|
مقال بعنوان (من رحيق الماضي) بقلم / ابراهيم الدهش هنا في وطني تشابه قاتل ومميت اصبحت ايامنا تتآكل مثل اوراق الخريف و حياتنا تمتليء بالتّحسّر والتّألّم والشّعور بالغبن وباليتم يلازمنا .
نضحك من هزائمنا ،نضحك من تخلفنا من اوجاعنا من انكساراتنا، نضحك من كلّ شيء ، نضحك ممن يضحك علينا. هذا الشعب العظيم الا يستحق ان يضحك ضحكة المنتصر؟ فالحلم الذي كان لم يصبح واقعا ونحن مدينون لذكريات مؤلمة ومزعجة ومفرحة في نفس الوقت مدينون لتاريخ كبير حمله اجدادنا وآباؤنا مدينون لعالم شهد لنا ذات يوم بقدرتنا ومهارتنا. فاصبحنا نلوك الذّكرى ونعلّقها لوحة على جداريات شوارعنا المزدحمة بالنّكسات .
لم يعد للكلام حاضنة دافئة. ولم تعد صرخاتنا تجد الصّدى .فجراحنا ضخمة ،لم تعالج كجراح مفتوحة. لقد قهرنا انفسنا ولم يقهرنا الزمن. من مدة ما دخلنا الحياة. ثم اصبحنا على سطحها، نركض لنعايش التّجارب المستوردة منتهية الصّلاحية .
لم يعد لنا تميّزولا وجود. حين ابحث عن ارشيف مدينتا المترامية الاطراف والمتنوّعة والغنية بثقافتها والفقيرة باقتصادها أجد الكثير من النّجوم المتلألئة في فترات من الزمن. اسعدتنا فعلا
ولو اخذنا عناوين من رحيق الماضي الجميل ولو انني متأكد أنّه نادرا ما يتفق اثنان في موضوع ما لاستعدنا شريط ذكريات الطّفولة والصّبا ،هنا كل شيء جميل ورائع لاستذكر حنان تلك الايام ورقّتها الممزوجة بنقاء العلاقات بين ابناء المدينة والمحلّة الواحدة. قد يتدفّق معي الكثير لينصتوا اليّ بشغف عندما اتحدث عن ايّام صورها وذكرياتها بين حدقات العيون، لن تفارقني ابدا وتغلغلت بين الافئدة والمشاعر، لن تمحى رغم الزمن. فكانت اجواء جميلة سحريّة رائعة وخاصة في فصل الصّيف وجلساتنا على سطح الدّار المحفوفة بالمحبّة والوئام وتناول وجبة العشاء، ذاك اروع من ان اجلس الان في افخم المطاعم من الدرجة الاولى. كانت جلساتنا مميّزة ونسيم الليالي البارد المنعش يجعلنا نترنّح على فراشنا بعد جهد طويل في النهار ،نغفو بعمق على وسادة الصّفاء لنزاول مهنة الاحلام السعيدة والنّدى يتراقص مع ناموسيّة كل سرير. فكانت ايام زمان تخلو من الاجهزة الكهربائية، من التدفئة والتّبريد .وان وجدت فانّها باهضة الثمن. لا يشتريها الا الزناكين والتّجار والاغنياء .
على خلاف وفرتها الان في منازلنا . لكل جهاز اختصاصة في المنزل. فنعوض عنها ايامنا الماضية. فالمروحة تقابلها المهفة التي تصنع من سعف النخيل، والحب بدلا من الثّلاجة لشرب الماء البارد وهو مصنوع من الفخار وامبر من الشربة كونها صغيرة ومصنوعة ايضا من الفخار .
اما التلفزيون العادي بدون الوان فهناك عدد قليل من عوائل مدينتي تمتلك جهاز تلفزيون. فيجتمع الرّجال مساء عند احدهم ويتفرجون على المسلسلات والتمثيليات، حتى ان النساء تغطي،وجوههن حتى لا يراها المذيع هكذا كانت تصرّفات الناس البسطاء،وفطرتهم.
فكان تلفزيون البصرة الوحيد الذي يصل مدينتنا وغالبية الناس يطلق على تسمية التمثيلية التنثيلية وعندما يصل المسلسل والممثل الى ذروة المشهد نسمع نحيب النساء،وعويلهن على المشهد المثير ومن هذه المسلسلات
( نحن لا نزرع الشّوك ) وبعدها يبدأ برنامج العلم للجميع ومقدمه كامل الدباغ كل يوم اربعاء الساعة التاسعة مساءوبرنامج الرياضة في اسبوع ومقدمه مؤيد البدري يوم الثلاثاء الساعة التاسعة مساء. وفي اليوم التالي عند الساعة السادسة الفترة الدينية وبعدها فترة برامج الاطفال وافلام الكارتون. هكذا كانت الايام والليالي وبساطة الناس اضيف الى ذلك لم توجد ابدا تسميات مذهبية تطلق فيما بينهم، الكل مشتركون في الانسانية والاخاء والوفاء والنقاء ليعيشوا معا اخوة متعاونين في السراء،والضراء يعودون بعضهم في الافراح والاحزان. كل هذا من رحيق الماضي الجميل في اغلب محطاته و الذي تغير و انقرض. كّل شيء كان هناك جميلا فاصبح كل شيء،بثمن و الانسان بيده مفاتيح السعادة والتغيير ان اراد ذلك و مع التّطور والتّكنولوجيا قادر ان يفعل المستحيل، كما قال الشاعر
( لا تيئسوا ان تستردوا مجدكم
فلرب مغلوب هوى ثم ارتقى )
الكاتب:
إدارة النشر والتحرير بتاريخ: السبت 23-05-2020 11:07 مساء الزوار: 2751
التعليقات: 0
|