|
عرار: المقدمة: بقولة: " التربية إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال وكل ما يمكن من الكمال" . ومن الغربيين من عرفها بقوله: " التربية : إعداد الفرد ليسعد نفسه أولا وغيره ثانيا" . ومن علماء المسلمين من عرفها تعريفا ينسجم مع وجهة النظر الإسلامية التي لا تعتبر هذه الحياة سوى معبر لدار القرار في الآخرة، فقال: " التربية هي إعداد الإنسان ليحيا حياة سعيدة في الدارين" . أما الثقافة فهي " المعرفة التي تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط" مثل التاريخ واللغة والفقه والفلسفة والفنون . وان ما يميزها عن العلم أن الأخير هو " المعرفة التي تؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة والاستنتاج". لذا فان العلم عالمي لجميع الأمم ولا تختص به أمة دون أخرى، و على المسلم بذل الجهد للحصول عليه أيا كان. أما الثقافة التي تكون من خصوصيات ومميزات أمة بعينها كالأدب وسيرة الانبياء والصالحين والقادة وفلسفة تلك الأمة عن الحياة، فان المسلم يجب أن يبدأ بثقافته أولا حتى إذا درسها ووعاها وتمركزت في ذهنه واطمئن الى استيعابها ، حينها فقط يمكنه أن يدرس الثقافات الأخرى دون الخشية من ضياع الهوية الدينية للفرد . و لو ضربنا مثالا لنفرق بين التربية و الثقافة نقول أن اطفالنا بحاجة الى تربية جنسية في مراحل حياتهم الأولى و الى ثقافة جنسية بعد البلوغ . ما انفك المهاجرون الى دول الغرب عن بذل الجهد المضني من اجل تربية أبنائهم وتزويدهم بالثقافة والعلوم الانسانية والدينية التي تساهم في اندماجهم الإيجابي و الحيلولة دون انصهارهم وضياعهم في المجتمع الغربي . غير أن تلك الجهود كانت وما زالت دون المستوى الذي يجب أن تكون عليه حتى تخفف من تأثير القيم و الثقافة و البيئة الغربية على النشء المسلم. ولم تقتصر الخشية من تأثير التربية الغربية على المسلمين المهاجرين بل شملت الجيل الثاني والثالث من ابنائهم و شملت المهتدين الجدد الثقافة وأوقات الفراغ هناك إمكانيات عديدة للمشاركة في النشاطات الثقافية ونشاطات أوقات الفراغ في الغرب ، إذ يمارس عدد كبير من المواطنين نشاطات ثقافية متعددة في النوادي . وتشكل النوادي الثقافية و الرياضية مراكز للتجمعات الرياضية والثقافية والتربوية والترفيهية و تتحمل البلديات الجزء الاكبر من نفقاتها المالية وكما تشكل المكتبات العامة نقطة اللقاء الطبيعية للحياة الثقافية في الغرب. إن المشاركة في حلقة دراسية تعتبر من بين ممارسات أوقات الفراغ التي تحوز على شعبية كبيرة في الغرب. وتقدم المؤسسات الدراسية مختلف الدورات الدراسية في مختلف المجالات كالحرف اليدوية وتحضير الطعام واللغات ومختلف المواد المهنية الخ . بدأ اهتمام المؤسسات الاسلامية في هذا المجال متأخرا نسبيا ، والمساجد والمدارس الإسلامية تقوم بتقديم خدمات دينية وتعليمية متواضعة لأطفال المسلمين. القيم الغربية واثرها على اطفال المسلمين معظم القيم الغربية مرتبطة بالمسيحية رغم ان ظاهرها علماني. وهذا يعني أن المرء يتبع القيم المسيحية دون أن يشارك بصورة فعالة في أي تنظيم ديني. ويتم تعليم مادة الدين للأطفال في المدارس على شكل تاريخ ويشمل ذلك تعريف عام بالإنجيل والمفاهيم الدينية المختلفة. ويتم ضمن هذه المادة أيضا مناقشة مختلف مسائل اوجه الحياة والعلاقات الإنسانية . هذا ويدرس تاريخ الأديان الأخرى بصورة مختصرة ومشوهه في اغلب الأحيان مما يدفع اتباعها بالاحتجاج المستمر على أسلوب تقديم ديانتهم للأطفال بهذا الشكل المبتور واكثر ما يعاني من ذلك هم المسلمون حيث يتم تشويه دينهم ومعتقداتهم في شكل غير حضاري . ما زال المسلمون يعلمون أبناءهم في المساجد والجمعيات والمراكز الإسلامية في مدارس نهاية الأسبوع التي تستقبل أبناء المسلمين الذين يتعلمون قراءة القرآن الكريم واللغة العربية والتربية الإسلامية. الآباء الذين يؤرقهم ضياع أبنائهم في متاهات المدارس الغربية التي تكثر فيها المخدرات و شرب الخمور حيث تشير التقارير المختلفة إلى ارتفاع ملحوظ باستخدام المخدرات بين الشباب من الجنسين ويبدأ التلاميذ في تعاطي الحبوب المخدرة مع الكحول في سن مبكرة تتراوح بين سن 13 و 14 ويقول الأطباء ( إن شرب الكحول و استعمال المخدرات بين فئة الطلاب في أيامنا هذه لهي أخطر مشكلة تواجه المجتمع الغربي ويقول الأطباء أن هذا الأمر يعد طبيعيا بحكم الثقافة الغربية المتحررة والتي لا تجرم حيازة المخدرات بكميات قليلة بل تجرم بيعها وترويجها فقط) والمشكلة الثانية التي يتخوف منها المسلمون هي الإباحية الجنسية في المدارس حيث أن الثورة الجنسية قد امتدت من الجامعة إلى المدرسة الثانوية فالمدرسة الإعدادية ويلاحظ أن نسبة الإجهاض بين البنات عالية جدا وقد امتدت عدوى ذلك لبنات الأجانب اللواتي يمارسن الجنس سرا ومن بعد يقمن بأجراء عمليات الإجهاض و إعادة لحم غشاء البكارة دون علم ذويهن وبمساعدة الأطباء والمرشدين الاجتماعيين ، خوفا من وقوع جرائم الشرف نتيجة ردة الفعل القاتلة لدى ذويهن إذا علموا بذلك. بعد معرفة هذه الحقائق الفظيعة التي تعج بها مدارس الغرب تستغرب الجهات الرسمية والشعبية الغربية من فرار المسلم المتدين بأبنائه من هذه البيئة الموبوءه إلى حيث الأمن والأمان والسلامة والإسلام في أحضان المدارس الإسلامية وقليا ما هي ؟!. الجاليات العربية و المسلمة بعمومها ما زالوا يكتفون بإرسال أبنائهم إلى مدارس نهاية الأسبوع بالمساجد ، ويرضون لأبنائهم أن يعبوا من الثقافة الغربية في المدارس العامة طوال أيام الأسبوع، و لماذا تعجز المؤسسات الإسلامية عن إيجاد مدرسة إسلامية نموذجية تحتضن أبنائهم وتقيهم شرور الانغماس في الفساد الأخلاقي و العمل على تربية جيل قادر على تحمل مسؤوليات الحياة !؟. إن سؤالا كهذا إذا طرحته على أي مسلم فانه لا يتردد في أن يقول لك بكل بساطة : إننا ما حضرنا إلى هنا إلا لدنيا نصيبها و لا وقت لدينا لتعليم أبناءنا ، و لا ثقة لنا بمدارس نهاية الإسبوع لأنها تفتقر للكفاءات العلمية والشرعية. ضياع الهوية الإسلامية في الآباء والأبناء فقد كثير من المهاجرين هويتهم الإسلامية ، وضاعوا بسرعة في البيئة الجديدة ، وكذلك جنوا على أبنائهم الذين وجدوا أنفسهم منجذبين إلى الراحة والدعة في الغرب وتشربوا بشكل تدريجي طريقة الحياة الغربية. خاصة الذين ولدوا في دول الغرب دون أن يتلقوا التربية المناسبة عن دينهم وبلادهم. واصبح شرب الخمور ومراقصة الفتيات وتغير الاسم باسم أجنبي أمور مألوفة لدى بعض شباب المسلمين. والصراع اليوم على أشده بين الآباء والأبناء ، بين الجيل القديم والجيل الجديد ، فالآباء يريدون من أبنائهم أن يطيعوهم ويحترموهم وأن يصوموا و يصلوا وأن يذهبوا إلى المساجد بانتظام. كما يريدون من أبنائهم وبناتهم أن يكفوا عن مواعدة ومراقصة الآخرين . أما الأولاد فقد اندمجوا بالمجتمع الغربي ويتكلمون اللغات الأوروبية و الإنجليزية بطلاقة و بالكاد يفقهون اللغة العربية واصبح لهم حياتهم الخاصة التي لا يعرف عنها الآباء شيا يذكر . ويبدو عليهم التأثر بالمراسلات والمعاكسات عبر شبكات التواصل الإجتماعي و تويتر و الإنترنت والسهر الطويل أمام التلفزيون ولا يشعرون بأي احترام لآبائهم ، ينظرون لأنفسهم كغربيين ويرفضون التمسك بالقيم العربية والإسلامية رغم أن أقرانهم من الغربيين عموما يرفضون الاعتراف بهم ويلقبونهم "بالأجانب ذوي فروة الرأس السوداء". ومن أسباب نفور الأبناء من قيم و عادات و تقاليد ذويهم هو تدني المستوى الثقافي لجيل الآباء بينما نجد جيل الأبناء متعلم و مثقف ، وللأسف نجده يترفع عن ذويه وقد أدى ذلك إلى ترك الأبناء بيوت ذويهم وانتقلوا للعيش مع صديق أو صديقة ليضيعوا ضياعا أبديا ومنهم من تنصر أو أعلن إلحاده على رؤوس الأشهاد . ورغم استياء الآباء من صنيع الأبناء وعدم رضاهم عن سلوكهم إلا انهم عاجزون عن مقاومة التيارالإلحادي و الإنحلالي ، وخاصة إصرار بعض الفتيات المسلمات من التزوج من غير المسلمين والمصيبة أن يرى بعض الآباء أن هذا أمرا سائغا ، أو لا مناص منه !!! بعض الآباء يلجؤا إلى العنف مع البنات أو إجبارهن على الزواج المبكر ممن يختارونه لهن وقد وقعت حوادث قتل للبنات ، مما كان له أثرا سلبيا على الإسلام والمسلمين بالغرب واستغل العنصريون الفرصة مطالبين بسن قواني تشدد العقوبة على ذوي الفتيات المهددات بتزويجهن مبكرا. صحيح أن للغربيين مدنيتهم الغنية بالقيم الثقافية و التي يعتزون بها وأن لديهم من العلم ما يمنكن أخذه، بل ما يجب بذل الجهد لتحصيله ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، ولكن أن ينصهر المسلمون ويذبون في مجتمع غربي دون الحفاظ على هويتهم الدينية و الثقافية مسأله فيها نظر ، و لا بد من احترام التعددية الثقافية في الغرب. محمود الدبعي aldebee@yahoo.se الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الجمعة 01-06-2012 09:59 صباحا
الزوار: 5962 التعليقات: 1
|