|
عرار:
عادل علي جوده (عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين) حينما يسمو الفكر، وتصدق النوايا، وتتكاتف الجهود، ويخلص العمل، حتمًا يكون هنالك إنجاز لافت تشرئب إليه الأعناق. أقول هذا وأشير ـ بعظيم التقدير والاحترام ـ إلى مشروع حضاري طموح عنوانه «100 كتاب وكتاب»، يتم إنجازه بهمة ذوي الحس الملتزم، ويخرج إلى النور (مكتملًا) قبيل نهاية العام 2023م، في إطار من التعاون المشترك بين «جائزة الملك فيصل» في الرياض؛ ممثلة بأمينها العام الأستاذ الدكتور عبدالعزيز السبيل، و»معهد العالم العربي» في باريس؛ ممثلًا بمديره العام سعادة الأستاذ الدكتور معجب الزهراني. وإنها لسعادة كبيرة تملأ كياني إذ أشرُف باستلام النسخة العربية الكاملة ـ متسلسلة من الكتاب رقم «1» حتى الكتاب رقم «40» ـ من هذا المشروع الكبير، وقد كانت سعادتي أشد وأعمق وأنا أستلم الكتاب رقم «101» ممهورًا بإهداء راق يحاكي جمال ربّان الفكر والقلم سعادة الأستاذ الدكتور عبدالعزيز السبيل، وكم عمت الابتسامة جوارحي امتنانًا وأنا أحتضن تواضعه الجم وهو يستهل إهداءه بحروفه التي رسمها على هذا النحو من الجمال وأقتبس: «زميل الحرف والفكر والثقافة، المبدع في الكلمة والرؤية.. عادل جوده»، ولا أستغرب ذلك مطلقًا؛ فهكذا هُم دومًا ذوو السمت الأصيل. صدر مشروع «100 كتاب وكتاب» عن «المركز الثقافي للكتاب» ومقره الدار البيضاء في المملكة المغربية، وقد تميز الكتاب رقم (101)، وعنوانه «المشروع»، بغلافين أماميين؛ الغلاف الأمامي للجزء الأيمن يختص باللغة العربية بقلم الأستاذ الدكتور عبدالعزيز السبيل، ويقع في ثمان وستين صفحة، والغلاف الأمامي للجزء الأيسر ويختص باللغة الفرنسية بقلم الأستاذ الدكتور معجب الزهراني، ويقع في ثمانين صفحة، ويقدم هذا الكتاب تعريفًا عن فكرة المشروع، وأبعاده، ومراحل إنجازه، ووصفًا سريعًا لكل كتاب من المئة الأخرى. وستقتصر وقفتي مع سطور الجزء الأيمن، والبداية مع «عتبة» حددت الهدف من المشروع، وأقتبس: «يهدف هذا المشروع إلى التعريف بمائة عالم وباحث من العرب والفرنسيين، ساهموا في تقديم إحدى الثقافتين للأخرى ... وكرسوا جهودهم لتعزيز مختلف أشكال الحوار الجاد، والتفاعل الخلاق بين ضفتي المتوسط خلال القرنين الماضيين، وبفضل منجزاتهم الاستثنائية استحقوا الاحتفاء بهم، والكتابة عنهم، من أجل تخليد ذكراهم، والتعريف بهم للأجيال القادمة». ومن ثم وضع الأمين العام مقدمة يصف فيها المشروع قائلًا: «مائة كتاب وكتاب مشروع معرفي، يتكون من أربعين كتابًا باللغة العربية حول أربعين مستشرقًا فرنسيًّا، وستين كتابًا باللغة الفرنسية تتناول ستين باحثًا عربيًّا». ثم تضمن هذا الكتاب محطة مهمة تحت عنوان «الاستشراق»، حيث تطرق الأمين العام فيها إلى مصطلح الاستشراق منذ إطلاقه، ووقف مطولًا مع دلالاته وغاياته المتأرجحة بين السلبية والإيجابية، وتطرق في هذا الإطار إلى ثلاثة كتب مهمة جدًّا في هذا الموضوع للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، وهي «الاستشراق» و»تغطية الإسلام» و»الثقافة والإمبريالية»، وقد بيّن ما ذهب إليه إدوارد سعيد، موثقًا رأيه الذي أؤمن به تمامًا وسأوضح ذلك عبر وقفتي التالية أدناه. وهنا لابد لي من القول: إن هذه المحطة تشتمل على الكثير من المعلومات التي تأخذ القارئ الكريم للوقوف على الكثير من الحقائق التي قد تكون غائبة عنه، وعليه أدعوك قارئي الكريم (بإلحاح) لقراءته. ومن ثم أفرد مساحة وافية تحت عنوان «مراحل المشروع»، تناول فيها المشروع منذ تبلور كفكرة أثناء لقاءٍ جَمَعَهُ والأستاذ الدكتور معجب الزهراني، ومن ثَمَّ عرضها على الأمير خالد الفيصل؛ رئيس هيئة الجائزة، فتفضل بتأييد الفكرة ودعم المشروع، فتم الشروع في مختلف المحطات التي بموجبها تم تحديد عنوان المشروع، وتقسيم العمل بين «الجائزة» و»المعهد»، واختيار الأسماء الأولى من الشخصيات المراد تضمينها المشروع، وتحديد المؤلفين الذين سيقومون بالكتابة، ومراجعة الكتب، والتنسيق مع الناشر، والاتفاق على أن يستكمل كل طرف المهمات اللازمة لاستكمال حصته من العمل وفق منهجية تحقق ضمان عمل يتشابه ولا يتطابق، ووصولًا إلى إنجازه بفضل الله سبحانه وتعالى. ومن ثم خُصصت الصفحات المتبقية لتقديم تعريف موجز مقتبس من الأربعين كتابًا المؤلَّفة عن المستشرقين الفرنسيين الذين تضمنهم هذا المشروع. أما وقفتي التي أشرت إليها أعلاه، فتتجه نحو الكتاب رقم «40» المؤلَّف بقلم الأستاذة الدكتورة زهية جويرو؛ أستاذة الدراسات العربية والإسلامية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، في الجامعة التونسية، والمديرة العامة لمعهد تونس للترجمة، والمختصة في دراسة النصوص والظواهر الدينية، وفي الدراسات الدينية والحضارية المقارنة. وقد تناولت في كتابها ـ الذي يقع في 127 صفحة ـ المستشرقة الفرنسية «أميلي ماري غواشون» المولودة في 1894م، والمتوفاة في 1977م، ومجال اختصاصها هو «الفلسفة الإسلامية وابن سينا خاصة». اشتمل الكتاب على «مقدمة» مستفيضة، و»أربعة فصول تناولت «حياتها»، و»أعمالها»، و»نماذج من كتاباتها»، و»مختارات مما كُتِبَ عنها»، و»خاتمة»، و»فهرست القائمة البيبليوغرافية» الذي يشير إلى حجم ما بذلته المؤلِّفة من وقت في استعراض ذلك الكم الكبير من المراجع التي اشتمل عليها الفهرست، وتصفُّح محتوياتها، وتفحُّص مضامينها وأبعادها. والحقيقة أنني -خشية الإطالة- لن أتمكن من الخوض في تفاصيل ما اشتمل عليه هذا الكتاب، لكنني أشير فقط إلى محطات سريعة وردت في الفصل الأول الذي تناول حياة المستشرقة «أميلي»، حيث ورد أنها اعتنت بالنساء وأوضاعهن في أكثر من مكان من المغرب العربي وبنظرة الإسلام إليهن، واعتنت بالأردن وتاريخه الحديث، وبفلسطين والقدس والمهاجرين، وبالتاريخ المعاصر لعدد مهم من الدول العربية، وتطرقت إلى العلاقات العربية الإسرائيلية في وقت حرج تزامن مع نشأة دولة (إسرائيل) وبسط هيمنتها على فلسطين، وقد خصصت آخر أعمالها لفلسطين في أوضاعها الراهنة آنذاك، فأصدرت بحثها «المياه مشكلة حيوية في منطقة نهر الأردن»، وبحثها «القدس أهي نهاية مدينة كونية؟» الذي تضمن نقدًا حادًّا لما قامت به دولة (إسرائيل) في حق المدينة المقدسة في إشارة لتعاطفها مع القضية الفلسطينية حتى وُصِفَت بأنها مناهضة للصهيونية. كل ذلك يأخذنا إلى التأكيد على أن المستشرقين ليسوا سواء، فإذا كان هنالك من كرّس فكره لتحقيق غاية في نفسه تجاه الشرق من منطلق عنصري أو عرقي أو إمبريالي، فإنه ـ كما قال الدكتور السبيل ـ «يصعب إطلاقه على أنه حكم عام عليهم جميعًا». وهنا أختم مجددًا الدعوة للقارئ الكريم الذي ما انفك يطرق أبواب المعرفة، وأضع أمامه إشارة وردت في «مراحل المشروع» تتصل بكيفية الوصول إلى إصداراته، جاء فيها أن هدف هذا المشروع ثقافي تحاوري يتاح للقراء كافة، وبالتالي سيتم توزيع النسخ الورقية مجانًا، وسيتم توفير نسخ إلكترونية عبر الموقع الإلكتروني لكل من «الجائزة» و»المعهد»، ليس هذا فحسب؛ بل سيتم تسويق هذا المشروع المعرفي إلكترونيًّا عبر مختلف وسائل التواصل، يتم من خلاله تناول أحد الكتب في كل أسبوع، والأبرز من ذلك لقد تم إنجاز تطبيق خاص بالمشروع يمكن تحميله مجانًا عبر أجهزة الهاتف بأنواعها عبر الرابط (https://kingfaisalprize.org/books). وهنا، لا يسعني إلا أن أوثق عظيم الشكر لـ «جائزة الملك فيصل»، ولـ «معهد العالم العربي»، وللعلماء العرب الذين قدّموا هؤلاء المستشرقين للقارئ على هذا النحو من الحيادية والإنصاف. وشكرًا عاليًا يمتد إلى صاحب الأيادي البيضاء صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل؛ رئيس هيئة الجائزة، على مواقفه النبيلة المتعددة في إطار احتضانه لميادين الفكر والقلم، وحرصه الدؤوب على تكريم العلم والعلماء، وشكرًا عاليًا لسموه الكريم على تبنيه لمشروع «مائة كتاب وكتاب» ومساندته بالدعم والمتابعة، ووضعه ضمن أولويات أعمال جائزة الملك فيصل؛ الأمر الذي أسهم ـ بعد توفيق الله سبحانه وتعالى ـ في إنجازه ورقيًّا وإلكترونيَّا على هذا النحو الراقي من الكمال. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 17-02-2024 05:55 مساء
الزوار: 149 التعليقات: 0
|