|
عمر وعروبة الإسلام للأديب الدكتور علي راضي ابو زريق
علي راضي ابو زريق
في مثل هذه الأيام من عام 644 ميلادية الموافق للسادس والعشرين من ذي الحجة عام 23 هجرية استشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد أبي لؤلؤة الفارسي. وليس المناسبة التاريخية وحدها ما يدفعني للكتابة عن هذا الحدث بل ما سمعته قبل بضعة أسابيع من داعية مشهور يدافع عن عمر. وينكر القول المنسوب إليه:
" وددت لو أن بيننا وبين الفرس سدا من نار لا يصلون منه إلينا ولا نصل منه إليهم". ودافع المتحدث عن عمر بأن الفاروق العادل لا يمكن أن يكره الفرس ولا يمكن أن يظلمهم وبالتالي لا يمكن أن يقول هذا.
وذكرني هذا الداعية بلقاءٍ علميٍّ حضرته قبل سنين وشارك فيه اثنان من كبار المؤرخين ونسبا لعمر مثل هذا القول الذي ورد في معظم المصادر التاريخية بصيغ متقاربة. فتنطح لهما رجل ينتمي لحركة دينية وقال: لا يعقل أن يقول عمر مثل هذا لأنه يعني أن عمر كان يكره الجهاد في سبيل الله ؟ ولم يستطع المحاضران أجابته واكتفيا بالصمت. لذا سأوظف المناسبة لتصحيح بعض التصورات عن عمر وعن نظرته للعلاقة بين الإسلام والعروبة. ولشعوري أن فهم عمر للدين قد انتهى بموته.
ولا يستطيع باحث منصف أن ينكر مقولة عمر هذه؛ لكني لم أر أحدا فهمها حق الفهم. فليس للفرس وحبهم أو كراهيتهم علاقة بالأمر؛ إنما هو فهم عمر للإسلام. ويعجبني بهذا المقام ما كتبه المفكر المصري محمد حسين هيكل في سفره القيم" الفاروق عمر" في الفصل الخامس عشر منه بعنوان التوسع في فتح فارس يقول:" كانت سياسة عمر أن يقف بالفتح في حدود الشام والعراق لا يتعداهما. وأن يجمع العرب بذلك في وحدة تمتد من شبه الجزيرة إلى شمال بادية السماوة. لذلك كتب إلى سعد بن أبي وقاص بعد فتح المدائن،حين بعث يستأذنه في مطاردة الفرس وراء جبلهم:{وددت لو أن بين السواد والجبل سدا لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم! حسبنا من الريف السواد.إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال} وكان عمر مخلصا في هذه السياسة كل الإخلاص" ويضيف هيكل في نفس الباب:{لم يدر بخلد أبي بكر ولا بخاطر عمر أن يتخطيا حدود العراق والشام إلى ما وراءهما. فقد كان بالعراق والشام من قبائل العرب التي نزحت من شبه الجزيرة وأقامت مملكة الحيرة ومملكة غسان ممن يمتون إلى المسلمين بأوثق الصلة فمن حق المسلمين أن يطمعوا في مؤازرتهم وانضمامهم إليهم. فأما ما وراء ذلك من أرض الفرس وأرض الروم فلم يكن للخليفتين الأولين مطمع في غزوه وفتحه}.
وقبل أن أواصل سرد نظرية عمر في السياسة أود أن اذكر لماذا استمر القتال مع الفرس. فبعد فتح العراق العربي وتحريره من قبضة الفرس، لم يستسلم الفرس لهذا ولم يعترفوا للعرب بحقهم في تحرير بلادهم. فاستشار عمر أصحابه فأشار الأحنف بن قيس على عمر بضرورة دخول الجيش أرض فارس وقتالهم حتى قتل ملكهم لنهم لن يكفوا عن قتال العرب حتى يقتل ملكهم. فأذن عمر للجيش بدخول أرض فارس لهذا الغرض المحدود. ولكن ملكهم لم يقتل في عهد عمر. بل في عهد عثمان فاتخذت الحرب مسارا آخر غير الذي أشار به الأحنف وأراده عمر. وسنعلم بعد قليل أن أمرا مشابها حدث عند حدود إفريقية.
ولكن قبل إفريقية (تونس حاليا). كان خلاف على دخول مصر وتريث عمر في القرار . وكان سر التروي باتخاذ القرار أن سيناء كانت عربية تماما . وشرقي النيل كانت تسكن قبائل عربية . وإجمالا كان يصعب الفصل بين العروبة والقبطية قبل الإسلام. وأنقل فيما يلي عن الدكتور سليمان حزين من فصل له بعنوان "مقومات الحضارة المصرية" من الكتاب القيم:تاريخ الحضارة المصرية الصادر عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي. يقول: ".. استمرت صفات السكان بالتنوع،فأصبح عنصر الشمال وعنصر الجنوب يمثلان فرعين من سلالة واحدة، لكل منهما صفاته المميزة إلى جانب الصفات المشتركة بين الإثنين. ولكن السكان جميعا كانوا جزءا من سلالة البحر المتوسط تلك التي انتشرت في بلاد العرب وغرب آسيا (فيما عدا هضاب الأناضول)." انتهى الاقتباس عن د. حزين. ولعله لهذا التعميم كان موقف عمر المحتار من مصر ففيها عروبة لكنها كانت مختلطة بسواها.
وتأخر عمر باتخاذ القرار فسبق عمرو بن العاص بجيشه إلى مصر. ونقتبس عن أحد المراجع التاريخية وصفا للحدث الكبير وموقف عمر منه . وما نقتبسه هنا عن كتاب فتوح البلدان للبلاذري كان يتكرر بمفرداته تماما في كل مرجع تاريخي تعرض للموضوع. يقول البلاذري:"وكان عمرو بن العاص حاصر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك...ومضى إلى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمسمائة . فغضب عمر لذلك وكتب إليه يوبخه ويعنفه على افتتانه برأيه.وأمره بالرجوع إلى موضعه إن وافاه كتابه دون مصر.فورد الكتاب عليه وهو بالعريش.....وكان الذي أتاه شريك بن عبيدة فأعطاه ألف دينار فأبي شريك قبولها فسأله أن يستر ذلك ولا يخبر به عمر!"هذا موقف عمر من مصر . ولا أراه بعيدا عن موقفه من فارس. ولكن المصريين استقبلوا جيش المسلمين وكانت الحرب سهلة نتيجة رغبة المصريين في التحرر من الاحتلال الإغريقي. وبكل المقاييس يبقى العرب أقرب لمجموع المصريين مهما كانت درجة العلاقة العرقية بينهم وبين العرب.
ولم يعترض عمر على فتح ليبيا الذي واصله عمرو بن العاص حتى وصل طرابلس . وهناك كتب إلى عمر يستأذنه بفتح إفريقية ،تونس حاليا، فنهاه عن ذلك. وتختلف الروايات حول السبب الذي منع به عمر الجند من فتح تونس. وسمعت من أحد المختصين بتاريخ المغرب أن عمر قال لعمرو بن العاص: "هذه إفريقية إنها ليست لنا" ولم أستطع التحقق من هذا القول من مصدر مكتوب. لكن هناك إجماع بين المؤرخين أن عمر منع جنده من تجاوز حدود ليبيا إلى ما يُعرف الآن بتونس.
ومقابل موقفه من أقطار لم يكن يقطنها عرب نراه يتخذ مختلفاً من النصارى العرب. فنراه يقسوا بالجزية والخراج على تغلب العربية المتنصرة ويأمرهم أن لا ينصروا أبناءهم . وفي رواية أنه قال لهم :"لا تصبغوا أبناءكم فهؤلاء لنا" يقصد أنهم عرب فالإسلام أولى بهم. ولم يفعل مثل ذلك مع اليهود من بني إسرائيل فهم ليسوا عرباً.
وبوضع كل هذه القرارات العمرية معا ندرك أن عمر فهم أن الإسلام للعرب. ولا يريد أن ينشره خارج حدودهم كما كان يعمل لتحويل كل العرب إلى الإسلام.
رحم الله عمر الذي استشهد في مثل هذه الأيام حيث الثالث من تشرين الثاني من عام 644 الموافق 26 ذي الحجة 23 هجرية.
الكاتب:
ابتسام حياصات بتاريخ: الخميس 28-11-2013 02:21 صباحا الزوار: 1873
التعليقات: 0
|