الشاعرة والكاتبة السورية الدكتورة غادة مصفي، شخصية متميزة بالعلم والأدب والثقافة، وقد سبق أن أجريت معها حواراً، اجتماعياً وأدبياً، تعرفنا من خلاله على شخصيتها، وعلى الكثير من نشاطاتها الأدبية وكتاباتها وأشعارها، في لقائي هذا معها كان حواري معها عن الثقافة، والمثقف العربي بعامة، الدكتورة غادة مصفي، تبهرك وتأسرك بكل صفاتها، فهي تحمل اعلي الشهادات العلمية في جراحة وطب العيون، كما أنها شاعرة وأديبة متميزة، تكتب بقلم ماسي، ومداداً ذهبي، تستمتع كثيراً عند قراءتك لأشعارها وخواطرها وكافة كتاباتها المتنوعة الأخرى، كما أنها شخصية تمتاز بعمق ثقافتها، ورقيها، فهي كنز من المعلومات الثقافية العامة، وتراها ملمة في الكثير من الأمور، ويكاد لا يصعب عليها شيء، فإذا تحدثتْ بمجال عملها وعلمها أبدعتْ، وإذا تحدثت بمجال الأدب والشعر، أجادتْ وأبهرتْ، وان تحدثتْ في مجال المعلومات الثقافية والسياسية، فهي بحر واسع وعميق، ونجمة متألقة وساطعة، وان تحدثت عن بنات جنسها، أي عن المرأة ومشاكلها وحقوقها ومعاناتها، فهي موضوعية جداً، وتجسد مشكلة المرأة العربية، من المحيط إلى الخليج، بموضوعية ودقة، وبحق وحقيقة، ودون زيادة او نقصان، كعادتي مع كل من أتحاور معهن من السيدات، كان سؤالي الأول لها هو:
@من هي السيدة السورية غادة مصفي الرجاء تقديم نفسك للقارئ من حيث الجنسية والحالة الاجتماعية والعمر ومكان الإقامة والعمل والمستوى التعليمي والهوايات؟؟؟
غادة مصفي، سورية أباً عن جد، من مواليد دمشق، متزوجة، ومقيمة في دمشق، حاصلة على شهادة الدكتوراه في جراحة وطب العيون، أمارس عملي في دمشق أيضاً، ناشطة مدنية في مجال تمكين المرأة، والدفاع عن حقوقها، هواياتي المفضلة القراءة والمطالعة، وبكل ما يتعلق بالآداب والفلسفة والدراسات الاجتماعية والسياسية.
@من هو في رأيك الشخصي المثقف؟ وهل كل من حمل شهادة علمية، شرط أن يكون مثقفاً؟ ومن لا يحمل شهادة علمية جاهل وأمي، سواء كان رجلاً او امرأة؟؟؟
أعتقد أن المثقف هو من يلمّ بأمور العلم والمعرفة، بخبرة حياتية واسعة، مدعومة بالدراسات الأكاديمية، التي تتيح له التحليل والشرح، بمنطق ودراية وفهم، ما يجري حوله، وما تتطلبه الأحداث التي يعيش فيها، وليس بالضرورة كل من حمل شهادة عالية، أن يكون مثقفا،ً قد يكون بارعاً في مجال تخصصه، لكنه لا يرتقي لمفهوم الثقافة الواسع، الذي يحتاج الخبرة العملية، على أرض الواقع، وفهم الحياة، بوعي وعقل منفتح، ومن هنا نرى أشخاصاً لهم دور بارز وتأثير عميق، في الحياة الثقافية، دون الحصول على الشهادات العالية، باختصار، الشهادة العلمية وحدها لا تصنع مثقفاً، سواء كان رجلاً أو امرأة.
@ما هي الأفكار والقيم والمبادئ التي تحملينها وتؤمني بها، وتدافعي عنها ؟ وهل شخصيتك قوية وجريئة وصريحة ومنفتحة اجتماعياً ومتفائلة؟
إيماني كبير بالحرية، بمفهومها الشامل، وبإنسانية الإنسان، وبالعدل والمحبة، وهذه الأمور للأسف الشديد، ضاقت، وتراجعت بظل الظروف التي نعيشها، في غالبية بلداننا العربية، وما زلنا نأمل بالوصول إليها، رغم قتامة المشهد، مما يدعونا للعمل الجاد، والواعي، كل حسب استطاعته وفاعليته، ضمن مجتمعه، وهذا يدفعني لأكون جريئة وصريحة وقوية ومنفتحة، على كل مناحي الحياة، لأكون جزء فاعلاً في تحريك المجتمع، نحو ما نحلم به.
@ ما هو الدور المناط بالمثقف للقيام به في مجتمعه خاصة، وعلى صعيد المجتمع العربي الواسع؟؟؟
للمثقف دور هام، يبدأ بمجتمعه، ويتسع حتى يصبح مؤثراً على المجتمع العربي الواسع، على عاتقه يقع شرح الواقع المعاش للمجتمع، وتبيان الحقائق، وتفسير الأحداث، والتنبيه للمخاطر التي قد يتعرض لها المجتمع، سواء من الطبقة الحاكمة محلياً، او من اللعبة العالمية، القائمة على المصالح الخاصة، عليه أن ينشر الفكر التنويري، بأحقية الجميع، ومعرفة الحقيقة والعيش بكرامة وإنسانية.
@ما هو رأيك سيدتي بالمثقف العربي بشكل عام، ودوره الغزلي مع السلطة الحاكمة، ومجاملة نفاقها، ومهادنتها، وخدمتها، والدفاع عنها؟ وهل هذا العمل مقبول منه؟
تراجع دور المثقفين، وانحسر بشكل كبير، نظراً للتهميش المتعمد الممارس عليهم، بالترهيب، وكتم الأفواه، وتضييق هامش الحريات الفكرية، بالإضافة، لعدم تبني الثقافة كجزء هام في حياة المجتمع والدولة، ورعاية المثقفين، والتكفل برفاهية معيشتهم، حتى يتسنى لهم التفرغ لإبداعهم,,وهنا نرى قسماً منهم، آثر الانسحاب من النشاط الفاعل، إما لتحصيل لقمة العيش، وإما طلباً للأمان، بعيداً عن الملاحقة، بسبب أفكاره، وإما الهجرة خارج البلد، بعيداً عن مشاكله، والبعض يساهم بمحاولات خجولة، لا ترقى لمستوى الحدث، وقلة بقيت صامدة بفكرها، تحاول جاهدة، إيصال صوتها، وفتح كوة للعمل المؤثر، ولا ننسى مشكلة ضيق الفرصة المتاحة أمام المثقفين، بنشر أعمالهم، وطباعتها، وتوزيعها. وأما من تبنى مقولة قلم للإيجار، يهادن به السلطة الحاكمة، ويبيض أعمالها على حساب الحق، يكون قد باع ضميره المهني، والإنساني في سبيل منفعة شخصية بحتة، وهؤلاء، لا يقال عنهم مثقفين، بل منتفعين، ومتسلقين على جسم الثقافة.
@ ماذا يمثل الحب في حياتك صديقتي، وماذا تقولين عندما يموت الحب بين البشر؟؟؟
المحبة شريان الحياة، وجميع الديانات والشرائع السماوية، حضَّتْ على المحبة، عندما يختفي الحب من حياة الناس، تختفي مظاهر الإنسانية، وتصبح الحياة جامدة، كآلة تدور بحكم العمل لا أكثر.
@ما هي علاقتك بالقراءة والكتابة، ولمن قرأت من الكتاب والأدباء، وهل لديك مؤلفات منشورة أو مطبوعة، ما هي بداياتك بالكتابة، هل بدأت الكتابة فوراً؟ أم كنت تكتبين عن كل شيئ، وهل أنت عاشقة للكتابة بشكل عام؟
نشأت في بيئة تعتبر الكتاب والقراءة حاجة أساسية، لا يُعلى عليها، فبدأ اطلاعي على الأعمال الأدبية، ومعرفة الكتاب والشعراء بمرحلة مبكرة جداً، استمريت إلى الآن بهذا الشغف، للقراءة، كانت قراءاتي متنوعة، لمعظم الكتاب العرب، من مصر للمغرب العربي، للأدب الأوربي، وأدب أميركا اللاتينية. كنت في البداية اكتب الخاطرة، والومضة الشعرية، نشرت بعض أعمالي في مجلة الجامعة، أيام دراستي، ثم بدأت بكتابة القصيدة النثرية، لمواضيع مختلفة من حياتنا، للحب، والوطن، عن كل ما يستوقفني من الأحداث، التي نعيشها، وحالياً أعمل على طباعة ديوان لي، يضم كتاباتي، بعد أن كنت انشرها على شبكات التواصل فقط.
@هل تعتقد الكاتبة والشاعرة السورية غادة مصفي أن المثقف العربي في كافة المجتمعات العربية دوره مغيب، وأنه بعيد عن واقعه ومجتمعه، أم أنه يقوم بدوره بشكل خجول، وغير فاعل؟؟ وما هي أزمة المثقف العربي التي يعيشها ويعاني منها، ولماذا لا يظهر بالساحات العربية، بكل قوة وهمة وعزيمة ونشاط؟
هناك تغييب قسري ومبرمج، تنتهجه السلطات لإبعاد الفكر النير، الذي باستطاعته كشف الزيف والظلم الممارس على الشعوب، فالمثقف، يقف عاجزاً أمام كبت الحرية الفكرية، وبالقوة، أحياناً وسائله المتاحة للنشر، غير كافية، ونادراً ما يكون في برامج الحكومة أي بند لدعم الكتاب والمفكرين، سواء الدعم المادي المناسب، من تشجيع للكتابة والطباعة، وتوفير الأمكنة الخاصة لعرض إنتاجهم، وغياب الدعم المعنوي أيضاً، من نشر ثقافة المعرفة بين الناس، وتكريم المثقفين لجهودهم الفاعلة، وخلق شريحة مجتمعية تهتم وتطلب التعرف على مختلف جوانب الثقافة، بغياب البيئة الحاضنة والراعية للثقافة، أدت لهذا الظهور الخجول للمثقف، في مجتمعه، وفتور همته بتقديم المزيد.
@ما هي أهم مشاكل الكتاب والأدباء العرب، التي يعانون منها من وجهة نظرك الشخصية؟
غياب الاهتمام بدورهم، وصعوبة وغلاء الطباعة والنشر، وخاصة الأدباء الشباب، ورغم وجود الروابط واتحادات الكتاب، التي تعنى بشؤون الكتاب، تبقى جهودها محدودة الفائدة، خاصة مساهمتها في انتشار الكتب. وكرأي شخصي أرى هناك تراجعاً كبيراً في شريحة القراء، وعدم الإقبال على اقتناء الكتاب، والقراءة باتت حاجة ثانوية بحياة الناس، وهذا له أثره على الكاتب والأدب معاً(يولد شعوراً بالإحباط من جدوى الكتابة).
@هل تعتقدين صديقتي، أن الشعر ودوره الحالي في المجتمعات العربية، تراجع عما كان عليه في العهود الماضية، وما هو دوره الآن وما هو السبب؟
بالماضي كان الشعر والشعراء منبر العرب، ولسان حالهم في كل مناسباتهم الوطنية والقومية، والاجتماعية. حالياً لم يعد للشعر نفس البريق، ويعتبره البعض نوعاً من الفنتازيات الأدبية، ربما لظهور أنواع وأشكال أدبية أخرى، نافسته مكانته، أو لظهور وسائل اتصال أحدث وأسرع من لغة الشعر !!
@هل أنت مع ظاهرة الصداقة ,الحب,الزواج ,عبر صفحات التواصل الإجتماعي وهل تعتقدين أن الشبكة العنكبوتية نعمة أم نقمة على الإنسان وخاصة المثقفين العرب بشكل عام؟
الشبكة العنكبوتية وفرت فضاءً واسعاً جداً وسهلاً، للتقارب وانتقال المعلومات، وتبادل الخبرات بسرعة قياسية، وساهمت في انتشار كثير من الشعراء والأدباء والمفكرين، ووصول أفكارهم ونتاجهم لأكبر شريحة ممكنة، وكثير من الأدباء، وخاصة الشباب، كانت الشبكة وسيلة هامة في معرفتهم وانتشارهم, وتبقى إيجابياتها أو سلبياتها رهناً على مستخدمها، إن أتقن ما يريده منها، فهي نعمة، وإن أساء استخدامها فهي نقمة.
@ما هي أهم التحديات التي واجهتيها في الحياة، وماذا اكتسبت من الحياة من تجارب ومهارات؟؟؟
الحياة بحد ذاتها تحدِ يومي للوجود، تعلمت منها أن الحياة إرادة، ولا يوجد ما هو مستحيل، دائماً هناك فرصة أمل، ما علينا إلا البحث عنها، وأن هناك في كل يوم شيئ جديد نتعلمه، يزيد من معرفتنا وخبرتنا.
@ما هي أحلامك وطموحاتك التي تتمنين تحقيقها؟
أحلم بالأمن والسلام والتسامح بين الناس، وأغلى ما أتمناه، أن تنتهي ويلات الحرب والدمار والقتل الوحشي غير المسبوق في بلدي، وفي كل مكان يراق فيه دم الأبرياء.
إنتهى موضوع لقاء وحوار ثقافي
مع الشاعرة والكاتبة الدكتورة السورية غادة مصفي