|
عرار:
القيم الثقافيّة في الشّعر الشّعبي بيـــــــــكم نرحـــــــــــب ديـــــــــــــمـــــــه يا اهل الادب اهل العقول سْليمة تجلوا على القلب النكد وضيمه بالشعر ينسى ليعتـــــــــه ومحونــه حْني ناس سكانة رواق الخيمة اولاد بدو نوّاضين في الكبسولــــة... ) قصيدة ترحيبية لشعراء المزونة: محمد غزال الكثيري والمولدي هضب ولزهر بلوافي( ان الحديث عن التّراث الشّعبي عامة يجعلنا ننخرط آليا ضمن المسارات البحثية، لفروع المعرفة الثقافيّة والادبيّة الشعبيّة، والسعي للبحث والتنقيب في الموروث الثّقافي المادي واللاّمادي للمجتمعات المدروسة، وتمثل الذاكرة الجماعيّة مرجعا مهما قد نستند إليه، للتّدقيق في واقع الموروث الشّفوي والإبداع الفكري للمجتمعات على مر التاريخ، والوقوف على مقربة من أشكال التّعابير الحيّة الموروثة من العادات والتقاليد ومن المنظومات والممارسات الفنيّة والأدبية الشعبيّة المثبّتة للخصوصيّة والحاضنة للهويّة الثقافية، كالشّعر والأقوال والأمثال والحكايا والقصص والأساطير والأنماط الغنائيّة المختلفة وغيرها، وقد عكست هذه التّعابير الشعبيّة إلى حد ما، واقع المجتمعات في جميع مجالات الحياة الثقافيّة والدينيّة والاجتماعيّة. ويعد الشّعر الشّعبي على تعدد ألوانه ومسمياته ( الشعبي، الملحون، الزجل، النبطي، الحساني...الخ)، أحد الوسائط الفنيّة والادبّية الناجعة، في نقل وترويج المكتسبات الثقافيّة والمحمولات القيميّة، التي يتواضع عليها ويتبناها هذا المجتمع أو ذاك. ان الخوض في مثل هذه المباحث الفكريّة والمعرفيّة، يتطلب جهدا مضاعفا لتتبع مساراتها وامتداداتها والتثبت في طروحاتها، وعلى حد عبارة الشاعر "محمد بلطيف الملوح": بحــــــــــــــر القــــــيـــــم وامواجـــــــه واسع قراره صعب ما يتناجـــــــه حاولت نستفسر اسرار حجاجه علي هاج غم الحاسه بغموضه... وبناء على ما يحوم من غموض حول المعنى والدّلالة للعديد من المصطلحات، وكإجراء منهجي تمهيدي، لابد من محاولة تحديد المعنى والمفهوم لمصطلح القيمة والقيم ومنظوماتها، بناءا على الأبحاث والدّراسات التي قاربتها وظيفيّا وتحليليّا، فمنظومة القيم عند مسكويه مثلا: هي فضائل ورذائل، أو خيرات وشرور، والفضائل عنده تنقسم إلى أربعة وهي: الحكمة بأنواعها، والشجاعة بأنواعها، والعفة بأنواعها، والعدالة بأنواعها، أما الرذائل فهي ضد الفضائل) مسكويه، عماد الهلالي، 2011، (243. ويرى الغزالي و ابن رشد، وابن تيمية أن منظومة القيم والأخلاق يتم اكتسابها بواسطة غرسها في الشخصية الإنسانية من قبل البيئة الثقافية الاجتماعية المحيطة بها )الجهني، 2015 ، 253 (. ومن التّعريفات الشاملة لمصطلح القيمة، تعريف قدمه جان بول رزفيبر Jean Paul Resweber، فالقيمة لديه "هي صفة الأشياء من حيث إنها جديرة بشيء قليل أو كثير من التقدير، ومثلا: قيمة الحياة، قيمة العقل، قيمة الحرية والثقافة والإبداع... وكلها قيم أخلاقية تواكب قيما أخرى هي القيم الجماليّة كالحسن والجمال والرشاقة والأناقة، و قيما ثالثة ندعوها القيم المنطقيّة، وفيها الصواب، والخطأ، والمحتمل، وقيما رابعة وخامسة اقتصادية وسياسية واجتماعية، وما إلى ذلك " )رزفيبر، ت، عادل العوا،2001،6.( وفي الثقافة العربيّة، تفضي منظومة القيم إلى جملة من المسلمات، التي تضبطها مقاييس ثقافيّة عقليّة وشرعيّة، ذات المرجعيّات الدينيّة والضّوابط القيميّة المستمدة من المكتسبات الثقافية والأخلاقية ومن العادات والتّقاليد الموروثة، يستقيها الفرد من محيطه الاجتماعي وواقعه الثقافي، وتصبح بمثابة المعتقدات التي تحدد الأحكام والأفعال وتضبط أنماط سلوك الأفراد والجماعات، بتوجيه وترشيد رغبات واتجاهات المجتمع وضبط معايير القيمة للسلوك المرفوض أو المقبول داخل النّسيج الاجتماعي. ان التفاعلات الأدبية والفنيّة الشعبيّة، أدت إلى تناسل وتنامي وتكاثر عدة ألوان تعبيريّة تلونت بألوان أطرها المكانيّة والزمانيّة، ولعلنا هنا نقف عند حدود الشّعر الشّعبي ومحمولاته الثقافيّة والقيميّة، وفق المنظور العربي لمعنى القيم ومنظوماتها في أطرها ومناسباتها، ولا شك أن الشّعر الشعبي يكتنز بحمولة ثقافيّة قيميّة، تعكس بشكل أو بآخر ثراء المأثورات الشعبيّة العربيّة، وخاصة تلك التي نظمت فيها الكلمة والعبارة بطريقة فنيّة لا تخلوا من الروعة والجمال، تناقلت إلينا عبر حركة ديناميكية تفاعلت فيها جدليّة الأخذ والعطاء، الاقتداء والتجاوز، فكانت خير شاهد على واقع المجتمعات في مختلف الحقبات. لقد استمر الشّعر الشّعبي في تركيز قيم المجتمعات وتثبيتها لدى الأجيال المتعاقبة، لذلك نعدّه نصّا ثقافيّا منفتحا على مختلف الانتاجات البشريّة الشّعبيّة، قد نكتشف من خلاله منظومة القيم الثقافيّة. يشحن الشعر الشعبي، بجملة من المحمولات الثقافيّة والمعاني التعبيريّة ذات الرموز الدلاليّة، التي غالبا ما يتطلب فهمها وإدراك معانيها، استحضار المتلقي لمستويات معرفيّة وصور ذهنيّة دالة تناسبها. ولاستقراء الشّعر الشّعبي وفهم كنهه، لا يمكن التوقف عند حدود الشكل الخارجي للنصوص الشعريّة، المختزلة في البنية اللّغوية والإيقاعيّة والأسلوبيّة وغيرها، رغم أهميتها كعناصر فنيّة، جماليّة...، أساسيّة في المنظومة الشعريّة، وإنما يتجاوز ذلك إلى الغوص في عمق المعنى والعبارة. يبنى الشّعر الشّعبي على اللهجة العاميّة المحليّة للمجتمعات الشعبيّة، وهو إبداع فنيّ من الألوان القوليّة التي تحمل خطاباتها رسائل موجهة، عادة ما تجد صداها لدى المجتمعات المنتجة والممارسة لها. ويقوم الشّعر الشّعبي بعدة وظائف ثقافيّة واجتماعيّة مهمة، كما يلعب دورا حيويا في نشر وترويج الأفكار بين الناس، عبر حلقات التّرديد في مختلف المناسبات، مما قد يضمن التّواصل والاستمراريّة للأنساق الثقافيّة والنظم القيميّة للمجتمعات. ورغم التطورات الحاصلة في كل الميادين، وما أحدثته من متغيرات على الواقع الاجتماعي والثقافي، إلا أن المجتمعات العربيّة وخاصة الشعبيّة منها، لازالت تتشبث إلى حد كبير بما توارث من العادات والتقاليد والممارسات، وتعتز كثيرا بالقيم المتأصّلة فيها، كالمروءة والشّهامة والكرم والتّكافل والتّعاون والذّود عن حرمة الدين والوطن، ويعتبر الشّعر الشّعبي من الفنون القوليّة الأكثر تعبيرا عمّا يختلج ويجول في نفوس الأفراد والجماعات، فضلا عن دوره في نقل ثقافة المجتمعات، التي لازالت متجذرة في ذاكرة أبنائه وعلى ألسنة شعرائه، وفي علاقة العربي بالقيم النبيلة، يقول الشاعر"محمد مبروك": مازلت من بحر القيـــم مـــــــتروّي وفي شورها وعل دربها سايـــرين ومازلت شمعة ليل بيــــــها نضوّي دواميس فايت غرقها الغـــــــرقين... ومما لا شك فيه، أن الشعر الشعبي يشكل إطارا مناسبا وفضاء رحبا، لإشاعة القيم المثلى داخل المجتمعات، وترسيخ ما توارث من الضوابط والسلوكيات، بما يتيحه من خطابات ومقولات شعريّة تحمل صور فنيّة ومشاهد تعبيريّة، تغازل الذاكرة الجماعيّة وتداعب النبر الوجداني، لأبناء بيئته وحاملي ثقافته، اذ أن العربي عموما ينسجم مع ثقافته وبيئته ومنظومة قيمه، كلما امتدت أفكاره إلى عمق الذاكرة واقتربت من مآثر الأجداد، فلا يتوانى البعض في التباهي بالأصول وشرف الانتساب، والاعتداد بأمجاد الماضي وبطولات الأجداد، وهو ما وثقته و تناقلته الإبداعات الشعبيّة الشفويّة، وباح به الشّعراء وتداولت نصوصه هنا وهناك. والشّعر الشّعبي من الإبداعات الفنيّة والانتاجات الشعبيّة، المثبتة للهوية والمحددة للخصوصية الثقافيّة. فالمجتمعات العربية عموما متوحدة في تنوعها، تنتج أنساقها الثقافيّة على شاكلتها، وبالصّورة التي تعكس أفكارها القاعديّة، والتي تصاغ في مجملها وفق الضوابط الاجتماعيّة والنظم القيميّة المتوارثة والمتداولة داخل المجتمعات. وتستمد منظومة القيم وجودها ومشروعيتها، بما تحدثه من توازن اجتماعي، يقوم على الانضباط لما اتفق حوله من المفاهيم والمعايير والأحكام المحددة للسلوك المقبول أو المرفوض. ويعد الشعر الشعبي إحدى الوسائل الإعلامية المهمة المساهمة في نشر وترويج مفاهيم المنظومة القيمية بين الأفراد والجماعات، بأساليب فنية وأدبية بليغة تجد صداها لدى المتلقي، كأن تمرر نصوص تتغنّى بالقيم النّبيلة والسّامية ترد في شكل نصائح موجهة إلى الإنسان عامة، ويقول في ذلك الشاعر "عبد الحميد الشبيلي": نوصيك صون لسانك و أخطاك م الهـزب راهـــــو الفـــعل الدّوني نهــــايته خراب السفه و النّفـــــخة تــــــــدّيك للعـــــــطب ابنادم يخسر عرضه إذا غاب ع الصواب ع الخير عود نفسك و أخـــطاك م الشغب مع النـــاس صفّي نيتك و الغير ما تغتاب باللّــــين عامل غيرك و إيّـــاك م الغضب إذا فلـــــــت لســانك ما يفيـــدشي عتاب و لا تهيض لا تتــــــفاخر بالمال و النسب المال راهو يفــــنى و أفعــــايلك تنصاب اللي تغــــرّه الدنيا و يضـــــيع في الحسب كما الذي يترجّــــى الظل م السحـــــاب... يعبّر الشّعر الشعبي عن وجدان الشعب ويكشف عن طموحاته وأمانيه، ويصور جميع نواحي الحياة في مختلف جوانبها الاجتماعيّة والبيئيّة والدينيّة والسياسيّة وغيرها، فتشحن نصوصه بمحمولها الثّقافي، المساهم في تثبيت القيم الإنسانية والنظم والمفاهيم الشعبيّة المكتسبة، في عقول وسلوك الأجيال المتعاقبة، مما قد يضمن التّواصل والتّماسك والاستمراريّة الروحيّة والفعليّة للمجتمع، فالشّعر الشّعبي ذاكرة الأجيال ولسان حالها، وهو أحد الحلقات الواصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويعدّ الشّعر الشّعبي نتاج جماعي وان ورد على لسان أفراد. تلتقي المجتمعات العربيّة حول جملة من القيم الثّقافيّة المتجذّرة والراسخة في ذاكرتها، وقد تتفق في بعض مبادئ ومعايير ومقاييس منظوماتها الأخلاقية والقيميّة. وتستمدّ القيم الثّقافيّة في المجتمعات الشعبيّة من مسارين أساسين فاعلين في ترسيخ النّظام الثّقافي للمجتمع وهما: الجانب الدنيوي بما فيه من علاقات وتفاعلات اجتماعيّة، والجانب الديني العقائدي بما يتضمّنه من أحكام شرعيّة وممارسات دينيّة ونوازع فكريّة. وفي المجتمعات العربيّة عموما، تعمل منظومة القيم الدينيّة على ضبط السلوك والنوازع الجماعيّة، كما تحدد المرغوب والمرفوض من الأفعال والسلوكيّات الاجتماعيّة، وفق منظومة الأحكام الشرعيّة المستمدة من القرآن والسنة، ولكن ذلك لا ينفي وجود بعض الممارسات والنوازع الفكرية والسلوكيّة الهجينة التي تفلت من الانضباط لقواعد الأحكام الشرعيّة. ففي هذه المجتمعات يكثر أيضا الاعتقاد في الطرق الصوفيّة والأضرحة والزّوايا والأولياء الصّالحين )الزازية برقوقي، ميم، 25فبراير 2018(. تقدّم نصوص الشعر الشعبي معايير القيم الجماعيّة ويعتبر الجهاد في سبيل الله من القيم السامية والثابتة في المفهوم الثّقافي الإسلامي عامّة ولدى البنى الاجتماعيّة العربية خاصّة، وارتبط الجهاد لدى هذه المجتمعات بمحورين أساسين وهما الدّين والوطن، ولعلّ ذلك ما استحضرته النصوص الشعرية أثناء مواكبتها لكل المراحل التاريخية وخاصة في الفترة الاستعمارية، فكانت الأشكال التعبيريّة الشعبيّة، أحد وسائل تعبئة السكان وتأجيج الحس الثوري والتحريض على الجهاد ضد المستعمر، وقد تداول في تونس مثل: يــــا سعد من جاهد نهـــار في مخالفين الشريعة يرتاح مـــن عذاب النــــار ورحمة الله وسيعـــة كان مات ما يشوف الأنكار الا جرح ما له وجيعة كــان عاش للخلق يــــزار وتنال منـه النفيعــــة كما يعد الشعر الشعبي أحد الروافد التاريخيّة المهمة، في قراءة واقع المجتمعات التي تناستها الكتابة لرده من الزمن، والكشف عن أطوارها وإزاحة الحجب عن أحداثها وبطولاتها، وقد سعى الشعراء للوصول إلى البعض من مخزون الذاّكرة الشعبيّة والتّشبع بالرواية الشفويّة الناقلة للأحداث التاريخيّة وتوثيقها في متون نصوصهم الشعريّة، وتخليدا لأحداث احد معارك الثوار الشهيرة بجبل بوهدمة من البلاد التونسية، يقول الشاعر "محمد غزال الكثيري": طلعوا الجبــل وسلاحـهم شيعتــه طلعـــــــوا الجبــــــل ودونـــــــه ثوار عشقوا الوطن في مضمونه وأول رصاصة حامية وسخونــه ثارت على الغاشم على دافعتـــه في جبل بوهدمه من المزونــــة محمد النيفر خطها بوازعتــــــه يــــوسف معـــــاه رفاقـــــــــــه ثوار سموهم عـــــدوا فلاقـــــه... والمتتبع للازمات السياسيّة العربيّة عبر العصور، يقف على الدور الكبير الذي قام به الشعراء في الدعاية للمبادئ والأفكار، وخاصة تلك التي تعلقت بالجهاد وبالثورة والثوار، حيث نظمت عديد القصائد في تمجيد الشهداء والقادة والزعماء، والإشادة بالمعارك البطوليّة للمجاهدين ولعلنا هنا نستحضر ما روي عن شاعرة الثورة الجزائرية " فاطمة منصوري" التي أثرت قصائدها في نفوس شباب المنطقة ودفعتهم للالتحاق بالثورة في الجبال، وتقول في إحداها: تلفظ علـــــى جيش رومان والحــــــرفة امطاوعاتــــك الطيــــــارة لاتـــــقـــــــدك والمكحلة امسامياتـــــــــك امبرد على ضـــــميم قلبك أوهذيك شهوة امناتـــــــك لمجاهد على دين لســـــلام على الشرع مدى ارضاتك نفتــــــــن ع لــــســـــــلام وانــــــقيــــــم اجهــــــادي اذا طــــــــالوا لعمــــــــار نـــــربــــــــح مـــــــرادي... وفي المجتمعات الشعبيّة، تلقّن القيم الثّقافيّة وتتداول شفويّا عن طريق جملة من الوسائط والآليات من العادات والتقاليد ومن الفنون والممارسات التي يحملها المخيال الجمعي ويستمرّ في تبنّيها واستهلاكها، على أن تخضع لمقاييس ثقافيّة ذات مفاهيم متفق عليها، حتى يرتضيها ويقبلها المجتمع فينصاع الجميع لضوابطها ويلتزم بمحدّداتها. وللدفع نحو التحلي بالقيم الدينية يقول الشاعر المرحوم"احمد بن موسى": صلّوا على من أتى بالمخابر وسط المنابر يا سعد من تبّع الدّين صابر يظهر و لا ظل في بير غابر قلبه تجابــر كي منع من صهد القوايل تواكب النصوص الشعريّة كل المراحل الحياتيّة وتحاكي مختلف المناسبات الدينية والدنيوية، وقد تعبّر عن الاختلاجات النفسيّة والمشاعر الوجدانيّة التي تثيرها مختلف السيّاقات، وفي مناسبة الحجّ مثلا يقول الشاعر المرحوم "سالم الحجام" في ذلك: إن شـاء الله الذّنب مغفـــور أحنـــــــا مع والدينـا نمشـــــي للبــيت ع الفـــور و نزور أهل المدينـه وانشاهد النبي شارق النّور تجلى عليّا الغبينـــه ففيهذه المجتمعات يتلقّى الفرد عمليّة التّنشئة والتعلّم الاجتماعي، اعتمادا على الحصيلة الثّقافيّة من القيم الاجتماعية والدينيّة والأخلاقية النبيلة، والتّحرّك في إطار نسق ثقافي معيّن، تحترم من خلاله الضّوابط والمعايير التي تحدّدها المجموعة، فيكتسب الفرد الأنماط السلوكيّة التي ترتضيها وتقبلها الجماعة، ويعبر عن ذلك الشاعر "محمد مبروك" بالقول: ومازال عندي ولع حتى إلتـــــــوّي ولع بالقيم الثـــــــابته والـــــــدين ولاني على موضوعنا متنـــــــوّي غير القريحه وادهـــــــــــــا مسّيّبْ ونبدا على ظهر الغديد نحــــــــوّي في رحلة قيم ألضانـــــها ما تخيّب... والشّعر الشّعبي، عادة ما ينطلق من الانفعالات واللّواعج الذاتيّة ليغازل الذاكرة الجماعيّة ويلامس الواقع المعاش في أبعاده التربويّة والتثقيفيّة والترفيهيّة وغيرها. وكما هو ملاحظ فان النصوص الشّعرية الشعبيّة، تشحن بحمولة ثقافيّة قيميّة جماليّة وفنيّة، ترد حينا في شكل خطاب صريح ومباشر، و تأتي أحيانا مبطنة تحتاج منا تفكيك رموزها واستحضار دلالاتها لفهم واستيعاب حمولة خطاباتها. يظل الموروث الشّعبي من المأثورات المهمة، والموضوعات الثرية التي تراهن عليها الأبحاث الانتروبولوجيّة والسوسيولوجيّة والاثنوموسيقولوجيّة...، للكشف عن واقع المجتمعات وقراءة مختلف مساراتها الاجتماعية والثقافية والتاريخية وغيرها، لذلك يعد الارتقاء به إلى المستوى الذي يتناسب مع قيمته وأهميته العلميّة والمعرفيّة، من الضرورات الملحة في هذه المرحلة التاريخية وخاصة أمام الصراعات الحضارية والثقافيّة التي تعيشها المجتمعات، والتي أثرت بشكل كبير على الثقافات والخصوصيّات المحلية للشعوب. ويبقى التمسك بدراسة الموروث الشعبي بمختلف ألوانه وأشكاله التعبيريّة، الضمانة الحقيقيّة للمحافظة على الهوية الثقافية والخصوصيّة الاجتماعيّة. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 20-11-2018 05:04 مساء
الزوار: 2531 التعليقات: 0
|