|
عرار:
الباحث الأكاديمي والفنان التشكيلي زيد عدنان تفوقت الحضارة النبطية بشكل ناصع ومضيء في عقد الصلة والاقتران بين فن العمارة وفن النحت، ومن خلال استعراض طرز تيجان الاعمدة يمكننا التأشير الى ان الاعمدة النبطية شكلت احدى اهم الساحات الفنية؛ لما وسعت من تنوع وتفرد، واشكال فنية تفاوتت بين النباتية والهندسية واخرى لاشكال حيوانية واشكال بشرية آدمية واسطورية مركبة عكست توق الفنان النبطي ونزعته للتجدد ورفضه للاشكال النمطية التقليدية، فقد غدت تيجان الاعمدة مكانا لإظهار ابداعاته النحتية ومساحة فنية تلقى عليها العديد من المفاهيم والمعتقدات الدينية والجمالية على حد سواء. لقد ابدى الفكر النبطي الرغبة بالابتكار الفني، وان مظاهر الفعل الابداعي يتضافر بين اشكال هذه التيجان والمضامين الكامنة بحيث يكمل كل منهما الاخر بداخل بنية كلية مترابطة نمت وتطورت من خلال اطار نوعي اكتسب مضمونه من افكار المجتمع وتوجهاته ومعتقداته. تمكن الفنان من انتزاع هيئة الاشكال النحتية في تيجان الاعمدة لما مخزن بالذهن، وان تنوع الاشكال ربما يكون لفسح المجال خارج حدود الطبيعة كمحاولة لخلق اشكال فاعلة ومؤثرة على مدار الازمنة وحيثما تتواجد في الامكنة سواء كانت بداخل المعابد ام على الواجهات الصخرية، وقد عبرت هذه الاشكال عبر الواقع لتصور المشهد ولتتحول الى حضور دائم من خلال احتفاظها بمدلولات وقيم دينية تعبيرية لها وقعها المؤثر في المفاهيم الاجتماعية اي انها اشكال رمزية ادخرت عمق دلالاتها وصفاتها لترتقي الى مرتبة مثالية، فهي تشكل ابلاغا يعكس البنى الفكرية للمجتمع من خلال ادراك الفنان وبواسطة التعبير عن هذه الأشكال من ايضاح الافكار المتخفية والمستترة داخل المكان الذي تتواجد فيه، فكانت هذه المنحوتات تعامل بقدسية كونها تحمل فعلا سحريا وميثولوجيا مؤثرا في نفوس المتعبدين. وبمراجعة للمصادر التاريخية والاكتشافات الاثرية فهناك ثلاثة انواع من التيجان المعمارية اليونانية؛ الدوري والايوني والكورنثي وقد استمر استخدام هذه الطرز المعمارية الثلاث في الفترة الرومانية، ومن خلال التاثر بين الحضارات فقد تعقب الانباط انواع هذه التيجان ولكنهم استحدثوا تيجان اعمدة مختلفة، ويعتبر تصنيف التيجان النبطية من الامور المتداخلة والمتشابكة، فمنهم من يقسم التيجان الى نوعين رئيسيين وفي اخر الدراسات والتصنيفات تم تقسيمها الى ثلاثة انواع، النوع الاول تيجان الاعمدة الدورية وشبه الدورية وتقسم الى عدة فروع، تيجان دورية عادية وفرع ثاني يحمل زخرفة الصرة واللسان وفرع ثالث عليه زخرفة القلب واللسان المعكوس ورابع يحمل الصرة دون اللسان وخامس سمي بالتيجان المقلوبة وسادس يحمل تاجا مشطوف الحافة وسابع يطلق عليه تسمية التيجان المختلطة. اما النوع الثاني والذي يحمل ويقابل التيجان الايونية فهو الاخر قد قسم الى عدة فروع منها تيجان الربة وتيجان حوران وتيجان ذات رؤوس الفيلة، اما النوع الثالث والاخير والذي يقارب التيجان الكورنثية فقد تفرع الى تيجان كورنثية عادية وتيجان كورنثية ذات زخارف نباتية متداخلة وفرع ثالث بتيجان تحمل زخارف نخلية الشكل. تمكن الانباط من نحت تيجان متميزة وبمختلف الاشكال، وقد ركز الفنان النبطي عند استخدام الاشكال الادمية في النحت على النصف الاعلى من جسم الانسان، كما ظهرت بعض تيجان الاعمدة بمنحوتات لالهة نبطية تمثل الاله تايكي تمتطي على ظهر دولفين واخرى للالهة زيوس تمثل الاله «ذو الشرى» عند الانباط، كما ظهرت تيجان اعمدة تحمل منحوتات اسود مجنحة واخرى باشكال مركبة تمثل جسم حيوان مجنح له راس انسان وهي من تاثيرات حضارة بلاد الرافدين. ابدع الفنان النبطي في المباني المعمارية والمنحوتات الحجرية والتي تضم معظم انساق وهواجس الفكر الاجتماعي، هذا الابداع تمكن من الافصاح عن تعاظم الخبرات التقنية التي تأصلت بتأسيس نظام اجتماعي امتلك تقاليد وشعائر دينية وانظمة شكلية رسخت ارتقاء هذه الحضارة بشكل لافت، وجعلت الاجيال بمعظم اسقاع الارض تتحدث عن منجزاتهم ومآثرهم الابداعية على مر العصور. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 23-12-2021 11:34 مساء
الزوار: 636 التعليقات: 0
|