|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
«النبطي المنشود».. ترانيم التاريخ والمكان
عاشقة
الصحراء :
أحمد القماز بعد قراءتي لرواية النبطي المنشود لصفاء حطاب، شعرت بأن حلقي جاف وبأنني بحاجة إلى كم هائل من البحر، حتى يوازي هذا الكم الهائل من الصحراء، لكن، لماذا؟ عندما تكون وجها لوجه أمام التاريخ بكامل تفاصيله وحضوره، فأنت مرغما سوف تكون أمام حالة استثنائية تتحول بها الكلمات إلى مكان والشخصيات تصبح من لحم ودم أمامك بعد أن كانت كائنات حبرية. ومن هنا تبدأ تلط الترانيم مصحوبة باوركسترا النغم. بداية ثمة ما هو مهم وشيق ومختلف بالغلاف أولا وبالعنوان ثانيا. جاء الغلاف الأنيق أولا والمنسجم مع المتن ثانيا، للبترا والمنقلة الفلكية وبعض القطع الفخارية العلمية التي كان الأنباط العرب يستخدمونها لحساب الفلك والطقس مجتمعة لتشي للقارئ، أن هناك مضمونا هائلا ينتظرك بين دفتي الكتاب، وكما قال الناقد الفرنسي جيرار جينت : بوابة السيمياء تبدأ من الغلاف لتصنع نصا موازيا والنص الموازي عند جينت هو ما يصنع به النص من نفسه كتابا، إذن هو العتبة البصرية واللغوية الأولى التي تبهر القارئ، وأرى أن صفاء قد وفقت إلى حد كبير باختيار الغلاف الذي أدهش المتلقي الحقيقي حتى قبل أن يفتح الصفحة الأولى من الكتاب، فقد واجهته أي المتلقي بأسئلة غير منطوقة ولكنها مشاهدة. في العنوان المؤلف من كلمتين فقط ( النبطي المنشود ) مفتاح أو عتبة أولى من عتبات النص، وبأقل أقل الكلمات وكثير من المعنى، وقد أجمع نقدياً بأن العنوان هو الدرجة الأولى في سلم النص الطويل، لذلك عمدت الكاتبة إلى استثارة القارئ بعنوان ذات دلالة عالية بأن هذا هو النبطي الذي نبحث عنه جميعاً ليعيد لتلك الحضارة وهجها وقيمتها بعد أن سطا عليها الآخرون، لذلك هم أي النبطي ليس نبطياً وإنما هو ( منشود ) ولماذا منشود، الآن سيأتي دور القارئ ليكتشف بنفسه ماذا فعل والى ماذا توصل، وهنا أجادت صفاء هذه التقنية بالعنوان بعدم التبرير أو الشرح المسبق. تبدأ الرواية بأسطر قليلة بإهداء منمق، وأيضا هنا دلالة سيميائية مهمة، من هو د. النوافلة وما علاقته بالكتاب وما علاقته بالنبطي المنشود، كل تلك الأسئلة تضعها صفاء أمام القارئ لتحفيزه على المضي أكثر وأكثر للولوج إلى ذلك الحدث المخفي وان ظهرت بعض دلالاته النصية، كما قلنا من خلال الغلاف والعنوان والإهداء. يبدأ الحكي الروائي من خلال حلم الطفل (معمر) في الكهف الذي يدخله وينام فيه فتأتي البترا والأميرة النبطية وكل ذلك الجمال وبمشهد فاتن تبدأ الروائية بنسج خيوط حكايتها عن تلك المدينة التي قادت الدنيا من خلال العلم والصناعة والزراعة والفلكيون وعلماء الطقس والأدوات المتطورة آنذاك التي كانت تستخدم في الفلك وحركة الطقس والنجوم، وهنا لا بد لنا من التوقف قليلا للحديث عن تقنية كسر الزمن المفاجئ بواسطة السارد العليم ليس المحايد وإنما المنقح، وذلك بإدخال مشهد الدمار والحرب التي قامت وأخذت معها كل شيء وحل محل العلماء المشعوذين وعبدة الأصنام، هنا تحلق صفاء بدلالات رمزية نستطيع إسقاطها على الواقع، حين تنشأ الخرافة مكان العلم، بفعل الحرب والدمار، وأرى أن هذا المشهد هو ما سيؤثث عليه بقية المشاهد اللاحقة، في تصوير عظمة البترا والأنباط.وسيؤثث عليه أيضا إصرار النبطي على مطاردة حلمه. اختارت صفاء الفن الروائي لتحكي قصتها وكل ما لديها، فعمدت إلى شخصية متخيلة أضافت الشيء الكثير إلى بنية النص الروائي والى الحكاية، وهي شخصية الدكتورة سونيا الباحثة والعالمة في الحضارات الشرقية القديمة، وهي بذلك تصنع شخصية من الكلمات لمقابلة شخصيتها المركزية ( معمر ) الباحث أيضا في حضارة الأنباط، هنا وفقت إلى حد كبير بجلب تلك الشخصية وتحويرها الإنساني والعلمي المنسجم مع معمر ليبدأ الاثنان بنسج حكايتهما. ولأن ما كتبت صفاء فن روائي، لم تستطع أن تخفي تلك اللامح الإنسانية في شخصية سونيا لأنها هنا لا تكتب تقريرا أو بحثا وإنما رواية، لذلك وفقت وبمكر من شاعرية الوصف للدكتورة سونيا بشعرها الأسود الطويل المنساب مثل الليل والشبه الكبير بينها وبين تلك الأميرة النبطية التي جاءت لمعمر في الحلم، وهنا أطبقت يديها أي الكاتبة على عنق القارئ ليتابع الحكاية، ولو لم تفعل ذلك لبقي الحدث بدون روح أو طعم أو رائحة. يمتد الحكي الروائي وعبر مئة صفحة تقريبا، ويتجه نحو طريقين، الأول هو تزويد القارئ بمادة علمية ربما كان يجهلها الكثيرون وهي كيف أن الأنباط العرب كانوا أول من وضع تلك العلوم الخاصة بالطقس والفلك والفصول والحسابات المختلفة، وأنهم استخدموا لذلك قطع ( الكترونية ) مصنوعة من الفخار، كالبوصلة التي فقدت من المتحف المصري ووجدها معمر وسونيا في روما أثناء اشتراكهما في مؤتمر علمي حول الحضارة المصرية. ليس هذا فحسب وإنما جاءت أحداث الرواية لتخرج من نطاق البترا إلى نطاق أوسع وأشمل وتنقلت بنا إلى تبوك في السواحل الشمالية للجزيرة العربية وقالت عن ميناء(لوكى كومي) التجاري الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع قبل الميلاد وان القطع الفخارية والأثرية النبطية التي وجدت في الموقع نادرة وبأعداد كبيرة. ثم يمتد هذا التنقل ليصل إلى روما للاشتراك في مؤتمر علمي عالمي حول الحضارات الشرقية، والثور على القطعة الفخارية المفقودة البوصلة، وهنا إشارة غير مباشرة إلى ضرورة الحفاظ على الآثار بوصفها إرثا حضاريا ومعرفيا تؤكد الحضارات القديمة النبطية والفرعونية، وقد جاء ذكر تلك الحادثة بأسلوب روائي مشوق ينسجم مع السياق. اقتصدت صفاء بشخصياتها وذلك لضرورات النص، وهي بذلك سلطت الضوء على شخصيتين فقط كانتا محور الرواية لتحريك الحدث والزمان والمكان وكأنها بذلك تريد إخبار القارئ بأن الرواية ذات هدف ورسالة قدمتها بفضاء روائي محافظة على المعلومة العلمية وفي ذات الوقت انسجمت مع فنيات الرواية. المشهدية: تقنية مهمة استخدمتها الكاتبة بالانتقال إلى التصوير السينمائي وتحويل الكلمات إلى صور تتحرك ترى أكثر مما تقرأ، وأعتقد أن لخبرتها في كتابة السيناريو الدور الكبير في تفعيل تلك التقنية، وقد وجدت ذلك في معظم فصول الرواية ابتداء من حلم معمر إلى منطقة البيضا في البترا مرورا بقصر عمرة وكل تلك المشاهد جعلت القارئ يعيش مع تلك الأمكنة وكأنه يلمس تلك الآثار بيديه ويراها من خلال الوصف الدقيق الذي أبدعت به الكاتبة لتنقل الصورة منسجمة مع خصوصية المكان. قدمت صفاء حطاب للقارئ المحلي والعربي وربما الغربي إذا ما تمت ترجمة هذه الرواية حقائق مهمة وفريدة عن دور الأنباط العرب في الحضارة العلمية والثقافية وهي بذلك ربما تطلق صرخة في وجه هذا العالم ليتنبه إلى دور الأنباط في ما جرى لاحقا من اكتشافات وتطورت علمية في مجال الفلك والطقس والزراعة والري، والصرخة الثانية بوجه العرب أنفسهم بأن لا يبقوا ضمن الثبات وذكر دور أجدادهم، لكن عليهم العمل على استكمال المشروع الحضاري والعلمي الأنباط. ولأن لا وجود لرواية كاملة فقد جاءت بعض الهنات التي لا بد من ذكرها ومنها، عدم أنسنة الشخصيات، ومن المعروف والمتفق عليه بأن الرواية هي فعل إنساني والشخصيات هي الركيزة الأولى في العالم الروائي ولا وجود لحدث روائي بدون شخصيات تقوم به، في مشهد حميمي بين سونيا ومعمر: (جهز ما يلزم من معدات لشواء اللحم اللذيذ، في ليلة قمرية بالبيضا، وتحت القبة السماوية في أبهى وتجلياتها، خيم الليل ولف المكان بشاعرية لامست قلب المتصوف، أشعل معمر النار، وبعد تناول العشاء، قال معمر: هيا يا عزيزتي لنراقب النجوم بالنظر إلى السماء مباشرة، استلقى الاثنان على الرمال، وتبادلا الأحاديث العلمية!). الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الثلاثاء 14-06-2022 09:23 مساء الزوار: 596
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
كاتبتان تناقشان كيفية اختيار الزمن ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 16-11-2020 |
ديمة جكعة السمان: كتاب أيام زمان وثق ما ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 05-10-2019 |
الاستحضار التاريخي والعجائبي في رواية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 31-03-2017 |