عرّج التلهوني على المؤتمر الثقافي الوطني الشامل(الثقافة والمتغيرات) الذي نفّذته وزارة الثقافة مؤخراً، وعرّف بمستخلصاته، كما تحدث عن ثمار خطّة وزارة الثقافة حتى عام ألفين وسبعة عشر، منتهياً إلى التذكير بأعمال وزارة الثقافة في مشاريعها الدائمة والمستجدة.
تالياً الحوار:

تؤدي المراكز الثقافية دوراً مهماً في المحافظات والأقاليم البعيدة. في سياق اكتمال مركز ثقافي معان الذي جايلناه مشروعاً على الورق ثم بناءً متعثراً.. ثم مبنى نحتفل به اليوم ليلمّ إبداعاً في معان وجوارها وقراها وكلّ هذا المزيج الراغب بالتعبير. هل من نيّة لتعميم التجربة والاستفادة من الثمار؟!
 هذا ما يعرف بالبنى التحتية الثقافية، وفيها تمّ استكمال بناء وتجهيز مراكز ثقافية في إربد ومعان، كما تتجه النيّة إلى تنفيذ مراكز ثقافية في مختلف قصبات المحافظات بما هو متاح من مخصصات.
ويفرحنا في وزارة الثقافة أن نجد الجميع في هذا الوطن الغالي يقترب من الوزارة، ويسأل عن آلية عملها، ويستفيد من ثمار مشروعاتها المتصلة المهمّة، والواقع أنّ الفعل الثقافي اليوم وهو يمتد إلى كل الوطن ويصبح مشروع حياة إنما يبعث فينا الرغبة لنطوّر ونعمل ونشتغل على المشاريع الجادّة لنشر فلسفة الثقافة.
 على أنّ الأقاليم والمحافظات كثيراً ما تنظر إلى الفعل الثقافي منصبّاً فقط على العاصمة، فتكون الشكوى ويزداد الطموح لنخب ثقافية من أبناء هذه المحافظات لكي تحتفل هي الأخرى وتقيم نشاطاتها في مراكز ثقافية تكون مهيّأة لهذا الغرض، لما تهيؤه هذه المراكز من خصوصية وقرب جغرافي وتمثيل لا يكون موسمياً في مراكز العاصمة الثقافية التابعة للوزارة أو لغيرها من المؤسسات الوطنية.

البنية التحتية
ومع  ذلك؛ فإنّ مشروع المدن الثقافية كشف لنا أنّ قاعات البلديات ومقار الهيئات الثقافية والساحات العامة المتسمة بالخصوصية التراثية  يمكن أن تكون وعاءً طيباً لنشاطات هذه المحافظات، زد على ذلك قاعات مدارس التربية والقاعات التي يمكن أن يوفّرها القطاع الخاص، وهو القطاع الذي تبيّن لنا أنّه يمكن أن يكون رديفاً مهماً لدور مديريات وزارة الثقافة في المحافظات، وهو فقط يحتاج توضيحاً لأهمية الثقافة في التوعية وحفظ الموروث والرقي بالسلوك وتنميته للبناء والتشارك.
لكن تبقى المراكز الثقافية ذات طابع وجداني مهم في المحافظات والأقاليم؛ تتسمى باسم المحافظة أو رجالات الدولة أو معالمها الأصيلة، ثمّ إنها مراكز تتجدد فيها الأنشطة وتستجد وتمثّل المحافظة وجوارها وتستقطب الناشئة نحو الأثر الثقافي لاتخاذه سلوكاً يومياً، الأثر الذي هو غاية وزارة الثقافة في مخاطبتها كل الوطن، ليظلّ أبناؤنا لبنات بناء، لا ننقطع عنهم في كلّ مشروعات الوزارة المتنوعة التي تعرفها أنت ويعرفها أبناء هذه المحافظات في زيادة عادة القراءة وتنمية الموروث والمحافظة عليه.
وتعلم أنّ أيّ مركز ثقافي لا بدّ أن يخضع لميزانيات في بنائه وتنفيذه، وهو ما يضع الوزارة في مرحليّة الفكرة والشروع بالتنفيذ وتجاوز كل معضلات التنفيذ في تدبير المبالغ اللازمة وإقناع الجهات والمؤسسات الوطنية بجدوى التمويل والاستثمار بجيل مثقف، نعلم أنّه يتحيّن الفرص لحضور أنشطة العاصمة والإسهام فيها. والحمد لله، فإنّ مركز معان الثقافي يكتمل الآن بانتظار حفل الافتتاح، وفي إربد تكتمل التجربة إن شاء الله، وفي كل محافظاتنا نحن بصدد قراءة الزخم الثقافي والتفات الناس إلى الثقافة، وذلك يدخل عاملاً مهماً في أولوية بناء مركز ثقافي في هذه المحافظة أو تلك.

المدن الثقافية
لكنّ مشروع المدن الثقافية ما يزال مستمراً، ومهرجان القراءة للجميع أو (مكتبة الأسرة) كذلك، ومديريات الوزارة تقوم بعملها، وكلّ ذلك يعطينا وأعطانا المؤشر الحقيقي عن الفعل الثقافي الحقيقي والرغبة العارمة بالنشاط الثقافي أو عدم الالتفات إلى هذا الفعل، وهو ما قرأناه من واقع التغذية الراجعة وتقارير مديرياتنا المتواصلة في أنشطتها ومشاريعها، حتى أنّ اختيار هذه المدينة أو تلك مدينة ثقافة لا يكون اعتباطاً، بل بناءً على دراسة الفرص والمعيقات والثمار وكيفية التغلب على العوائق وعدد الهيئات الثقافية وفاعليتها ووجود البنية التحتية لممارسة النشاط الثقافي.
الفرصة مطروحة لنعمل على ترميم مبنى تراثي قديم  في هذه المحافظة أو تلك ليكون مركزاً ثقافياً بكلّ ألقه التراثي والمعنوي، كما أن الفرصة مطروحة، أيضاً، لشراء أو بناء مقار مناسبة لهذا الغرض، وأنا دائماً أقول إنّ الأهم من بناء المقر الثقافي هو مدى استمرار النشاط ووجوده أصلاً، وهذا يتبع قولنا (هل يؤمن المجتمع بالثقافة؟!).. أعتقد أنه يؤمن بالثقافة جيداً في ظلّ التقانة الحديثة والتواصل الإلكتروني، وهنا فإنّ المثقفين والوزارة رعاة حقيقيون لهذه الثقافة، التي قد تتحول باتجاهات شتّى إن لم نلتفت إليها ونقرأها القراءة الواثقة التي تنسجم معنا مجتمعاً عربياً إسلامياً يخاف على هذا الوطن.

الثقافة والمتغيرات
ما دمنا نتحدث عن تأثير الفعل الثقافي في (الناس) وحفزهم على استلهامه وتمثّله؛ هل حقق مؤتمر الثقافة الوطني الشامل (الثقافة والمتغيرات) هدفه، وقد كان قام على محاور مهمّة في الثقافة والآخر واقتصاديات الثقافة والأمن الثقافي والثقافة الرقمية وغيرها؟!.. هل وصل تأثيره واستفدتم من مؤشراته وجمهوره وتوصياته؟!
هذا المؤتمر كان غنيّاً بحجم مواضيعه التي درستها نخبة متخصصة وممارسة في الأوساط الثقافية والإعلامية والأكاديمية، وقد وقفنا فيه على محاور نعتقد أنها كانت موضوعيّةً، من واقع أوراق المؤتمر الموضوعيّة المكاشفة وذلك النقاش الذي كان يغلّف كل جلسة من جلسات المؤتمر: الثقافة المجتمعية، والاستراتيجية الوطنية للثقافة، والثقافة والآخر، والأمن الثقافي، واللغة العربية ومتغيرات العصر، والثقافة الرقمية. وهي جلسات أعطت فكرة كافية عما تعانيه الثقافة تنظيراً وعلى مستوى التطبيق.
وقد قمنا بجمع نقاشات هذا المؤتمر وجلساته بحياديّة وقراءة موضوعيّة ووقفنا على ما بأذهان حضور المؤتمر وجمهوره من فهم لـ(الآخر) على سبيل المثال، ومفهوم الثقافة المجتمعية، وبالطبع، فقد كانت تدور نقاشات وتتفرع مواضيع أسهمت في تشكيل الصورة واقتراح الحلول.
هذا سيكون في كتاب يقرؤه المهتمون ويصدر عن وزارة الثقافة، ونأمل أن يكون هذا المؤتمر سنوياً من واقع الترحيب الذي لقيه أثناء طرح فكرته وحين التحضير له وأثناء انعقاده.
في المؤتمر وقفنا، من واقع توصيات باحثيه ومنتديه، بحياديّةٍ تامّة، على أهميّة إعادة تفعيل صندوق دعم الثقافة والفنون لما له من دور كبير في دعم الحركة الثقافية الأردنية على مختلف الصعد، وضرورة استكمال إقامة بنى ثقافية تحتية ( مراكز ثقافية)في مختلف محافظات المملكة لاستيعاب الفعاليات والأنشطة وتفعيل الحراك الثقافي. 

تشريعات ثقافية
ووجدنا أنّ تطوير التشريعات الثقافية مهمٌ جداً لمواكبة التطورات ولتكون قادرة على حماية الثقافة وتفعيل دورها في المجتمع، كما تأكّد لنا أنّ دعم قطاع الفنون يمكّنه من النهوض برسالته في تنمية المجتمع وتعزيز قيمه، كما أنّ إنشاء مجلس أعلى للثقافة والفنون إلى جانب وزارة الثقافة يسهم في دعم المبادرات والمشاريع الثقافية والفنية، وفق أسس ومعايير مدروسة وعادلة.
وفي المؤتمر الذي نأمل أن يُعقد بشكل دوري، فتختص كل دورة بسؤال ثقافي محدد، أكّدنا ضرورة الاهتمام باللغة العربية ورعايتها وإصدار قانون ( حماية اللغة العربية )، لما لهذا القانون من دور في الحفاظ على هويتنا القومية في مواجهة تغَوّل الثقافات الأخرى.
وخرجنا بتوصيات تكريس التنمية الثقافية في الخطط والبرامج ومراعاة التنسيق بين الجهات المعنية (الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص) وضرورة وجود لجنة مهمتها التنسيق بين هذه الجهات، والاهتمام بثقافة الطفل وثقافة الشباب بوصفهما عماد المجتمع وعنوان مستقبله.
من توصيات المؤتمر ضرورة توجيه وسائل الإعلام للاهتمام بمختلف مجالات الحياة الاجتماعية ونشر الأفكار والمعرفة التي ترقى بسلوك الفرد وتحارب كل نزعات الانحراف والسلوكيات البعيدة عن قيم المجتمع، ودعوة المؤسسات الاقتصادية الوطنية لتمارس مسؤولياتها في الإسهام بالتنمية المجتمعية من خلال تقديمها الدعم للعمل الثقافي.
 ومن ثمار هذا المؤتمر تقديم الدعم والرعاية للصناعات الثقافية على اختلاف أصنافها ومنحها الإعفاءات على مدخلات الإنتاج وتخفيض الضرائب، وتقديم الدعم والرعاية الممكنة بأشكالها كافة للمثقفين والمبدعين الأردنيين من كتّاب وأدباء وفنانين وغيرهم. وتفعيل الدور المجتمعي للجامعات والمؤسسات الأكاديمية الأردنية وعدم حصرها ضمن أسوار الجامعة وتعزيز البحث العلمي لدى الطلبة، والاهتمام بتوثيق التراث والتاريخ الوطني وتعميمه بالوسائل المتاحة، وخاصة من خلال الأعمال الفنية.
 خرج المؤتمر بتوصية إنشاء فضائية ثقافية أردنية للترويج للثقافة والمثقف والفنان الأردني ومساعدته على تقديم منتجه على الملأ، وعقد مؤتمر وطني للهيئات والروابط والاتحادات الثقافية والفرق الفنية، وتقديم الدعم المادي لهذه المؤسسات، وصياغة استراتيجية وطنية للثقافة تكون قادرة على النهوض بالشأن الثقافي وتدعيم الاقتصاد الوطني.
 ووصى المؤتمرون بذل أقصى العناية والاهتمام بالمكتبة الوطنية ومشاريع توثيق التراث المخطوط والمادي والمعنوي، وإيلاء ثقافة الطفل ومجلات الأطفال وإبداعات الطفولة أقصى درجات الاهتمام، وإعادة تقييم برامج وزارة الثقافة ومشاريعها وتقديم الدعم للمشاريع التي تخاطب شرائح المجتمع وخاصة مشروع مكتبة الأسرة الأردنية ومضاعفة عدد العناوين والنسخ المطبوعة من كل عنوان، ووضع آليات جديدة لاختيار العناوين لإعادة نشرها. 
ووجدنا أهميّةً كبيرةً في زيادة المخصصات المالية لوزارة الثقافة لتمكينها من القيام بالمهام والواجبات المنوطة بها، واستثناء وزارة الثقافة من قرار وقف التعيين من أجل الاستفادة الأوسع من الطاقات الثقافية والإبداعية والإدارية في المملكة.

ثقافة رقمية
وفي ما يتعلق بالثقافة الرقمية كانت توصية مهمة بعقد دورات وورش عمل متخصصة في الثقافة الرقمية، تقوم على تنظيمها وزارة الثقافة بالتعاون مع دور خبرة ومراكز متخصصة في المعلوماتية والثقافة الرقمية إضافة إلى عقد مؤتمر متخصص في الثقافة الرقمية، وتشجيع النشر والكتابات التنظيرية في مجالها، وتوسيع دائرة مجالات الدعم في الوزارة لتشمل تطوير المواقع الالكترونية الشخصية للمبدعين الأردنيين، والصحف الثقافية الالكترونية، ومواقع الهيئات الثقافية. 
وفي السياق كانت توصيات بجوسبة إصدارات الوزارة من كتب ومجلات بحيث تكون متاحة على شبكة الانترنت، وبإخراج حضاري، بحيث يمكن تصفحها الكترونيا. وإعداد دراسة موجهة لرصد المحتوى الثقافي الأردني على شبكة الانترنت، وتقييمه، ورصد الجوانب السلبية والإيجابية فيه، وأفضل الطرق لتقديم منتج ثقافي راق باستخدام هذه الشبكة.
 وفي ما يخصّ اللغة العربية في خضم العولمة كانت توصية بتعزيز العلاقة مع مجمع اللغة العربية للخروج بتصور حول آليات الحفاظ على اللغة العربية في ظل توسع دائرة استخدام الفضاء الرقمي، والمصطلحات التي يفرضها هذا الواقع الجديد. والبدء ببرنامج وطني لمحو الأمية التكنولوجية لدى الكبار في الأردن، وذلك بتأسيس مراكز لتعليم الحاسوب واستخدام شبكة الانترنت والتكنولوجيا الأخرى، بالتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة والمنظمات الدولية ذات العلاقة. 
من نتائج المؤتمر توصية بوضع سياسة وطنية شاملة تغطي كل ما يتعلق بالمعلومات والتقنيات تضمن الحفاظ على الهوية الوطنية، وتضمن حرية الوصول إلى المعلومات المطلوبة لمن يريدها من المستفيدين. والنظر في إعداد دليل أخلاق للمعلوماتية والبرمجيات على مستوى الدول العربية، وحث الحكومات العربية على إصدار التشريعات الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلف في ظل البيئة الإلكترونية. واقتراح مشروع قانون لجرائم المعلومات لعرضه على الجهات المختصة، وتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر ومراجعتها كل ستة أشهر ورفع تقريرها للمعنيين. 
وهي توصيات كما ترى جادّة؛ نأمل أن تلقى العناية والدعم والتنفيذ؛ ففيها الموضوعي الذي يجيء استجابةً للتغيرات التي تصيب المشهد المجتمعي كلّه، وبالتأكيد فإن الثقافة ليست استثناءً من هذا التأثير؛ ولذلك أطلقنا عليه اسم مؤتمر(الثقافة والتغيرات).

خطة استراتيجية
هذا يعطينا مؤشراً على مدى تقدّم الثقافة على أجندة الدولة والأفق الذي يمكن أن يدركه السياسي والاقتصادي و(الناس) في أحقيّة الثقافة أن تتسيد المشهد الحياتي؛ انطلاقاً من أنّ كلّ شيء إنما تصدّره الثقافة ويعود إليها في نهاية المطاف. ضعنا بصورة الخطة الاستراتيجية الخمسية للثقافة في فترة(2013- 2017)؟!
أولاً انطلقنا في عمل الخطة من أهمية الثقافة في حياة الشعوب؛ بصفتها واجهة حقيقية للأمة وعنوان كبير الأهمية لهويّتها وشخصيتها، تحمل الفكر والعقيدة والتراث والذكريات والتطلعات والمبادئ والقيم والعادات والتقاليد، ونستند إليها في مواصلة التقدم واعتماد نماذج التنمية والتطوير.
ثمّ أخذنا في حسباننا أنّ هذا القرن بكلّ تطوراته المعلوماتية والثقافية هو حافز لكي نستعدّ لمستجداته ونقرأها ونحضّر للقادم من التغيرات؛ فكان مؤتمر الثقافة الوطني الشامل (الثقافة والتغيرات) الذي أشرت إليه، وكانت مواكبة الوزارة لكلّ هذه التطلعات.
جاءت خطة 2013-2017 لتعكس هذا الإحساس الوطني بأهمية الثقافة وإيلائها العناية التي تستحق، وهي خطّة أملتها علينا، أيضاً، ظروف العالم العربي في تحولاته وأحداثه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التحولات التي يجب أن يكون للثقافة في صوغها الدور الكبير، لئلا تميع الأمور هكذا، أو تنطلق من دون فكر.
هذه الخطّة جاءت بسببٍ مما يشهده بلدنا من إجراءات الإصلاح على كلّ الصعد في السياسة والتعليم والاقتصاد وفي الحياة الاجتماعية والتعليم، فليس من المعقول أن تظلّ الثقافة واقفةً على الحياد إزاء كلّ هذا التغيير والتطوير، بل إنها المسؤولة عن كلّ ذلك، من واقع أنها المظلة الكبرى كما تعلم لكلّ متغيرات الحياة.
عام 2016 سنحتفل جميعاً بحلول الذكرى المئوية الأولى لانطلاق الثورة العربية الكبرى، بما فيها من مبادئ ووحدة ودعوة نحو الاستقلال، ولا يختلف اثنان على ما لهذه الذكرى من ألق نفسي أردني وعربي، فكان أنّ الاحتفال الثقافي ينبغي أن يحمل الحدث التاريخي بأصرح عنوان، فهي مكتسبات وطن وأمّة. ثمّ إنّ عام 2017 سيشهد عمان عاصمةً للثقافة الإسلامية، وهي مناسبة طيّبة الأثر على المستوى العالمي والإسلامي، إذ سينعقد في عاصمتنا الحبيبة المؤتمر العاشر لوزراء الثقافة لدول العالم الإسلامي. وهاتان مناسبتان جديرتان بالاحتفاء الثقافي والاستعداد الفكري واجتذاب المؤسسات الثقافية وتدريبها وتهيئتها لهذا، أضف إلى ذلك أننا ننادي بالتنمية الشاملة التي لا يمكن أن تستمر من دون الوعي الثقافي والأرضية الفكرية التي تدعم هذا الفعل.
مفردات الخطة متعددة؛ ولكني سأجملها بخطوط عريضة، منها أننا نعمل على أن تكون الثقافة والفنون أولوية من أولويات مجتمعنا، فنتوافر على حراك ثقافي شامل لكل المحافظات والأقاليم في المسرح والسينما والشعر والرواية والتشكيل ومعارض الكتاب والمهرجانات والندوات، لكي يتشرب هذا الجيل الثقافة وقد وصلت إليه، فتتفعل قيم الإخلاص والبناء والانتماء والتعاون بتفعيل دور الفعل الثقافي في التنمية الشاملة المستدامة، مثلما تتعزز القيم الإيجابية في التخفيف من التعصب والتطرف والغلوّ، وفي نبذ العنف، وحلول التسامح والتعاون والمحبة والإيثار؛ فتقوى الجبهة الداخلية وتراعى المصلحة العامة ويشيع الانسجام ويتعزز التماسك بين الجميع.
في هذه الخطة أكّدت الوزارة توجيه الأعمال الثقافية والفنية في الارتقاء بوعي المواطن وتعزيز انتمائه ودافعيته 
وإنتاجيته وتعزيز قيمه الإنسانية في الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام التنوع الثقافي والرأي الآخر وتقريب المفاهيم بين الناس؛ فتكون الثقافة والفنون وسائل بناء لا أدوات هدم. 

هوية ومضمون
كما أكّدنا أهمية الحفاظ على هوية الأمّة ومنجزها الحضاري والعلمي وتوثيق تراثها المادي وغير المادي والارتقاء بالذائقة الفنية والجمالية لدى المواطنين بالاستفادة من جوهر الثقافة والفنون ومضامينها. أردنا تعزيز دور العقل في بناء الأردن الحديث وأردن الغد والكشف عن مواطن الإبداع الفكري والثقافي والفني وتطويره ورعايته، ونشر النتاج الثقافي والفني خارج حدود بلدنا والتعريف بتراثنا وثقافتنا للصديق والشقيق والاستفادة القصوى من المنجز العلمي العالمي في التكنولوجيا والمعرفة في التنمية الثقافية وتطوير العمل الثقافي والفني، وإيجاد صناعة ثقافية وطنية تميز الأردن عن غيره ويشتهر بها. ولذلك فلا بدّ من تطوير السياحة الثقافية في توفير المسارح والمتاحف والمعارض والتسويق المدروس لذلك، وتعزيز دور الثقافة والفنون في تعظيم العناصر المشتركة بين أبناء المجتمع لتكون عوامل تماسك ومنعة ووحدة وصمود. 
سعينا إلى التعريف بالحضارة العربية الإسلامية ونشر رسالتها وإبراز دور الأردن في مسيرتها وتوفير فرص لقائها وتفاعلها مع الحضارات الإنسانية الأخرى. وأدرجنا في هذه الخطة أهمية تعديل التشريعات الثقافية لتحقيق أهدافنا الثقافية، في ظل قانون تتعزز مكانته في حياة(الناس) ويتم القضاء في ظلّه على كلّ مظاهر الواسطة والمحسوبية والمحاباة، وإيلاء الحوار أهمية بالغة في فضّ النزاعات والتقريب ومكافحة نزعات العنف والتطرف والمغالاة. 
وأدرجنا أهمية الحفاظ على البيئة مما يمكن أن يؤدي إلى تلويثها سمعياً وبصرياً وغير ذلك، وتعزيز الكبرياء الوطني والثقة بالقدرات الذاتية للمجتمع، وتعزيز الثقة بين سائر مكونات المجتمع الأردني وتخفيف التأزم والتوتر بين شرائح المجتمع أو بين المجتمع ومؤسسات الدولة، وتشجيع المنافسة البناءة داخل المجتمع الأردني والمجتمعات الأخرى، والمحافظة على اللغة العربية بوصفها مكوناً رئيساً من مكونات الهوية الوطنية والقومية ورابطاً أساسياً من روابط الأردن بأشقائه العرب والمسلمين، والعمل على تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الثقافة ودورها في التنمية في سائر مجالاتها والعمل على تعزيز مكانة المثقف والفنان في المجتمع الأردني.
ولذلك وسائل متعددة، منها توفير البنى التحتية المناسبة والكافية في مختلف محافظات المملكة من مسارح ومكتبات ومتاحف ومعارض وقاعات محاضرات وصالات عرض وأجهزة وتجهيزات ومختبرات ومدربين ومصادر معلومات ومراكز ثقافية وهيئات ثقافية. ومنها العمل على تحقيق التشاركية بين سائر المؤسسات الوطنية ذات الصلة بالعمل الثقافي والفني كالمدارس والجامعات والمؤسسات الإعلامية والثقافية من أجل تحقيق التكامل في أدوارها ورسالتها التربوية والاجتماعية والتوعوية، وزيادة مراكز تدريب الفنون، وتنظيم مسابقات إبداعية، وإقامة المهرجانات بالتوزيع العادل، وإنشاء دائرة ثقافية أو قسم ثقافي في كل وزارة أو مؤسسة عامة أو خاصة وتخصيص نسبة محددة من ميزانية كل وزارة أو مؤسسة لدعم النشاط الثقافي والفني.
ومن وسائل تحقيق الخطّة السعي إلى إقرار قانون الحفاظ على اللغة العربية، ودعم المكتبة الوطنية والارتقاء بها، وتطوير معايير الحكم على الأعمال الثقافية والفنية لنرتقي بمستواها ونطور الذائقة الفنية والجمالية بشأنها، وإعداد الدراسات والتقارير والاستطلاعات التي ترصد واقع الثقافة والفنون في بلدنا وخارجها من أجل الاستعانة بها على التخطيط السليم للعمل الثقافي.

إعلام ثقافي
 وهذا يرتبط بتفعيل دور الإعلام الثقافي، ودعم الندوات والمؤتمرات الثقافية والفنية، ودعم النشر، والاهتمام بالترجمة، وعقد الاتفاقيات الثنائية للتبادل الثقافي والفني مع الدول الشقيقة والصديقة، وعقد المؤتمرات الدولية والمشاركة الفاعلة فيها. واستيراد تكنولوجيا المعرفة لخدمة الثقافة الوطنية، وتطوير صناعة السينما وترويج بلدنا سياحياً، واستكمال إصدار المعاجم والموسوعات، ودعم الهيئات والمؤسسات الثقافية، واستحداث برنامج الدراسات الثقافية الجامعية الأردنية، ونشر التراث الأردني المخطوط، والحفاظ على الذاكرة الوطنية وتأهيل العاملين في حقل الإدارة الثقافية وحوسبة العمل الثقافي وتشجيع الاستثمار الثقافي ونشر الكتاب الأردني.
في بانوراما مختصرة أرجو أن نذكّر القراء بأهم مشاريع وزارة الثقافة عملياً.. حتى نقرّب مفهوم العمل المؤسسي الثقافي لأذهان المتعاملين.
تقوم الوزارة على أعمال ثابتة ومشاريع ذات أمد معيّن ويمكن أن تنظر الوزارة في مشاريع مستجدة أو تدمج مشاريع سابقة في مشاريع موجودة او لاحقة. كل ذلك تبعاً للظرف المالي والدراسة التي تجريها الوزارة نفسها لمشاريعها كل فترة.

مكتبة الأسرة
ولا بأس من التذكير: مشروع مكتبة الأسرة الأردنية(مهرجان القراءة للجميع)، وفيه نطبع ما يقرب من خمسين عنواناً بواقع ربع مليون نسخة توزع على المحافظات في أيام معينة من السنة. ومن واقع استماراتنا فقد كانت نسبة الإقبال كبيرة جداً، نظراً لتنوع العناوين وتلبيتها لكل شرائح المجتمع وفئاته العمرية والتخصصية والمعرفية. والهدف من هذا المشروع تأسيس مكتبة في كلّ بيت.
مديرية الإصدارات والنشر في أعمالها المنتظمة تقوم بدعم الكتاب والمثقفين بما يعرّف بهم ويسوّقهم محلياً وعربياً وعالمياً، إضافة إلى إصدار الدوريات الثقافية والمعاجم وأعمال الملتقيات والمؤتمرات الفكرية والثقافية وتزويد المكتبات بما تصدره والمشاركة في معارض الكتاب.
مشروع مدن الثقافة الأردنية سيكون في دورته السابعة في عجلون مدينة الثقافة الأردنية في العام المقبل، وقد اشتمل المشروع على حراك ثقافي كبير في إربد وما تلاها من مدن الثقافة الأردنية في السلط والكرك والزرقاء ومعان ومادبا، كما أسهم في ترويج كتّاب المحافظات وتسويقهم ونشر إبداعاتهم والحفاظ على موروث مدن الثقافة بمبلغ يقارب المليون دينار تصرف في أوجهها المبيّنة على المشاريع والنشر والأنشطة اليومية والهيئات الثقافية في مدن الثقافة.
أما مشروع التفرغ الإبداعي الثقافي فيتيج الفرصة لعدد من المبدعين الأردنيين في الأدب والفن والفكر في حقول معينة لأن يتفرغوا عاماً كاملاً مدفوعاً لتطوير هذا الإبداع. ودعمت وزارة الثقافة العلماء والأدباء والمثقفين والفنانين الأردنيين وكرمتهم بمنحهم جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية في احتفال خاص يدفع إلى المزيد من التنافس والجدية في الإبداع الثقافي.
وفي مجال المسرح دعمت الوزارة المواسم المسرحية ومهرجان المسرح الأردني الذي انتهينا منه مؤخراً، وهذا مهرجان مهم في دعم الفنانين الأردنيين والارتقاء بالحركة المسرحية الأردنية في العروض والندوات وورش العمل المقامة. 
وفي مكتبة الطفل المتنقلة مكّنا الأطفال في الريف والمناطق البعيدة عن العاصمة من تداول كتب الأطفال وتنمية الوعي بمسرح الدمى والمعارض التشكيلية المناسبة. أما البرنامج الوطني لتنمية ثقافة الحوار(تنوير) في نشر الوعي المجتمعي وثقافة الحوار بين الثقافات ونشر قيم التسامح فنستهدف به الشباب وطلبة الجامعات والمعاهد المتوسطة ومختلف شرائح المجتمع.

مشروع الذخيرة
مشروع الذخيرة العربية الذي ترعاه جامعة الدول العربية بإنشاء شبكة حاسوبية عربية للاطلاع على النتاج الفكري والثقافي والعلمي العربي، هو مشروع مهم لاشتراك الدول العربية في هذا المجال. ننفذ مشروع (المكنز) العربي الذي ترعاه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بجمع مفردات التراث الشعبي الأردني وتوثيقها وحفظها ونشرها في معجم، إضافة لمعجم الأدباء. وتسهم الوزارة في دعم المشاريع الثقافية والأهلية للمجتمع المحلي، كما نقوم بترجمة الأدب الأردني إلى اللغات الأخرى وتسويق الكاتب الأردني عالمياً، ونواصل الأسابيع الثقافية الأردنية والعربية والعالمية في ما يعرف بالتبادل الثقافي وإغناء الثقافة الوطنية بالفنون االعالمية وترويج ثقافة الأردن.
 من مشاريع الوزارة مشروع المخيمات الثقافية الإبداعية لوصل المثقف والمبدع الأردني بالمكان الأردني في ورش ميدانية يتم التواصل فيها مع المجتمع المحلي كما يتم فيه تبادل الخبرات بين المبدعين أنفسهم. وفي ملتقى عمان الثقافي نكون إزاء تجمع ثقافي فكري ستقيمه الوزارة بشكل دوري ويتم فيه تنمية ثقافة وطنية شاملة في الأردن بما يؤكد هويتها بوصفها ثقافة أردنية عربية إسلامية إنسانية.

إبداعات الشباب
تهتم الوزارة بالإبداع الشبابي، فتنشر إبداعاتهم وتحفزهم بالجوائز والمسابقات  أما مديريات الوزارة في المحافظات فتقيم أنشطتها كالمعتاد في المهرجانات والملتقيات والمعارض والأمسيات الفنية والشعرية والقصصية بما يرفد المجتمع المحلي في المحافظات ويزيد من فرص وثمار الفعل الثقافي هناك.
وإيماناً بدور الشعر الشعبي في نقل تفاصيل الحياة لقطاع عريض من مجنمعنا الأردني فإن الوزارة تنفذ كل عام مهرجان الخالدية للشعر الشعبي والنبطي  في محافظة المفرق ومهرجان السامر للفنون والتراث في محافظتي معان والعقبة. كما تدعم الوزارة المعارض الثقافية والفنية الأردنية وتشارك بموظفيها في التنافس على جائزة الملك عبدالله لتميز الأداء الحكومي. أما في مجال التراث غير المادي والتنوع الثقافي فقد وقعت الوزارة على اتفاقيات دولية بهذا الشأن بالتعاون مع مكتب اليونسكو في الأردن، بالإضافة لعدد من النشاطات المتفرقة أوالمستجدة.