نستالوجيا الحنين في نص (سلمى) للشاعر عبد المهدي الجبور بقلم الشاعر صالح الهقيش
يقول بدر شاكر السيّاب يطول انتظاري، لعلي أراك لعلي، ألاقيك بين البشر سألقاك. لا بد لي أن أراك وإن كان بالناظر المحتضر فديت التي صوّرتها مناي وظل الكرى في هجير السهر أطلي على من حباك الحياة فأصبحت حسناء ملء النظر!
منذ بداياتي في الكتابه قبل سنين خلت وأنا أردد الشطر التالي من قصيده لم أكن أعرف كاتبها. يقول المقطع (سلمى وسلمى ورمش سلمى والأمال ) ولأنني كنت أسمعها من الصديق الراحل فايز الهقيش رحمه الله كانت الاسماء التي تتوارد لذهني (بدر الحريص)أو (مساعد الرشيدي)وآخرون لا أستطيع ذكرهم... ولكنني قبل عام أو أكثر عرفت من هو كاتبها وأيقنت حينها أننا نمتلك شاعراً يطاول بقامته شعراء الزمن الجميل ألا وهو الشاعر الكبير عبد المهدي الجبور ....هذا الشاعر الذي رسم في قصيدته(سلمى) نهجاً وخطاُ خاصاً به....لقد استطاع الشاعر عبد المهدي الجبور أن يجسد الحنين في نصه بحيث تملكت النص حالة (النستالوجيا) تلك الحاله التي تذهب بنا نحن والشاعر الى حيث النقطه التي يريد هو... وسأبدا بقراءه متواضعه للنص الذي أُأكد أنه من الصعب أن يقرأ لكثافة ما فيه من ابداع يقول الشاعر: جنوب ...والليل ابتدى غيم همال والنور خافت ..يرسم الظل مايل وآقول :ياسلمى ومعجبك هالحال والعمر يركض لون ركض الأصايل
بدأ الشاعر بالرمزيه مباشرةً ليشرع الباب للتساؤلات التي تحاصرنا وتحاصرها فقال(جنوب) وكأن الشاعر خاطب الجنوب والذي أعتقد أنه قصد فيه الصحراء وذهب بعدها ليرسم لوحة الليل الذي زادت الغيوم من اسوداده ولعل الشاعر قصد ب(الغيوم )الهموم التي تكتنف حالته، ومن ثم يذهب بنا في البيت الثاني الى تصاعديه أخرى من الابداع فيقول(والنور خافت يرسم الظل مايل ) صوره لا يكتبها الا شاعر بحجم عبد المهدي الجبور..... ويبدأ الشاعر بمخاطبة المقصود(سلمى) بسؤال استفهامي استنكاري(ومعجبك هالحال؟؟) ويذهب بنا في الشطر الآخر ليعطيها الاجابه(والعمر يركض لون ركض الاصايل).....صوره تنبأ عن تجربة شاعر عركته الحياه وأنتجت منه الابداع لا غير.... ويصر الشاعر أن يبث لواعج الحنين ويحدثنا عن (سلمى) فيقول: سلمى .وسلمى .ورمش سلمى ..والآمال واحلام طفلة سطرتها رسايل طفلة حزينة تبعث الريح مرسال تنطر جوابي فالسحاب المخايل جنوب ياسلمى ..ولاعندنا مال كود الشرف .والطهر .كود المثايل تكرار لفظي محبب (سلمى وسلمى ورمش سلمى والآمال)...اذا الشاعر اختصر الآمال والأحلام في عيني سلمى التي شبهها بالطفله ....ولا أعلم هل هي طفله فعلا ؟!....أم أنها حبيبته التي يحب أن يخاطبها بهذا الوصف؟! ويقول(طفله حزينه تبعث الريح مرسال ....تنطر جوابي فالسحاب المخايل) صوره ولا أروع ....أبداع من شاعر يتقن فن الرسم بالكلمات. وفي البيت الخامس يعيد الشاعر الكلمه الأولى في القصيده....ولكن بمعنى آخر فيقول : (جنوب يا سلمى ولا عندنا مال..كود الشرف والطهر كود المثايل) لقد قصد الشاعر بالجنوب وهو مخاطبا محبوبته (الصحراء القاحله والفقيره بالمال ولكنها غنيه بالشرف والناموس) ان عبد المهدي الجبور شاعر يمسك بعنان القصيده فيكتبها كما يشاء. ويأبى عبدالمهدي الجبور ألّا أن يعطينا البيت الذي نبحث عنه نحن معشر الشعراء ...وهو بيت القصيد فيقول في المقطع التالي: شوف الفقر والله ماضيق البال بسه يضيق من العتب والجمايل والليل .واحزان الفقارى .والاطفال والخوف .واحزان البدو .والقبايل والنظرة اللي شفتها بوجه رجّال ينطق كلام الحق ماهو ب سايل ان الذي فيني فلا ظن ينقال حاولت اقوله..مير مالي وسايل
أعتقد ولست جازماً أن البيت(شوف الفقر والله ما ضيّق البال ...بسه يضيق من العتب والجمايل) هو بيت القصيد الذي يبحث عنه شاعرنا . وبعد ذلك يبدأ الشاعر بممارسة هوايته الجميله وهي الرسم بالكلمات فيقول: والليل .واحزان الفقارى .والاطفال والخوف .واحزان البدو .والقبايل والنظرة اللي شفتها بوجه رجّال ينطق كلام الحق ماهو ب سايل ان الذي فيني فلا ظن ينقال حاولت اقوله..مير مالي وسايل صور عديده ورغم كثرتها الا انني أجدها متناسقه ومتفقه مع بعضها البعض.... ان الشاعر عبد المهدي الجبور وبخبرته الكبيره استطاع أن يراوح بنا ما بين المذاهب النقديه بكل صورها ولكن الكثيرين لم يتنبهوا لهذا الأمر...فذهب في البدايه للرمزيه ومن ثم ذهب للرومانتيكيه والكلاسيكيه في آن معاً. ولكن صديقنا عبد المهدي يأبى الا أن يعيد تدوير المشهد العاطفي في البيت الاخير ليعيدنا الى عمق الحنين والنستالوجيا فيقول:
وان كان جانا الفجر لو ترفعي الشال وخليني اسهر في ليال الجدايل مازال الشاعر رغم حالة الحزن التي تحيط بنصه الا انه أنهى النص بميلاد الامل وهو الفجر والذي ينبأ عن حياةٍ جديده. والتي
أتمنى أن يعيشها شاعرنا والجميع أيضا.
شاعرنا وناقدنا الجميل عبد المهدي الجبور شكراً لك لأنك أنت لا أحد غيرك عبد المهدي الجبور
الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الجمعة 01-03-2013 01:20 مساء الزوار: 2307
التعليقات: 0