جمعية النقاد كتاب جديد حول الشاعر بدر شاكر السياب في الذكرى الخمسين لرحيله
عرار:
عمر أبو الهيجاء
يحتوي كتاب «بدر شاكر السياب: خمسون عاماً على رحيله»، الصادر عن جمعية النقاد الأردنيين مؤخرا، على مجموعة من الدراسات والأوراق ، التي قدمت في مؤتمر عقد بمنتدى الرواد الكبار في عمان، في ذكرى مرور خمسين عاما على وفاة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب. وقد اعتبر اتحاد الكتاب والأدباء العرب عام 2014 عام الاحتفاء بتلك الشخصية الفذة ، التي لم تنل حقها من التقدير والتكريم ،ورأى أنه لابد أن تكون هناك احتفائية خاصة بهذا الشاعر العبقري وبمنجزه الشعري على وجه الخصوص. حظي الشاعر العراقي بدر شاكر السياب بأهمية كبيرة بين أقرانه من شعراء التفعيلة في الوطن العربي ذلك لأنه وفّر لنصه كل ما هو شعري عبر اتجاهات الشعر الحديثة والقديمة على حد سواء، ويحق لنا القول بأنه استطاع بدفقه الشعري الغزير أن يبني نمطا جديدا في الشعر الحديث شكلا ومضمونًا، وبذلك دخل عالم الحداثة الشعرية من أوسع أبوابها، وكان أحد الرواد الذين ساهموا في نشوء حركة التجديد الشعري، بل هو على رأس الشعراء المجددين الذين لاقت قصائدهم اهتماما كبيرا من الدارسين والنقاد في العصر الحديث. إننا حين نتتبع الحركة النقدية التي اهتمت بقصيدة الشعر الحر نلحظ كثرة الدراسات التي تناولت السياب وشعره، ولعل قصيدة «أنشودة المطر» قد حظيت بقراءات وتفسيرات كثيرة وعديدة، واللافت أن الدراسات التأويلية التي تناولت شعر السياب جاءت في موضوعين، أولهما، ما هو داخل النص الشعري، وثانيهما، ما هو خارجه، مما أحدث ثورة شعرية في مضمار قصيدة التفعيلة وحركة الشعر العربي المعاصر، ولا يزال شعره قابلا للدراسات النقدية وفق المناهج الحديثة والمتجددة لتلقي الضوء على شاعر مبدع، صاغ التجربة الشعرية بدفقات معرفية عميقة جمعت بين الموروث الإنساني وقيمه والواقع المعيش الذي يتطور ويتجدد مع مرور الزمن وتوالي الأحداث . يمكن أن نطلق على السياب شاعر الحرمان، وشاعر الحزن، فقد فجع غير مرة في حياته بوفاة أمه وجدته اللتين كانتا مصدر الحنان، ثم فجع بزواج أبيه وابتعاده عنه، وأخيرا فجع بفشله وفقدانه حبه، ولقد زاد من حرمانه وضياعه انتقاله من «جيكور» القرية الهادئة رمز الطمأنينة والأصالة والصدق إلى بغداد المدينة رمز الضياع والخوف، لذلك مال إلى الثورة والتمرد عليها، وتولدت لديه الرغبة الكبيرة في الانتقام من الضياع الداخلي والخارجي الذي كان يعاني منه. مر السياب بثلاث مراحل تتناسب والأطوار التي عاشها في حياته اجتماعيا وفكريا وسياسيا، فقد عاش في شبابه الألم والغربة، وتميزت كل مرحلة من شعره بعدة صفات، فكانت مرحلته الأولى تتجه نحو الرومانسية الفردية الحالمة، وغلب على شعره طابع التشاؤم واليأس والثورة ومناجاة الموت، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التمازج بين الرومانسية الاشتراكية ذات الأبعاد الاجتماعية والواقعية، وشعره في هذه المرحلة يعبر عن الألم الفردي والجماعي، فقد هاجم الطغيان، وثار على المستبدين الجشعين الذين يعيشون على موت الآخرين، وفي المرحلة الأخيرة التي سماها «الواقعية الجديدة» أصبح يعبر فيها عن آلامه وآلام مجتمعه، ويحلم بمستقبل زاهر تحل فيه الحرية محل الاستعمار، وقد أكثر في المرحلتين الأخيرتين من استعمال الرمز والأسطورة في شعره. يأتي هذا الكتاب بما فيه توثيقا للدراسات التي قدمت في مؤتمر عقد بمنتدى الرواد الكبار في عمان، في ذكرى مرور خمسين عاما على وفاة السياب. وذلك مشاركة من جمعية النقاد الأردنيين بعام السياب، وهو عام 2014، بحسب ما أقره اتحاد الكتاب والأدباء العرب، تقديرا لجهوده ومنجزه الشعري المتميز في مسيرة الشعر العربي. إن هذه الأوراق التي قدمها ثلة من الباحثين تحدثت بكل شفافية وموضوعية عن شاعر عبقري، لذلك جاءت متميزة في الطرح والتناول لتلك التجربة الغزيرة المتميزة الممتدة، وتأتي أهميتها في أنها سلطت الضوء على جوانب لم يتم تناولها من قبل، وأنها كشفت عن الجوانب الإنسانية التي تمتعت بها تلك الشخصية، وكذلك الجوانب الإبداعية، وأوضحت كذلك أهم الملامح التي استطاعت أن تضع السياب في مقدمة شعراء الحداثة في هذا العصر. فقد تحدث الدكتور جعفر العلاق عن الواقعة الحياتية والواقعة الشعرية متخذا من قصيدة السياب نموذجا لدراسته، كما قارن الدكتور ماجد السامرائي بين السياب وجواد سليم في لقاء الرؤيا الإبداعية بين الشعر والفن التشكيلي، وبحث الأستاذ عواد علي في الصورة وتشكيل الرمز في شعر السياب، من خلال رمزية «بويب»، ومن خلال قصيدة «المومس العمياء» كتب الدكتور عماد الخطيب عن الحكي وصورة المرأة، وعاين الدكتور سلطان الزغول المرجعيات الأسطورية في قصيدة السياب، بطريقة «القراءة النصية»، أما الدكتورة دلال عنبتاوي فقد ذهبت لدراسة المدينة في شعر السياب بدراسة تطبيقية على نماذج من شعره، وكتبت الدكتورة حفيظة محمود بعنوان «نص عن السياب».، قد تكون هذه الدراسات محطة تسلط مزيدا من الاهتمام بشعر السياب، وتعطيه نبضا حيا لمزيد من الدراسات التي تعيد إحياء النصوص حين نحتفي بالمبدعين الذين غادرونا وتركوا آثارهم خالدة. تأسست جمعية النقاد الأردنيين عام 1998، وتوالى على رئاستها الدكتور إبراهيم السعافين ثم الناقد فخري صالح ثم الدكتور غسان عبدالخالق ثم الدكتور زياد أبولبن. وقد صدر عن الجمعية الكتب التالية: آفاق النظرية الأدبية المعاصرة: بنيوية أم بنيويات، تحرير وتقديم: فخري صالح، 2007. التجنيس وبلاغة الصورة، تقديم وتحرير: فخري صالح، 2008. القصة القصيرة في الوقت الراهن، تحرير ومراجعة: د. غسان إسماعيل عبدالخالق، 2011. الرواية الأردنية على مشارف القرن الواحد والعشرين: دراسة تطبيقية، تحرير وتقديم: عبدالله رضوان، 2014. بدر شاكر السياب: خمسون عاما على رحيله، إعداد وتقديم: د. يوسف ربابعة، د. علي المومني، د. دلال عنبتاوي.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 08-04-2022 11:06 مساء
الزوار: 1421 التعليقات: 0