ويقدم الناقد محمد سلام جميعان ورقة نقدية حول بنية الرواية الفنية وذلك خلال الأمسية التي ستقام حول الرواية في قاعة المكتبة الوطنية في السادسة من مساء يوم غدا ويديرها الزميل الكاتب رمزي الغزوي.
تأتي هذه الرواية وهي الأولي للزميل في سياق إعادة قراءة التاريخ الاجتماعي الأردني وتقديمه بصورة فنية درامية مشوقة، وتجعل منه مادة جديرة بالقراءة والنقاش والتحليل وإعادة التدقيق في الموروث الشفوي المتناقل كأحد أهم مصادر هذا التاريخ، وجعله محطات للتحليل وإعادة القراءة والتنقية مما شابه من الاسطرة.
وتحكي الرواية والتي تحمل زمنين متقابلين، فكرة تماهي الحاضر مع الماضي في بعض الحالات وسخط الحاضر من الماضي، الذي يطلب منه أكثر من طاقته، وسخط الماضي من الحاضر الذي عجز عن تلبية طموحه في الاستمرار بمشروعه النهضوي الذي بدأه.
والرواية تحكي قصة ثورة 1910 أو ما يسمى بالمتداول الشعبي «الهية»، وهي الثورة التي قامت ضد الاستبداد التركي الطوراني في تلك الفترة حيث كانت الدولة العثمانية في آخر عمرها، وكان يحكمها زمرة من المتعصبين الذين حاولوا قلب اللسان العربي وحاولوا تجهيل الأمة على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن، توجت في الاستيلاء على الحكم والتصرف بالأمة، لهذا وغيره من الأسباب التي كان على رأسها أيضا إحصاء النفوس والتجنيد الإجباري والسخرة في كل البلاد العربية، قد جعل منطقة الكرك أو منطقة شرق الأردن تقريبا تثور على الدولة التركية، وان تحاول التحرر من قيودها، إلا أن ذلك لم يدم طويلا حيث اعمل سامي باشا وجنوده القتل والدمار في أهل الكرك، دونما استثناء ففي قرية عراق الكرك وحدها قتل أكثر من ثمانين رجلا. وكانت هذه الحادثة قد أوجدت في التاريخ البشري اغرب عملية إعدام على الإطلاق وهي أن يربط الثائر بحجر يوازي وزنه ثم يرمى وهو على قيد الحياة من أعلى منطقة في القلعة، لتستقر أشلاءه في وادي الصفصافة. وهو المكان الذي صاغ وجدان الرواية وفكرتها الأولى لدى الروائي.
وتسعى الرواية إلى العودة للبحث عن قيم مضيئة، من التاريخ، وهي إطلالة للوراء لطرح رسائل الراهن، خاصة وان الماضي يحمل في جعبته رسائل كثيرة وكبيرة للحاضر، ونحن الآن في أمس الحاجة لإعادة قراءة الجانب المضيء في التاريخ النضالي، وخصوصا القريب منه والذي لا يزال متداولا في أحاديث الناس، وهذا يعني أننا غير قادرين على الخروج من الشرط الزمني حتى هذه اللحظة، فنحن لا نزال نحمل حزن وفرح هؤلاء الناس الذين قاموا بهذا الفعل، ولا نزال نعاني، مما عانوا من استعمار كوني غيب القيم الإنسانية البسيطة لصالح المعقدة، والقيم العليا لصالح القيم الدنيا، مما دفعهم لما قاموا به، لذلك لابد من إعادة قراءة ما فعلوا، لأن قراءة التاريخ شرط لوعي القادم وإدراك تجلياته.