ومن المؤكد أن قضايا الأسرة هي أكثر القضايا ارتباطا بالمجتمع، حيث يشكل ارتياد المرأة المحكمة ضد زوجها أو أحد أفراد أسرتها تجاوزا للحد الأقصى من قيمنا وعاداتنا، التي تأبى أن تضطر المرأة فيها للجوء إلى القضاء، بحثا عن حق من حقوقها المفقودة، كما أن تزايد قضايا المرأة في المحاكم مؤشر سلبي من جانبين: اجتماعي بحت وإداري يقع العبء فيه على المحاكم ووزارة العدل، ما يفرض ضرورة البحث عن حلول للتخفيف من وقع هذا النوع من القضايا الأسرية على المجتمع بأفراده وأسره.
لقد تم طرح حلول كثيرة لم يأخذ أي منها طريقه نحو التطبيق العملي، ومن تلك الحلول الترخيص للمرأة بالعمل في مهنة المحاماة متى كانت مؤهلة لذلك، ما يساعد المرأة المدعية أو المدعى عليها في وجود من يساعدها على اتخاذ الإجراءات القضائية أمام المحكمة، ومع سلامة هذا الطرح إلا أن معارضته فاقت التأييد له، ما أدى به إلى أدراج الأرشيف. ولعل توجه وزارة العدل نحو إنشاء مراكز للتسوية الودية، وحل الخلافات العائلية في مرحلة قبل الوصول إلى القاضي يساعد على تحريك عدد كبير من قضايا الأسرة في المحاكم.
إن لدينا مشكلة في معالجة قضايا المرأة في المحاكم، أدت إلى تعنت واضح من بعض أولياء الأمور، مثل الآباء والأزواج، في مشكلاتهم الأسرية، سواء قبل المحكمة أو في داخل المحكمة، لأن لديهم شعورا بأن القاضي لا ينصت إلى دعوى المرأة، ويعتبرها مخطئة في دعواها بصورة مسبقة، لهذا فإن هذه الذهنية القضائية ليست ضد المرأة فقط، بل تساعد على نشوء قضايا عائلية وتحولها إلى ما هو أكبر من مجرد قضية في المحكمة، فالمرأة في دعوى الطلاق أو الخلع تعاني الأمرين حتى تستطيع تبليغ زوجها بموعد الجلسة وإلزامه بالحضور في المواعيد المحددة.
ومما لا شك فيه أن عدم وجود قانون للأحوال الشخصية جعل من حقوق الزوجة والبنات والأخوات ميدانا واسعا للجدل والنقاش وعدم الوضوح، بسبب تعدد الآراء والأقوال وتباين وجهات النظر بين مشدد ومخفف ومعتدل، وهذا فتح الباب واسعا أمام تباين الأحكام واختلاف التوقعات فيما يمكن أن يحكم به القاضي، وجعل من حقوق المرأة محلا للابتزاز والمساومة، وفي النهاية إن لجأت إلى القضاء فلن تجد أذنا صاغية، وفي مثل هذه الأوضاع فإن مجرد تفهم وزارة العدل لها يعد خطوة في مصلحة قضايا المرأة التي تراوح في المحاكم بين ثغرة في التنظيم لحقوق الأحوال الشخصية وتشدد بعض أولياء أمور النساء والفتيات وبرود من القضاة في معالجة أي قضية تدعي فيها امرأة.
إن من المؤمل أن تبدأ وزارة العدل في إنشاء محاكم الأحوال الشخصية قريبا، وأن تتولى هذه المحاكم دورها في الفصل بسرعة في ذلك الكم المتراكم من قضايا الأسرة التي وإلى أن تنتهي الوزارة من هذا العمل، الذي لا يزال في ثنايا الأوراق، فإن مراكز التوجيه والإرشاد عليها عبء ثقيل في معالجة قضايا المرأة من حيث الكم والكيف، فالمرأة ليست طرفا ضعيفا عليه تحمّل ثغرات الإجراءات القضائية وعدم تكامل التشريعات والأحكام المسبقة ضد كل من ترفع دعوى أمام القضاء، إنما هي شريك يجب إنصافه خارج ساحات المحاكم وداخلها.