في بداياتي الشعرية أحببت ديوان أبي القاسم الشابي من تحقيق أبي القاسم محمد كرّو وقد زينت قصائده برسومات قربت فحوى قصائده إليّ فجذبني إلى الكتاب إضافة إلى جماليات القصائد.. وقد رافقني هذا الكتاب أكثر من عشرين سنة يلازمني حيثما أذهب، فكنت أقرأه بلا ملل وأعيش في خياله وصوره ومضامينه، وأعترف أني تأثرت به وتمنيت أن أذهب إلى مكان دفن أبي القاسم وقراءة الفاتحة على روحه، وأزور الأماكن التي أثرت بشعريته، وقد أتيحت لي فرصة غير متوقعة، فقد اتصل بي أحد الأصدقاء من تونس تشاركت معه في مجموعته على الفيس وطلب مني سيرتي الأدبية فأرسلتها، وإذا بعد أيام تصلني دعوة من مهرجان توزر الدولي للشعر موقعة باسم محمد شكري ميعادي الشاعر المعروف رئيس المهرجان، يشاركه الروائي الدكتور محمد غزالي رحمة الله تعالى عليهما، فغادرت الأردن إلى تونس حيث وجدت الشاعر محمد شكري والدكتور محمد الغزالي بانتظاري في المطار، فصاحبوني إلى الحافلة التي تُقِلُّ المدعوين الضيوف العرب وغيرهم إلى توزر مسافة خمسين وستمئة كلم تقريبا برحلة ممتعة وتعارف بين الشعراء والإعلاميين في الحافلة، وكانت حالة انسجام بيننا استغرقت مسافة الطريق من الظهيرة إلى العاشرة مساء حيث وصلنا الفندق المجهز لضيوف المهرجان، لم نكن متعبين وبعضنا قادر عل السهر.. وهذا ما حدث.. تناولنا العشاء الباذخ بطيب المضيافين من شباب تونس، ولكل ضيف مكان إقامته الخاصة به في غرف الفندق إلى أن أنفذ المهرجان برنامجه الشعري والنقدي والفني، ويوم سياحي مدهش بمعلومات جديدة اكتسبتها من واحة «تمغزى» في جنوب تونس، تمورها من أطيب التمور اكتسبت خلاله أجمل صداقة مع شعراء عرب وأجانب استمرت معمقة حتى الآن، ومنهم من وجدت أننا نلتقي بسلسة النسب بالمغرب وتونس، وكانت مفاجأة أني عرفت أن لأبي القاسم الشابي روضة خاصة به جهزتها الدولة لتضم مأواه الأخير، فأتيحت لي فرصة زيارته مع الضيوف وقراءة الفاتحة على روحه، ثم أخذنا مشرفوا المهرجان إلى الأماكن التي عاشها أبو القاسم الشابي وأثرت به وبتجربته الشعرية عميقا، كما تأثرت بها من خلال أشعاره، فكانت السواقي والجداول وغابات أشجار النخيل والتلة التي يجلس عليها ويشرف منها على سهول شاسعة يانعة لم تزل بظلالها، ولم تزل مياهها عذبة كلما استظل وجلس على حوافي السواقي، والنسر الذي قال عن نفسه: «سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء» فهو مريض بتضخم القلب.. وأخبرني بعض أبناء توزر أن الأهالي لم يفهموه ولم يتآلفوا مع عبقريته فقال سأعيش رغم الداء والأعداء، وقد جسد له مثقفوا توزر نسرا عظيما فاردا جناحية على تلك التلة التقطتُ لي صورا في ظلاله.. لقد كانت استجابة من الله سبحانه وتعالى أني زرت مأوى أبي القاسم والأماكن التي أحببتها، فقرأت تحية له قصيدتي «سردية.. الليلك» صَوّرها أثناء إلقائي لها الشاعر الكبير معز العكيشي من تونس، وأهداني المبدع الشامل محمد زيدان من سدني بأستراليا تحويلها إلى فيديو فاجآني به. أنشأ هذا المهرجان بإشراف اتحاد كتاب تونس عام 1980 واستطاع بجهود المشرفين عليه أن يستقطب كثيرا أهم الشعراء عربا وأجانب يعد كل عام بلا توقف فصار عالميا مهما، وتم أخيرا دورته الثانية والأربعين التي يرأسها الشاعران الكبيران عادل بوعقة ومحمد بوحوش ونخبة من المتميزين، ولا أنسى الشاعر المتميز الممسك بعمود الشعر محمد مباركي وسيكون لي حديث عنه.