يمثل مصطفى صادق الرافعي ركناً مهاً من أركان الثقافة العربية، وعلامةً بارزةً في أدبنا العربي الحديث بوجه عام، وأحد أهم رواد نثرنا الحديث بوجه خاص الذين حملوا على عاتقهم مهام تجديده وأعباء ذلك والخروج به من أفقه الضيق، ووضعه القديم، والانطلاق به إلى آفاق جديدة متحررة من الكتابة لا تمثل جنساً واحداً بل تشتبك مع كل الأجناس؛ لتشكل لنا في النهاية خليطاً متجانساً يعبر جلياً عن نمط متميز خاص من الإبداع. وقد عمد كتاب «شعرية الكتابة النثرية عند مصطفى صادق الرافعي» لمؤلفه د. سعيد فرغلي حامد إلى إبراز عناصر الشعرية في نثر الرافعي انطلاقاً من كونها – أي هذه العناصر – قوانين معرفية؛ لإعادة قراءة فنية نقدية جمالية، حيث ينفرد الرافعي من بين كتاب عصره وأدبائه بملكة إبداعية ابتكاريه في صياغة أدبه، وفهم سديد لأسرار البيان العربي. وقد اختار المؤلف شعرية الكتابة مدخلاً لقراءة نصوص الرافعي النثرية؛ إذ إنه أديب استعان بروح الشعر وتقنياته وآلياته وملامحه في نثره، وقد استخدم المؤلف في كتابه مفهوم الشعرية بمعناها الأوسع، حيث اقترانها بالأصل اليوناني القديم الذي أسسه أرسطو في «فن الشعر» من حيث هي كشف عن الجماليات الخاصة بتشكل نص أدبي وفرادة تقنياته، وهي تساوي عندنا «الأدبية»، ومدار اشتغالها هو الخطاب الأدبي بوصفه إبداعاً؛ فلا يوجد شعرية أو أدبية من دون خطاب وإلا تصبح تنظيراً محضاً. ويعنى الكتاب بتقديم رؤية نقدية في فحص نصوص أدبية بغية الكشف عن قدراتها الإبداعية، وهذا الكشف لا يلزم المتلقي بأية نتائج، وإنما يحاول إنجاز فاعلية قرائية تقوم على التحاور والأخذ والرد؛ فشعرية الكتابة النثرية، منجز القديم الحديث، القديم في أثره الحديث في الوعي به خاصة بعدما تقبل معظم جمهور الأدب إنجازاته الحديثة المسماة بـ «النثر الشعري» أو «الشعر المنثور»؛ فكان لزامًا على الناقد الكشف عن اللثام لمنجزاته التراثية الرائدة للوقوف على ما أنتجته لنا قرائح الأدباء، وعبقريات المفكرين من أعلام النهضة، وفقا لمجموعة من الآليات والتقنيات المعرفية التي تعمل داخل هذه النصوص والتي تطورت تباعاً بتطور الدراسات والمناهج النقدية، وغدت أنماطاُ فاعلةُ في سبيل النهوض بقراءة هذه النصوص وتقويمها فنياً. ومن هذه النصوص وقع اختيار المؤلف على الرافعي ليكون نثره مادة بحثية، ومنطلقاً لقراءة فنية نقدية لأثر الشعرية في نثره، فقد شهد لأديبنا الكثير من الزعماء والأدباء والنقاد، وكلهم تحدثوا عن براعته الفنية، وأشادوا باتساع قدراته الإبداعية، فهو قبل أن يكون أديب الهدف والفكرة هو أديب الإحساس والشعور. أما شعر الرافعي المتمثل في ديوانه المسمى بـ «النظرات»، أو المسمى بـ «ديوان الرافعي» فإنه لا يدخل في صميم هذه الدراسة، ويمكن إجمال مادة هذه الدراسة التطبيقية في هذه المؤلفات: حديث القمر – المساكين – رسائل الأحزان «في فلسفة الحب والجمال». ولما كان نثر الرافعي الإبداعي كبيراً إلى الحد الملحوظ، فإن على دراسة الشعرية فيه ومحاولة رصد مجموع عناصرها أن تلجأ إلى مبدأ الاختيار والانتقاء، ومن ثم فإنه من الصعب اللجوء أو الاحتماء بمنهج واحد، فعلى الباحث التعامل معه وفق قوانينه، والاستجابة لما يمليه علي من خلال قراءته، ومحاولة سبر أغواره. وقد جاء الكتاب في مقدمة وتمهيد ومدخل، وأربعة فصول، وخاتمة، وملحق بيبلوجرافي، وفهرس تفصيلي، ثم فهرس الموضوعات، تناولت المقدمة الموضوع وتطرقت إلى دواعي اختيار المؤلف للموضوع ومادته والمنهج المتبع في دراسته، وتعرض التمهيد إلى حياة الرافعي وسيرته وثقافته، وأهم معاركه الأدبية في خطوط عريضة وموجزة. وتطرق المدخل إلى بحث المصطلحات التي سوف يتعامل مع الباحث، وتمثل أهمها في أربعة مصطلحات «الشعرية»، و»الكتابة النثرية»، و»النص»، و»الإبداع». أما الفصل الأول فقد جاء بعنوان «رؤية الرافعي الأدبية، ومذهبه في الكتابة»، وتناول أهم آرائه الأدبية والنقدية ومفاهيمه عن الشعر والأدب والكتابة، ونظراته الإبداعية وفلسفته، وغير هذا من الأمور التي تناولها بالممارسة التنظيرية في ثنايا إبداعه والتي شكلت حدود رؤيته الأدبية. وجاء الفصل الثاني بعنوان «اللغة والدلالة الشعرية المكثفة» وقد تعرض فيه إلى لغته الأدبية من عدة جوانب. أما الفصل الثالث فقد اهتم بدراسة «الصورة الفنية عند الرافعي» موضحاً دورها في إنتاج الشعرية في نثره. وتناول الفصل الرابع أهم الظواهر الأسلوبية التي صعدت بنثره إلى سلم الشعرية، وقد انقسم هذا الفصل إلى خمسة مباحث يسبقها مهاد نظري، وهي: التكرار، والتناص، والغموض، والمفارقة، والتوليد، ثم كانت الخاتمة التي ذكرت فيها أهم نتائج هذه الدراسة. يذكر أن كتاب «شعرية الكتابة النثرية عند مصطفى صادق الرافعي» لمؤلفه د. سعيد فرغلي حامد، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب