما نؤكّده بالثقافة، فالغاية من المسرح، على سبيل المثال الذي يواصل أعماله مهرجاناً من لدن الوزارة، هي بعث الرقيّ والتأمليّة ونشدان الحب والوئام، وأنا واثقٌ أن فئات هذا الفن المهمّ الحضاريّ المُستهدفة تجد فيه ما يدفعها لإعادة ترتيب أوراقها والتطلع إلى الحياة بمنظار واثقٍ إنسانيّ، وكلّ ثيم المسرح إنسانيّة وإن تباينت طُرق التعبير. هذا الفن تدرك الوزارة أهميّته، مثلما هي تدرك أيّ فائدة كبيرة لقطاعاتها التي تشتغل مؤسسياً في مديرياتها لنشر الكتاب وتعميم الثقافة ودعوة الشباب للتعبير عن ذواتهم بالرسم والقراءة والأدب والسينما والحوار. فثمرة كلّ هذا هي انطلاق المجتمع من الثقافة التي هي معرِفة، أيضاً، وسلوك ينبني على ما نسعى لتأكيده في المحافظات وندعو به قطاع الشباب للمشاركة، وهو قطاعٌ عريض؛ أدرك أهميّته وضرورة دمجه من أكاديميّتي وإدارتي الجامعيّة، فأؤكّد جائزة الإبداع الشبابي في تنمية الوجدان ورقيّ التعامل من منطلق الكتابة. أنا معنيٌّ بزرع القيمة الإيجابيّة وتأكيد الهويّة واحترام اللغة ودعم الطاقات المبدعة، وربّما التفكير بمهرجانات تلبي ما نحتاجه في الغناء للطفل والوطن. والحقيقة أنني وأنا أتحدث عن الهويّة الوطنيّة الأردنية يُلحّ عليَّ أن أضع ثيمة التراث على طاولة البحث؛ فلا هويّة من غير تراث، هذا التراث بنوعيه الماديّ وغير الماديّ مهمٌّ عندي في استنطاقه وجمعه وتبويبه وتصنيفه واحترام مصادره من الحفظة والمسنّين أصحاب كلّ هذه التركات العظيمة من المذكرات والسِّيَر والدواوين وقصص الحياة، زد على ذلك ما لم ينشر مما كُتب، ربما، في بدايات القرن الماضي، فلم يطّلع عليه أحد. سنسعى، بمشيئة الله، لإفادة المجتمع بهذا التراث، فنتقصّى مخطوطاتٍ لم تُنشر تمهيداً لنشرها وتوزيعها على الناس بكلّ اهتماماتهم، وأجد أنّ هذا المسعى وسيلة مهمّة في حفظ الهويّة وتأكيد صبغة التراث الوطنيّ. التطلّعات كثيرة، ونحن مهتمّون بكل قطاعات المجتمع: الشباب والطفل والمرأة وكل العائلة المبدعة، وسنحرص على خدمة كل هذه الشرائح بتأكيد النشاطات الموجودة للاهتمام بها أصلاً، واجتراح الجديد منها. أنا حريصٌ مثلاً على مهرجان أغنية الطفل ومهرجان مسرح الشباب ومهرجان الأغنية ونفكّر بمهرجان للموسيقا لغةً عالميّةً إنسانيّة مميزة تدل على حضاريةٍ في إدارة واستثمار الثقافة لصالح الإنسان. وعوداً على مسابقة الإبداع الشبابي فإننا ننوي أن نجعلها متخصصةً كل عام في لون أدبيٍّ معيّن طموحاً نحو الإبداع وترشيقاً لمحاولات مبشّرة. أكاديميا مثقّفة صلاح جرار.. الأكاديمي.. الأديب.. صاحب فكرة ومستشار(أقلام جديدة)، مجلة الجامعة الأردنية المعنيّة بإبداعات الشباب؛ كيف يثري الأكاديميُّ المشهد الثقافي، ويؤثّر فيه؟!.. ولكم تجربة في التأسيس لإذاعة الجامعة الأردنية وكلّ هذا الحراك؟! هذا سؤالٌ مهم؛ وأعتقد أنه كان ينبغي الالتفات إليه منذ زمن، وإن كان من الباحثين والأكاديميين من تطرّق إليه، غير أنّني أقول إنّ على التعليم العالي أن يتبنّى رسالته الثقافية وعلى الجامعات كذلك أن تطبّق هذه الرسالة، لأنّ الفصل بين (الأكاديميا) والثقافة نذير تعطيلٍ وجمود وضيق أفق؛ فالأصل أنّ العلم ينطلق من قاعدةٍ ثقافية، كما أنّ المشروع العلمي الذي ينبني على رؤية ذات بعدٍ ثقافي هو المشروع الذي ينجح. ليس المشروع التعليمي وحده هو الذي يجب أن ينطلق من إطار ثقافي، بل إنّ كل ما نعيشه اليوم يجب أن يستند إلى فهمٍ ثقافي فكريٍّ صحيح، وقُبيل هذا اللقاء كنتَ تداولتَ معيَ (الربيع العربي) وكلّ هذا الحراك المصاحب على أكثر من جهة، فحتى هذا الربيع عليه ألا يكون هكذا خبط عشواء، لأنّ هدفه يجب أن يكون من وجهة نظر ثقافية، مبنيّاً على رؤية ثقافية فكرية للنهوض بثقافة الأمة وتأكيد رقيّها ومواكبتها وفهمها لعاتيات الدهر، ونحن نقول إنّ الأصل أن يكون المثقفون هم قادة هذا الخطاب الإصلاحي المُتَضمَّن، لأنّ الانطلاق بغير التنظير الثقافي الفكريّ إنما هو انطلاقٌ من اللاشيء، بل هو انطلاقٌ لا بدّ أن يظلّ وئيد الخطى، بل سيكون مصيره الفشل. وأنا لا أجد مسوّغاً لأن تتخلص الجامعات من مشروعها الفكريّ الثقافيّ تنظيراً وإجراءً، فلا تسمّى الجامعة جامعةً إن لم تتبنى رؤيةً وهدفاً، وهذا متعارفٌ عليه على مستوى العالم. من هنا، اسمح لي أن أنتقد معظم الجامعات الأردنية لتقصيرها في الجانب الثقافي، وأنا في الأساس ابن الجامعات أكاديميّاً وإداريّاً ومهتمٌّ جداً فيها بالمشروع الثقافي، وتجربتي في الجامعة الأردنية تؤكّد اهتمامنا بالشباب مثقفاً ومبدعاً ومبادئاً وصاحب منطقٍ وحوار. هذا التقصير، في الواقع، ينبني على اعتقادٍ من الإدارات الجامعيّة في كثير من الأحيان أنّ الثقافة هي أمرٌ هامشيٌّ أو يدخل في باب الكماليات، أو أنّه ربّما يكلّف الجامعات شيئاً من ميزانيّتها!.. تخيّلْ!.. أنا من المؤمنين بقيمة الثقافة لدى عضو هيئة التدريس والطالب معاً وصولاً إلى مجتمعٍ جامعيٍّ واعٍ يمنع كلّ هذا الارتداد إلى المواجهة بالعنف، والشواهد كما ترى كثيرة في هذه التوترات التي تنقلب إلى مشاجرات طلبة أو احتقاناتٍ كان الأولى أن تُفرّغ إبداعاً ثقافياً يصقل شخصة أبنائنا ويهذّب من سلوكهم، وهم يعتادون الفعل الثقافي في الحوار والتمثيل المسرحي وترجمة الفكر والأدب والفن واقعاً والانخراط في قضايا المجتمع الفكريّة والاجتماعية والوعي بأهميّة أن نكون يداً واحدةً للبناء الوطني والإعمار المجتمعيّ، بدلاً من أن نسهم في ظلّ غياب المشروع الثقافي أو الرؤية الثقافية في خلق بؤرٍ تستمرئ الاحتكام إلى اللامنطق، فتشيع الفوضى وتختلط حينها الأمور حتى على إدارات هذه الجامعات في حلّ كثيرٍ من الأزمات التي من أهمّها وأخطرها على الإطلاق (العنف الطلابيّ) الذي ربّما يتحوّل إن لم نتق الله في أبنائنا إلى عنف مجتمعيٍّ خطير. هذه الثقافة، وهذا فعلها، وصدّقني إنّ هذا ليس تنظيراً بعيداً عن التطبيق الفعليّ سواءً في الوزارة أو الجامعات أو في كلّ مؤسساتنا، بل إن شعور الطالب، في حالتنا الجامعية، أنه وهو يسهم في الوعي ويرشد الطلبة ويقرأ الشعر ويكتب لا بدّ يصبح بطعمٍ مميز؛ فكيف به بعد كلّ هذا أن يشارك في مشاجرة أو يتبنى أعمال عنف؟! علينا أن نتيح للطلبة أن يجلسوا على منصّة، وأن يحاوروا زملاءهم وأن يتبادلوا الرأي، بل أن يدخلوا المرسم الجامعي وينخرطوا في فريق المسرح و(كورال) الجامعة ومسابقات الفن والأدب، وساعتها ستجد أنّ لديهم الكثير مما يسعون لتحقيقه حتى بعد تخرجهم من الجامعة، فمستقبلٌ ووطنٌ وأمّةٌ بانتظار هؤلاء، فإن لم يتسلحوا بالفكر والثقافة والوعي وهم على مقاعد الدراسة، فمتى يضطلعون بهذا الدور؟! في مواقعهم هل نصل إلى حالة يكون فيها موظّفو الوزارة ومدراؤها وزراء في مواقعهم؛ فلا تنقطع الخطّة الثقافية بأجندات الوزراء المتعاقبين؟!.. المعنى أنني أحاول، في ظلّ المهام التقليدية للوزارة، بلوغ حالة من الانسجام، يكون فيها الوزير صاحب الرؤية هادياً وموجّهاً وبشيراً بالأفق، ومستقطباً للوزارة أفكاراً مهمّة، من مثل قانون اللغة العربية الذي أشرتَ إليه. هذه ليست مشكلةً خاصّةً بوزارة الثقافة وحدها، بل هي مشكلة عامّة في كل الوزارات والإدارات. وأعتقد أن الأجندات الوزارية يمكن أن تتكامل، فالوزير ومع أنه صاحب رؤية، إلا أنّه يكمّل خططاً ومشاريع سابقة ويؤكّدها، ويضيف إليها من واقع أجندةٍ موضوعيّة تجيئ استجابةً للتجديد أو العناية بهذه القضية أو تلك. ومع الأسف، فكثير من الخطط ربما ينقطع من عهدٍ وزاريٍّ إلى آخر، ولكنّي معنيٌّ بأن تظل المؤسسية هي الحاكمة في سير أعمال الوزارة، مثلما تبقى الأنظمة والقوانين والتشريعات قنوات مهمّة نحتكم إليها في الوزارة. كيف للمدراء أن يصبحوا وزراء في مواقعهم؟!.. هذا سؤالٌ طيّب، ويؤطّر لحالة إخلاص المدراء لمديرياتهم وتنفيذهم رؤية الوزير بالتشاركية وتداول ما يستجد. لن أغلق بابي بوجه مدير، كما لن أكون مستبدّاً بالرأي؛ فلدينا عملٌ مهم وأجندة صادقة كما قلتُ لك في دعم اللغة العربية بإقرار قانون يحفظها، ولدينا احترامٌ للدور الأكاديميّ والعلميّ المنهجيّ في إثراء الوزارة والتعامل معها، كما أننا معنيّون بحل كل ما يعترض سبل نشر إصدارات الوزارة ومجلاتها. فهي خططٌ مستمرّة وأفقٌ تشاركيٌّ ينسجم مع العرف الإداريّ في وزارة الثقافة. هذا التشارك بين مديريات الوزارة وفي لقاءاتنا الموظفين يؤكّد روح المسؤولية والعمل الجماعي، ويدفع نحو الإنجاز وتسريع البتّ في أعمال الوزارة اليومية والمستجدّة. كتب ومجلات لا بدّ أن رأياً لديك في معضلة تسويق الكتاب؛ وسط حالةٍ من النكوص القرائيّ للناس، فوزارة الثقافة تقوم بمشروعات تثمر عن محازن من الكتب والمجلات، كيف ستواجه مشكلة التسويق هذه، بالرغم من جهد الوزارة الواضح في إهداءآتها ومعارضها المستمرة؟! دائماً أقول إنّ المهم ليس في أن تُصدر كتاباً، بل في أن تسوّق هذا الكتاب. وهي قضيّة، بالفعل، تحتاج إلى التفكير بوسائل جديدة لتسويق منتج الوزارة الورقي، وهو منتج يشمل المجلات التي تصدرها الوزارة أو الكتب التي تتوافر عليها بحكم النشر أو الدعم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ إصدارات مكتبة الأسرة الأردنية(مهرجان القراءة للجميع)، يتطلّب تفكيراً مستمراً لتسويقه وزيادة نسب نفادِه الطيّبة، وهو مهرجانٌ، كما تعلم، لقي إقبالاً مميزاً لتدني سعر بيعه، أو لرمزية هذا السعر الذي هو ضئيلٌ جداً، وتدخل الوزارة فيه بصفةٍ غير تجارية، بل بالصفة الثقافية الاجتماعية التي تتوخى نشر الثقافة بكل حقولها المتخصصة والعامة لدى (الناس)، وليس فقط لدى المثقفين. لكنّ هذا كلّه يحتاج إلى ألا نكون مهووسين بالفكرة بعيداً عن تصريف الفائض!.. فتوزيع الإصدار، ومع أننا نأخذ بحالة الوعي المجتمعي في القراءة وتداول الكتاب أو بمدى أهميّة الثقافة لدى المجتمع بعمومه، إلا أنّ التوزيع يجب أن ينبني على قاعدة واضحة، وهي قاعدة مطبّقة في الوزارة، أسعى لتأكيدها والتفكير بما يسرّع نشر الثقافة بالكتاب. نوزّع 50% على شكل إهداءات للمؤسسات والأفراد، وفي حالة بيع النسبة المتبقية فلن نغالي في سعر الكتاب، بل سيكون في حدوده الدنيا الرمزية التي تحفز على زيارة معارض الوزارة وتداول إصداراتها. أنا لا أقول إنّ الأمر سهل، فهنالك ظروفٌ ربما تتقلّب في رواج الثقافة داخل المجتمع أو كساد سوق الكتاب، ولكن، سأعمل جادّاً ألا أترك كتاباً واحداً في المخازن أو المستودعات، سنقيم معارضنا وسنهدي الجمعيات والنوادي والمؤسسات والجامعات والمدارس والوزارات وسيكون لنا دورٌ عربيٌّ وعالميٌّ في معارض الكتاب. قيمة معياريّة لماذا نُصرّ دائما على أن وزارة الثقافة هي الأنموذج الذي تقاس به النماذج الثقافية، أو هي القيمة المعيارية التي يجب أن تصل إليها مجموعة القيم؟!.. فبمجرد تداول أمانة عمان، أو شومان، على سبيل المثال، وغيرهما من المؤسسات الوطنية لمعنى (الثقافة) النظري يجعل من اليسير عليها أن تتقمص الدور، أو تقنع المهتمين وأصحاب القرار بلعب هذا الدور!.. هل لوزارة الثقافة براءة امتياز معنوية على أذهان المثقفين والكتاب ليظلوا يتوافدون عليها، بالرغم من تأخّر(السقف)، أو الشح المالي في كثير من الأحيان؟! وزارة الثقافة ستظلّ مهوى أفئدة المثقفين والكتاب والمبدعين، وهي، وعلى الرغم من ظروفها المالية التي يمكن أن تتأرجح بين الزيادة والنقصان، إلا أنّها ما تزال صاحبة الحضور الأقوى في اجتذاب المثقفين وفتح الآفاق، فهي الراعية الرسمية لهذا الفعل. صحيحٌ أنّ هنالك جهات وطنية تخلص للفعل الثقافي وتتبنى نشره وتخصص لذلك ميزانيات طيبة، إلا أنّ ذلك لا يعني أن دور الوزارة قد تضاءل أو أصبحت ثانويّةً في هذا المجال، فهي قد تعلّقت بها قلوب المثقفين والأدباء والفنانين لدرجة أنّهم باتوا لا ينقطعون عنها بحال، بل أصبحوا مشاركين وحاملين لأجندتها ومتعاونين مها تعاوناً يؤكد ما نكرره دائماً من أنّ الوزارة لا تصنع الثقافة، بل ترعاها، وتوجّهها، وتنسق بشأن تحقيقها فلسفة الوطن على الصعيد الثقافي. نحن نريد من الجميع أن يعذر الوزارة إن وجدها تتبع سياسة ترشيدٍ ماليٍّ في ظلّ مهامها الكبيرة ومشروعاتها الرائدة المتنوعة، ونحن في هذا السياق نشكر كل المهتمين بالفعل الثقافي من البنوك والمؤسسات الأهلية والحكومية، ومن بين هذه المؤسسات، كما أشرتَ أمانة عمان ومؤسسة عبدالحميد شومان والبنوك التي تهيّأت للفعل الثقافي وباتت تقنّن له على الصعيد المؤسسي. فهي مؤسسات تتشارك معنا وتنسّق بشأن خدمة الثقافة وتنفيذ الأجندة الوطنية في تعميم الثقافة. وقد تشاركنا في مشروع مكتبة الأسرة الأردنية وعبر دوراته الماضية وفي هذه الدورة مع مؤسسات داعمة ومُباركة للمشروع، منها أمانة عمان ومؤسسة عبدالحميد شومان، وهما من المؤسسات التي تكوّنت لديها الخبرة في العمل الثقافيّ على صعيد المكتبات ونشر الوعي الثقافي الفني والأدبي بالمحاضرات وغيرها من وسائل دعم الثقافة. رسالة هل من كلمة للمثقفين في ظلّ إحباطاتٍ تتوالى وفوضى يزخر بها المحيط؟! المهم جداً الذي أحرص عليه هو أنني أناشد إخواني من المثقفين والكتاب والأكاديميين أن يتضافروا جميعاً في أداء رسالتهم الفكرية، خصوصاً ونحن في وقتٍ حرج لا يجوز للمثقف فيه أن يتقاعس عن أداء دوره. نحن في مرحلة إصلاحٍ حقيقيٍّ ينطلق من الرؤية الفكرية، وهي مرحلة تطوير، ليست فقط رغبةً شعبيّةً، وإنما إرادة ملك، نشترك في حملها جميعاً على الصعيد المؤسسيّ لنقنع كل شرائح الوطن بجداوها وفي الوقت ذاته لنضع الأسس الصحيحة في تنفيذها وفق قواعد المنطق ومصلحة الوطن. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الإثنين 21-11-2011 05:55 مساء
الزوار: 1644 التعليقات: 0
|