قاسم توفيق قاص وروائي ملتزم بقضايا شعبه ووطنه حتى النهاية، وهو صاحب مشروع إبداعي مثير للجدل، ويلمس القارىء في أعماله القصصية والروائية تلك النكهة التي تعيد الاعتبار للمكان الأردني وتاريخه وشخصياته وحكاياته ضمن بنى سردية متماسكة ومتنوعة زاوجت بين الأسطورة والواقع. 
وقد صدر لقاسم توفيق حتى الآن إحدى عشرة رواية منها «أرض أكثر جمالاً، 1987م» و»عمّان ورد أخير، 1992م» و»ورقة التوت،2000م»، و»الشندغة 2006م»، و»صخب، 2015م»، و»ماري روز تعبر مدينة الشمس- ثلاث طبعات أخرها في العام 2010م»، و»البوكس، 2012م»، و»حكاية اسمها الحب، 2010م» و»رائحة اللوز المُّر، 2014م»، و»حانة فوق التراب 2015م»، و»فرودمال، 2016م»، و»نزف الطائر الصغير، 2017م»، وله خمس مجموعات قصصية قصيرة منها «مقدمات لزمن الحرب، 1980»، و»سلاماً يا عمان، سلاماً أيتها النجمة، 1982م»، «العاشق، 1987م»  و»ذو القرنين، 2010م». 
وقد برز اسم قاسم توفيق في عالم الأدب محلياً وعالمياً مع إصدار روايته الأولى (ماري روز تعبر مدينة الشمس) والتي لقيت أصداء واسعة لما احتوته من إبداع على مستوى الشكل والمضمون، والتي أعيد طباعتها في العام 2007م في مدينة رام الله لمناسبة الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية.
ويمتاز قاسم توفيق بلغته السردية الرشيقة المطواعة المطرزة باللهجة المحلية أحياناً، فهو مسكون بمزاج لغة جديدة لم يسبقه إليها أحد، وهو ما زال منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي يواصل مشوار التجريب والحداثة والتفرد والاختلاف، ولا يزال منذ سنوات يمارس دوره، مبدعاً أصيلاً، وقاصاً وروائياً ومشاركاً في الواقع الثقافي. وهو يؤمن إيماناً مطلقاً أن (الكتابة هي جرأة المواجهة. والكتابة المكشوفة والثائرة والصارخة هي بطولة ومغامرة).
إن قاسم توفيق كاتب واقعي تقدمي يرصد الواقع بكل تشكيلاته الاجتماعية والفكرية والنفسية، ويحاول إعادة صياغته بنص جميل ولغة مشوقة ذات إيقاع جاذب للمتلقي، فهو لم يترك شريحةً إجتماعية إلا قدم نموذجاً معبراً عن خصائصها، وبذلك، يمكن القول، إن قاسم توفيق قدم في أعماله القصصية والروائية، دون أن يتقصد ذلك، مسحاً شاملاً لشتى نماذج البشر في مجتمعه، ولا شك في أن ذلك المستوى الفني لهذه النماذج كان يشهد تطوراً مع كل مرحلة فنية يخوضها. ولقد كان لانتماءاته الوطنية والاجتماعية والطبقية صدى عميق في نتاجه الأدبي، ولئن كانت الواقعية هي المدرسة التي فرضت نفسها على نتاجه الأدبي في أغلب أعماله، فإن الرومانسية اتضحت في أعماله الأخرى بشكل جلي.
ولا يزال قاسم توفيق يصنع مشروعه الأدبي بل الروائي بذات الفنية المتجددة والباقية على قراره الجريء بمحاكمة الواقع وحالة التردي التي يعبرها العالم العربي بصوت مرتفع. ومن يتابع اليوم ما يصدره قاسم توفيق يجد بأن النهج الفني والإبداعي الذي يتملك أعماله يحمل ذات الدلالات، ذات الرؤى لكن في عوالم متجددة، قد تكون الموضوعات التي يتعرض لها في كتاباته تتميز بخصوصية متفردة، وهي تعريف ملازم لأسمه، عندما يعيد سرده تشكيل الواقع العربي والمحلي بتجرد وفرادة، ومن هنا يمكننا القول أن نصوص قاسم توفيق هي حالة بعث للواقعية المخبوءة في الوجدان العربي، والتي تتراكم دون أن تملك الجرأة، ولا الوعي أو الرغبة في الإنطلاق أو التحرر حتى يوشك أن يُلغي هذا الوجدان، أو أن يُفصم.
أما رواياته في المجمل فهي تمتاز بجرأتها وبأنها توقظ الوعي وتثير الأسئلة مجدداً باختراق المسكوت عنه في مجتمعاتنا، وتدفع القارئ إلى التمعن في رسالتها المباشرة وغير المباشرة. كما أن رواياته تتناول بجرأة ما هو مثار حالياً في الواقع العربي كالطائفية والإقليمية لإثبات وجود صيغة أكثر قيمة وقدسية هي الإنسانية، وتمتاز  أعماله بسرديتها المتقنة ولغتها الشفيفة البعيدة عن الاستعراض والتي تشي بمضامين ملموسة تزرع الوعي وتعززه لدى المتلقي.
كما أننا نجد في قصص قاسم توفيق- ورواياته أيضاً- هاجس البحث عن الإئتلاف الروحي والجسدي، بين الكائن الإنساني، وبين ما يحيط به من مكونات هذ الفضاء، سواء كان إنساناً، أو شيئاً من الأشياء أو استرجاعاً للحظة محددة كالطفولة أو العلاقة انسانية والفضاء، في هذا السياق، قد يكون في حجم حبة عدس، وقد يكون، في حجم الحلم- وهو بسيط في كل الأحوال- الذي تلتف حوله شخصيات هذه المحكيات، من خلال الرغبة الإنسانية في اللقمة النظيفة، وشربة الماء غير الملوثة، والتمتع بتدخين سيجارة عادية دون منغصات مادية، أو نفسية. 
وتنطلق روايات قاسم توفيق في المجمل من المنسي والمهمش والذي نمر به مرور الكرام، والعادي إلى غير ذلك من مرادفات، لكنها تمارس، في الوقت ذاته، طقوس الموت والحياة- وهما وجهان لعملة واحدة- بإصرار وعينين مفتوحتين، من جهة، واستسلام للقدر المرسوم على الجبين الذي لا بد أن تراه العين، من جهة ثانية. وهو في الوقت ذاته، يظل ملتصقا بالصوت الجماعي المجسد في حكايات الناس. 
إن روايات قاسم توفيق تمثل حالة التداخل بين الصوت المفرد (السارد) والصوت الجماعي (الحكايات المنقولة)، بين الداخل والخارج، الضرورة والحتمية، الوحشة والألفة، الفرد والجماعة/ الحياة والموت.  والسارد يظهر ويختفي بين الحدين مفسحاً المجال لهذه الجماعة التي شكل كل فرد من أفرادها، وضعاً إنسانياً، عكس تفاعلاتها المتعددة بالمكان، ومحمولاته المادية والرمزية عبر جدلية الحياة والموت.
وبالرغم من تأزم بعض شخصياته الروائية، لسبب اولآخر، فإنها ظلّت مخلصة لمعدنها الأصيل، منتصرة للقيم الإنسانية التي تتجاوز العرض من نزوة ورغبة مقموعة وحسابات بسيطة، نحو التعامل مع الجوهر الإنساني الذي يتوزع فيه الكائن بين الخير والشر دون أن يفقد إنسانيته. إنها شخصيات تبحث عن ألفة هاربة، عبر تلافيف الجسد، ومدارج الروح، وهي تصارع اليومي في شراسته المدمرة لكل ذرة من الجمال، ولو كانت جداراً منسياً، أو محطة مهجورة، أو حجرة رطبة، تلك هي الأشياء البسيطة التي ما زالت تشد هذا الكائن إلى عالمه الأليف الذي غابت معالمه المادية، لكنه ظل حاضراً في الذاكرة. 
ولقد عالجت أعمال قاسم توفيق الروائية العديد من القضايا، وفي كل عمل جديد نجد أن «قاسم توفيق» يواصل فيه مشروعه الأدبي المتجدد في تشكيل رواياته بموضوعات جديدة بدءً من الكتابة عن ثقافة البلطجة في رواية «البوكس»، مروراً في موضوعة سِفاح المحارم في رواية «صخب»، وقضية الوجود والهوية، في «حانة فوق التراب»، والفساد في «فرودمال»، وصولاً إلى «نزف الطائر الصغير»، والصادرة عن دار ضفاف ومكتبة كل شيء في بيروت والتي تقع الرواية في 280 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية تفتح عشرات الأبواب، وتطرح العديد من الأسئلة، وتلقي بالضوء على مفاهيم حياتية ووجودية تدفع القارئ للتوقف عندها التي تحاكي قضية أزمة الوجود في حياة شاب صغير، فهي تسرد سيرة شاب في أواسط العشرينيات من العمر يقرر القيام برحلة في البحث عن الذات. بلا وعي، وبلا رغبة منه في التخلي عن ماضيه، يقوم الشاب بهجر حياته الرائقة، وأسرته المترفة دون عودة، في محاولة منه للخروج من حالة الإنقباض التي كانت قد تلبسته منذ أيام، ومن كم الأفكار التي أخذت تتصارع في رأسه من لحظة أن قرأ خبراً على جهاز الكومبيوتر كان بمثابة الصاعقة عليه، ملقية الضوء على مفاهيم حياتية ووجودية تدفع القارئ إلى التأمل والتفكر فيها.
ويتطرق قاسم توفيق في هذه الرواية إلى مجموعة من القضايا التي تشغل الإنسان في العصر الحالي: البحث عن الذات، التطرف، العدالة الاجتماعية، كما يتطرق إلى التحركات الاحتجاجية التي ظهرت في الأردن. ويختار الكاتب تفكك الانهيار السوفييتي في 25 كانون الأول من عام 1991 كمؤشر لبداية تاريخ جديد في العالم، فيجعل بطله «زياد» يولد في هذا اليوم تحديداً، لتصبح ذكرى ميلاده مرتبطة بهذا الحدث.
وتناقش الرواية مفهوم العدالة الاجتماعية من خلال عدة محاور وشخصيات، فالبطل الرئيس يقرر ترك حياته السابقة بعد أن يقرأ أن العدالة الاجتماعية تزداد تناقصاً، وأن ثروات العالم تتركز في أيدي فئة قليلة بينما تزداد نسبة الفقر وعدد الفقراء.ويؤكد قاسم توفيق عبر «نزف الطائر الصغير» قدراته في النسج الروائي وإقامة الهيكل المعماري بأسلوب يتميز بالمهارة والتلقائية ويحتوي على زخم ثقافي ومعلوماتي داخل هذا البناء، حيث قام الكاتب بتوظيف معارفه المتنوّعة في مختلف وجوه الحياة التاريخية والسياسية والأدبية والفلسفية والشعبية، لإثراء النص الروائي، وهذا جانب من التجريبية والحداثية في الأدب، فالنص مفتوح على الحياة بأشكالها المتعددة، ما من شأنه الارتقاء به.
وباختصار يمكنني القول إن كافة العناصر متداخلة في عمل روائي يرسخ موهبة قاسم توفيق في هذا العمل الفنّي الذي يشكل مغامرة في عالم الرواية العربية في الأردن، لأن المؤلف أبحر في عالم ملحمي طويل ومركب، ولأن المؤلف حرفي ماهر، فقد وظف كل هذه الجزئيات في تيار وعي ممتد من «السارد» إلى العالم، ومن هذا الأخير إلى عالم الرواية حيث تسقط الأمكنة والأسماء وتبقى سيرة بطل إسمه «فهد» قد تحمل سماته بعض القسمات لعصر أو لرجال، إلا أن وجوده الروائي سيصبح له مكانة خاصة مثل أبطال الروايات المهمة في تاريخ الرواية العربية.
بقي أن أقول إن لكل كاتب كتابته الخاصة، ورؤيته للواقع، يلمّ بتفاصيله ويتحكّم بلعبته السردية، وقاسم توفيق في روايته الجديدة يطرح قضيّة متجذّرة في الواقع المعاش، وهي بلا شك رواية واقعية نزعت إلى شيء من السحريَّة نتيجة اعتمادها على التداخل بين الحلم والواقع وعلى الدراما النفسية لبطلها الإشكالي، وقد استخدم فيها الكاتب أسلوب المفارقة كتعبير عن نقده اللاذع للحياة والمجتمع.
إن رواية «نزف الطائر الصغير»، رواية تستحق الدراسة والتتبع من قِبل النقّاد، فالجمل السردية موظّفة بإتقان، تشخّص واقعاً مريراً يتردّى يوماً بعد يوم، وقاسم توفيق روائيّ امتلك كل مقومات الإبداع، يأخذك إلى عوالم تشبهه؛ بلغته السلسة وصورة العميقة وإحساسه المفعم بالحب والحياة، يصطحبك داخل عمله لتعيش الحدث، وتتعرف إلى الشخصيات دون قيود أو عوائق.