|
عرار:
يوسف مسفيوي/ ناقد مغربي متخصص في الفلسفة النظرية أيقنتُ أن القراءة هي انفصال عن الكاتب واتصال مع النص؛ فحينما بدأتُ بقراءة رواية (بوهيميا)، للأردنية خالدة مصاروة، تكلمتُ مع الذات وبدأت بطرح الأسئلة، والمقلق في الأمر أنني بدأت أبحث عن الآخر الخفي، وتساءلت عن ماهيته عبر بوابة الزمان، ولكن أي زمان؟ هل هو الزمان المقدس؟ أم الزمان الهندسي؟ أم زمان الخيال الرمزي؟ يقول بول فاليري: (إنَّ العالم الافتراضي هو عالم مبالغ فيه) ولكن عندما قرأت وتأملت أنني أقرأ.. وتأملت أن فعل القراءة ليس هو فعل الكتابة! عكست نظري إلى الخلف ووجدت أن سياق الكتابة هو سياق الفيروس، أي إعادة النظر في المجال الخاص والمجال العام؛ لكن السؤال الذي وجب طرحه أخلاقيًا: ما القصد الأخير من كتابة الرواية؟ هل هي دعوة إلى المسيحية أم دعوة إلى الإنسانية؟ أم إعلان عن تصالح من داخل النص الديني بين الشرق والغرب؟ لأن القول بالغضب الغير المبرر يرمز إلى حلم معجز.. منذ فجر الإنسان إلى الآن أي منذ الجريمة الأولى «هابيل وقابيل». يقول روني جيرار في كتاب (العنف والمقدس): «صديقتي عندما لا تكون صديقتي فهي غير مرغوب فيها، وعندما تصبح صديقتي تصبح موضوع رغبة من طرف الآخرين». هكذا يولد العنف بين الأفراد؛ أي أن الجريمة متأصلة في جذور التاريخ، إلا أن الوعي الإنساني يتطور ويتدفق. لذلك مَن فقد الذاكرة–وهو ما حاولت بطلة الرواية القيام به- قد فقد في الأصل علاقات رياضية موجودة في الذهن بشكل فطري؛ ولنتقدم شيئاً ما في النقاش ولنقل أن الزمان والمكان يمكن أن نترجمهما بالرياضيات والهندسة، ويمكن أيضا أن نترجم المفهومين بالمجال والوقت، ونطرح السؤال: إذا كان المجال الهندسي مثل المسجد والكنيسة كرمز للمقدس.. حينها نكون في الزمان المقدس أو لنقل مثلاً أننا نتواجد في مكان حديث أو محدث.. أليس هذا سيغير من رؤيتنا للزمان والمقدس معًا، ولذلك لا ينبغي النظر في المفهوم.. وإنما النظر في المجال الحامل للمفهوم! لذلك الوباء فيه ما فيه من حزن وموت؛ وللأمانة هذا شيء محزن، وإذا دققنا في المسألة سنجد أن هذا الوقت رأى فيه الناس أن الله فعلاً محبة كما قال خطاب الرواية. جاء في الرواية مقطعًا معنونًابــ(سؤال الذات للذات): سألتني من أنا؟ وأكدت أنك لا تسأل عن الجوانب النفسية والروحية، لأنك تعلمها جيدًا.. وإنما تسأل عن سرديات الماضي والأرشيف الخفي ...وفي هذا الصدد يُطرَح سؤال التاريخ لأنه في اعتقاد هيغل: لا فلسفة بدون تاريخ، وكما فكرت الفلسفة أن الأنا فيها كإشارة فينومينولوجية (phénoménologique) الأنا السيكولوجية(le moi psychologique) والأنا الامبريقية le moi empirique))، وكاستخدام للمنهج الوصفي والتحليلي، أي الرجوع إلى التاريخ وإعادة ترميم أسواره يتضح أن الفرد في الثقافة العربية الإسلامية هو نتاج لحركة في التاريخ هي ما شكلت الذاكرة والهوية. وهنا أكدت الفيلسوفة (حناأرندت) على الانقسام بين الحق الوضعي والحق الواقعي، فيما هو مكتوب خصوصًا في احترام حق المرأة في العمل وإعادة تقسيم العمل الاجتماعي بشكل يدعو إلى المساواة، وما يوجد في الواقع شيء مناقض تمامًا وهذا ما يخلق شرخ في السيكولوجية العربية التي جاءت الرواية لتعالجها وتعريها. وكما يقول اسبينوزا: (لا شيء يدعو إلى الضحك ولا شيء يدعو إلى البكاء.. كل شيء يدعوا إلى الفهم)، لكن يبقى السؤال: ما ينبغي إنجازه وما يتطلب فعله؟ لأن الأنا الديكارتية لم تعد تعمل، لأن فكرة واضحة ويقينية تليها فكرة واضحة ويقينية.. وهنا سنتعثر في مسلسل من الأفكار، وكما اعتقد البرجماتيون أن نهاية الفكرة هي العمل! ولكن السؤال هو ما العمل!! سؤال أرَّق (وفاء) بطلة الرواية. هيمن سؤال مركزي على خطاب الرواية العميق وهو: كيف يمكن إعادة تفكيك مفهوم الخطيئة الأولى؟ هل من خلال انتزاع المفهوم عن النص المقدس؟، وإن كان كذلك فقد يشكل هذا ليس فقط طمس آثار العقاب من الفعل الإنساني باعتباره أنثربولوجية ينزع إلى الشر، بل وأيضًا من خلال مفهوم الضمير الذي يشكله الدين، بل وأيضًا من شرعية القانون والبعد القضائي الذي يتخذ المعنى من الجينيالوجيا أو النسب المفهومي. أشارت الكاتبة في (ص: 244) إلى أن: لا أحد يستطيع إلغاء الآخر ولكنه يستطيع طحنه.. القوي يأكل الضعيف! هذا هو القانون الوهمي. وقالت كنقيض للأطروحة الأولى: فكرت طويلاً كنت قد طرحت عليك سؤالاً عن هدف الله من خلقه للجسد، لم يكتفي بخلق الروح التي تمجده؟ لماذا جعل الجسد مقيدًا! هل ما يفعله الجسد ليس بحكم القضاء؟أليس هذا فيه تناقض عن علاقة الله بالعالم؟ وعلاقة الطبيعة بالإنسان؟لأن دافيد هيوم يتكلم عن الاجتماع الطبيعي بشكل نسقي وليس عن عقد اجتماعي كما قال جون جاك روسو، لأن علاقة الأنا بالغير هي علاقة صراع ونزع الاعتراف من الآخر، أي علاقة ديالكتيكية كما تصورها هيغل، وهذا الاعتراف بدوره كنسي، أي علاقتنا مع الله له بناء السيد والعبد و علاقتي مع الآخر هي صراع معلن، وفي بعض الأحيان يكون ضمنيًا.. وبهذا تكون الميتافيزيقا مؤسسة على الفلسفة المعاصرة، ضائعة بين الانتخاب الطبيعي والبعد البيولوجي في الإنسان، والمثالية التي شكلت الحركة الرومانسية، و لكن يبقى السؤال: أين موقع الخلاص المسيحي من هذا إذا كان البناء كله عقل ومادة، أو نظرية ارسطو عن ثنائية العلة والمادة! تقول الأنا الساردة في الرواية: المجتمع يراقب ويحاسب ويحاكم... نحن نعيش بلا إرادة، ونعيد إنتاج أنفسنا فنتكاثر، والسجون الفكرية في كل مكان، وهذه إشارة واضحة لإعادة الإنتاج عبر تكريس فكرة الثقافة الاجتماعية وهي حاملة لمجموعة من التمثلات السوسيولوجية(les représentations sociologiques)التي يعمل المجموع على ترسيخها عبر آلية التنشئة، و هذا ما يؤدي بقصد أو بدون قصد (l›intentionnalité)إلى أمراض سيكولوجية عميقة بما فيها الانحراف والعنف، لأنه لا جريمة بدون مجتمع؛ فالمجتمع هو حامل للجريمة لكن بنسب متفاوتة.وبالإضافة إلى فكرة المراقبة، وكما يقول المفكر العبقري ميشيل فوكو: آثار السلطة في المجتمع لضبط ومراقبة الأفراد وهذا يتم عبر استراتيجيات، وهنا سوف أشير إلى الأحياء الشعبية التي لا تشير إلى منطق عمراني بعينه، وهذا يشير سوسيولوجيا إلى اللامتوقع في الفعل الاجتماعي.ثم قالت الأنا الساردة: تعلمت منك أن المحبة بين الناس هي شعور وإحساس يتسامى على اللغة والعرق والدين والجنس، وهذه المحبة فجرًا لزماننا تقود إلى حتمية تساوي البشر فتسود بينهم ويتقبلون بعضهم بعضًا؛ وحينها ينبذون العنف والفرقة. إن هذا الخطاب الإنساني المشترك يدعو إلى مد جسور التواصل، لكن فيه نية مبيتة وحذرة فلم يأتِ وحيدًا؛ لأن الغرب الحديث انتقل من مركزة الذات حول الأنا أي العقلانية التي كانت في بعض الأحيان (آلة حربية) كما سماها بعض الابستيمولوجيين، فكانت ثورة في الآداب وإنشاء مجتمع فرداني (l›individualisme) وهذا ظهر في كتابات آلبير كامو، وجون بول سارتر إلى مركزة الذات حول الجماعة؛ وفيها تعميق للذة من خلال تطور الاقتصاد والرأسمال وهذا قد أعاد ثقافة العصور الوسطى بدون وعي أو بدون شعور وهنا يُطرَح سؤال الدكتورة الخالدة مصاروة في الرواية: هل التاريخ هو تاريخ غرب و شرق؟ أم يجب أخلاقيا قراءة الإنسان في التاريخ؟؟ وقد دوّن النص سؤال: هل عرفت كيف أكتب ولماذا أكتب؟ لأن الأشياء الحميمية لا نقولها بل نكتبها.. ثم أضافت من أنا؟ وكيف تشكلت هويتي؟ إن هذه الأنا لها دلالة سيكولوجية على إقصاء المرأة داخل المجتمع العربي، وكبت المشاعر أي أزمة خطاب الجنس والتعبير عنه، وهنا نسأل هل هي دعوة إلى ثورة على مستوى الخطاب الجنسي؟ وإذا كانت كذلك أقول أن تنظيم العقل من تنظيم المجتمع و بنية العقل رمزية.. أما بنية المجتمع ثقافية وإذا كانت ثقافية أي ثقافة نتكلم عنها؟ وكنقيض لأطروحة النص، الذي قال على حد تعبيره: إن كل واحد منا هو ذات منفردة و ليس كما يراها العالم المادي غير الحقيقي عبارة عن أرقام أو تكتلات إثنية متنازعة، و هذا فيه نوع من الحنين إلى المقدس، ولكن أي مقدس؟ لأن الغرب انتقل من تقديس العقل في القرن 17م إلى تقديس الجسد ثم إلى تقديس الجنس! هنا يُطرح السؤال: أي نموذج معرفي يتوسد النص؟ هل هي دعوة إلى التحرر من خلال النموذج العربي نفسه؟ أم ثورة على النموذج الغربي؟ أم إيجاد نموذجًا جديدًا؟ وفي الختام، تتشابه الأديان السماوية من حيث الأصول و المقاصد إلا أن الدين المسيحي يشكل حالة خاصة إذا نظرنا إلى الخطابات والنصوص التي جاء بها الرسل.. كلها ترمي لهدم الأصنام وتبني أشكال جديدة من التدين مقصدها توحيد الإله الواحد خالق الكون هذا من جهة و من جهة ثانية نجد أن كل نبي يؤكد صدق رسالة الرسول الذي سبقه وكلهم على اتفاق حول فكرة الإنسان الأول «آدم»؛ وقد جسدت الكاتبة التصوف في مفهوم العزلة والطقوس المبنية على الإيمان.. وقد حاول ابن رشد التوفيق بين الحكمة والشريعة وذكر ابن العربي نظرية الاتساع الإلهي، مستند على التسامح العقدي وقد أشار هيراقليطس إلى أننا لا نسبح في النهر مرتين أي أن كل كائن هو ذات منفردة على الآخرين؛ فالكلام هنا يحيل على اختلاف الكائن والكينونة. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 18-03-2022 11:07 مساء
الزوار: 1822 التعليقات: 0
|