شعراء يعتلون «مهرة التأويل» ويحلقون في فضاء الفكر قارئين جدلية الموت والحياة
عرار:
عمان :
بمشاركة كوكبة من الشعراء الأردنيين والعرب، اختتم مهرجان جرش للشعر العربي أمسياته، يوم الجمعة الماضي، في مركز الحسين الثقافي. الأمسية نفسها، وهي السابعة، شارك فيها الشعراء: علاء عبد الهادي من مصر، وقاسم حداد من البحرين، وعبد الرحيم الجداية، وحربي المصري، وهشام القواسمة، وفاء جعبور من الأردن، وأدار مفرداتها بأسلوب شعري جميل الشاعر أحمد طناش الشطناوي بحضور المثقفين والمهتمين. القراءة الأولى استهلها الشاعر المصري د. علاء عبد الهادي بمجموعة من القصائد التي اعتمل فيها الفكر والفلسفة، وفي احدى قصائده استخدم حرف الغين بكل معانيه ودلالاته التي تستوقف القارئ لفنية وتقنية البناء المحكم للقصيدة التي تذهب بك بعيدا في فضاءات العشق والهيام بلغة لاتخلو من الوجد الصوفي. من أجواء قصائده نقرأ: «لا تَـعْتـِبِ الْقَـلْبَ فِي عِشْـقٍ بُلِيــتَ بِـهِ/ أو تــَأْسَـــفَــنَّ لِـحُـبٍّ بَـعَــدَ مَا ذَهَــبَـا/ وَارْمِ الشَّقَاءَ عَلَى خَطْوِ الوِصَالِ وَكُنْ/ مِثـْـلَ الهَواءِ خَـفِـيفًا، طَـلَّ أو شَـغـَبَا/ يَــا مَنْ سَـمـِعْتَ مِنَ العُــشَّـاقِ آهَتَهُمْ/ أنْصِتْ بِعَيْنِــكَ لا تُـنْصـِتْ لِمَـنْ غَـرَبَا/ تَــفِــرُّ مِـنِّي قـَـلِـيـلاً ثـُـمَّ تَـشْـتَـعِـــلُ / كَي تَفْـتَحَ الْـمُهْجَةَ الوَرْقَاءَ والنَّصَـبَـا/ هَـلْ كُنْتُ أبْحَثُ عَنْ حِضنٍ ألُوذُ بِهِ/ فِي مُـقْـلَـتَـيْنِ، لكَيْمَـا أتْـرُك الهَرَبَا!/ حِينَ ارْتَحَلْتُ إِلَى وَجـْــدٍ لأنْـسُجـَـهُ/ حَـتّى يُعَـايِـنَ نِـنُّ العَـيْـنِ مَـا ارْتَـقـَـبَــا». من جانبه قدم الشاعر البحريني قاسم حداد صاحب ديوان «تعديلٌ في موسيقى الحجرة» غير قصيدة، حلّق بنا في محطات كثير وفي اشكال أكثر تناغما في اختيار لموضوعات ومضامين قصائده التي تستوطن موسيقاه وتخلد في ذاكرة المتلقي، شاعر يمضي بك في محاورة الأشياء والروح والكائنات، شاعر معجون بموسيقى وإيقاعات تنسرب منه لتعانق فيافي أرواحنا وتجعلنا منشغلين بعمق الدلالة التي تفضي لمادة التاريخ التي يتم اسقاطها على واقعنا المؤلم..ضمن مخيلة خصبة ومدهشة. في واحدة من قصائده يقول: «أطلّ عليه من كوّة في الكون/ أراه يهرول تحت المطر/ مظلّته أغنية لم تكتب بعد/ وفي عينيه تتراكض فراشات النوم/ ثمّة أحلامٌ كثيرة تنتظر عودَتَه/ هذا الذي إن تريّث، يمشي في جذلٍ/ منسّقاً وقعَ خطواتِه مع دقّات قلب الطبيعة». الشاعر عبد الرحيم الجداية ذهب بقراءته الشعرية إلى الأشياء التي لا يعرفها الموتى، وماضيا بنا عبر قصيدته إلى فلسطين التي عاين توجعات الإنسان الفلسطيني من آلة البطش الصهيونية، وقارئا حالات وجدلية الموت والحياة، ضمن ابتهالات الروح وأنينها فارشا بحروفه التي سكنت روحه قرب الحلد، وتاركا الأحلام.. أحلام الصبا في مهدها تعلو. في قصيدته «أشياء لا يعرفها الموتى» يقول:»كنا معا وشواهدي كنا معا/ وفرشت قرب القبر قلبي مدمعا/ وسكنت تربك راضيا لا تشتهي/ غير الدعاء أما سكنت المخدعا/ ما نمت قبل اليوم إلا آملا/ بشعاع فجر يستبين المرتعا/ حلم الصبا لما الطفولة مهدها/ ما أثمرت حتى قسا وتصدعا/ وتركت خلفك راعشا في حبها/ سكب الدموع على الخدود لترجعا/ فمكثت في حشد اللحود جماعة/ ما كنت من قبل الممات الأطوعا/ وبقيت تنثر من دموع المرضعات». أما الشاعرد. حربي المصري، صاحب ديوان «بيوت الطين»، فقرأ أكثر من قصيدة انتمت إلى الشكل العمودي المصحوبة بموسيقى الأشياء التي تفضي إلى تجليات الروح وآلقها، فكان وفيا للوطن والحياة والعشق ومدينته إربد التي سرد عبر قصيد له تاريخ المدينة وسهولها وكبار كتابها ورجالاتها بلغة موحية ومعبرة عن دواخل النفس البشرية. من قصيدة «إربد التاريخ» نقرأ»شَعَّ الضِّياءُ وَضاءَ فِيْها العَسْجَدُ/ لمَّا تَبَدَّتْ لِلْسَنابِلِ (إِرْبِدُ)/ إِنْ قُلتُ إِرْبِدَ يا بُنَيَّ مُفاخِراً/ سَيَطُوفُ (أَبْجَدُ) فِيْ حِماها يَحْمِدُ/ ما كانَ مَدْحيْ إِيْ وَرَبِّيْ كاذِباً/ أَوْ كانَ جِنِّيُّ القَصيْدَةِ يُلْحِدُ/ فَلَقَدْ عَلِقْتُ بِدالِها مُتَصَوِّفاً/ وَتَرَكْتُ شُطْآنَ القَوافيْ تُزْبِدُ». أما الشاعر د. هشام القواسمة التي حلّق بنا عبر قصيدته المسماة «من يوميات أبي ذر الغفاري» إلى فضاءات التاريخ قارئا يوميات هذا العالم الجليل ومسقطها على واقعنا المؤلم، شاعر قصيدته تمعن كثيرا في سرد الحيوات وتقرأ التفاصيل الدقيقة لمعنى الوجود. يقول في قصيدته: «قائمٌ منذُ عامٍ بباب المدينةِ/ أَصرخُ؛ والليلُ يجلدُني/ في سياطٍ من السَّخط الأمويِّ/ ُأحاول أَن أَستقيم مع الانحرافاتِ/ أَختزلُ الحزنَ/ أهربُ من دمعةِ العينْ/ أحاول/ يمتقع اللونُ في ناظريّ/ تمتدُّ بيني و بينك هذي/ المسافاتُ/ تحملني الذِّكرياتُ القديمةُ / في ردهةِ الليلِ/ أَصغي/ فيجتازُ صوتُك هذا المدى: «تعيشُ وحيداً.. تموتُ وحيداً.. وتبعث من كوة الرمل يوما وحيدا». واختتمت القراءات الشاعرة وفاء جعبور، حيث قصائدها تنوعت ما بين العمودي والتفعيلة فقرأت قصيدة «مهرة التأويل، الأبواب، وقوفا بين يدي أم أوفى، وقصيدة ما رواه يوسف بعد خروجه من الجب» واختتمت قراءتها بقصائد قصيرة، شاعرة لها قدرة هائلة بالإمساك بزمام قصيدته حيث تجعل اللغة مطواعة بين يديها، فنجد قصيدته مثقفة توغل في المادة التاريخية لترسم بانوراما إنسانية موجعة، من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وأم أفى التي وقفت بين يديها لتسرد لنا بلغة مكثفة ومعبرة عن هذه التفاصيل في فضاءات التاريخ. من قصيدة «ما رواه يوسف بعد خروجه من الجب» نقتطف منها:»خذني/ كأي قصيدةٍ مخذولةٍ/ نسي المؤلفُ أن يدوزن/ جرحها/ واتركْ ندوب الشوقِ فيّ/ وحيدةً/ علّ الغريبَ/ يضيء يومًا/ ملحها!/ أنا بينَ بينَ/ وفي ارتباكي شُرفةٌ/ تهذي/ إذا ما الليلُ أدركَ/ صُبحها!/ الماء في جسدي/ وضلع قصيدتي/ عَطَشٌ/ يعاندني/ ويمطر شُحّها/ يمشي معي قمرٌ/ تلوّنَ حُزنُهُ/ وكلابُ جرحي/ لا تخاصم نبحها/ تتلكأ الأشياءُ حول هشاشتي/ مكسورةٌ / وأصيحُ:حسبكِ ويحها/ بي شُبهةُ الألوان حزنُ مدينةٍ/ وبياضُ أسئلةٍ/ تسدد رُمحها/ بي ألف خُذني/ فالهوامش بدعتي/ سنظل نسقط/ إذ نحاولُ شرحها. وفي ختام الأمسية سلّم رئيس الرابطة الباحث محمود الضمور الدروع التكريمية للمشاركين في الأمسية.