|
عرار: شـــــهادة فــي نــــــدوة"دور الأعلام في التنمية الثقافية""ذآت صدفة" مجدي التل ذات صدفة وجدت نفسي متأبطا قلما اخط به بعضا من بعثرات مشاهداتي لواقع الحال. ففي بواكير صباحاتي الأولى حيث نشأت في أسرة تحترم الكتاب والقلم، ولمع بعض أفرادها في ضروب الكتابة وأشكالها، حيث ترامت على ضفتي المداد بين ثقافة الأدب وفنونها وفنون السياسة وثقافتها، واجهت تحديا قلقا، أثارني بين أن ارضخ لذاك الجين الوراثي وأعاني تبعاته وتداعيات جريرته من إقصاء وضيق ذات اليد، أو الانصراف بعيدا إلى علوم العصر ومتطلباتها وما قد توفره لي من دعة عيش ويسرة رزق. كنت في ظل أجواء الأسرة المثقلة بالروايات والملتحفة بيوتاتها بالكتب والصحف والمجلات، لا أجد لي مفرا سوى الاستسلام للمطالعة الدؤوبة التي ساهمت إلى حد ما بتشكيل وعي سردي مبكر تلمست، فيما بعد، منه خطواتي الأولى نحو خوض بطولات دون كيشوتية ، على الورق. في حي جبل اللويبدة حيث نشأتي الأولى ومحاولات العشق الأولى التي كانت تترافق مع إطلالة أم كلثوم عبر مذياع المملكة الأردنية الهاشمية في الخامسة من مساء كل يوم، تعرفت على المنابر الثقافية التي كانت مرافقه له، فيما كان حضور معلمتي الأولى للغة الانجليزية الراحلة السيدة لمعة بسيسو الرزاز (شريكة المناضل الراحل منيف الرزاز ورفيقة دربه، ووالدة الروائي الراحل مؤنس)، قد احتل وجداني الشغوف بتفرد أسلوبها في سرد الحكاية وتطويع المفردة لوضعها في سياقها المناسب، كما كان من بعدها مدرس اللغة العربية في المرحلة الثانوية بكلية تراسنطة واحد الخريجين الأردنيين الرواد من الجامعة الأميركية في بيروت الراحل نائل اليعقوب الذي استنطقنا في مسالك التعبير عبر أسلوب حداثي ومن خلال اطلاعنا على بواكير الأدب العربي الواقعي في ذلك الوقت(سبعينيات القرن الماضي) ومطالعة الصفحات الثقافية للصحف اللبنانية والمصرية . جبل اللويبدة الحي الذي مثل حقيبتي الأولى والجعبة التي امتلأت بمخزون من الأسطر المكثفة، والدفء الذي احتضن في ثنايا بيوتاته الحميمة ومنابره الثقافية الوثيرة ومعاهده ومدارسه المرموقة، كان كذلك موئل تجربتي (المغامرة) وبعض زملاء المدرسة في كلية تراسنطة (دكتور الفيزياء النووية إسماعيل يحيى حمودة والمهندس عماد احمد النجداوي وإياد كامل العسلي والمهندس إميل الغوري ونايف استيتية وغيرهم) حيث أقدمنا "ذات صدفة " على إصدار مجلة ثقافية علمية مطبوعة شهرية اسمها الرسالة تباع في مدارس عمان وساهم بها عدد من التلاميذ والمعلمين آنذاك، إلا أن هذا المشروع الذي صدر منه ثلاثة أعداد لم يقدر له الاستمرار لأسباب رسمية بحتة!! رغم أنها كانت تعد التجربة الأولى على مستوى مدارس الأردن ولاقت ترحيبا كبيرا لدى الوسط التعليمي بشقيه الطلابي والمعلمين. في ذات الفترة كانت صحيفة الأخبار اليومية تعلن عن نفسها وتحدث فرقا في العمل الإعلامي والصحفي الجريء لتستقطب أقلاما متميزة ووجوها واعدة كثيرة لاسيما الشابة منها والتواقة لإحداث نقلة نوعية في العمل الصحفي، فانزاحت بوصلتي "ذات صدفة" وكنت ابن السادسة عشر، تجاه تلك الصحيفة التي كانت تتميز بقربها من مكان سكني (شارع عرار/وادي صقرة)، وبإشراف من مدير التحرير آنذاك أستاذي القدير محمد كعوش "أبو يوسف" تلقيت تدريبا مكثفا في مختلف أشكال الفنون الصحفية والتقارير الميدانية واللغة، ليتم إلحاقي فيما بعد بالقسم الرياضي حيث كانت نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي تشهد صحوة رياضية في مختلف الألعاب في الأردن، وتم استدعائي فيما بعد للعمل في أول مجلة رياضية متخصصة (الرياضي) مع الأساتذة عبد المنعم أبو طوق وعثمان القريني وحسام بركات، فيما كانت مجلة الفنون جارتي في الحي مصدرا فنيا وثقافيا متفردا في عمان الستينيات والسبعينيات، أما ابن عمتي الراحل حسان أبو غنيمة الذي كان يقطن في الطابق العلوي منها يمارس طقوسه في صناعة الشاي، لمتابعة فيلم سينمائي في بيته، ولجمنا عن التنفس أو خيار مغادرة منزله أنا وابن عمي مصطفى وشقيقه الدكتور خالد أبو غنيمة. في ضوء انخراطي في سن مبكر بالعمل الصحفي ما برحت تنازعني هواجس الولوج نحو العمل الأدبي والصحافة الثقافية حينا ورفض فكرة العمل الإعلامي والصحفي برمته، وبحسب المرحوم والدي " لا باس أن تمارس ذلك كهواية ولكن هل سمعت عن عروس تحلم بعريس غير الطبيب والمهندس والمحاسب والكمبيوترجي -وقد كان علم الحاسوب في بداية إطلالته علينا- فيما كان جانبا مني يشاطره هذا الرأي، كنت أرى أن للثقافة والإعلام وقع خاص في استنهاض الأمم والارتقاء بوعيها ومداركها. هذا الأمر دفعني في نهاية المرحلة الثانوية مستهل الثمانينيات إلى السفر متنقلا بين عدد من الدول الأوروبية طلبا للعلم والعمل وأحيانا النشاط السياسي، منخرطا في تخصصات علمية ومنها علوم الحاسوب، إلى أن حط بي الترحال في تركيا. إقامتي وتواجدي في عدد من الدول الأوروبية(ايطاليا، النمسا، سلوفينيا وغيرها) إضافة إلى تركيا، فتح لي آفاقا واسعة على مختلف أنواع الثقافات والفنون الإبداعية خصوصا المسرح والتشكيل والرواية، والمدارس الفكرية علاوة على العمل في بعض الملحقيات الإعلامية والثقافية العربية لاسيما العراقية والسعودية والتواصل مع بعض الجمعيات والأندية الثقافية والصحفية والفكرية في غراتز وفيينا وروما وليوبيليانا وبودابست ولارنكا وأنقرة واسطنبول. ساهمت تلك التجربة التي اتكأت عليها فيما بعد، للسعي لإنجاح تجربتي في حقول الكتابة لا سيما الإعلام والصحافة الثقافية، مثلما دعم رؤيتي بأهمية وضرورة الحاجة إلى تجذير مفهوم الإعلام الثقافي المتميز كجزء من الفعل الثقافي الكلي لتحقيق النهوض والتنمية المطلوبة أسوة بالمجتمعات المتطورة والتي تنطلق من تحرير العقل كأولوية على سواها من متطلبات تساهم بتحقيق المكتسبات المرجوة. كنت خلال سنوات الغربة الممتدة أعمل على التواصل الفكري والثقافي مع الوطن عبر التعاون مع بعض الصحف المحلية كصحيفة الدستور مساهما في بعض الموضوعات الإعلامية المتنوعة وبعض الأحداث والفعاليات الثقافية في محيط غربتي . عودتي المفاجئة "ذات صدفة" إلى الأردن عام 1995 ساقتني إلى العمل في تخصصي (الحاسوب) لفترة زمنية لم تطول، حيث تورطت مرة أخرى في مهنة الكتابة في عدد من الصحف المحلية بدأت لفترة لم تستمر في الدستور فيما كانت العرب اليوم الأقرب لاحتضاني لارتفاع سقفها وعلو كعبها آنذاك بالملحق الثقافي المميز الذي كان يشرف عليه إبراهيم جابر رغم التحاقي في تلك الفترة بالكتابة في قسمي الدراسات والعربي والدولي، إضافة إلى تعاوني مع شيحان إلا أن غياب الراحلة رهام الفرا، ابعدني سنوات عن الصحيفتين لأعود إليهما فيما بعد لغاية عام 2005 . التحاقي في بدايات تأسيس الدائرة الثقافية بأمانة عمان الكبرى وفي ذات الفترة التي باشرت بها العودة إلى الكتابة والعمل الصحفي في عمان، جاء منسجما مع رغبتي الجامحة التي ما انفكت تلح علي بالعودة لاسيما في الشأن الثقافي، وساهم بان العب دورا صغيرا في جعل نشرة أمانة عمان الكبرى تقوم بايلاء الشأن الثقافي موضعا بارزا، مثلما جسر المسافة التي تفصل أحيانا بين كل من المنبرين الإعلامي والثقافي والمتلقي، وعساي بأن أقول إن أعوام التسعينيات من القرن الماضي كانت الأكثر إضاءة في الحراك الثقافي في الأردن عموما، وعمان خصوصا، وانعكاس ذلك بعلاقة طردية مع نوعية منتج الإعلام الثقافي المتميز آنذاك. ألان وقد أثرت خزينة تجربتي إلى ما سبق عملي في وكالة الإنباء الأردنية(بترا) التي أضافت لي الكثير، علاوة على مشاركتي وتعاوني مع عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية ورغم المراوحة ما بين الكتابة الخبرية والإبداعية الثقافية ، استطيع البوح بان الإعلام والصحافة الثقافية لا زالت منقوصة الحقوق وتعامل معاملة صحافة الترفية أو المترفة من قبل بعض الذهنيات في المجتمع باختلاف مواقعها حتى في الصحف اليومية التي ترى أحيانا أن إعلان تجاري يحمل أهمية أكثر من تنوير مجتمع، إضافة إلى ضرورة وضع تصور مهني وموضوعي يحكم آلية العمل في هذا المجال من الإعلام والصحافة، وضرورة إبرازه وتأكيد حضوره وأهميته لا سيما في مجال التنمية الفكرية التي تنعكس على مختلف جوانب الحياة. ولو عاد بي الزمان، عشرين عاما إلى الماضي لتابعت دراستي في الحاسوب كذلك، لأعود واعمل "ذات صدفة" في الصحافة والإعلام الثقافي. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الخميس 15-12-2011 09:04 صباحا
الزوار: 1979 التعليقات: 0
|