|
عرار:
عدنان فيصل قازان في عالَمِ الأدبِ والنَّقدِ، هناك أسماءٌ تضيءُ كالمناراتِ التي تهدي السُّفن وسط الظُّلُمات، والدكتورُ نبيل حداد هو واحدٌ من تلكَ القامات الفكريّة التي تشعُّ إبداعًا ومعرفةً، حينما نتحدَّثُ عنهُ، فإنَّنا نتحدَّث عن مسيرةٍ أدبيّةٍ ونقديّةٍ حافلةٍ، وعنْ عقليَّة نهضتْ بالسَّرد العربيّ الحديث، وجعلتْ من النَّقد أداةً لفهمِ أعماق النُّصوص واستكشاف جمالياتِها. بالنسبةِ للدكتورِ حدّاد، السَّردُ كان جزءًا من تكوينه الوجدانيِّ ومسار حياته الفكريّة، منذ نعومة أظفارِه في بيسان، مرورًا بطفولته بين الحكاياتِ الشعبيّةِ وحكاياتِ «الغُولةِ»، وحتّى انغماسِه في عالَمِ الروايةِ والقصةِ القصيرة، شكَّل السَّردُ مرآةً تعكسُ أعماقَ ذاته وتجربته الحياتية، ويقولُ نبيل حداد: «السَّردُ هو حياتي، وهو الذي صاغَ وجداني ورسمَ معالمَ حياتي العمليّةِ والوجدانيّةِ معًا.» هذهِ الكلماتُ دليلٌ على ارتباطِهِ الحميميِّ بفنِّ القصِّ، الذي رافقهُ في رحلته الأكاديميّةِ والإبداعيّة، وتركَ أثرهُ الواضح في النَّقدِ العربيِّ الحديث. من بينِ أبرزِ أدوار نبيل حدّاد، يبرزُ دورُهُ كأستاذٍ وناقدٍ موجّهٍ للأجيال، من خلالِ إشرافهِ على أكثرَ منْ 90 رسالةِ ماجستيرَ وأطروحةِ دكتوراهَ، ولمْ يكتفِ بنقلِ المعرفةِ، بلْ عملَ على تطويرِ عقولِ طلابِهِ، وفتحَ لهم أبوابَ البحثِ والإبداع، وكان هذا الدورُ التربويُّ رسالةً حملَها بقلبٍ مفعمٍ بالشغف تجاه الأدبِ واللغةِ العربيّةِ، ويشهدُ على ذلكَ طلابهُ الذينَ أصبحوا قاماتٍ أدبيّةً وأكاديميّةً، يحملونَ بصماتِهِ الفكريّةَ ورؤاهُ النقديّةَ. لقدْ لعبَ حدّاد دورًا محوريًا في تشكيلِ ملامحِ النَّقدِ الحديثِ في الأدبِ العربيِّ، خاصّةً في الأردنِ، أبحاثُهُ المتعمّقةُ، وكتبُهُ النقديّةُ التي تلامسُ تفاصيل السَّردِ واللغة، جعلتْ منهُ أحدَ أعمدةِ النَّقدِ الأدبيِّ، كتابُهُ «الروايةُ في الأردنِ» على سبيلِ المثالِ، يُعدُّ مرجعًا لا غنى عنهُ لفهمِ تطوّرِ السَّردِ الأردنيِّ، كما أنَّ مؤلَّفاتِهِ مثلَ «الكتابة بأوجاع الحاضر» «وفضاءات ومرتكزات» قدْ أسهمتْ في استكشافِ القضايا الفكريّةِ والاجتماعيّةِ التي تشغلُ بالَ الروائيينَ، مما جعلَهُ نافذةً تطلُّ على أعماقِ النُّصوصِ المحليّةِ والعربيّةِ. كانَ نبيل حدّاد دائم الحضورِ في الفعالياتِ الثقافيّةِ والأدبيّةِ المحليّةِ والدوليّةِ، كان نجمًا تتجهُ إليهِ الأنظارُ، برزت مكانتُهُ في مؤتمراتٍ مثلَ ملتقى القاهرةِ الدوليِّ للإبداعِ الروائيِّ، حيثُ مثّل السَّرد الأردنيَّ في المحافل الكبرى، وأظهر غنى الروايةِ والقصةِ الأردنيّةِ، ودورَها في إثراءِ الأدبِ العربيِّ الحديثِ. يتميّزُ حدّاد بقدرتِهِ على الغوصِ في أعماقِ الروايةِ الأردنيّةِ، مُلقيًا الضوءَ على خصوصياتِها الثقافيّةِ والاجتماعيّةِ، لقدْ رأى في الروايةِ الأردنيّةِ مشروعًا يحملُ ملامحَ المجتمع المحليِّ، لكنَّهُ يتجاوزُها ليعانقَ القضايا الإنسانيّة الكبرى، منْ خلال مؤلَّفاته مثل «بهجةُ السَّردِ الروائيِّ» و»المرأةُ مشروعًا حضاريًا»، استطاعَ أنْ يقدّم قراءةً شاملةً ومتعمّقةً للروايةِ الأردنيّةِ، مسلّطًا الضوء على أصواتِ مبدعيها ومبدعاتِها. ومسيرةُ نبيل حدّاد لم تمرَّ دون تقديرٍ، فقدْ نال العديد من الجوائزِ التي تعكسُ اعترافَ الأوساطِ الأدبيّةِ والأكاديميّةِ بإسهاماتِهِ، منْ جائزةِ درع مهرجان جرش وجائزةِ التأليفِ التي حصل عليها عامَ 2003، إلى التكريماتِ التي أقيمتْ خصيصًا لهُ من جامعاتٍ ومنتدياتٍ ثقافيّةٍ، مجلةُ «أفكار» احتفتْ بتجربتهِ الأكاديميّةِ والنقديّةِ في عددٍ خاصٍّ، بينما أصدر أكاديميّونَ كتابًا تكريميًا بعنوان «قضايا في الروايةِ الأردنيّةِ ودراساتٌ في خطابِ الدكتورِ نبيل حدّاد». في النهاية، الدكتور نبيل هو مؤسّسةٌ فكريّةٌ قائمةٌ بذاتِها، لقدْ نجحَ في تحويل النَّقد إلى تجربةٍ إنسانيّةٍ تغوصُ في أعماق النُّصوص، وترصدُ التحوّلات الاجتماعيّة والثقافيّة، إرثُهُ لا يقتصرُ على كتبِهِ وأبحاثهِ، بلْ يمتدُّ إلى أجيالٍ تتلمذت على يديهِ، تحملُ رايةَ النَّقدِ والإبداعِ، وتواصلُ رحلتهُ في استكشافِ آفاق السَّرد. إنَّ الحديث عنِ نبيل حدّاد هو حديثٌ عنْ مدرسةٍ أدبيّةٍ ونقديّةٍ، تتسمُ بالعمقِ والشموليّةِ، مدرسةٌ تمزجُ بين المعرفةِ الأكاديميّةِ والحسِّ الإبداعيِّ، لتبني جسورًا منَ الجمالِ والفكرِ بين الأجيالِ. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 31-01-2025 08:28 مساء
الزوار: 35 التعليقات: 0
|