واشار الوزير خلال محاضرة القاها في نقابة الصحفيين الاردنيين مساء الاثنين إلى ان الأنشطة الثقافية واكبتها مطالب متكررة وصادقة في توفير بنى تحتية لأبناء تلك المحافظات لإقامة أنشطتهم الثقافية والفنية وإنشاء مكتبات في التجمعات السكانية ومراكز ثقافية ومسارح وتوفير فرص التدريب والتأهيل في الموسيقى والرسم والكتابة والحرف الشعبية وسواها كثير.

وقال ان فكرة المدن الثقافية انطلقت في العام 2007 بوصفها واحدة من أهم مشروعات وزارة الثقافة وجزءا أساسيا من مشروعات خطة التنمية الثقافية مبينا ان لجنة اختيار المدن تستند الى معايير أهمها توافر البنية التحتية في المدينة من مسارح وقاعات ومكتبات وأماكن أثرية وتراثيةَ ومعرفة عدد الهيئات الثقافية ومستوى أدائها، وما أنجبته من رموز فكرية وثقافية وما ألّفوه من كتب ودراسات اضافة الى المشروعات والبرامج الثقافية التي تنوي القيام بها خلال عام الثقافة.

وتسعى الوزارة من المدن الثقافية إلى توسيع نطاق العمل الثقافي وابراز الخصوصية الثقافية للمدينة ومحاولة تطوير هذه الخصوصية واستثمارها وإتاحة الفرصة للمثقفين والمبدعين في مدينة الثقافة لتقديم إنتاجهم والإعلان عنه وتفعيل الطاقات الثقافية والفنية والإبداعية في مدينة الثقافة وجعلها في خدمة التنمية الشاملة فيها.

واشار الى ان عدد الكتب التي صدرت في إطار مشروع المدن الثقافية منذ العام 2007 بلغ 189 كتاباً موزّعة على : إربد41 والسلط 39 والكرك 38 والزرقاء 33 ومعان 38 كتاباً.

وقال انه جرى من خلال المدن الثقافية استنهاض المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية في كلّ محافظة لخدمة الواقع الثقافي والتنسيق والتعاون بينها , معتبرا ان هذا التعاون من اهم شروط التنمية بمختلف أشكالها في المحافظات.

ودعا الدكتور جرار الى ان تتواصل انجازات كل مدينة في عامها الثقافي بداية لإنجازات أخرى لاحقة وأن تصبح المراكز الثقافية الجديدة صروحاً ثقافية ومراكز توعية وتثقيف وتنوير وان يغتنم المثقفون والمبدعون والفنانون من أبناء المحافظات تتويج محافظاتهم مدناً للثقافة، كي يجعلوا من فعلهم الثقافي منتجاً.

واشار نقيب الصحفيين طارق المومني الى اهمية الترويج للمنتج الثقافي من خلال التعاون بين المؤسسات الثقافية والاعلامية خاصة ان الاردن يزخر بالكثير من الابداعات الفنية والثقافية

وعرار تنشر كامل محاضرة الاستاذ د. صلاح جرار :

"مدن الثقافة الأرنية "الأستاذ الدكتور صلاح جرّار
سعادة الأخ العزيز الأستاذ طارق المومني نقيب الصحفيين المحترم

الأخوات والأخوة أعضاء مجلس النقابة الأعزاء
السيّدات والسادة الحضور الكرام
السلامُ عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
فأعرب لكم عن خالص تقديري واحترامي لكم جميعاً، وأشكر لكم هذه الدعوة الكريمة من مؤسستكم الوطنية العزيزة التي تنهض بدور وطني نبيل، وأسأل الله تعالى أن يحفظكم ويسبغ من فضله عليكم ويعينكم على المضي في القيام بواجباتكم ومسؤولياتكم الوطنية  بما يخدم وطننا العزيز.
السيّدات والسادة الأعزاء
انطلقت فكرة المدن الثقافية في عام 2007 بوصفها واحدة من أهم مشاريع وزارة الثقافة، وجزءاً أساسياً من مشاريع خطة التنمية الثقافية. واستناداً لقانون رعاية الثقافة صدرت تعليمات مدن الثقافة الأردنية، وقامت وزارة الثقافة بطرح مسابقة لاختيار مدينة الثقافة لعام 2007 وشكّلت  لجنة مستقلة للنظر في الطلبات التي تقدّمت لهذه المسابقة، وأعلنت مدينة إربد لتكون مدينة الثقافة لعام 2007،تلتها السلط عام 2008 ،ثم الكرك عام 2009، فالزرقاء عام 2010، ومعان 2011، وأخيراً مادبا 2012 ، وعجلون 2013 .
واستندت لجنة الاختيار إلى معايير محّددة هي: توافر البنية التحتية في المدينة من مسارح وقاعات ندوات ومكتبات وأماكن أثرية وتراثيةَ، ومن المعايير أيضاً عدد الهيئات الثقافية في المدينة ومستوى أدائها، ومن المعايير كذلك ما أنجبته المدينة من رموز فكرية وثقافية وما ألّفوه من كتب ودراسات، ومن هذه المعايير المشاريع والبرامج  الثقافية التي تنوي كلّ مدينة القيام بها خلال عام الثقافة.

 أهداف المدن الثقافية:
يسعى مشروع المدن الثقافية الذي بدأ منذ عام 2007، إلى تحقيق جملة من الأهداف، أهمّها:
1. توسيع نطاق العمل الثقافي، وعدم اقتصاره على العاصمة.
2. إبراز الخصوصية الثقافية للمدينة التي يجري تسميتها مدينة الثقافة، ومحاولة تطوير هذه الخصوصية واستثمارها.
3. إتاحة الفرصة للمثقفين والمبدعين في مدينة الثقافة لتقديم إنتاجهم والإعلان عنه سواءً أكان في مجال الشعر أم القصة أم المسرح أم الفن التشكيلي أم الخطّ أم الموسيقى أم غير ذلك.
4. تفعيل الطاقات الثقافية والفنية والإبداعية في مدينة الثقافة، وجعلها في خدمة التنمية الشاملة فيها.
5. تشجيع السياحة الثقافية، حيث أنّ المدينة التي تصبح مدينة للثقافة، تغدو قبلة أنظار المثقفين والفنانين وعشّاق الفنّ والأدب والإبداع من أنحاء المملكة كافة، ومن خارجها.
6. توثيق المنتج الثقافي والفني للمدينة من خلال الإصدارات والمجلّات والأفلام الوثائقية وسواها.
7. تشجيع الدراسات التاريخية والآثارية والتراثية وسواها ممّا يخصّ مدينة الثقافة.
8. التعريف بأعلام مدينة الثقافة وإسهاماتهم في البناء والتطوير والتنمية.
9. لفت الأنظار إلى أهمية العناصر الثقافية المختلفة في تشكيل الهويّة الوطنية.
10.تفعيل دور الهيئات الثقافية في مدينة الثقافة.

 إيجابيات مشروع المدن الثقافية:
من خلال الفعاليات الثقافية والفنية التي شهدتها مدن ثقافية في المملكة مثل إربد والسلط والكرك والزرقاء ومعان، فقد أظهرت هذه التجربة أنّ لها قدرة على الكشف عن طاقات ومواهب كثيرة مخبوءة لدى أبناء المحافظة الواحدة في مختلف مجالات الثقافة والفن والإبداع، وبخاصّة لدى قطاعات الطفولة والشباب والمرأة.
كما كشفت هذه التجربة عن تعطّش أبناء المحافظات التي تبعد عن العاصمة إلى المشاركة في الأنشطة الثقافية والفنيّة أو مشاهدتها ومتابعتها، وقد واكب ذلك مطالب متكررة وصادقة في توفير بنى تحتية لأبناء تلك المحافظات لإقامة أنشطتهم الثقافية والفنية، ومطالب بإنشاء مكتبات في التجمعات السكانية، وإنشاء مراكز ثقافية ومسارح، كما طالبوا بتوفير فرص التدريب والتأهيل في الموسيقى والرسم والكتابة والحرف الشعبية وسواها كثير.
وذلك كلّه يدلّ على إدراك أبناء هذه المحافظات لأهمية الثقافة في حياتهم. ونتيجة لهذه النشاطات وهذا الاهتمام بالثقافة، فقد أقيم مركزان ثقافيان جديدان في مراحلهما الأخيرة وهما مركز ثقافي محافظة معان ومركز ثقافي محافظة إربد.
كما ازداد عدد الفرق الفنية والهيئات الثقافية في هذه المحافظات زيادة ملحوظة، وذلك تعبيراً من أبناء هذه المحافظات عن رغبتهم في الانخراط في العمل الثقافي وتنمية مواهبهم الإبداعية، وأن يروا مدينتهم قد أصبحت منارة إشعاع ثقافي وفكري وفني.

وقد بلغ عدد الكتب التي صدرت في إطار مشروع المدن الثقافية منذ عام 2007 إلى الآن(189) كتاباً موزّعة على النحو التالي:
إربد 2007 41 كتاباً
السلط2008 39 كتاباً
الكرك2009 38 كتاباً
الزرقاء2010 33 كتاباً
معان2011 38 كتاباً
وهي إصدارات ذات أهمية كبيرة.
كما صدرت في المدن الثقافية مجلّات وجرائد خاصّة بكلّ مدينة، بالإضافة إلى إنشاء مكتبات وإقامة مهرجانات ومؤتمرات وغير ذلك كثير.
ومن أهم الفوائد التي تحققت من خلال المدن الثقافية أيضاً أنه جرى استنهاض المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية في كلّ محافظة لخدمة الواقع الثقافي وجرى التنسيق والتعاون بين هذه المؤسسات، وهذا التعاون شرط أساسي من شروط التنمية بمختلف أشكالها في المحافظات.

 هل توجد آثار سلبية لمشروع المدن الثقافية؟
لم تخلُ المدن الثقافية من بعض المآخذ التي لا بدّ من الإشارة إليها من أجل العمل على تلافيها عند تتويج مدن أخرى مدناً ثقافية، فمن ذلك اعتقاد كثير من أبناء مدينة الثقافة أنّ إعلان مدينتهم مدينة الثقافة في المملكةهي احتفالية ذات هدف ترفيهي فقط، لذلك نجدهم يكثرون من الإقبال على مهرجانات الغناء والدبكة ويغيبون عن الندوات والمؤتمرات.
ومن الأخطاء الشائعة في هذا السياق أن يظنّ أبناء مدينة الثقافة أنّهم يمكن عزل ثقافة مدينتهم عن ثقافة الوطن أو ثقافة الأمّة، وأنّه لا يجوز لأيّ مثقف من مدينة أخرى أن يلتفت إلى مدينتهم ولو زائراً لأنّه يعدّ دخيلاً، مع أنّ شعار مدينة الثقافة يقتضي أن تتجمع أنشطة الوطن الثقافية والفنية في هذا المكان تعزيزاً له وخدمة لأبنائه، مما يعزز التماسك بين أبناء الوطن كله.
ومن ذلك أيضاً أن يظنّ أبناء مدينة الثقافة أن انتهاء العام الثقافي يعني توقف الأنشطة الثقافية والفنية وعودتها إلى المستوى الأدنى الذي كانت عليه قبل إعلان مدينتهم مدينة للثقافة، والأصل أن يكون عام الثقافة لأي مدينة هو بداية انطلاقة ثقافية نوعية ومتجدّدة، يمضي العمل الثقافي والفني بعدها صُعُداً مع استمرار التجدّد والتطوّر والتنويع.
ومما يؤخذ على تجربة المدن الثقافية، نزوع أبناء مدينة الثقافة إلى الاعتماد بالكامل على وزارة الثقافة في تفعيل الواقع الثقافي وتمويله، وأنّه إذا لم تقم الوزارة بذلك تراخى النّاس عن العمل الثقافي، مع أنّ في كلّ محافظة الكثير من أعلام الفكر والثقافة والفنّ والمال ممّن يستطيعون أن ينهضوا بعمل ثقافي نوعيّ وأن يموّلوه.
وممّا رافق إعلان المدن الثقافية رغبة كثير من أبناء تلك المدن أن تتشكل لجان العمل والتخطيط على أساس التمثيل المناطقي والعشائري وليس على أساس تمثيل قطاعات الثقافة والفنّ، وقد أدّى ذلك إلى بعض الشكاوى والتبرّمات والتظلّمات التي ربّما أثّرت سلباً على تنفيذ المشاريع الثقافية في المدينة.
غير أنّ هذه المآخذ لم تكن ذات تأثير سلبي عميق على مسيرة العمل الثقافي في المحافظات، بل هي نتيجة طبيعية لأيّ عملٍ جادٍ وناجح، فالخيل الأصيلة هي التي تثير بعدوها الغبار، وتحثوه في وجوه الفرسان ووجوه الناس.

 ما المطلوب؟
بعد بضع سنوات ستنتهي بمشيئة الله الدورة الأولى لإعلان جميع المدن الأردنية مدناً ثقافية، وستحصد هذه المدن الكثير من الإنجازات من إصدارات ومجلّات وبنى تحتية وهيئات ثقافية ومشاريع ثقافية دائمة وإقبال على الثقافة والعمل الثقافي، وأرى أنّ من الأفضل بعد ذلك، أن تختصّ كلّ مدينة بمجالٍ ثقافي أو فنيّ تبرّز فيه، ويصبح ملمحاً بارزاً من شخصيتها، دون أن تهمل سائر المجالات الثقافية والإبداعية، فتختصّ مثلاً مادبا بالمنتجات الفسيفسائية، ومعان بالحجارة الكريمة، وإربد بالشعر، والطفيلة بالقصّة، والعقبة بالفن التشكيلي، والسلط بالزخرفة...وهكذا، فتكون كلّ مدينة منها عاصمة أبدية لفن بعينه، وتكون مهرجاناتها وأغانيها وإبداعاتها وكتاباتها وإصداراتها حول هذا الفنّ بالدرجة الأولى.
كما أتمنى أن لا تفكّر أي مدينة عند انتهاء عامها الثقافي في إطفاء شمعة الثقافة، بل تشدّ عليها بيديها حتى تظلّ مضاءة أبداً، وتزداد إنارة يوماً بعد يوم. وأن تكون إنجازات كل مدينة في عامها الثقافي بداية لإنجازات أخرى لاحقة، وأن تصبح المراكز الثقافية الجديدة صروحاً ثقافية ومراكز توعية وتثقيف وتنوير.
كما أتمنى أن يغتنم المثقفون والمبدعون والفنانون من أبناء المحافظات تتويج محافظاتهم مدناً للثقافة، كي يجعلوا من فعلهم الثقافي فعلاً منتجاً، ويمكن الاستثمار فيه، مثل صناعة الكتاب وصناعة المجلّات والصحف، وصناعة السينما والدراما والمسرح، والصناعات التشكيلية من لوحات ومنحوتات وسواها، وصناعات التراث الشعبي من تطريز وأدوات زينة ونقوش وسواها، وأن يجري الترويج لهذه الصناعات بطريقة عصرية مدروسة تحقّق انتشاراً وإيراداً للهيئات الثقافية والمثقفين والمبدعين.
واخيراً فإنني أتمنى أن يرتبط إعلان أي مدينة للثقافة بتحقيق هدفٍ أساسيّ هو التنوير وزيادة الوعي في المحافظة التي تتوّج مدينة للثقافة، ولا بدّ لمثل هذا الهدف من أدوات ووسائل مدروسة ونشاطات مركّزة تحفر في الوعي والوجدان وتعرّض أهل تلك المدينة لأسئلة صعبة لكنها مثيرة حول كلّ ما يحيط بهم، وأن يخرجوا في نهاية العام وهم إمّا حاصلون على إجابات عن بعض هذه الأسئلة أو أن تبقى عقولهم مشغولة بها حتى يمسكوا بإجاباتها التي تحقق لهم وضوح الرؤية والهدف والمستقبل.