عزيزة علي

عمان- ضمن سلسلة “الفلسفة للشباب”، صدر عن وزارة الثقافة، كتاب بعنوان “الوجودية وإشكالية الأنا والآخر، إشكالات وجودية”، للمحاضرة في الجامعة الأردنية الدكتورة فاطمة الشبلي.
في مقدمتها للكتاب، تتحدث المؤلفة عن أهمية إعداد هذا الكتاب بأنها راجعة لوجود لبس حول مفاهيم رئيسية عدة، منها ما يرتبط بمفاهيم في الفلسفة الوجودية بشكل خاص، ومنها ما يرتبط بإشكاليات حياتية عربية معاشية، وقد ناقشت فصوله مجموعة محاور فكرية جدلية دارت حول الفلسفة الوجودية ومشكلة الغيرية في الواقع العربي المعاصر.
وقد قسمت الشبلي كتابها الى ثلاثة فصول رئيسية؛ حيث يحتوي كل فصل على مجموعة من العناوين الفرعية لما تتطلبه ضرورة العرض والتحليل والنقاش، وهي كما يلي: الفصل الأول جاء بعنوان “الفلسفة الوجودية”، ويتحدث حول بيان الواقع الفلسفي للحظة ابتداء الفلسفة الوجودية، وأسباب اعتبار الفلسفة الوجودية فلسفة حياة، ومناقشة أبرز المفاهيم الخاصة بهذه الفلسفة مثل “الوجود، العدم، القلق، الحرية، المسؤولية”، إضافة إلى بحث إشكاليتي “العدمية والتشاؤمية”، على اعتبارهما جزءا من المحاور الرئيسية التي درستها الفلسفة الوجودية.
بينما يتناول الفصل الثاني “الأنا والآخر”، وهذا الفصل يتحدث بشكل رئيسي عن الجدال حول إشكالية الهوية والاختلاف، باعتبار الإنسان كائنا اجتماعيا لابد له أن يعيش ضمن مجموعة بشرية، وأبرز ما نوقش في هذا الفصل هو طبيعة العلاقة التي تتمثل بين الأنا والآخر إن كانت علاقة قائمة على الود والتفاهم أم على التنافر والعداء، وماهية هذه العلاقة مع عرض موجز لأبرز الفلاسفة الذين تناولوا هذه الإشكالية.
وجاء الفصل الثالث بعنوان “المشكلة الوجودية لدى الشباب العربي/حول الأنا والآخر”، وجاء هذا الفصل أساسا على إشكالية الهوية العربية وفهمها للآخر باعتباره مختلفا عنها، وقد استعرض الفصل مجموعة من المفكرين العرب الذين أدركوا هذه الإشكالية وصبوا اهتمامهم لمحاولة فهمها وإيجاد الحلول المناسبة لها.
وتوضح المؤلفة أن جميع هذه الفصول تركزت حول عرض لوجهات النظر المختلفة دون ترجيح واحدة على حساب الأخرى، وذلك كي يفتح مجالا للقارئ لنقد الأفكار وتحليلها دون تأثير من الكاتب ودون الانحياز المقصود نحو أي فكرة، كما تم في نهاية كل فصل وضع مجموعة من أبرز النتائج والأفكار التي تناولتها فصول الكتاب، وهي ليست بالضرورة شاملة لكل الأفكار وإنما لأبرزها، وفي نهاية الكتاب وضحت معاني أبرز المصطلحات التي ورد ذكرها.
وتحت عنوان “ماذا نفهم؟”، ترى الشبلي أنه نتيجة للحوارات والمناقشات التي دارت في السنوات الماضية وتناولت إشكالية “الأنا والآخر”، “الذات والغير”، “العرب والغرب”، “التراث والحداثة”، بالبحث والدراسة، ونتيجة للآراء والدراسات التي أبداها المفكرون والمثقفون العرب في الكتب وعلى صفحات الجرائد والمجلات في تناولهم لتلك الإشكالية، فمن الممكن تقسيم المفكرين العرب إلى ثلاث فئات بارزة، وكل فئة لها رأي خاص بها يعبر عن مدى انفتاحها أو انغلاقها على الآخر.
وتوضح الفئة الأولى من هذه الفئات وهي “المفكرون التنويريون العرب الذين ينادون بالثقافة الغربية ويدعون المجتمع العربي إلى الانفتاح عليها دون شروط، بدعوة أن العصر الذي نعيش فيه ونتفاعل معه هو عصر المعرفة والرؤية المستقبلية مدعوما بالعلوم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة، وترى هذه الفئة أنه لا مفر من أن يعيش العرب عصرهم ويتجاوبون معه دون الخوف من موقع الثقة بتراث الأمة العربية وحضارتها، وأن ضرورة إحياء الفكر العربي وتحديثه لا تسمح بالانغلاق على الذات، وأنه لا طائل من التوقع داخل حدودها أو الانكفاء على ماضيها وتراثها، فالعالم اليوم هو عالم الانفتاح الثقافي العالمي”.
أما الفئة الثانية، بحسب الشبلي، فهم “السلفيون العرب الذين يرفضون العولمة والانفتاح على الآخر أصلا وموضوعا، ويجاهرون العداء للغرب، ويقاومون أي دعوة للاتصال أو الانفتاح على الآخر، وذلك بحجة أنها ثقافة يتم الترويج لها عبر الإمبريالية الغربية للقضاء على الثقافة الإسلامية، ويرون أن الثقافة الغربية هي وليدة ثقافة صليبية تهدف منذ زمن طويل للاعتداء على الثقافة الإسلامية ومحو مظاهرها والنيل منها والهيمنة عليها، وذلك عن طريق اختراق تراثها، وعقائدها وتقاليدها، والتخلي عن قيمها الروحية والإنسانية، كما يجدونها تسعى إلى فرض العلمانية الثقافية التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، وبهذا فإن الدعوة إلى الانفتاح ما هو إلا ترسيخ للهوية الحضارية الغربية وتحقيق لسيادتها على الذات العربية”.
أما الفئة الثالثة، فهم “المفكرون العرب الذين يسعون إلى التوفيقية المتوازنة بين الانفتاح على الغرب من جهة والمحافظة على ثقافة الأمة العربية وصيانة تراثها وتقاليدها وقيمها، إنهم يعارضون الانعزال والرفض والتصلب الذي يؤدي إلى تهميش الثقافة العربية وإبعادها عن الساحة العالمية الثقافية، ويرون أن الفكر الإسلامي الحالي عاجز عن الاستجابة لمتطلبات العصر الحضارية، ولذا فإنهم يدعون إلى الحداثة والابتكار والإبداع، وفي الوقت نفسه يحذرون من أنه لا يجوز أن يؤول بنا الحال إلى الذوبان في تيار الغرب “الآخر”، ونكون بذلك قد فقدنا هويتنا وخصوصيتنا”.
وترى المؤلفة أن الانفتاح أو الانغلاق على الآخر وإدراك بعدنا الوجودي الزماني والمكاني من الناحية “الفكرية والتكنولوجية”، يتوقف في المقام الأول على وضوح رؤيتنا التي تنير لنا الطريق لمعرفة ما هو ثابت في ثقافتنا العربية وما هو متغير وقابل للتحديث، فالفكر العربي في وقتنا الحاضر ما يزال يتخبط بين ثوابت ثقافته وبين متغيراتها، ونتيجة لهذا الخلط والاشتباك في الفهم، فإنهم؛ أي المفكرين العرب، يصدرون في كثير من الأحيان أحكاما خاطئة من شأنها خلق إشكالية مفاهيمية، فالثابت متغير، والمتغير يحسبونه ثابتا، وبذلك يعم التخبط أحكامنا على ثقافتنا وعلى “ذاتنا”، وكذلك على ثقافة الآخر، فلا نحن هنا ولا نحن هناك.
وتقول الشلبي “إن المسلمين في المشرق العربي في القرون الأربعة الذهبية الأولى للإسلام لم يكونوا في حاجة إلى الإشارة في مؤلفاتهم عن دلالات أو قواعد تفرق بين الثابت والمتغير في الثقافة العربية والإسلامية عندما انفتحوا على الثقافات والحضارات الكبرى آنذاك، فالهند والفرس واليونان كلها كانت بالنسبة لهم حضارات يمكن لهم الاستفادة من براعتها في شتى المجالات، لأن الثقافة العربية حينها كانت واضحة المعالم، ثابتة الأركان، وحفلت بفكر إسلامي أصيل، ولذلك لم يساورهم القلق في ضرورة وضع قواعد لما هو ثابت ولما هو متغير في الثقافة العربية وفي إطارها التكويني وتشكيل هويتها، أما اليوم فإن عصر الانفتاحات على الثقافات الغربية وحتى الشرقية منها “الهند والصين”، يتطلب منا أن نرى الأمر بوضوح قبل أن نتعامل معها في ضوء الثوابت والمتغيرات في الفكر العربي”.
وتنوه إلى أنه على الحضارة العربية، كي تتمكن من وضع أقدامها على الركب الحضاري اليوم، أن تضع رؤية واضحة المعالم لحل إشكالية الثوابت والمتغيرات، وبين المتغيرات في تلك الثقافة التي تتغير حسب تغير الزمان والمكان ومستجدات الفكر والعلم يكون الانفتاح أو الانغلاق، القبول والرفض، يتوقف في المقام الأول على وضوح رؤيتنا التي تنير لنا خريطة واضحة المعالم لتمكننا من الحفاظ على هويتنا من جانب ومواكبة التطورات العلمية والحداثية وما تقدمه الحضارة الغربية “التكنولوجية والفكرية”، من جانب آخر. 

جريدة الغد الادنية