|
خلود الواكد قبل عشر سنوات قرأتها، وها أنا أجدني أُعيد قراءتها من جديد، لماذا رواية براري الحمى لابراهيم نصر الله؟ الرواية التي جاءت بوحاً وتعبيراً عن التجربة القاسية التي عاشها كاتبها، وتزاحم ذكريات سنتين من الاغتراب في محافظة القنفذة في المملكة العربية السعودية. في أجواء صحراوية قاسية إضافة الى الفقر والحر الحارق والغربة. ولدت الرواية في عام 1984، نستطيع أن نقول إن عمرها واحد وأربعون عاماً من التجدد والحداثة. صحيفة الغارديان أعدّتها من أهم عشر روايات عن العالم العربي، كانت محطة اهتمام القراء والنقاد منذ ولادتها الأولى، رواية تعود وتفرض نفسها على ذاكرتنا وعلى رؤيتنا، لنجد أننا نقراها لأول مرة. رواية كل الأزمنة، في كل زمن تُقرأ بطريقة ما، وتُكتشف بطريقة ما، رواية لا تختبر مصير الانسان فحسب بل تختبر فطنة القارئ ورؤيته، وصبره على تفكيك تراكيب مفرداتها وجملها عالية الاتقان بالغة المعنى عميقة الاثر، تحمل للقارئ تحدياً وتُأكد له أنه أمام رواية استثنائية وكاتب عبقري، وبعيدا عن المناهج والمفاهيم التقليدية في السرد كانت الأكثر حداثة في أسلوبها المحدث والمغاير في الطرح لغةً واسلوباً، والتي جاءت تحاكي عقل القارئ وتاخذه الى عالمين متوازيين الواقع والمتخيل، خارج صندوق السرد الرتيب، كأمواج البحر تأخذك بعيدًا بعيدًا لكن لا بد من الرجوع للشاطئ مهما أخذتك الفكرة وشدك الخيال، فالخيال أكثر تأثيرًا في النفس من الواقع. لذا كان الدخول في عمق الشخوص والتماهي مع حالتها ودوافعها السيكولوجيا، والحديث بلسان حالها واتساع رقعة الخيال والوصف الفلسفي المدروس لصراعاته قادراً على شرح الواقع وتضيق المسافات بين القارئ والفكرة. لم تكن حمى البراري حمى مكان أو زمان، كانتْ حمى لغة، وحمى حالة، وحمى الأدب الحديث التي جاءتْ بحدة وشراسة، كاشفة عن أنيابها تهاجم عقل القارئ والناقد لتثبت استثنائيتها بكل الأزمنة التي قُرأت فيها، هي انجاز أدبي متقدم، لا يحتاج من يُقدمه، هي تفرض نفسها في كل مرة تُقرأ فيها. هي حمى الحدود وانصهارها، وهذيان الصحراء المقفرة والأفكار المتّقِدة، والحاجات الملّحة. والهموم المشتركة. حمى الوطن الواحد والأوطان الممزقة. حمى من مزقهم الاغتراب وسلطة المكان التي شكّلتْ معاناة الشخصية وهيمنتْ بكل ثقلها على أحلامها وهمومها وخيالها. مراوغة شرسة بين المكان وظروفه والإنسان وتحمله. كان صراعاً أظهر لنا وعي وذكاء ابراهيم نصرالله وقدرته في إدارة أدوات السرد تفكيك بنية العناصر وإعادة بناءها من جديد. لتقديم رواية بقالب معاصر قادرة أن تعيش في أذهان القراء عقوداً طويلة. يجب أن تُقرأ من أجل رؤياها؛ فهي الرواية المثيرة المقلقة التي كتبت بمهارة ابراهيم نصر الله ومكره الأدبي ودهائه المعهود باللغة وأسرارها ودهاليزها. روائي خلاق بلا منازع. ومنها أقتبس: «وما أن ابتعدوا، حتى انتابني الحزن فجأة علي، كنت عارياً إلا من خوفي ووحيداً حتى حدود الغياب، فبدأت فصلا طويلا من البكاء، وروعني خبر موتي حين يصل أخي نعمان، على الرغم من عدائي لضحكته المشاغبة. ومن بين دمعتين قاطعتين تساءلت: ما الذي ستفعله أمي». الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 18-04-2025 01:03 صباحا
الزوار: 41 التعليقات: 0
|