زياد السعودي الأسلوبية في خبب النصيرات: حين نتناول الأسلوبية في الشعر فحتما نحن داخل اللغة، والاختيار والعدول من مفاتيح الأسلوبية في النص الإبداعي والاختيار لدى النصيرات بدأ مبكرا باختياره للخبب ليكون مقلاعه الشعري وأكمله باختياره للألفاظ والكلمات داخل النصوص ضمن سياقاته لتؤدي الدلالة المقصودة وتبدى العدول من خلال ممارسة الديوان على امتداد نصوصه للانزياح والمغايرة وخرق للنظم اللغوية وتمرد على المعجم من خلال بنيويات لا متوقعة أحيانا ملكت زمام التجلي والتأثير وحصدت دهشة واختلافا نوعيا غير أنها لم تستعص على التأويل. أربكنا هذا الخبب، فهو حسب السلف العروضي خارج عن بحور الخليل الستة عشر ولا هو بالمتدارك إلا إذا توشح بـ(فاعلن) ولا هو تفعيلة لان التفعيلة سبب ووتد لذا اعتبره البعض بحرا والبعض اعتبره إيقاعا. في مدخل ما تبقى منه، خبّ النصيرات وأدغم وراح يبحث..عمن يقرأ أوراقه..، وحمّل الخبيب ادغاماتٍ حمالاتٍ لمضامين بحثه.. مدخل الديوان يد الرحى.. فأي «حَبٍّ» سيطحن النصيرات وقد تشابه على الرحى «الحَب»؟ هل كان الخبب قرارا؟ خيارا؟ انسياقا؟ ليأتي الديوان بارومته ورمته على الخبب؟ ام ان النصيرات ظن انه سيجوّد مضامينه بالخبب وهو الخارج عن مضارب الخليل، ذلك الخبب الذي قال فيه وعنه أشهر شعراء الخبب الحصري القيرواني: ما أجْوَدَ شِعْريَ في (خَبَبٍ) والشّعْرُ قليلٌ جَيّدُهُ؟ هذه أسئلة مرفوعة للبحث والمداولة... إذا كان الشاعر حربي طعمة هو أول من ضمن كل بحور الشعر والبالغة ستة عشر بحرا بين دفتي ديوان واحد مستثنيا الخبب، فان النصيرات على حد إطلاعي هو أول من كتب بحرا واحدا فقط بين دفتي ديوان واحد، مستثنيا كل بحور الشعر والبالغة ستة عشر بحرا. ما كنت لأدعي بأني قادر على أن أسبر أغوار نصوص الغوارني النصيرات المتربصة في الديوان المعنون (خبب) غير أني سأجرب مجتهدا وقد ضمنت على الأقل نصيبا. استهل النصيرات خببه بعد المدخل بنص (الحاوي) ذلك اللاعب في الشرق الأوسط، والمسؤول عن إفساد غيوم الله، وبتقنية «الفلاش باك» عاد الكامل وأعادنا للغولة القابعة خلف الباب الموصد، فورطنا مبكِّرا بما هو متورط به دون أن يشعرنا بثيمة جلد الذات بالرغم من صوت السياط، ولعمري أنه تجاوز المباشرة التي تفرضها المنبرية أحيانا وهو ينزاح للعبارة الملغمة بفريد المعنى وبديع المخيال والخط الساخر الجاد.. الجاد الساخر.. المتوقع.. في متون القصائد والتذييلات. فتح الباب على (البرد والضباب والمؤامرة ) وعلى تذييلات بلا عنوان مستخدما أسلوب الالتفات النوعي (الضميري) متنقلا ما بين التكلم والمخاطبة والغَيْبة التي سرت أسلوبيا في ما خبّ من قصائد بلغ عددها ثلاث وعشرون قصيدة وفي تذييلات بلا عنوان بلغ عددها عشرين قصيدة. أقام النصيرات علائقية بين النص وتذييله سواء من خلال التشابه في الوحدة الموضوعية أو التشابه في السياق العام أو في التداعيات التي مارستها الأسماء والأفعال والضمائر على تنوعها، أو الإشارة لفظا كما في نص (للبرد والضباب والمؤامرة ): وستبقى بنت التين تلاوع فيك هدوءك يخرُجَك التين من الدين الذي أتى تذييله: إلى صاحبة كتاب «مواسم التّين». تنوع الغرض في وحدة البحر: تنوعت أغراض الخبب فاشتبك مع الوجدان الذاتي والجمعي اجتماعيا وإنسانيا وسياسيا وحتى كوميديا.. وتناول أشياء الوطن بوحدوية لا تحدها جغرافيا.. من خلال «باروميتر» خاص بقياس الوجع العرب ـ إنساني منحازا بذلك لعروبته وما اعتراها ويعتريها من ويلات ونكسات جعلته يتمرد على التابوهات ليتيح منفذا لزفراته وزفراتنا من بعده. المحمول العامي والأعجمي: لا أظن أن النصيرات أراد أن يجسر بين الفصحى والعامية بقدر ما أراد يتمم معناه ويسهم في رفع منسوب المدهش وهو العارف أن تضمين العامية في نص الفصحى موضع اختلاف من قبل النقاد والأدباء، فمنهم من لا يحبذ أن تدخل الدارجة للنص من باب عدم الخروج عن اللغة الفصحى، وهناك من جوز إدخال اللهجة من دون أي قيد أو شرط. أتى هذا المحمول من خلال كلمات تقف عليهن وقد رقمهن المؤلف بين مزدوجين صغيرين أو بين هلالين على نحو: ينعن ديكك.. مصاري.. الكع.. المع.. توزرن.. الهش النش.. اشمطنا.. التشخيص.. بلاش.. الماما.. باباك.. أبو رجل مسلوخة الغوله.. تاتا.. تودي وما تجيب.. البوط... الشلن.. ميه ميه.. أمركة.. روسنة.. مدرقة.. اسفلت.. بره.. بيت بيوت.. داير من دار.. حبل ع الجرار. كلمات حملن دلالات اقتضاها السياق وأحيانا اقتضاها النفس الساخر الذي تضج به رئتا النصيرات لتبرز كتطويع للحداثوية وكخوادم للمعنى المستهدف لتحدث الإضافة. وقد وردت في النصوص كلمات أعجمية: الكنتاكي/ الهامبرغر/ واتس اب/ الفيزون/ سيفون/ مارلبورو، استخدمت في أمكنة عدة بدلالات تعبيرية وبنيوية. طغى الأسلوب الحسي االمرتفع إيقاعيا والملتزم نحويا على وليدات الديوان وما غاب عنها ومنها وفيها الأسلوب الرؤيوي والذي تغيب فيه التجربة الحسية لصالح امتداد الرموز مع فتور الإيقاع (تعريفا) إلا أن النصيرات استخدمه دون فتور الإيقاع على نحو ما ورد في نص المقامة العنترية: «بثبات يعرف أن الوقت تغير يعرف أن لعنترْ شرط الوقفة كي يتبختر» مرورا بـ: «يعرف أن الوردة عبلة لن تتكرر وبكى عنتر حين تذكر عبلة في الزاوية المحشر وتذكر كيف يرد خيول بني عبس عنها..». وعلى نحو ما جاء في نص إبراهيم أبو ثريا: «يا إبراهيم ذهبت إلى النمرود تحاججه..». مرورا بـ: «والنمرود هو النمرود». انتهاءً بـ: «كن يا إبراهيم الماشي لتراب فلسطين خليلا.. كن يا إبراهيم خليلا». وعلى نحو ما جاء في نص مشهد مكثف من حكاية التيه: «صاح الرجل الحائر ملء الصوت صلاح الدين صلاح الدين نص يا رب حلب: وعن عنترة حين يداري النظرات لسوءة جارته عن قعقاع قعقعه لحظة كانت أسوار مدائنهم تحت حصار ابن الوقاص..». وجيش النصيرات فيالق العدول من خلال تجنيد شهيات البلاغة والبديع على صراط البيان فنراه استخدم استعارات مكنية على نحو: «البرد تذاكى.. الخوف ينادي.. صحاري ترفع رجليها.. الريح تعلم..الأيام تدرك.. الدم يتراجع.. الغربة تطبخ.. العين تضحك.. الغور يرى.. الخارطة توشوش.. للغيم شفاه.. تاء التأنيث تصفق.. غزة تصهل تضحك تتأوه تقاتل تقاوم.. وجع ينزف ويساير.. للصيف عين.. الشكوى تمشي.. الفول ينسى.. الخيمة تحمل.. الشتلة تقتل.. الأصنام تأكل.. الألوان ترتل.. الكيس يمشي.. الدمية تجلس.. حلب تركض تجمع وتقول.. الحارة تغرد.. العمر يتغابى.. الصوت يموت.. العين تقتل.. النيل يغضب ويجالس.. قمر يدمع.. والوطن يرفض أن يحلق شعر حبيبته. ومتنّ مستخدما الكناية وهي من فاتنات البيان على نحو: توسّد في الشارب/ كناية عن النضوج تركت الحبل على الغارب/ كناية عن الفوضى سنعرف من أسقط عنا أوراق التوت/ كناية عن الانبطاح والخذلان بوس اللحية/ كناية عن النفاق والتملق درب ليس بها قدم/ كناية عن العجز لست سوى بعرة/ كناية عن الدنو والذل ضاعت مدرقة / كناية عن انفلات الأصول والثوابت طريح الشوك/ كناية عن المعاناة الدمع بعينيها ما تاب/ كناية عن سرمدية الدمع حبلي ع الجرار/ كناية عن بقاء الأمر على حاله. وجوّد من خلال استخدامه أنواع الطباق والمقابلة بشكل مدروس مصبغة جمالها ومؤدية رسالتها محققة التأثير المستهدف أينما وردت على نحو: النور والظلمة/ الأسود والأبيض/ نار وماء/ القاع والأعلى/ هزيمة ونصر/ الناشف والمبلول/ القاتل والمقتول/ الجوع والشبع/ صيفي وشتوي/ نوم وصحو/ عبوس وضحوك/ البائع
والشاري/ موت وحياة/ الكسف والخسف/ أكبر وأصغر/ السامع والأطرش/ الناطق والأبكم/ خفاف وثقالا/ عاليها وسافلها/ المؤمن والكافر/ ليل ونهار/ كلام وسكوت..الخ. النسق التكراري أتى على شكل لوازم حقنها النصيرات في أشياء السياقات وهي العاكسة للانفعالات النفسية والتشكيلات الموسيقية ومتطلبات السياق داخل الأغراض الشعرية وتم رصدها إحصائيا على مستوى الكلمة وجذرها واشتقاقتها في خبب النصيرات وكانت: الوطن بواقع (37) تدوينة أنت بواقع (30) تدوينة وقت بواقع (30) تدوينة فوق بواقع (30) تدوينة فيك بواقع (27) تدوينة الله بواقع (27) تدوينة (أنا ) بواقع (20) تدوينة، العمر بواقع (20) تدوينة كيف بواقع (20) تدوينة الوجع بواقع (18) تدوينة الدرب بواقع (18) تدوينة نار بواقع (14) تدوينة ليل بواقع (12) تدوينة دمع بواقع (11) تدوينة خوف بواقع (11) خبز بواقع (10) تدوينات سيف بواقع (9) تدوينات تدوينة امرأة ( 8) تدوينات عرب بواقع (7) تدوينات الأرفل ابن الكامل الشرعي ونائبه بواقع (6) تدوينات. وعلى صعيد الأداة والحرف فإن ياء النداء وياء الملكية هيمنتا على مفاصل الديوان وتلاها ضمير الكاف العائد على المخاطب ثم ضمير الهاء العائد على المفرد الغائب. ثمة سلطة أولى تكاد تلمسها في معظم موجودات الديوان وهي سلطة الناص التي تبناها الأسلوب الإنشائي والتقريري والاستنكاري ناهيك عن سلطة النص نفسه والتي تبنتها البنيويات الشعرية.