|
عمان – نضال برقان في أمسية احتفالية امتزجت فيها دموع الحنين بجماليات الشعر، شهدت المكتبة الوطنية مساء الإثنين الماضي، احتفالية إشهار ديوان «يتيم» للشاعر الدكتور محمد غسان الخليلي، بتنظيم من منتدى البيت العربي الثقافي، وسط حضور ثقافي وأدبي لافت. أدار الأمسية الدكتور عدنان السعودي بأسلوب أدبي رفيع، مهّد فيه لسفرٍ شعريّ استثنائيّ في وجدان الحضور، وافتُتِحت الفعالية بتلاوة عطرة من القرآن الكريم ألقاها الشيخ أحمد العمري، ما أضفى على الحدث مسحةً روحيّة مؤثّرة. وفي كلمة افتتاحية، عبّر رئيس المنتدى المهندس صالح الجعافرة عن امتنانه للمكتبة الوطنية على الاستضافة، ولراعي الحفل معالي الدكتور صلاح جرار، الغائب الحاضر، كما قدّم باسم المنتدى والحضور التهاني للشاعر الخليلي على صدور ديوانه، مشيرًا إلى فرادة هذا العمل كونه «أول ديوان شعري معاصر يخصّ الأم موضوعًا وحيدًا». واختتم الجعافرة كلمته بقصيدة نبطية مؤثرة، أبرز فيها مكانة الأم والأب في ذاكرة الشاعر العربي، وجاء فيها: (أبوي كان لي سحابة غيث... ومظله/ بعد رحيله ما طاب العيش ولا هنالي/ وأمي يا شمس عمري... وظلّه/ هي الروح ودنيتي... وسما لي). ومن أبرز فقرات الحفل، جاءت قراءة نقدية للشاعر محمد خضير بعنوان «على أحزنِ ما يُرام/ بكائيّة نقديّة»، وصف فيها الديوان بأنه ليس مجرّد رثاء، بل فعل وجودي يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان وذاكرة الأم، قائلًا: «إذا كان أعذب الشعر أكذبه، فكيف نستعذب الأصدق في رثاء الأم؟!». وأضاف خضير: «ديوان «يتيم» بكائي بامتياز، لكنه لا يستسلم للفقد بل يجعله نافذة تطلّ على حديقة الأمومة، حيث البرّ والوفاء هما طريق النجاة من الانهيار». وتوقف خضير عند البنية الفنية للعمل، مشيرًا إلى أن التكرار، والبلاغة الزائفة، واستدامة الألم، هي من آفات الرثاء المعاصر، لكن الخليلي نجح في تجاوزها، باستحضار شخصيات من التراث الشعري (كالخنساء ونزار وابن الرومي) ضمن بنية تناصّية واعية، واختار بوعيٍ شكل القصيدة العمودية والتفعيلة، ليؤكّد وفاءه للقصيدة العربية. واعتبر خضير أن غياب العناوين عن القصائد يُشير إلى إحساسٍ عميق بالحداد، كأنّ الشاعر «أشفق على قصائده من أن يُنسب إليها كأب»، مضيفًا أن الديوان يعكس ثلاث مراحل نفسية: الانفجار العاطفي، التأمل الوجودي، فمرحلة السلام الداخلي. من جهتها، قدّمت الدكتورة شذى فاعور قراءة نقدية معمقة بعنوان «بكائية اليتيم بين التطهير الصوفي والتمثلات البكائية التراثية»، رأت فيها أن «يتيم» ليس فقط ديوان رثاء، بل نصّ صوفي خالص، يخوض تجربة الوجع عبر بوابة التأمل. وركّزت فاعور على المعجم الصوفي في الديوان، بدءًا من «التخلي» بوصفه عزلة روحية، وصولًا إلى «العروج» كمجاز للفناء والبعث، وأبرزت توظيف الشاعر للغةٍ مشحونة بالوجد والتوق، تقول: «القصائد ليست لطمًا على غياب، بل محاولة لفهم معنى الوجود عبر فقدان الأمّ، تلك التي تصبح في الديوان قيمةً روحية عليا، لا جنّاً ولا بشراً». كما أضاءت على البُعد الفلسفي في معاني الموت والخلود، حيث «الروح لا تفنى بل تبقى نبعًا في مصابيحنا»، على حد تعبيرها، مؤكدة أن الشاعر «استعاد رموزًا صوفية وبلاغة تراثية ليُعيد تمثيل الفقد بوصفه تجربة تطهير داخلي». ثم قدم الشاعر محمد غسان الخليلي عدة قصائد من الديوان الشعري يتيم وشكر المكتبة الوطنية والبيت العربي والمشاركين والحضور الديوان الصادر عن «دار يافا للنشر والتوزيع – عمّان»، يأتي في إطار أدب الرثاء العربي الحديث، ويتميّز بتكريسه الكامل لثيمة الأم، في تجربة شعرية تجمع بين حرارة الفقد وعمق التصوّف ونبل اللغة. ويُعدّ «يتيم» علامة فارقة في تجربة الخليلي، لا لخصوصيته الموضوعية فحسب، بل لما يحمله من طاقة إنسانية وشاعرية هائلة، تعيد إلى الشعر وظيفته الأولى: التعبير عن الكينونة، والحفر في الوجدان، وتخليد من نُحب. وفي ختام الحفل قدّم الأستاذ صالح الجعافرة رئيس منتدى البيت العربي بمعية الأديبة ميرنا حتقوة أمين سر المنتدى ومنسقة الحفل الدروع التكريمية للمشاركين الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 11-07-2025 11:26 مساء
الزوار: 30 التعليقات: 0
|