|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
قراءة في مجموعة الشاعرة عطاف جانم «مدار الفراشات»
عاشقة
الصحراء :
هذه المجموعة الشِّعرية هي المجموعة الرابعة للشاعرة عطاف جانم والصادرة هذا العام 2017 عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، وكان قد صدر لها سابقاً «لزمانٍ سيجيء» عام 1983 و»بيادرُ للحلمِ يا.. سنابل» عام 1993 و»ندمُ الشجرة « عام 2003، ونلاحظ المسافات الزمنية بين كلِّ إصدارٍ والذي يليه والتي تزيد عن عشرة سنوات مما يُعطي المتابعَ لتجربة عطاف جانم الانطباع بالتأني والمراجعة وعدم التسرع في إصداراتها الشِّعرية، وكذلك شكَّلت هذه الفواصل الزمنية الطويلة بين الإصدارات الفرصةَ ليكون كلُّ عملٍ تالٍ متقدماً عما سبقه ومتجاوزاً نسبياً له. تجربة عطاف جانم في مجموعاتها الأربع تجربةٌ شِعريةٌ ناضجةُ الأدوات الشِّعرية واللغوية والثقافية والسياسية أيضاً، وقصيدة عطاف جانم قصيدةٌ تفعيليةٌ كانت صارمةً واتجهت مع تقدم التجربة إلى خروجاتٍ واعيةٍ سنلاحظ بعضها في هذه المجموعة الجديدة «مدار الفراشات» التي اختلطت بها القصيدة الطويلة مع القصيدة الومضة التي كانت في بعضها لا تزيد عن سطرٍ واحد. سأقرأ هذه المجموعة من خلال أربعةِ محاور هي: أوَّلاً : مناخات القصائد والتي تدور جميعها في أفقِ قراءة الواقع الفلسطيني والعربي المأزوم عبر قصيدةٍ يمتزجُ بها الهمُّ الذاتيُّ بالهمِّ العامِّ في جدليةٍ شِعريَّةٍ تتناصُّ وتتقاطعُ مع التراث العربي والشِّعري الذي يتقاطعُ أيضاً مع قراءتها لهذا الواقع المُستَلب والمهزوم وعبر استدعاء القيم النبيلة والشخصيات النبيلة التي ربما تعمل كمعادلٍ موضوعيٍّ يُعيدُ للشاعرة الأمل في القادم من تاريخ هذه الأمة، فهي تستدعي عنترة وفروسيته والشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود وشهادته النبيلة التي رسمتْ في أفقنا القاحلِ صورةً للبطولةِ التي يمكن أن توجدَ حتى في أحلكِ وأقسى الظروف، وتستعيد الشاعرة أيضاً من الميثولوجيا والتاريخ الموآبيِّ القديمِ ميشع الكركيَّ الذي انتصر على أعدائه اليهود في تلك الحقبة المغرقة في القِدم، وتستعيدُ أيضاً كنعان جدَّنا الكبيرَ في هذه الجغرافيا المنكوبة في قصيدة غنائية عذبةٍ وحزينة، نقرأ منها ص 101: «وأماط العتمةَ الصمَّاءَ عني كان فجري وخُطايَ ولكنعانَ ذراعانِ بحجمِ الحُلمِ تلتفَّانِ حولي ولكنعانَ محاريثُ تجوبُ الجسدَ التوَّاقَ للرعدِ وماءِ الوعد» وتواصل في هذه القصيدةِ العذبةِ الإيقاعِ في تنامٍ شِعريٍّ يقرأ الحاضرَ عبر الماضي ويستعيدُ الماضي ليكون سنداً لإمكانية تحرُرِ الحاضر عبر استعادة ذلك التسامي النبيل الذي زرعه جدُّنا كنعان في هذه الأرض، نقرأ ص 103: «يا فينيقياتِ عكَّا في جنيني كلُّ أشواقِ أبيهِ ويداه، نبضُه.. يا كركراتِ الحقلِ لما هودجُ الماءِ تجلَّى ولهُ من جدِّه الأولِ عيناهُ.. ورؤياهُ.. وكوفيَّتهُ إرثُ النُّبواتِ له والنساءً الطاعناتُ في التجلي والخبايا» كذلك تستعيدُ الشاعرة النبيَّ أيوب وصبره كرمزٍ لصبر الفلسطينيِّ على آلامَ لا تحتملها الجبال، نقرأ من قصيدة «في القدسِ.. وعدٌ بالحياة» ص 95: «والقدسُ مغتسَلٌ... شرابٌ باردٌ فاضربْ برجلِكَ أيُّها المُضريُّ وامتشقِ الحياة « إنها وعدٌ بالتحرُّرِ والحياة بعد معاناةٍ أسطورية. ثانياً: الإيقاع والبناء العروضي للقصائد قصيدة عطاف جانم قصيدةٌ تفعيليةٌ تعي نسغ الإيقاع العميق لتتالي هذه التفعيلات وتدويراتها وقوافيها التي كانت واحدةً من جماليات وجرس اللغة في قصيدتها، في هذه المجموعة استخدمت الشاعرة تفاعيل الخليل النموذجية والمشهورة فقد استخدمت تفعيلة فاعلاتن من الرمل وتفعيلة فعولن وفاعلن وتداخلهما من المتقارب والخبب وتفعيلة متفاعلن من الكامل وتفعيلة الهزج مفاعيلن في قصيدةٍ واحدةٍ، كانت التفعيلات في القصائد صافيةً على مدار القصيدة الواحدة إلا في قصيدةٍ واحدةٍ مزجت الشاعرة بذكاءٍ إيقاعيٍّ جميلٍ بين تفعيلتي الرمل والكامل، نقرأ ذلك في قصيدة همسة ليوا ص 114: «بيديها تُسرجُ الخيلَ.. تُميطُ الغيمَ عن أفقِ القناديلِ كأني بها تحكي: يا حَماماً زاجلاً حمَّالَ توقي خذ بدربِكَ قبضةً من رقصة اليولا.. ولحناً من رحيقِ الميجنا وانثرهما في كلِّ فج» في قصيدتيْ «بَرْمودا» و»في مدار الفراشات» نقرأ بدايةَ تحرُّرٍ إيقاعيٍّ من ضخامة التفاعيل وحضورها الطاغي في القصيدة، ونقرأ خروجاتٍ على هذه التفاعيل مما يؤشِّر أن في التجربة القادمة لعطاف جانم ربما سنقرأ شيئاً جديداً متعلقاً بالتحرُّرِ من سطوة التفاعيل وحضورها الطاغي في قصائدها، نقرأ من قصيدة «بَرْمودا» ص 151: «ملامحهُ خريطةٌ متآكلة وبين أصابعِ يديهِ جلست العناكبُ القرفصاءَ فوقَ عتباتِ بيوتها تسردُ ذكرياتِ أجدادها الراحلين» إنها مقطوعةٌ تتحرَّرُ نسبياً من سطوةِ الحضور العاتي للتفعيلة. ونقرأ أيضاً هذه المحاولة للتحرُّر من سطوة هذا الحضور الطاغي للتفعيلة في قصيدة «في مدار الفراشات» ص 171: «في يوم الإجازةِ تتحرَّرُ نبضاتُ روحي من إيقاعاتها الرتيبةِ فتعتلي باسقات النخيل» وربما في قولها «من إيقاعاتها الرتيبة» ما يوحي بأن الشاعرة ضاقت ذرعاً برتابة الإيقاع وتبحث عن أن تعتلي باسقات النخيل وليس باسقات التفاعيل. أقرأ أيضاً خروجاً على تفعيلة الرمل في قصيدة «كنعان يبلغُ سنَّ الضوء» ص 106: «إيهِ يا حنظلةُ الآن بإمكانكَ أن تُطلقَ في الريحِ ذراعيكَ وتسحبَ من تحتِ القراراتِ الهزيلةِ والقتيلةِ ديباجَ الوسائدِ» ويجب ملاحظة أن عطاف جانم عندما ذهبت في قصيدتها نحو التفاصيل اليومية الصغيرة بعيداً عن القصيدة الوطنية الايدلوجية الحاملةِ للهمِّ الوطنيِّ العام اضطرت للخروج على صرامة التفاعيل لأن سردَ الحياة اليومية والتفاصيلَ الصغيرةَ لا بدَّ لها أن تقود الشاعر نحو التمرُّدِ على الصيغ الرسمية للقصيدة السائدة والمشتركة بين كلِّ الشعراء والتي يساعدها – أعني القصيدة السائدة - على الالتزام بالإيقاع العروضي هو وجودُ قاموسٍ مشاعيٍّ من التراكيب والصورِ واللغةِ القابعة في اللاوعي اللغويِّ والشِّعري عند جمهرةِ الشُّعراء. اقرأوا معي هذا النصَّ الجميل المليءَ بالتفاصيل الشعرية الصغيرة من قصيدة عطاف جانم «في مدار الفراشات» وهي القصيد الأخيرة في الديوان: «هنا لا تهبُّ رياحُ الطوابينِ البعيدةِ ولا تتراقصُ صحونُ الحمُّصِ وبخورُ الفلافل المُشتهى فوقَ أيدي الصِّبيةِ في شارع الثلاثين والطرقاتِ الرافلةِ بالحياة» في هذا المقطع الجميل السلس المليء بتفاصيلِ اربد وشارع الثلاثين ومطاعمه ورائحة الحمُّصِ والفلافلِ في هذا الشارع الإربديِّ بتفاصيله المتحرِّكة التي لم تجد ثوباً يعبِّرُ عنها غيرَ هذه اللغة العفوية الطازجة والمتحلِّلة من الإيقاعات التفعيلية المسبقة التي ربما كانت تُعبِّرُ – هذه التفاعيل – عن إيقاعٍ صحراويٍّ مُغاير ومختلف. ثالثاً: التناصات في المجموعة نقرأ في هذه المجموعة تناصاتٍ كثيرةً مع التاريخ والشعر والتصوف والفكر والفروسية والحكمة والواقع اليوميِّ بمفرداته وإحداثياتِ زمانه ومكانه، فنقرأ تناصاتٍ قرآنيةً وشِعريةً واستحضاراتٍ لشخصياتٍ تاريخيةٍ وأسطورية، يحضر في قصائد المجموعة : الملك الضِّليِّل امريءِ القيس وعباءتُه الروميةُ المُسمَّمة، ويحضر المتنبي في حُمَّاه « فكيفَ وصلتِ أنتِ من الزحام « ويحضرُ سدِّ مأرب ورمزيته وكيف دمَّرته الفئران، ويحضرُ الشهيد عبد الرحيم محمود في قصيدته التي خاطب بها الأمير سعود بن عبد العزيز عند زيارته للمسجد الأقصى عام 1935 : « المسجدُ الأقصى أجئتَ تزورهُ.. أم جئتَ من قبل الضياعِ تودِّعه ؟ «، كما ويحضرُ النبي أيوب ومحنته، وعنترة وفروسيته، وكنعان وأبوَّته، وابن عربي وحكمته الصوفية، وتحضرُ أيضاً القدس ومؤتة وليوا واليمن وعكا ومصر واربد كأمكنةٍ ملآى بالتاريخ وملآى باذن الله بالحياة. هذه التناصاتُ الواعيةُ تدلُّ على ثقافة الشاعرة وانغماسها واستنجادها أيضاً بكلِّ هذه القيم النبيلة والشجاعة التي حفلَ بها تاريخنا الذي كان يوماً مؤهلاً أن يكون واحداً من روافد الحضارة الإنسانية الحيَّة والحاضرة. رابعاً : القصيدة القصيرة أو القصيدة الومضة في هذه المجموعة تضمُّ هذه المجموعة سبعَ قصائد قصيرةٍ يُمكن أن نسميها المقطَّعات الشِّعرية أو القصيدةَ القصيرةَ جداً أو القصيدةَ الومضة، وتشكِّل هذه القصائد نسبةً ليست بالقليلة من قصائد المجموعة ( 35 % من القصائد في المجموعة )، وربَّما كانت هذه القصائد حنيناً للمقطوعات الشِّعرية المشهورة في تراثنا والتي تتكون من بيتٍ واحدٍ ولا تتعدَّى الأبيات الأربعة وكانت في التراث وليدةَ جلسات التنافس والسَّمر بين الشُّعراء وفي بيوتِ المثقفين والأمراء والخلفاء. تدور هذه المقطَّعات الشعرية حول الحكمة والغربة والوجدانيات التي تومض في القلب وتنبثق في اللغةِ مقطعاً قصيراً وسريعاً وجارحاً في معظم المقاطع. تشكَّلت هذه الومضات من قصائد ذاتِ سطرينِ قصيرين كثيفين إلى مقطوعة قصيرةٍ لم تتجاوز الأسطر العشرة في أطولها، وهي ذاتُ تركيبٍ لغويٍّ عالٍ وذاتُ إيقاعٍ عذبٍ وأخَّاذ، نقرأ من الومضات هاتين الومضتين، الأولى قصيرةً جداً في قصيدة « ذاتِ صحو « ص 159: «أنا لستُ لي لا شيءَ لي» ونقرأ هذه القطعة القصيرة الثرية والعذبة في قصيدة «خمرٌ ناقمٌ»: «الكونُ بخيمته السوداءِ ومأتمهِ قَدَّ القُمصانَ.. وأيقظَ كلَّ عشيرتهِ لم يُبصرْ في الأفقِ الدَّمويِّ سوى الأشباحْ وبقايا نردٍ مسفوحٍ وخموراً.. هشَّمتِ الأقداح» عطاف جانم شاعرةٌ موهوبةٌ تمتلك أدواتِها باقتدارٍ وتمكُّنٍ، وتمتلك ثقافةً شِعريةً تراثيةً ومعاصرةً عالية، وتمتلكُ قصيدتها القدرة على التطوُّر والتحوُّل والإرتقاء بأعمالها القادمة. الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الجمعة 07-07-2017 01:28 صباحا الزوار: 867
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
الشاعرة اللبنانية رانية مرعي: لو كنّا في ... | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 18-06-2023 |
الإعلامية والشاعرة علياء العامري تحتفي ... | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 13-02-2023 |
الشاعرة اللبنانية ماجدة داغر في لجنة ... | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 26-12-2022 |
تكريم الشاعرة حمدة المر المهيري ضمن أبرز ... | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 02-07-2022 |
الشاعرة الإعلامية المغربية " ... | اخبار الاديبات والشاعرات | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 19-11-2021 |
الشاعرة فايزة النعيمي شاركت في احتفالات ... | اخبار الاديبات والشاعرات | اسرة التحرير | 0 | السبت 19-06-2021 |
بقلم الشاعرة الشمرية امجهولة قصيدة مدح ... | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 12-03-2021 |
الشاعرة الأستاذة حسناء حفظوني عضو لجنة ... | اخبار الاديبات والشاعرات | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 04-09-2020 |
الشاعرة رضا أحمد تتسلم جائزة حلمي سالم.. ... | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 02-08-2020 |
الشيخة انتصار الصباح تكرم الشاعرة وصال ... | اخبار الاديبات والشاعرات | إدارة النشر والتحرير | 0 | الإثنين 09-12-2019 |
الشاعرة فايزة النعيمي تشارك في فعاليات ... | اخبار الاديبات والشاعرات | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 18-10-2019 |
الشاعرة فايزة النعيمي تشارك بقصائد وطنية ... | اخبار الاديبات والشاعرات | اسرة التحرير | 0 | الجمعة 11-10-2019 |
الشاعرة الاعلامية لمياء العلوي مرشحه ضمن ... | اخبار الاديبات والشاعرات | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 04-10-2019 |
الشاعرة فايزة النعيمي تشارك باحتفالات ... | اخبار الاديبات والشاعرات | إدارة النشر والتحرير | 0 | الأحد 23-06-2019 |
إشهار صالون عطاف جانم الأدبي في إربد | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-02-2019 |