|
عرار:
كتب هشام عودة أقف إجلالًا واحترامًا للصديقة الكاتبة والمثقفة الدكتورة ريمان عاشور التي امتلكت الجرأة والشجاعة لتدوين مذكراتها التي وضعت فيها بين أيدينا تفاصيل كثيرة عن حياتها الخاصة والحياة العامة التي وجدت نفسها تتحرك في أجوائها فالسيدات في العادة يترددن كثيرًا في كتابة مذكراتهن، إلا ما ندر ومما يحسب للدكتورة ريمان أنها وثقت في هذه المذكرات لحظات الفرح والبهجة في حياتها تمامًا كما وثقت لحظات الخيبة والفجيعة، وكانت متوازنة في كل ما كتبته وكل ما وضعته في مواجهة القراء في هذه المذكرات نجد اشتباكًا وتقاطعًا بين العام والخاص، فلم تكن هذه المذكرات سجلًا لتوثيق حياة العائلة، بل ذهبت الكاتبة للخوض عميقًا في الشأن العام، متنقلةً بين سوريا والسعودية والأردن وليبيا وتونس والكويت وتركيا، وفي كل دولة من هذه الدول كان لها وقفات شجاعة، في حين ظلت فلسطين محورًا رئيسيًا من محاور حديثها ومذكراتها باعتبارها الأساس الذي انطلقت منه كل هذه الأحداث أول ما يلفت النظر في هذه المذكرات هي اللغة الرشيقة التي أستخدمتها الكاتبة المثقفة في تدوين صفحاتها، ويمكن النظر إليها على أنها تدخل في باب السهل الممتنع، ما يؤكد امتلاك الدكتورة ريمان قاموسًا لغويًا ثريًا يستند إلى ثقافة واسعة خدمتها في توظيف كل هذا لتخرج مذكراتها بهذا الشكل اللائق الذي يمكن أن يستعصي على كثير ممن يفكرون بتدوين مذكراتهم ولم تذهب الكاتبة إلى التعامل مع التسلسل الزمني للحياة والأحداث، بل نرى في مذكراتها تداخلًا واضحًا للزمن، والقارئ الحصيف يمكن أن يستنتج بسهولة أن الحلقة الاول من هذه المذكرات هي استكمالًا للحلقة الأخيرة وهذا التداخل أعطى للكاتبة مرونة في الحركة لتنتقل بنا من مكان إلى آخر ومن حدث إلى آخر دون ان تتقيد برباط الزمن الذي قد يبدو جامدًا في بعض الأحيان، وهي تقدم نفسها في هذه المذكرات تحت أضواء كاشفة بعيدًا عن ادعاء بطولات وهمية لتقول لنا ها أنا ذا وجدتُ نفسي في خضم هذه الأحداث وعليّ ان أمارس دوري فيها كما تفرضه اللحظة الراهنة، لذلك رأيناها في كامل ملامحها الإنسانية تبكي وتصرخ وتخاف وترتجف وتغني، وفي كل مرة يكون لها رأي تقوله بجرأة وشجاعة المحور الرئيس في هذه المذكرات هو الأحداث التي شهدتها ليبيا بين ١٧/شباط فبراير / ٢٠١١ ونهاية ٢٠١٢ تقريبًا، وهو محور أخذ مساحة واسعة من هذه المذكرات لتذهب من خلاله الكاتبة لتوثيق جانب من أحداث الثورة وهي تعيش مع أبطالها داخل المطبخ السياسي الذي يناقش ويقرر، تحديدًا في الأحداث المتعلقة بالعاصمة طرابلس، وهنا يرى القارئ أن الكاتبة لم تكن مراقبة أو محايدة بل كانت واحدة من الذين صنعوا الحدث وشهدوا تطوراته بكل ما فيها من مكاسب وخسارات، ومن هنا فإن أي باحث يرغب في توثيق تلك الأيام سيجد في مادة هذه المذكرات معلومات ومواقف وأحداثًا يمكنه الاستناد عليها باعتبارها مرجعًا دقيقًا كانت الكاتبة جزءًا من أصحاب القرار فيه وشخوص هذه المذكرات وأبطالها الذين يتحركون بحرية كاملة ويتقاطعون بعضهم بالبعض الآخر هم أشخاص حقيقيون، من دم ولحم، وليسوا من صنع خيال الكاتبة كما يحدث في الروايات، لذلك تعرفنا إليهم واحدًا واحدًا في لحظات الغضب والحزن والفرح وفي لحظات القرار الصعب . إن هذه المذكرات لا تقدم لنا كاتبة تسعى إلى توثيق الحدث فقط، على أهمية ذلك، بل تقدم لنا أديبة ومثقفة استطاعت تحويل أحداث سياسية واجتماعية جامدة وقاسية أحيانًا إلى نص أدبي راق، يقدم لنا كاتبة متمرسة ومثقفة تعرف ما تريد قوله وتعرف متى تقول حكايتها، وببساطة شديدة فإن القارئ لهذه المذكرات قد تعرف إلى جانب من العلاقات الاجتماعية في عدد من الدول العربية التي اتخذت هذه المذكرات مسرحًا لها، وتؤكد من جانب آخر أن الاندماج والتعايش بين الأشقاء العرب ليس صعبًا ولا مستحيلًا رغم اختلاف اللهجات والعادات والثقافات التي هي ليست أكثر من حاجز مؤقت، بل إن هذا الاندماج ممكن وطبيعي لأننا قبل كل شيء وبعده ننتمي إلى أمة واحدة والى ثقافة عربية واحدة وإلى تاريخ وجغرافيا مشتركة في هذه المذكرات نرى موقفًا ورأيًا من الحياة والناس والأحداث، ما يؤكد أن الدكتورة ريمان لم تكن تبحث عن إرضاء القارئ بقدر ما كانت تبحث عن إشهار الحقيقة التي قد تكون في بعض الأحيان صادمة وقاسية المصدر: جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 05-06-2021 08:54 مساء
الزوار: 660 التعليقات: 0
|