تعدّ المناضلة جميلة بوحيرد أبرز مناضلات القرن العشرين من أجل التحرر، لهذا مُنحت جائزة المناضل بهجت أبوغربية لثقافة المقاومة لهذا العام، وهي جائزة سنوية يشرف عليها مجلس أمناء، وبرعاية رابطة الكتابة الأردنيين.
قيّض لي أن أشارك في أعمال المكتب الدائم لاجتماعات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في الجزائر برفقة وفد من رابطة الكتاب الأردنيين، والمهندس ليث شبيلات التي رافقته زوجته، وقد مُنح شبيلات درع الحريات في العام العربي لهذا العام، في افتتاح رسمي لجلسات اجتماع الكتاب العرب، برعاية الرئيس الجزائري، ومندوبا عنه وزير الثقافة الجزائري الشاعر عزالدين ميهوبي.
التقيت وليث شبيلات المناضلة جميلة بوحيرد في بيتها في العاصمة الجزائر، وقد بلغت من العمر 82 عاما، وبرفقة الصحفي علي الذراع، وهو الذي رتب هذا اللقاء، استمر اللقاء ما يقارب الساعة، في أحاديث سياسية شتى، وسردت واقعة في حياتها، وفي السحن تحديدا، قالت: كانت أمي تزورني مرة واحدة كل أسبوع، ونتحدث في أمور شخصية وسياسية، ولا نتطرق لأمر سياسي أو نضالي، وإلا نُحرم من الزيارة لأسبوعين، وكانت تقف بجانبنا سجّانة فرنسية حيث تجيد اللغة العربية، ويوم حُكم علي بالإعدام، جاءت أمي لزيارتي، ولم تكن تعلم بالحكم، فقلت لها في الزيارة القادمة ستجدين اسمي على باب السجن، ومعنى هذا أنه تم الحكم علي بالإعدام، فقالت أمي بكل شجاعة: لا عليك يا ابنتي أنت شهيدة عند الله، وكانت أمي متدينة، فالناس يموتون في حوادث، وفي أمراض، وسيد الخلق محمد مات، حتى الموت يموت، فأنت شهيدة عند الله يا ابنتي، وانتهت الزيارة، ولم تدمع عينا أمي، والتفتُ للسجّانة فوجدتها تبكي، فسألتها: ما بك؟! قالت: أمك قديسة مثل مريم العذراء، وسيأتي يوم تتحرر فيه الجزائر.
سيقام احتفال كبير في عمان بحضور المناضلة جميلة بوحيرد، والتي قالت: هذه الجائزة تمنح لشهداء الجزائر، ولمن لا يعرف المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، فهي قد انضمت لجبهة التحرير الوطني الجزائرية للنضال ضد الاستعمار الفرنسي، حيث اندلعت الثورة الجزائرية عام 1945، وتم إلقاء القبض عليها وعمرها 22 عاما، أي في عام 1957، بعد إصبتها برصاصة أثناء مطاردة الفرنسيين لها، وتعرضت لتعذيب شديد عدة أيام، وبالصعق الكهربائي ثلاثة أيام، كي تعترف على زملائها.
كانت محاكمتها صورية، وتم الحكم عليها بالإعدام، وقضت فترة السجن ثلاث سنوات في الجزائر، ونقلت إلى سجن في فرنسا لثلاث سنوات أخرى قبل تنفيذ حكم الإعدام، فثارت جمعيات حقوق الإنسان، وبرقيات الاستنكار، ومظاهرات صاخبة في العالم تطالب الحرية لجميلة بوحيرد، وشاءت الأقدار، وخرج الاستعمار الفرنسي من الجزائر عام 1962، وخرجت جميلة بوحيرد، وبعض رفاقها الذين بقوا على قيد الحياة، وعاشت بعيدا عن تولي المناصب السياسية، وبقيت الرمز المقاوم للحرية في العالم.
وقالت قولتها المشهورة بعد إعلان الحكم بإعدامها: أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام، لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن يصبح حرة مستقلة.