الادوار المشبوهة
كنت اظن ان دولة فرنسا هى اكثر الدول قياما بالادوار المشبوهة فى التاريخ السياسى لمنطقة حوض البحر المتوسط فى العصر الحديث اذ انها كانت تؤكد على خلافها الدائم مع دولة بريطانيا العظمى..او انها على طرفى نقيض معها..الى درجة افتعال المنازعات السياسية والعسكرية.معها احيانا.الا ان النتائج دائما كانت تثبت عكس ذلك وكذلك واقع احتلال كل منهما لاراضى الغير كان يثبت اتفاق فرنسا وبريطانيا فى كل شيئ اذ ان سايكس بيكو اصل فقط او وثق.. تقسيم اراضى الوطن العربى بينهما ومن قبلها حصول فرنسا على شمال افريقيا وشرق المتوسط وغرب افريقيا.فى مقابل حصول بريطانيا على مصر والسودان وشرق افريقيا.وفلسطين والاردن والعراق وشبه الجزيرة العربية..وقيامها قبل ذلك بخداع محمد على باشا
بايهمه صداقتها.حتى احتلت الجزائر وتونس..ثم لم تقم بمساعدته او الوقوف بجانبه فى حربه ضد الانجليز وضد السلطان العثمانى وضد روسيا رغم ما كان بينهم من صداقة وطيدة ..يثبت انها كانت تلعب ادوارا مشبوهة ..حيث كانت تدعى انها على عداء مع بريطانيا فى حين انها كانت صديقة لبريطانيا..على الاقل جعلت العالم العربى.يصدق ما تدعيه..عقودا .او.ما يقرب من قرن..تحقيقا لمصالحها فلتضحى باصدقائها..هكذا فعلت فرنسا على الاقل مع مصر او بالاحرى مع محمد على..فى معاهدة 1840 والتى سمحت للانجليز بان تقصر املاكه على مصر والسودان..
الا انه قد ثبت مؤخرا ان فرنسا كانت اكثر عفة وشرفا.. من دول اخرى مثل دولة روسيا..سواء اثناء قيادتها للاتحاد السوفيتى..حيث بالغ الاتحاد السوفيتى فى الادوار المشبهوة..لدرجة انه قدمها او مثلها..بعهر وفجر..شديدين..حيث قدم الاتحاد السوفيتى بعض الدول العربية الصديقة له..وبدون ان يطلب منه.احد..قدمها قربانا الى الصنم الامريكى ..تزلفا وتقربا من هذا الصنم..ولا يمكن لاحد ان ينسى الدور المشبوه والقذر جدا.. الذى قامت به قيادة الاتحاد السوفيتى.. بدءا من رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى السيد كوسيجن والسيد بريجنيف زعيم الحزب الشيوعى الى رئيس المخابرات السوفيتية..وسفيرهم فى القاهرة لاستدراج مصر بمعلومات كاذبة.. وبالحاح وخداع.. الى مستنقع نكسة 1967 ...
ثم تعمد هذه القيادة الشيطانية..على الاصرار على رفض اعادة تسليح الجيش المصرى..الا بعد غلق مصانع انتاج السلاح المصرى.. وخاصة مصانع الطائرات المصرية..وتسريح العاملين بها...
ليس هذا فقط.. بل والدفع كاش نقدا وبالدولار..ثمنا لهذا السلاح.. كى يمكن اعادة ارسال شحناته .اى الدفع.مسبقا..وباعلى الاسعار..وهذا ما قام به...
المرحوم الرئيس.. هوارى بومدين....حيث دفع كاش ما يقرب من مائتى مليون دولار.. فى مبنى الكريملن..
حتى يوافق هذا..البرجينيف.. على ارسال شحنات السلاح...
لم تقتصر هذه العلاقة السيئة..مع مصر.. بل وايضا كانت مع العراق ..اذ ان الثابت ان الاتحاد السوفيتى كان الجهة الوحيدة تقريبا او اهم الدول التى كانت تؤيد وتساعد الانفصالين الاكراد فى شمال العراق بكافة انواع المساعدات..ايام المرحوم مصطفى البرزانى..وبدلا من ان تعمل على ايجاد صيغة للتوافق بين الاكراد وبغداد..
.باعتبار انه صديقا للطرفين..الا انه..كانت يعمل على زيادة.. الخلاف والشقاق بينهما....
ونفس الدور ايضا من التخلى الخسيس قام به ايضا هذا الاتحاد السوفيتى مع كل من دولتى جنوب اليمن
التى كانت اكثر الدول العربية.. ليس فقط صداقة.. بل قربا والتصاقا به فكرا.واقتصادا. تقريبا...
ثم تخليه..الغير مبرر. ايضا عن صديقته العراق ..فى حرب عاصفة.الصحراء...
ثم تولت روسيا بعد ان تخلت عن الاتحاد السوفيتى او بعد ان تحررت منه القيام بنفس الادوار المشبوهة
وباجادة..تنافس بها سلفها السالف ذكره...فنجدها تخلت وبدم بارد مرة ثانية عن صديقتها القديمة العراق فى الحصار الذى امتد لمدة اكثر من عشرة سنوات .. ثم فى الحرب على العراق سنة 2003 واكتفت فقط بتقديم العزاء.. وان كنت اظن انها لم تقم بهذا الواجب...للشعب العراقى الذى كان ضحية للغزو الغربى والناتو..وايضا كان ضحية لصداقة الاتحاد السوفيتى وروسيا من بعده...ربما تكون تقدمت به للرئيس جورج بوش الابن...عن فقده.. لبعض من جنوده.. لكسب صداقته.. الشخصية...
وبنفس الطريقة ايضا..قدمت باقى اصدقائها.. من العرب دولة فى اثر دولة الى المقصلة الامريكية..
فتركت ليبيا للقوات الاجنبية والناتو.. ومن قبلها تواطئت فى اصدار قرار من مجلس الامن كغطاء للتدخل العسكرى...وها هى سوريا اظن انها اخر اصدقاء روسيا.. فى الشرق الاوسط.. تقدمها عارية من سلاحها الى المقصلة الامريكية.. لتعمل فيها شؤونها...
اعرف ان هناك منظمات دولية واقليمية ودولا واندية اخرى لها ادوار مشبوهة..لكنها لم ترتدى عباءة الصداقة للدول العربية..واكدت علي هذه الصداقة بالمعاهدات والاتفاقيات وجعلت العرب يصدقون صداقتها....مثل ما فعلت روسيا..
والسؤال المهم هو..
لماذا ..تفعل روسيا ذلك بالعرب...بادعائها مرارا وتكرارا.. بأنها صديقة للعرب وتأكيدها لهذا الادعاء بعقد العديد من المعاهدات والاتفاقيات..بينها وبين كل دولة من هذه الدول العربية التى خدعتها بادعاء صداقتها ثم. سمحت للقوى الغربية بتدميرها...
الاجابة ببساطة .هى...
اولا.. الدور المشبوه التى تتضلع به روسيا.. فى الشرق الاوسط..منذ انهيار الخلافة العثمانية..
بمحاولاتها المستمرة لملئ هذا الفراغ..اوعمل كل ما من شأنه على بقاء هذا الفراغ العربى فارغا..من نشوء اى قوة جديدة..تملئ هذا الفراغ..وبزل ما تستطيعه لابقاء هذا الفراغ فارغا..متعاونة فى ذلك مع نفس توجه الغرب بالنسبة للوطن العربى ..ولذا فان ادعاء الحرب الباردة مع الغرب وانها احدى طرفيها.اوانها على خلاف معهم..ماهى الا تمثيلية فقط للعرب.لتسلم لها بعض الدول العربية بالتصديق.. وتمشى فى ركابها .وتثق فى ادعائها الصداقة..
ثانيا...ان روسيا رغم ان اكثر من80 فى المائة من اراضيها تقع فى اسيا الا انها تعتقد انها دولة اوربية
بل ومن الدول الغربية..ولتؤكد للدول الغربية انها منهم ..فعلت ما فعلته بالدول العربية..لتثبت لهم ذلك
ثالثا..لا يمكن تجاهل انها ربما كانت اول دولة فى العالم.. تعترف بقيام دولة اسرائيل..وقد سبقت فى اعترافها بها..الولايات المتحدة الامريكية...باكثر من خمس دقائق..
رابعا..ان روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفيتى لها صداقات كثيرة مع دول فى شرق اوربا وجنوب شرق اسيا..بل وفى افريقيا...وامريكا اللاتينية...
لماذ لم تقترب منها الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية بالاعتداء عليها والتدخل العسكرى..فيها واحتلال اراضيها..الى الان.. هذه الدول الصديقة..لروسيا.فى اوربا الشرقية وامريكا اللاتينية..وجنوب شرق اسيا...لماذا لم يدمرها الغرب..على من فيها..مثلما فعل.. مع الدول العربية....
الاجابة ببساطة ..لان روسيا لم تطلب ذلك..او على الاقل.. لن تسمح للغرب بفعل ذلك..
فحينما نشب النزاع.. بين دولة الباكستان صديقة الولايات المتحدة الامريكية ودولة الهند.. صديقة الاتحاد السوفيتى ومن بعده روسيا.. فى ثلاث حروب..بينهما لم تسمح ابدا..فى اى حرب بينهما بهزيمة صديقتها الهند...بل والاكثر من ذلك حينما نشب نزاع ما بين الولايات المتحدة وكوبا..والمعروفة..بازمة خليج الخنازير..حينها قام الاتحاد السوفيتى..ايام نيكيتا خرتشوف..بنشر قواعد صواريخ نووية على ارض كوبا.. فى مواجهة حصار البحرية الامريكية لسواحل كوبا...ولم يسمح بحصار كوبا او التعدى عليها.بل لم يفك قواعد صواريخه.. الا بعد فك الحصار البحرى.. عن جزيرة كوبا..
وايضا حينما تدخلت الولايات المتحدة الامريكية فى الحرب فى فيتنام لم يتخلى الاتحاد السوفيتى عن فيتنام
وساعدها بكل انواع المساعدات حتى حققت انتصارها على امريكا...
وايضا وقوف الاتحاد السوفيتى ومن بعده روسيا مع كوريا الشمالية.. التى فى عداء مستمر مع امريكا منذ اوائل خمسينات القرن الماضى..ولم تسمح لها ولا للدول الغربية ولا الناتو بالتعدى عليها..
للاسف الشديد لا توجد اى مقارنة بين مواقف الاتحاد السوفيتى مع كل من الهند وكوبا وكوريا الشمالية..وفيتنام..طوال العقود الماضية فى مواجهة الغرب..ومواقفه مع الدول العربية ايضا فى مواجهة الغرب..تلك منع الغرب..من الاقتراب منها سياسيا وعسكريا..او ساعدهم حتى انتصروا على الغرب بما فيهم امريكا..اما الدول العربية صديقته فقد. اعطاها هدية.. للدول الغربية..تتناولها كوجبات شهية....
بما يعنى ان تعدى الدول الغربية..على اى من الدول العربية.. يتم على الاقل بموافقة روسيا ان لم يكن بالاتفاق معها...اذ ان الدور المشبوه لروسيا تجاه اى من الدول العربية.. سواء باستدراجها للنكسة او بالتضحية باى منها.. ليتم تدميرها بمعرفة الدول الغربية..هو دور استراتيجى تقوم به روسيا تأكيدا على هويتها الغربية..وعلاقتها الحميمة مع الولايات المتحدة.الامريكية.والغرب.التى تعتبر نفسها انها من احدى دوله .ولتظل الدول العربية ..اكبر فترة مغيبة عن الوعى. فى الفراغ الذى تعيشه...وبعيدا عن الواقع الدولى.. التى هى فى امس الحاجة اليه..لان تتفاعل معه وتنفعل به...
حيث تتتولى روسيا انشاء البنية التحتية لاصدقائها.. من مطارات وموانئ ومنشئات ....الخ.
ثم يتولى الدول الغربية تدمير هذه الاعمال..بما فيها وما عليها...وفى كل الاحول يدفع العرب اثمان الانشاء واثمان التدمير.. اضعافا..مضاعفة...
بايجاز شديد ..دولة روسيا ليست فقط متواطئة مع الولايات المتحدة الامريكية.. ضد اصدقائها من الدول العربية
بل الامر اكبر من ذلك..انها تقوم بتنفيذ ذلك باعتبارها فاعل اصلى..فى تدمير هؤلاء الاصدقاء. وفقا لتقسيم الادوار بينها وبين باقى الدول الغربية.. بما فيها من تمثيل دور الاختلاف معها فى
تمثيلية.. اصبحت مكررة. وليست فقط مكشوفة.. بل وعبثية..
ان اى حكومة عربية ..تسعى لعقد صداقة.. مع دولة روسيا..اما ان تكون هذه الحكومة مجنونة بالفعل..
او انها حكومة..ترغب. بالفعل.. فى الانتحار...
لان تجارب التاريخ الحديث المتعددة والمتكررة.. مع الاتحاد السوفيتى ومن بعده روسيا..قد اثبتت بما لايدع مجالا للشك..انه لا يمكن الثقة..اطلاقا.. فى صداقة. هذه الدولة الروسية..بنت الاتحاد السوفيتى السابق ..الذى ضحى.. بكل اصدقائه من الدول العربية...وبلا مقابل..سوى للغدر..والنكاية بهم...
كلماتى وبقلمى
محمد جادالله محمد الفحل