" في البدء كانت الدولة .. ثم قالت الدولة : ليكن شعب، وخلقت الدولة القانون، والشرطة، والضرائب، والسجون، والصحف، والإذاعات، والكهنة ، لتتم إرادتها.."
*****
وقف رئيسنا ـ المحبوب بقوة القانون ـ يتلو فاتحة أسفار عهده الجديد، فاصطففنا جميعا خاشعين، نتلقى آياته المقدسة:
ـ " هاكم وصاياي لكل مواطن صالح .."
فتحنا الآذان والقلوب ، لنأخذ الشريعة بقوة ..
ـ" وصيتي الأولى : لا تسء الظن بالحاكم ، وإن سرق وزنى وباع الأرض ، فالحاكم لا ينطق عن الهوى .." ..
هتفنا جميعا : سمعا وطاعة ..
ـ " دع الحكومة لشئونها ، وانشغل بشئونك أنت ، فمن حسن إيمان المواطن تركه ما لا يعنيه " .
هتفنا جميعا : سمعا وطاعة ..
ـ " ارض بما قسمته لك الدولة ، تكن أغنى الناس "..
زاد حماسنا : رضينا .. رضينا ..
ـ" المواطن الصالح من سلمت الحكومة من لسانه ويده ." ..
زاد هتافنا ..
ـ " قبل أن تنظر إلى القذى في عين الحكومة ، انظر إلى الخشبة التي في عين الشعب .."
نظرنا بدقة ..
ـ" من كان منكم بلا خطيئة فليرم الحاكم بالظلم .."..
هتفنا جميعا : معاذ الله ..
ـ" لا طاعة لأحد في معصية الوالي " ..
حقا .. حقا ..
ـ"لا يدخل أحدكم الفردوس الأعلى ، حتى تكون الحكومة أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين .." ..
صدقا .. صدقا ..
ـ " لتكن الحكومة : عقلك الذي تفكر به ، وأذنك التي تسمع بها ، وعينك التي تبصر بها ، ولسانك الذي تنطق به ، ويدك التي تبطش بها .." ..
في كل مرة هتفنا بإخلاص ..
ـ" الخاتمة : لن يدخل عاصي الدولة ملكوت السماء حتى يلج الفيل في ثقب مفتاح الباب ..
ألا قد بلغت ، لئلا يكون للشعب حجة على الدولة من بعد البلاغ .. "
*****
حفظ عقلاؤنا العهد ، وتواصوا به .. وأورثوه الأبناء والحفدة .. بيد أن ما يقض مضاجع رؤسائنا على مر الدهور ، أن نفرا من العصاة والمبتدعين ، يتداولون ، سرا ، أسفارا محرفة عن العهد المقدس ، ورد في فاتحتها :" في البدء كان الشعب ، وقال الشعب : لتكن شورى وعدل ، ثم خلق الشعب الدولة لتقوم عليهما .." ..
محمود عبده