ضمن أمسيات مهرجان الشعر العربي في (جرش 2018)، أقيمت مساء أول أمس، في رابطة الكتاب الأردنيين، الأمسية الشعرية السادسة، وشارك فيها الشعراء: أديب ناصر، سعد الدين شاهين، سعيد يعقوب، مهدي نصير، ونزار عوني اللبدي، وأدار مفرداتها الأديب الدكتور مخلد بركات، وسط حضور من المثقفين والمهتمين.
واستهل القراءة الأولى الشاعر أديب ناصر فقرأ مجموعة من القصائد العمودية التي عاين فيها شؤون الأمة وحالة الضياع وشتات الروح، مستذكرا المعتصم وبطولاته ومتباكيا على جراحات الأقصى الذبيح. قصائد أمعنت في الذات الشاعرة المنصهرة في الواقع المعيش يقول في إحدى قصائده:»لا تنادي فكم نادى وما سمعوا/ صوت الذبيح بمسرانا وأقصانا/ ما الأرض يبست من دون معتصم/ ولست معتصما أعني وشيبانا/ ففي انتظاري هنا لا ألتقى بطلا/ إلا الذي في دمائي يخفف الآنا».

أما الشاعر سعد الدين شاهين قرأ غير قصيدة من مثل:»سبعون شباكا لبيتي، والباب»، قصائد حاور فيها الباب وتفاصيله الدقيقة من الطرق وصوته وصريره، والذين عبروا من خلاله وحالاتهم، شاعر قرأ دواخلنا جميعا بقصائد التي لا تخلو الوجع الدفين في أرواحنا ويعتمل فيها من ألم، ولا تخلوا أيضا من المادة التاريخية التي اسقطها على مساحات الحياة التي نعيشها حاضرا.
يقول في قصيدة «الباب»:»مثل باب عتيق/ يدوسون كل الصباحات في عتبتي/ ثم أصغي/ إلى آخر العابرين/ كلما دق طارق خشبي/ تشتكيني ضلوعي/ إلى الفاتحين/ عندما مر بعضهم قال لي :خشبي صندل/ وأنا فيه طبع الجذور 
بعضهم قال: السواقي/ على مثل هذا الصرير تدور/ إنه المنتهى/ والعبور المغافل سهل إليه/ قبله كان كل الذين مروا على عتبتي/ ينحنون إذا ما أرادوا العبور». 
من جهته قرأ الشاعر سعيد يعقوب قصيدة حملت عنوان:»أَعْلَيْتُ قَدْرَكَ»، مضى إلى مساحات وفضاءات في شؤون الغزل الأقرب إلى الغزل العذري، فهو شاعر أخلص لعمود الشعر فكانت لغته أقرب إلى التقريرية التي لا تحتاج إلى التعقيد أو الغموض فكانت قصيدته مشبعة بروح العشق والحب ودفء المشاعر وصدقها.
يقول فيها:»سماءُ عَيْنَيْكِ لا صَحْوٌ ولا مَطَرُ/ وفِيْ ابْتِسَامِكِ ما لا يُدِرْكُ البَصَرُ/ وفي الحدِيثِ مَعانٍ لسْتُ أُدْرِكُهَا/ كما يُعَبِّرُ عَنْ إِحْساسِهِ الوَتَرُ/ وفي اقْتِرَابِكِ بُعْدٌ كادَ يُهْلِكُنِيْ/ وفي ابْتِعَادِكِ قُرْبٌ ما لَهُ أَثَرُ/ غُلالَةُ الحُزْنِ فوْقَ الوجْهِ تسْتُرُهُ/ مِثْلُ الغمامةِ يبْدُو خلْفَها القَمَرُ/ كِتابُ حُسْنِكِ أسْتَجْلِيْ مَحَاسِنَهُ/ ولَيْسَ يَعْيا عَلى تَطْوَافِهِ النَّظَرُ/ والعهْدُ بالحُسْنِ أنْ يبْلى على كِبَرٍ/ وكمْ يزيدُكِ حُسْنًا عِنْدِيَ الكِبَرُ/ والرُّوحُ بالعُمْرِلا تزْدادُ غيْرَ صِبًا/ والجِسمُ يجرِي إلى ضَعْفٍ بِهِ العُمُرُ/ رشفْتُ حُبَّكِ خمْرًا فانْتشَيْتُ بها/ والحُبُّ خمرٌ وسَلْ عمَّنْ بِهِ سَكِروا/ يا سِدْرةَ المُنْتَهى كمْ فيكِ لي مُتَعٍ/ وكمْ لِرُوحِيْ حلَا في ظِلِّكِ السّهَرُ».
الشاعر مهدي نصير صاحب ديوان «إيقاعات ثمودية»، حلّق بنا في تراتيله الشعرية في عوالم الأمكنة قارئا شؤون البيت وتفاصيله وأثاثه من خلال البنت التي أوقدت شمعتها، شاعر يبحر في هيئة الوجه المغموس بنسدال الشعر الطويل، ويمضي بنا بلغته إلى العشاء وحالات الشاعر المسكون بالعشق والجيوت الرثة الملأى بأنجم الحياة والروح، وقصائد الشاعر نصير لاتخلو من الصورة السريالية واللغة البصرية.
يقول في قصيدته «غرفة صغيرة»: «أوقدتْ شمعاً بغُرفتِها الصَّغيرةِ/ كانَ وردٌ ذابلٌ يحتلُّ واجهةَ الجِدارِ/ وكنتِ جالسةً بركنِ البيتِ/ مُغمِضَةً حواسَّكِ/ كنتِ نائمةً/ مُقرفصةً/ يداكِ على يديكِ/ ووجهُكِ المغموسُ بالشَّعْرِ الطَّويلِ». 
ومن قصيدة «عشاء»، نقتطف منها: «في عتْمةٍ وجيوبيَ الرثَّةُ ملآى أنجماً/ هل كنتَ تبكي ؟/ هل كبا جوادُكَ الصَّغيرُ والمريضُ/ وسرتُما جسدينِ ملتصقينِ/ مقتولينِ في تلكَ البَراري؟/ هل أتاكَ الليلُ؟/ أقعى قُربَ دمعِكَ/ قُربَ وجهِكَ
قُربَ عينيكَ الصَّغيرتينِ/ ثُمَّ شارككَ العَشاء؟هل كنتَ يا صديقيَ الأخيرَ تبكي خائفاً ؟».
واختتم القراءات الشاعر نزار عوني اللبدي، قرأ قصيدة أسماها «سرابا وبعد»، قصيدة لا تخلو من فلسفة القول الشعري، وحالات الشاعر الذي يمعن في كثير في الريح والسفر، فكأني به يسرد الحياة والمرايا وغربة الروح ومن استباحوا وجهه، قصيدة منودراما وسرد شعري قصصي موجع تسرب إلى ثنايا أرواحنا بشفافية بوح الشاعر.
نقتطف منها هذا المقطع:»وأفردُ وجهيَ للريحِ/ هذا شراعٌ يسافرُ في الكونِ/ يلمعُ في الأُفْقِ أُفْقٌ/ ويمتدُّ في البحرِ بحرٌ/ توسَّدْتُ صدرَ الليالي/ وأغلقتُ عينيَّ كي أبصرَ الشاطيءَ المستحيلَ/ تباعدتُ عنّي، لأدركَ معنى اتجاهي/ رأيتُ على كلِّ وجهٍ ملامحَ منّي/ تحسَّسْتُ وجهي/ غريباً بدوتُ/ المرايا/ (صرختُ)/ المرايا تُشوِّهُ وجهي/ تفرَّسَ فيَّ الذينَ استباحوا معالمَ وجهي/ وأيقنتُ أنّي تسرّبتُ منّي».  

الدستور الاردنية