يُركـّز ديوان الشاعرة والفنانة التشكيلية غدير حدادين «سأكتفي بعينيك قمحا للطريق» الصادر في عمّان عن «الآن ناشرون وموزعون» على الموسيقى الداخلية باعتبارها النغم الذي يجمع بين الألفاظ والصور، وبين وقع الكلام وحالتها النفسية، أما الإيقاع المقترن بتلك الموسيقى، فيرتبط أيضا بالنبر الذي يقوم على مقدار الضغط الذي يوقعه جهاز النطق على مقطع شعري في نمط من أنماط الترتيب والتناسب بين النغمات.
إن ترتيب الكلمات في قصائد غدير، وحتى الفراغات البيضاء التي تتخلل تلك الأبيات أو بعض الصفحات كلها ذوات دلالات فنية ترتبط بالنظام الإيقاعي الذي تريده الشاعرة ليتناسب مع أحاسيسها الداخلية، ومع مشاعرها لحظة تأثرها وانفعالها، ورغبتها في نقل ذلك التأثر والانفعال إلى قرائها. 
أما الصورة الشعرية في هذا الديوان، فهي عمل فني يشير إلى عظمة الخيال المـُحلـّق الذي يبعثها من الذاكرة، وإلى العاطفة السائدة التي تلونها، كما أنها لم تكن نسخاً للواقع، بل تجاوزته لما يعرف بالصور المعنوية، ومنها الصورة الذهنية التي تعني بقاء أثر الإحساس في النفس بعد زوال المؤثر الخارجي. 
وقد حفل الديوان بما يؤكد مقدرة الشاعرة على إبداع الصورة الشعرية المتحركة، وهي الصنف الأرقى من بين أصناف الصور، وفيه صور تجمع بين الشعر وبين اللوحات التشكيلية»الصور البصرية والتشجير»، كما تتكئ الصورة الشعرية عند غدير على طائفة من أصناف البلاغة العربية غير المقصودة لذاتها، وفي مقدمتها : التشابيه والاستعارات والمجازات والكنايات.
 ولأن شعر غدير كان يلامس قمم الشاعريّة، فقد تبدّى الانزياح وأسفر عن مكنوناته وطاقاته في تفجير اللغة وإعادة تشكيلها وفق قواعد تخرق المعيار دون أن تلغيه، ثم تعود فتشكل لنفسها معيارا يتعالى على اللغة دون أن يحدث القطيعة معها.
انتقت غدير كلمات قصائدها بعناية، وتحت طائلة إحساسها العالي بآثارها الخفية، وما تنطوي عليه من معان ٍ متعددة، فالكلمة لديها كالزهرة الطبيعية، التي تجمع بين جمال المظهر والملمس واللون والرائحة والعطر، أما جملتها الشعرية، فتمثل بستان ورد، أو حقل سنابل أو سرب طيور، أو عناقيد في دالية القصيدة، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن بعض كلمات قصائدها كانت توحي بأكثر من مدلولها الظاهري، لما فيها من انفعالات نفسية ولما تحدثه من تأثر وتأثير، هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الإيحاء في الكلمة يفصح عن شاعرية الأداء والفهم الواعي لما تتضمنه من معان ٍ خبيئة.
امتلكت كلمات غدير طاقات تعبيرية وتصويرية، وكانت تنتظم في تراكيب متنوعة تختلف تبعاً لطريقة التفكير والتصوير والتعبير، مستندة على القدرة التصويرية للغة، وعلى الإيمان بالتأثير الروحي للألفاظ والعاطفة، فالمعاني ترتسم وتتفاعل مستندة إلى قوة الإيحاء والتصوير في كلمات القصيدة وما فيها من تجسيد وتشخيص وقدرة بلاغية لطالما أدّت إلى توظيف وتطويع الألفاظ والعبارات لتعبر عما تريده الشاعرة.
مزجت غدير بين أفكارها السامية وعواطفها الصادقة، ولأن فكرها هو موضوع تجربتها الشعرية ومضمونها ، ولأن وجدانها هو العنصر العاطفي في التجربة،فقد أسهم امتزاج فكرها بوجدانها في تفاعل القارئ معها، ليحسّ بصدق التجربة، لا سيما في قصائدها الجاهزة للغناء،كيف لا، ومن بين تعريفات الشعر:أنه التعبير الصادق الجميل عن وقوع الوجود على الوجدان.
من أجواء الديوان قول غدير:
عمان
نافذة مفتوحة على سكوني
لا تسألوني
عن بدايات الهوى
عن نهايات الشجن
عمان أكثر من وطن
يُذكر أن غدير حدادين حاصلة على ماجستير تربية رياضية من الجامعة الأردنية عام2001، تعمل في مجال الصحافة والإعلام، من دواوينها: أشبهني، أحلم كما أشاء، كتبت كلمات عدة أغان، وشاركت في تقديم برنامج «قاع المدينة» الذي بث على شاشة التلفزيون الأردني، وقطعت شوطا طويلا لتتوج في برنامج «ملكة المسؤولية الاجتماعية» الذي بـُث على أكثر من خمسين قناة فضائية عربية عن مبادرتها»لوّنها بالأمل»،وهي عضو في الهيئة الإدارية لرابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.