|
عرار: عرار - الجزائر- وسيلة بن بشي : مع قدوم ما اصطلح عليه "الربيع العربي" انتشرت الموجة الخضراء، بمختلف طيوفها في العالم العربي، لتعلن وجودها في النسيج السياسي العربي الذي احتكرته، لوقت طويل، أحزاب يقال "إنها شاخت". من يحصد غلة هذا الربيع؟ كان الإسلاميون في البلدان العربية جاهزين، لأن الظروف كانت لصالحهم فكانت سلالهم مليئة في هذا الفصل المثمر. في الجزائر الأمر مختلف، هكذا يعتقد أغلب الكتاب الذين حدثناهم عن هذه "الأسلمة الزاحفة نحو السلطة بثقة". بعبارة أخرى السؤال المطروح كان: هل حظوظ الإسلاميين في الحكم بالجزائر كبيرة، خاصة مع استحقاقات جيرانهم؟ هناك كتاب أكدوا أن وجود "الإسلاميين" ضروري، ربما قد يكونون البديل عن الأحزاب التي حكمت لوقت طويل دون أن تجد حلولا لخروج البلد من الأزمة، لكن هناك تحفظا في أن يكون زعيم "حركة مجتمع السلم" أبو جرة سلطاني الوحيد الذي يمثل الإسلاميين في الجزائر، على خلفية أنه كان نموذجا سيئا ليقطف ثمار الربيع. الكثير من الكتاب يدعونه بأن لا يفتح سلته بل أن يحمل جرّته وينصرف . في حين أبدى العديد من الكتاب، خاصة هؤلاء الذين يعيشون بهاجس العشرية السوداء، امتعاضهم من الإسلاميين الذين سيدخلون البلد في دوامة من التخلف. الباحثة حبيبة العلوي : من الشرعية الثورية إلى الشرعية دينية تعتقد الكاتبة حبيبة العلوي بأنّ الإشكالية في الحالة الجزائريّة لا تتمثّل، في نسبة احتمالية صعود الإسلاميين إلى سدّة الحكم أم تخلّفهم عنها... فالإسلاميون كحركة متجذّرة في المجتمع الجزائري لهم كامل الحظوظ في الصعود... الإشكالية تكمن في طريقة هذا الصعود، هل ستّتم عبر مسار ديمقراطي شفّاف.. أم تمرّر على أساس من حسابات إستراتيجيّة إقليمية ودوليّة.. تجعل من التوجّه الإسلامي هو الواجهة الجديدة الوحيدة الممكنة لبلدان المنطقة، الواجهة التي ستنقلب عن الشرعيّة الثوريّة للدولة الوطنيّة لتعوّضها بشرعيّة دينيّة لن تكون في النهاية بعيدة عن شرعيّة "الشعار" المفتقر إلى البرنامج الواضح والراسخ والقوي والبراغماتي! وفي الحالة الجزائريّة ثمّة استعصاء مضاعف يرجع إلى أنّ الشارع الجزائري خبر الخطابات كلّها على اختلافاتها الشاسعة... الإسلامي منها والعلماني... عبر تاريخ دموي عصيب ومرير... ما يحتاجه هذا الشارع... يتعلّق في النهاية بمصداقيّة هذه الخطابات ومصداقيّة متبنّيها... ما يقلق الباحثة العلوي في الوقت الراهن هو الوجوه القائمة حاليا في المشهد السياسي الجزائري... التي لا تؤمن بالقضيّة بقدر ما تطلب استثمارها وتحويلها إلى مكاسب ضيّقة... عودة الثقة تلك هي القضيّة جزائريّا.. الثقة في العمليّة السياسيّة برمّتها... التي ستفرز حتما إن توافرت ثقة أكبر في المسار الانتخابي وجدواه... وثقة أكبر في الخطاب وإمكانيّة تنفيده... والثقة اللازمة في رجل السياسة الذي سيكون مطالبا بتحقيق وعوده وتبرير فشله وإثبات ولائه لمنتخبيه لا لـ"معيّنيه"، ثمّة يكمن الفرق الجوهري الذي يصنع الفارق والغد المغاير... أمّا أن نبقى رهيني الشعارات التي تتداولها نفس الوجوه التي يمكن أن تكون اليوم علمانيّة وغدا إسلاميّة وبعد غد عروبيّة... الخ من تمظهرات المسرحيّة... فتلك محنة أخرى... نحتاج في النهاية إلى دم جديد حرّ نقيّ مغامر ودافق... بعيد عن الإملاءات الخارجيّة... متنزّه عن التعفّنات الداخليّة... قريب من نبض وتطلّعات الشارع... فهل هذا هو المطروح حاليا... لا أعتقد... فقط أتمنى أن يكون هذا هو السؤال والمطلب الأساس! الروائي كمال قرور : الإسلاميون على الأبواب... من جهته كمال قرور يرى أن عودة التيار الإسلامي إلى المشهد السياسي العربي عودة منطقية، بعد سقوط الديكتاتوريات العروبية التي أطاحت بها انتفاضات الشعوب العربية، فيما بات يعرف بالربيع العربي. والحقيقة هي عودة طبيعية لحركية التاريخ. لأن هذه الأنظمة المنقرضة التي حكمت بقوة الحديد والنار، لم تسمح طيلة حكمها ببروز أحزاب سياسية وقوى مدنية قادرة على تأطير الشعب، وظلت تستعمل أحزابها السلطوية لتوزيع الريوع على الموالين وشراء الذمم في الانتخابات. بينما استطاع أنصار الإسلام السياسي أن يقارعوا هذه الأنظمة في السر والعلن رغم ما كلفهم من ويلات. وبعد ثورات الديجيتال التي أججتها مواقع التواصل الاجتماعي، بمبادرة من شباب الجيل الجديد، جنى التيار الإسلامي ثمار هذه الانتفاضات التي لم يكن لها قادة رأي يؤطرونها ويوجهونها الوجهة السياسية الصحيحة. فكان أن احتواها الإسلاميون في بلدان عربية مثل مصر وتونس والمغرب، وقطفوا خراج برلمانتها بسهولة. ويعتقد محدثنا في هذا السياق أن الجزائر ليست مستثناة من هذه الموجة. رغم أن تجربتها أكثر مرارة مع هذا التيار بعد استدراج أحد أجنحته في بداية التسعينات من القرن الماضي إلى لعبة السياسة، وبعد حل الحزب، استدرج تيار آخر، كان أكثر تقبلا للعبة ديمقراطية الواجهة، حيث أدى ما عليه واستفادت كوادره من الريوع والمناصب في الدولة. لكنه لم يستطع أن يصنع الاستثناء. وبعدها استدرج تيار آخر ثم شتت صفوفه فاندلعت الحروب في بيت الإسلاميين، وأصبحوا ينشرون غسيلهم في الصحافة، مثل بقية الأحزاب التي يتهمونها بأنها دنيوية. والنظام، حسب قرور دائما، لم يسمح بالنشاط طيلة سنوات إلا للأحزاب النفعية الموالية لأطروحاته، بينما أقصى الأحزاب الجادة من المشهد، وليس غريبا اليوم أن يجد نفسه في مواجهة كل روافد الإسلام السياسي.. صحيح، أن تجربة الإسلام السياسي في الجزائر مريرة، وأن صورة رموزه اهتزت ولم تعد تلفها القداسة، وهم مشتتون ومتناحرون، إلا أن هذا لا يعني أنهم انتهوا، أو أصبحوا جزءا من الماضي أو من التجربة السابقة. الإسلاميون على الأبواب.. الإسلاميون يعودون في هذا الربيع، وبقوة. إن قدرتهم الرهيبة على تجنيد الشعب بخطابهم الشعبوي السحري، سيعيدهم إلى احتلال الشارع في غياب أحزاب جادة قادرة على التأطير والتعبئة. الأفضل أن يسمح للإسلاميين بتجريب مشروعهم في إطار الدولة المدنية، دولة القانون والمواطنة، التي تحترم الدستور وتفصل بين السلطات، وترعى حقوق الإنسان. إذا لم يفهم الإسلاميون أنهم في ظل نظام دولي جديد، يسمح لهم بتجريب مشروعهم على أرض الواقع بكل براغماتية دون شطحات إيديولوجية.. سيكون مصيرهم الثورة والعصيان من قبل الشعوب. إن هذه الانتفاضات التي أنهت تجربة الشرعيات التاريخية والثورية، بإمكانها الآن مع تطور وسائل الاتصال، أن تجند الرأي العام لاتخاذ الموقف المناسب من أي مستبد جديد يهدد الديمقراطية والحرية وحقوق المواطنة، حتى لو كان باسم الإسلام السياسي. الباحث فارس بوحجيلة : موجة المد الإسلامي بالجزائر.. لعبة التيس المستعار أما الباحث في التاريخ، فارس بوحجيلة، يعتقد أن موجة التغيرات الحالية في الوطن العربي هي حقيقة تفرضها حتمية الطبيعة والتاريخ، لكن هذه الحقيقة لا تقرر نتيجة بعينها بل تترك الخيارات مفتوحة أمام من يجيد فهمها وإخضاع نتائجها، فعدم استفاقة المجتمعات العربية من الكابوس الذي صاحب سقوط الشيوعية بانهيار الاتحاد السوفياتي جعلتهم يخرجون من التاريخ ويدخلون زمن التيه، الأمر الذي أفسح المجال أمام الإمبراطورية الأمريكية والقوى الإقليمية للانخراط في مخططات ومشاريع هي حيز التنفيذ، فما عاشته بعض البلدان العربية من انتفاضة الشارع على أنظمته هو تحصيل حاصل لعجزها عن تخديره بعد فشلها في التعامل مع حتميات التاريخ. أما الدول العربية التي يبدو أنها لا تزال بعيدة عن هذه الموجة، فهي الدول التي لا تزال أنظمتها تستطيع التحايل ظرفيا بتخدير شعوبها عن طريق ضخ المزيد من الريع لتهدئة الشارع، لكنها في النهاية ستفقد السيطرة إما نتيجة لعدم كفاية الموارد الريعية أو لعدم تحكمها في عملية توزيعها. أما عن الجزائر، يرى بوحجيلة بأن السلطة لا تزال تستغل الموارد الريعية لتخدير الشارع وفي نفس الوقت تسوق إصلاحات هزيلة لذر الرماد في العيون، كما أنها مستعدة لفسح المجال أمام الإسلاميين من أجل فبركة مشهد الوصول إلى التغييرات المنشودة، كما جرى في الدول العربية الأخرى، لكنها كما رأينا مع قانون الأحزاب لن تجازف بفتح المجال أمام الإسلاميين أصحاب القاعدة والنفوذ الشعبيين، ممثلين في أعضاء الفيس المحلّ، وستستعين في المقابل بأشباه ونظائر، كما فعلت في كل الانتخابات السابقة التي لم تمكنهم فيها من نيل موطئ قدم صلب، واقتصر دورهم على تسجيل الحضور، فكما هو منتظر ستعوّل بشكل أساسي على شخصية سعد عبد الله جاب الله، وعلى تركة محفوظ نحناح، ممثلة في حركة حمس التي يقودها أبوجرة سلطاني، وكذلك الجناح المنشق عنها، وهذا لعدة اعتبارات أهمها الارتباط الإيديولوجي بتنظيمات الإخوان المسلمين الصاعدة، بداية من تركيا قبل سنوات ومرورا بمصر وتونس، فجاب الله يصنف كزعيم للإخوان المحليين، أي غير المرتبطين بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين المتمركز في مصر، كما هو حال أتباع محفوظ نحناح. عودة الإسلاميين المعتدلين هذه لن تأتي في الجزائر بنفس النتائج المحققة في الدول الأخرى، فلعبهم لدور التيس المستعار من خلال سيرهم في ركب السلطة في العشريتين السابقتين أجهز على مصداقيتهم في الأوساط الشعبية، كما تجلي مع حركة حمس بداية بتموقعها في الانتخابات الرئاسية لسنة 1999 ودخولها فيما بعد ما سمي بالتحالف الرئاسي، وما تخلل ذلك من حديث عن فضائح واتهامات مرتبطة بقياداتها، وهي الأحاديث التي لم يجف حبرها بعد، أما بالنسبة لجاب الله الذي لا يزال يحتفظ ببعض الكاريزماتية، فالسلطة لم تمكنه لحد الساعة من الاستقرار في حزب معين، وهو ما يفقده أدوات الوصول إلى الأوساط الشعبية. إذن موجة انتصارات ما يسمى بالإسلاميين في العديد من البلدان العربية المقترنة بموجة الفوضى، التي يصر البعض على تسميتها بالربيع العربي، لن تصل الجزائر بنفس القوة التي يتخوف منها البعض، كونها لن تتعدى تسجيل تقدم ملحوظ في المواعيد الانتخابية المقبلة، وهي النتائج المتواضعة التي ستضخمها الأصوات المذعورة من هذا الانتصار الوهمي، وتقدم بذلك خدمة مجانية للسلطة، كما هو حال ما يصطلح عليها عندنا بالطبقة المثقفة التي ستتكفل دون وعي بإعطائه زخما كاذبا، لأنه وللأسف، مجتمعنا لا يزال بعيدا عن إنتاج المثقف النقدي المفكر فعلا والمتحرر من عقد النماذج الجاهزة، فمثقف الشعر والرواية والغراميات لا يختلف عن العامي من حيث كونه حبيسا للذرية وبعيدا كل البعد عن تبني مقاربات منظومة تجعله لا يتوقف عند السلوك الانفعالي أمام الجزيئات، بل يتبنى نظرة شمولية واسعة في رصد وتحليل التغيرات الطارئة. الروائي أنور بن مالك : السلطة الحالية على فسادها أفضل من الإسلاميين الروائي الجزائري أنور بن مالك، الذي مازال يعيش بهاجس العشرية السوداء، يرى أن الحلول المقترحة من طرف السلطات في البلدان العربية ما هي إلا كلمات فارغة بدون معنى، لكن من جهة أخرى، إذا كانت الثورات في العالم العربي ستؤدي إلى استحواذ الإسلاميين على السلطة فهذه "غلطة لا تغتفر". لأن الواقع والتجربة أثبتا أن وصول الإسلاميين إلى السلطة واستعمال الدين لإغراض سياسية هو مشروع فاشل، ويشير، في هذا السياق، إلى التجربة الإيرانية ويؤكد: "كلنا نعرف التجربة الإيرانية وما آلت إليه من انحطاط". فالشعوب العربية اليوم تبحث عن الديمقراطية والحرية عكس ما يريده الإسلاميون الذين يجرون بلدانهم نحو التخلف، ما يجري في تونس دليل واضح على ذلك. هل مات "البوعزيزي" كي يعود الإسلاميون بقوة ويصلوا إلى السلطة. كذلك الوضع في مصر: هل كل الأحداث والوقائع التي جرت في ساحة التحرير كانت من عمل الإسلاميين؟ لقد كان وراءها شباب متعطش للديمقراطية، هؤلاء الشباب هم من قابل الجيش المصري وليس الإخوان المسلمين. يتساءل بن مالك قائلا: "ماذا تريد الشعوب العربية؟ هل يريدون أن يضعوا جانبا كل ما يحدث في العالم أم لا؟ ويؤكد بن مالك جازما: "في حالة ما إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم فإن هذا يؤدي إلى التخلف لسنوات عديدة، وهي إضافة أخرى لتراكمات التخلف في هذه البلدان". الوضع بالنسبة لمحدثنا في الجزائر مختلف تماما لأنها ضحت بـ200 ألف قتيل: "وإذا أراد الشعب الجزائري أن يضع قدره بين أيدي الإسلاميين، فإن أرواح 200 ألف جزائري ذهبت هباء". ويعيد بن مالك طرح السؤال ذاته للجزائريين: "هل عشريتا ثورة التحرير وفترة التسعينات ذهبتا في مهب الريح.. صحيح أن السلطة الحالية لا تملك الكفاءات الجيدة والشعب غير راض عليها وعلى الأوضاع، لما آلت إليه، ولكن كي نعتقد أن الإسلاميين سيأتون بالحلول فهذه غلطة كبيرة أتمنى ألا يقع الجزائريون في هذا الخطأ". الكاتب عدلان مدي : النظام سيبحث عن قطع جديدة يعتقد الكاتب والصحفي عدلان مدي أن القضية ليست متعلقة بمحاولة معرفة أن الإسلاميين يصلون أو لا إلى السلطة، لكن معرفة كيف سيتصرف النظام إزاء المعطيات الإقليمية الجديدة. لأن الأمر، حسبه، محسوم. يتساءل، في هذا السياق قائلا: "هل يمكن إعادة رسم الخريطة السياسية بدون أن يكون هؤلاء ممثلين، في حين أن الموجة الخضراء "الإسلامية" اجتاحت تونس والمغرب ومصر، في هذه الحالة: هل ستفقد السلطة مصداقيتها؟". اختار النظام، حسب مدي، تقسيم الأحزاب الموسومة بالإسلامية منذ التسعينات من أجل التحكم فيها أفضل. لكن في الوقت الحالي بما أن حزب حركة مجتمع السلم المحسوب على السلطة "حزب باع ذمته للسطة" والآن يخرج منها. سيسعى النظام للبحث عن "قطع أخرى" للعبته الجديدة، ربما سيكون جاب الله أو شخص آخر. لكن هذه اللعبة بحاجة إلى واجهة ومحاولة جذب الناخبين. وهؤلاء أصبحوا مشوشين ومشتتين، حيث إن الناخبين من الناحية الاجتماعية محافظون أكثر منهم إسلاميون. رغم كل هذا فإن الشعب مازال حذرا من "الملتحين". ويضيف محدثنا للتدليل على رأيه: "البلدان التي سبق أن ذكرتها لم تعش الإرهاب الإسلامي". يفضلون الحديث عن "محافظين" وعن "قيم أخلاقية" و"الأصالة الثقافية" وغيرها.. المشكل: "أننا لازلنا محتجزين في مخابر السلطة في ظل غياب مجتمع مدني مناضل. هذا المجتمع المدني الذي أضعف بمختلف أشكال التعسف الذي يتعرض له من طرف الإدارة والأمن. الإسلاموية ليست مشكلة بحد ذاتها، إلا في ظل غياب مجتمع مدني مناضل ديمقراطي لائكي، والذي يدافع عن التنوع الثقافي السياسي والهوية الجزائرية بمختلف مشاربها". الكاتب سليمان آيت سيدهم : الإسلاميون سيقطفون ثمرة ناضجة يستغرب الكاتب سليمان آيت سيدهم تلهف الجزائريين على الدين، يقول إن الكل يضع الإيمان في المقدمة. وهذا يعطي الانطباع بأن الإسلام في خطر. وكأن الجزائريين في مهمة إنقاذ والحفاظ على الدين الإسلامي، كل الجزائريين تحولوا إلى مفتين. ويسمحون لأنفسهم باتهام الآخرين، فأصبح النقاش نادر جدا أو مستحيلا. كل شيء يؤول للدين. ينتهي آيت سيدهم من خلال حديثه إلى أن الأرضية مهيأة للإسلاميين، يكفي القيل فقط لتتحول الجزائر إلى نظام ثيوقراطي. يقول: "أعتقد أن الإسلاميين قد وصلوا إلى السلطة دون أن يكونوا فيها، خاصة أن كل شيء في الجزائر مهيأ لذلك. المرأة مظلومة، النقاشات ممنوعة.. وكل هذا يعطي الفرصة للإسلاميين للوصول إلى السلطة، فقط يكفي أن تنظم الانتخابات حتى يقطف الإسلاميون الثمار الناضجة". الأستاذ عيسى يوسف شريط : عامل إقصاء التيار الإسلامي يزيد من قوته استنادا إلى التحاليل السياسية والإستراتيجية لبعض المختصين، ينتهي الأستاذ عيسى يوسف شريط إلى أن الإخوان المسلمين وصولوا إلى السلطة بعدما حازوا على رضا الولايات الأمريكية المتحدة وأوروبا عبر طمأنتهم بضمان مصالحهم كاملة مهما كانت طبيعتها، ذلك ما يفسر صمت وتواطؤ الغرب. أحداث الربيع العربي جاءت لتتويج الحليف الجديد الذي كان عدوا بالأمس القريب، ويعتقد المتحدث أن في ذلك ترويضا ناجعا لهذا البعبع الذي كان يرعبهم، ما يوحي بزوال ظاهرة "الإسلاموفوبيا".. ورغم ذلك فإني اعتقد أنه من الضروري منحهم فرصة المسؤولية وتسيير شؤون مجتمعاتهم، من يدري ربما سيتمكنون من حل كل مشكلات الإنسان العربي والمسلم؟ الديمقراطية تقتضي ذلك إذا كنا نؤمن بها حقيقة، إذ لا يمكن للشعوب الوقف على حقيقتهم وقدراتهم، إلا من خلال منحهم فرصة تسيير شؤونهم.. التجربة التي عاشتها الجزائر قبل ما يسمى الآن بالربيع العربي، فقد سبقتهم الجزائر وكان خريفا دمويا لا يمكن نسيانه، تلك الأحداث جعلت من الشعب الجزائري يقف موقفا مريبا من التيار السياسي الإسلامي ما يقلص فرصة نجاحه في الجزائر، ولكن إذا ما سلمنا باللعبة الديمقراطية، فالانتخابات هي الفيصل. ولكن من جهة أخرى يشير الأستاذ إلى أنه في حالة ما إذا منحهم الشعب ثقته يرى أنه على الجميع احترام ذلك بدلا من التفكير في إبعادهم، عامل إقصاء التيار الإسلامي يزيد من قوته وحضوره، لا يمكن للشعب الوقوف على حقيقته إلا من خلال منحه فرصة الأداء والتسيير. الباحث فوزي سعد الله : إسلاميو السلطة تم تدجينهم أما الباحث فوزي سعد الله يرى أن التيار الإسلامي يُعبِّر عن حساسية جزء هام من المواطنين في الجزائر، كما في بقية بلدان العالم العربي. لذلك، حسب سعد الله، له كل الحق في مكان تحت الشمس كغيره من الحساسيات السياسية والإيديولوجيات. يقول في هذا الصدد: "قد نحبه، وقد نكرهه، وقد نحتقره، لكن هذا لا يلغي حقه المشروع في المشاركة في الحياة العامة للمجتمع الذي يعيش فيه، بما فيها الحياة السياسية.. لأن التجربة أكدت أنه معطى سياسي واجتماعي لا يمكن القفز عليه، على الأقل في المدى القصير والمتوسط، سواء في الجزائر أو في غيرها من الدول العربية. إمّا أن نقبل التعاطي معه والتعامل معه بإنصاف واحترامه كغيره من الحساسيات السياسية، أو أن نواصل التعنت في إقصائه أو إقصاء بعض أطيافه بمختلف الحجج، وبالتالي نستمر في تغذية بذور عدم الاستقرار وانسداد الآفاق الذي طال أمده كثيرا، وبدأ يتجاوز حدود المعقول، خصوصا في الحالة الجزائرية". قد يُقال إن الإسلاميين يشاركون في السلطة في الجزائر، والحديث عن الإقصاء غير واقعي، يرى ذات المتحدث أن إسلاميي السلطة بعد تجربة تجاوزت العقدين من الزمن، تم تدجينهم، بدلا من تكوينهم ومساعدتهم في تطوير أفكارهم ومناهجهم، وانصهروا في النظام الحالي، الذي لا يبدو أن الجزائريين هائمون في حبه وغرامه، وأصبحوا نسخا كاريكاتورية له. قد يقول البعض، إن الإسلاميين ظلاميون وجهلة ودمويون وغيرها من الأوصاف.. أنا أقول إن الإسلاميين أطياف تمتد من المغالين في التطرف والتشدد والحماقة إلى الأكثر انفتاحا وحداثة من محتكري خطاب الحداثة وهم غارقين في التخلف.وبدلا من الخطابات العدائية المبنية على النوايا السيئة والمبيّتة وتصفية الحسابات والمناورات من الطرفين، الإسلامي وغير الإسلامي، داخل وخارج السلطة، الجزائر الغارقة أكثر من أي وقت مضى في فنجان صنعته بعض شبكات المصالح داخل النظام بحاجة إلى تجديد نُخبها والتطلع إلى المستقبل، بتثمين كل ما يضع لبنة إضافية على صرح هذا الوطن المسكين، أيًّا كان لونه السياسي أو الإيديولوجي. وتبقى المؤسسة العسكرية العين الساهرة على احترام هذا التوجه وقواعده التي تمنع الانحرافات مهما كان مصدرها، وسيكون حينها الشعب كله وراءها مثل ما كان عندما كانت الدولة الجزائرية دولة محترمة. الروائي إسماعيل يبرير : التشتت يرهن مستقبل الإسلاميين يعتقد الشاعر إسماعيل يبرير أن الإسلاميين في الجزائر أكثر من وعاء، وهم غير منسجمين سياسيا ولا في الأهداف والطموحات والرؤى، لهذا فإن تواجدهم السياسي تم توجيهه منذ سنوات، واكتفى بعضهم بالسهر لإثبات مدنيتهم وتحضرهم وقبولهم الآخر واندماجهم في الشأن السياسي والثقافي والتجاري، بينما ظلّ البعض يصارع أتباعهم الذين ينقلبون عليه في كل مرة. بالإضافة إلى أن حزبا مثل جبهة التحرير يحوي داخله كيانا مزيجا يمكن اعتبار شق منه بالإسلامي، ويشير هنا إلى أن الشارع أشاح بوجهه عن الإسلام السياسي، فبعضه محسوب على السلفية العلمية التي لا تبيح ممارسة السياسة عادة، والتي تحتفي بالسلطة أيا كانت، إذا لم تعارض خطابها العقيدي، والبعض حوّل حلمه بممارسة السياسة إلى ممارسة الدعوة. لهذا يعتقد يبرير أن هذا التشتت يرهن مستقبل الإسلاميين، لكنه يخدم التوجهات الأخرى "حتى لا أقول التيارات الأخرى التي لا تبدو في انسجام أو ذات خطاب موحد هي الأخرى. في النهاية يبدو أن التشكيلة السياسية الجزائرية مترهلة ولا تمثل الشارع، ولا توجد أفكار مختلفة، فحركة مجتمع السلم شريك منذ سنوات في الحكومة وتتحمل معها نتائج وأرقام التنمية، وهو خيارها الذي يبدو أنه لم يكن موفقا". مصطفى هميسي : السلطة لن تتغير في الجزائر من جهته الأستاذ مصطفى هميسي يرى أنه لا يمكن إسناد كل الحكم للإسلاميين، لكنهم يمكنهم الحصول على أغلبية ما في المجلس الشعبي وحتى تشكيل الحكومة، على اعتبار أن الأمر متصل أكثر بخيارات النظام وليس بالضرورة بأي اختيار حر للناس. يستدرك هميسي ليتساءل: "ما المقصود بـ"الإسلاميين" في الجزائر، هل المقصود جماعة حمس بالأساس والرديف الذي شكله عبد المجيد مناصرة، أم المقصود النهضة والإصلاح، أم السلفيين؟ المرجح أن الحديث عن الإسلاميين أن تلجأ السلطة لهم، هم جماعة حمس، باعتبار أنها جربت عددا لا بأس به منهم. ولكن الأمر يختلف من حالة لأخرى. فلو كانت الانتخابات حرة، فإن حمس طرف من الأطراف المشاركة في السلطة ومنذ مدة طويلة، حتى قبل وصول بوتفليقة للرئاسة في 1999، ومرجح أن يعامله الرأي العام تعامله مع السلطة، أما عندما يتعلق الأمر باختيارات السلطة السياسية، فإن الأمر خاضع لمجموعة اعتبارات، داخلية وخارجية".. ويضيف قائلا: "السؤال طرح ويطرح بالخصوص بعد فوز النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب. فهل ذلك اختيار دولي تم التوافق عليه أو فرضه؟ على العموم لا أحد يرجح أن السلطة في الجزائر تتجه نحو التغيير أو نحو أي إصلاح. وإذا قررت توسيع مشاركة حمس في إدارة شؤون السلطة فذلك أمر لها، وفعلا فقد تلجأ لإعطاء فرصة لجماعة حمس، ولكن مع مشاركة الأفالان والأرندي، وذلك لا يغير قيد أنملة من شكل ممارسة السلطة ومن آليات اتخاذ القرار بالخصوص، ولا حتى من الأطراف المسيطرة فعلا على الحكم والدولة. نحن في العهد الإسلامي، وقد يعمل النظام وأصحاب القرار والنفوذ على إعطاء الانطباع أن هناك تغييرا حدث في الجزائر، بجعل حمس تشكل الحكومة. لكنها لن تكون الحكم بأي حال من الأحوال". الباحث سعيد جاب الخير : الإسلاميون شاركوا في تسيير الفساد من بين الباحثين الذين كتبوا في الموضوع الأستاذ سعيد جاب الخير، الذي أفرد العديد من المقالات يترصد فيها طبيعة الحركات الإسلامية في الدول العربية والجزائر على الخصوص، وفي هذا السياق يعتقد أن الإسلاميين في الجزائر صدقوا فعلا أن الانتفاضات الشعبية التي عمت العالم العربي هي "ثورات".. ويتساءل في هذا الصدد قائلا: "هل ما جرى ويجري في العالم العربي يمثل "ثورات" حقيقية، كما يقول منظرو الإعلام الذي يجر "الرأي العام" العربي اليوم، أم هو مجرد انتفاضات شعبية مؤطرة بشكل أو بآخر، الهدف منها هو إزالة أنظمة شاخت وضعفت عن حماية مصالح أسيادها، والإتيان بدلا منها بالتيارات الإسلامية التي أصبحت تحتل الساحة العربية بحكم الأمر الواقع، أو على الأقل منح الضوء الأخضر لهذه التيارات من أجل استلام السلطة في إطار احترام الخطوط الحمر المتعارف عليها دوليا؟ ينتهي جاب الخير إلى أن الإسلاميين الذين بدأوا يتحدثون عما أطلقوا عليه مصطلح "المشاركة في السلطة"، وذلك منذ شارك الإخوان في مصر ضمن قوائم "حزب العمل" في الانتخابات البرلمانية سنة 1986، كانوا يتحدثون عن قمع الحريات وغلق أبواب المشاركة السياسية أمام الإسلاميين ودفعهم إلى تبني العنف الثوري الراديكالي بوصفه آخر ورقة في أيديهم. هؤلاء يمكن أن نفهم موقفهم إلى حد ما، من منطلق أنهم لم يشاركوا في السلطة ولم يدخلوا اللعبة السياسية بمعناها الرسمي. أما "الإخوان" الجزائريون فقد دخلوا في اللعبة السياسية ولعبة السلطة منذ بداية التعددية السياسية في الجزائر سنة 1989، وقبلوا بقواعد اللعبة كلها، بما في ذلك القبول بالأمر الواقع وتسييره كيفما كان في جميع القطاعات، لأن التغيير الجذري داخل لعبة سياسية معدة سلفا يعتبر من قبيل المستحيل عمليا. هؤلاء الإسلاميون الإخوان الجزائريون، يأتون الآن وبعد أكثر من 20 سنة من المشاركة والأكل من كعكة السلطة، ليقولوا لنا إن "الأنظمة العربية أغلقت الوطن على أهله فمنعت الناس من التعبير عن آرائهم أو التنظيم للدفاع عن حقوقهم أو المشاركة في خدمة أوطانهم، ثم استأثرت بخيرات الوطن من خلال منظومة فساد ممتدة ومعقدة ومتشابكة جندت بها شبكة واسعة من الانتهازيين والنفعيين والمجرمين ضمن زمرة متمركزة في دوائر أسرة الحاكم وفي أوساط المؤسسات الأمنية، ويلحق بها أتباع وشركاء وأعوان في الإدارة والأحزاب والمنظمات ورجال الأعمال والإعلام، يُسخرون كلهم بسياسة الردع والإغراء، فابتعدت هذه الأنظمة عن منطق وثقافة الدولة وأخذت بدل ذلك أشكالا مافياوية تجاوزت في نفوذها وتأثيرها منظمات المافيا التقليدية. وأضافت إلى هذا الفساد فشلا ذريعا في مشاريع التنمية فأنتجت مستويات من الفقر والحرمان أفقد معنى الكرامة الإنسانية لعدد كبير من المواطنين، خصوصا لدى الشباب. وحينما وصلت هذه الأنظمة إلى هذا المستوى من الانحراف والفشل أصبح من الطبيعي أن ينادي الناس على المستوى المحلي والدولي بتغييرها". وحسب جاب الخير دائما، فإن المشكلة الكبرى في هذا الخطاب الإسلامي الإخواني / الحمسي الجزائري، هو أن أصحاب هذا الخطاب، هم أنفسهم، ومن خلال قبولهم الدخول في اللعبة السياسية بجميع قواعدها، وجدوا أنفسهم يشاركون في تسيير الفساد على مستوى الدولة وتورطوا في أكثر من قطاع وأكثر من ملف وأكثر من قضية فساد وصلت رائحتها إلى صفحات الجرائد وجلسات المحاكم. بل لقد وصل بهم الحد إلى التآمر على السيادة الوطنية من خلال بيع ثروات البلاد إلى الأجانب في صفقات سرية من وراء ظهر الحكومة والدولة، كما حدث في قضية / فضيحة التونة الحمراء. فهل من حق هؤلاء أن يتحدثوا اليوم عن الفساد والدكتاتورية أو يعطوا الدروس في الحرية والوطنية والنزاهة؟ أحمد شنيقي : على السلطة أن تتقبل الإسلاميين يقول الأستاذ أحمد شنيقي إن الحقيقة التي لا يجب نكرانها هي أن الحركات الإسلامية وأفكارها تحتل مكانة كبيرة في كل المجتمعات العربية، ويؤكد أنها حركات قوية جدا. وهذه الوضعية أنتجتها الأنظمة العربية التي تعمل لحساب البلدان المستعمرة (بكسر الميم). وهذا ما يطرح الصراع، لأن التمسك بالقيم الإسلامية بشكل ما هو تمسك بالهوية والمستعمر بشكل ما يمثل العدو في مختلف جوانبه في الماضي ارتكب الجرائم، وهو يسعى للقضاء على الهوية في الوقت الحاضر، والمساس بالقيم الإسلامية يعني المساس بالهوية. الجزائر كباقي البلدان العربية، فالأفكار الإسلامية لديها دائما مكانتها وهي موجودة ومكرسة بشكل كبير في المنظومة التربوية وبرامجها.. من هنا ينتهي شنيقي إلى أنه إذا فازت الأحزاب السياسية في الاستحقاقات التشريعية القادمة، كما الحال في تونس والمغرب، فهذا لن يكون مفاجأة أبدأ، خاصة وأن الأحزاب السياسية المسيطرة على الساحة افتقدت المصداقية. ويؤكد في هذا الخصوص أن الانفتاح الديمقراطي اليوم يفرض على السلطة أن تتقبل الإسلاميين، ويجب أن تكون لهم مكانتهم ضمن المجتمع والاعتراف بهم بصفة عامة. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 15-01-2012 09:11 مساء
الزوار: 1803 التعليقات: 0
|