بغـــــداد ثقـــــافة.. ضد العنــــف تحت هذا الشعار الحضاري الذي يشكل حلم مثقفي ومبدعي العراق والعالم، وضمن احتفالاته بإعلان مدينة بغداد عاصمةً للثقافة العراقية لعام 2013، أقام المركز الثقافي العراقي في ستوكهولم احتفالاً شاملاً شارك فيه عدد كبير من المثقفين من الأدباء والفنانين والصحفيين العراقيين والسويديين، بحضور سفير جمهورية العراق في السويد السيد بكر فتاح حسين وسفير دولة الكويت السيد علي النُخيلان والدكتور حكمت جبو الوزير المفوض في السفارة العراقية. شمل الحفل العديد من الفنون من شعر باللغتين العربية والسويدية وفن تشكيلي وعرض أزياء شعبية عراقية، وتضمن أيضًا سيمناراً ثقافيًا في موضوعة دور الثقافة في مواجهة كلّ أنواع العنف ومؤتمراً صحفياً، وتكريمًا لأحد المبدعين الشباب (المهندس سومر سيف الدين الولائي)، لإنجازه بحثًا علميًا مهمًا وجديدًا في مجال الأجهزة الطبية، وعرض أزياء شعبية، وذلك في مبنى المركز في منطقة سلوسن وسط العاصمة السويدية يوم السابع من كانون أول/ ديسمبر 2013.
بعد افتتاح الاحتفال تحدث سفير جمهورية العراق في السويد السيد بكر فتاح حسين للجمهور الحاضر من عراقيين وعرب وسويديين مؤكدًا أن المركز الثقافي العراقي هو الواجهة الثقافية لسفارة جمهورية العراق، وملحقية ثقافية تمثل السفارة العراقية والشعب العراقي بشكل عام ومبدعيه ومثقفيه بشكل خاص.
وأشار إلى أن المركز الثقافي العراقي هو المسؤول عن رعاية الثقافة العراقية ودعم وتنظيم الحراك الثقافي في السويد والدول الاسكندنافية، مشيدًا بعمل المركز الجاد منذ تأسيسه وإقامته الكثير من النشاطات الثقافية، راجيًا النجاح في عمل المركز والاستمرار في لعب دوره بتميّز وإبداع.

د. أســـعد الراشــــد: العقلية العراقية بعيدة عن ثقافة العنف

بعد ذلك تحدّث مدير المركز الثقافي الدكتور أسعد الراشد قائلاً:

لا أريد أن أعفي العراقيين من بعض مشاهد ثقافة العنف الذي تشهده بلادنا اليوم، لكن التاريخ أثبت أن كل فترات العنف العالية التي مرت بها بغداد، جاء العنف فيها من الخارج، ولم يكن العنف عراقيًا منذ تدمير بابل وحضارتها مرورًا بحملات المغول والتتار على يد هولاكو وجنكيز خان حتى الحروب المتلاحقة، والحرب التي تتعرض بلادنا لها حتى هذه اللحظة.

وأوضح د. الراشد أن العنف هو تدبير خارجي، وهو فكر خارج تكوين وبناء الشخصية العراقية ذات النزوع الدائم للسلم والحياة الهادئة المتوازنة.

وواصل د. أسعد الراشد حديثة بمروره على رموز كبيرة وشخصيات في تاريخنا وفي تاريخ العالم من قادة وساسة ومفكرين ومثقفين وأصحاب عقائد، كانت تناضل ضد كل أشكال العنف، مشيرا إلى دور السيد المسيح شهيد السلام الاول في نشر ثقافة السلام على مريديه وتلامذته، كذلك دور شهيد السلام المهاتما غاندي التاريخي في نبذ العنف، ورجل السلام الذي رحل عنا مؤخرًا نلسون مانديلا.

وفي ختام كلمته دعا الحاضرين للوقوف دقيقة صمت احترامًا لهذه الرموز واشباهها واعترافًا بدورها التاريخي في مواجهة العنف ونشرها ثقافة السلام.

في السيمنار الثقافي تحدّث كل من الدكتورة نوال الطائي، الكاتب السويدي ماتس أيكمان، الأديب الدكتور مؤيد عبد الستار والشاعرة السويدية إنغريد هوفمان عن رؤاهم للسلام وكيفية نشر ثقافة السلام ومواجهة العنف بنشر وتكريس السلام.

وقد ترجمة المداخلات الى السويدية ووزعت على الجمهور السويدي وكذلك ترجمة المداخلات السويدية والكردية ووزعت على الجمهور العربي.

في المؤتمر الصحفي تحدّث مدير المركز الثقافي العراقي د. أسعد الراشد والصحفي المعروف أوربان حميد وبعض ممثلي الإعلام السويدي عن الاعلام ودوره في إشاعة السلام ونبذ العنف بكل أشكاله وتجلياته. ودارت مداخلات، واجابوا عن اسئلة تعلقت بالمحور ذاته.

 

بحث متميّز لشاب عراقي متفوّق

بعد ذلك دعي الشاب العراقي سومر سيف الدين الولائي المهندس الطبي الباحث في مركز بحوث جامعة أوبسالا، ولكونه شاباً عراقياً متميزاً، دعي لتكريمه ومنحة شهادة تقدير من قبل المركز الثقافي العراقي قام بتقديمها له سعادة السفير العراقي. تحدث المهندس سومر باختصار عن إنجازه الذي نال عليه شهادة الماستر في الهندسة الطبية باللغة السويدية والانكليزية والعربية ليصل الحاضرين كلا بلغته، والذي تقوم بدراسته مراكز بحوث وشركات داخل وخارج السويد، وسط فرح واعتزاز الجالية العراقية بابنهم وابن بلدهم العراق.

وقدمت السيدة زينب كريم مسلم رئيسة جمعية المرأة العراقية بصفتها الشخصية هدية ولوالدة الباحث الشاب السيدة سميرة السعدي قدمت زهرةً وكلمات الشكر والامتنان كسيدة عراقية أوصلت أبنائها إلى النجاح.

في قاعة المركز الثقافي كانت لوحات الفنان التشكيلي شاكر بدر عطية ومنحوتات الفنان سلمان راضي معلقة على الجداران وموضوعة على مساند في زوايا المكان، حيث تم افتتاح معرض الفنانين العراقيين في أمسية الاحتفال تلك. فيما كان الشاعر العراقي جاسم الولائي والشاعرتان السويديتان مالين هاربَكِّن وانكريد هوفمان يحضرون لتقديم قصائدهم الخاصة بالسلام في تلك الأمسية. كان لدى الشعراء الثلاثةُ ثلاثةَ مفاهيم مختلفة لمواجهة العنف بثقافة السلام.

تناول الشعراء الثلاثة السلام كلاً حسب مفهومه الخاص للسلام كمبدأ إنساني لا غنى للبشرية عنه في حياتها الخاصة والعامة وفي علاقتها مع الآخرين. وقد تُرجمت قصائد الشاعرتين انّا مالين هاربَكِّن وانكريد هوفمان إلى اللغة العربية لتوزيعها على الحاضرين والضيوف العرب، فيما ترجمت قصائد جاسم الولائي إلى اللغة السويدية للحاضرين من السويديين وممن لا يجيدون اللغة العربية.

أنّامالين هاربَكِّن.. هل نفهم السلام حقًا؟

قدمت الشاعرة أنّا مالين هاربَكِّن قصيدتين من أجل السلام باللغة السويدية أشارت في قصيدتها الأولى إلى مفهوم الكثير من الناس عن السلام. إنهم يريدون السلام، سلامهم وسلام جيرانهم والآخرين بكل حرارة، لكنهم يريدونه سلام غير مكلف ولا يفرض قيودًا على حياتهم الخاصة، يريدونه هبةً من الآخرين.

الكثيرُ من الناس يقول:

-          نريد السلام على الأرض.

هؤلاء أنفسهم يقولون:

-          لكن ليس على حسابي

وبقيود على حياتي الخاصّة.

 

حين نُغلق الباب

بوجه العالم الخارجي

يصبح جارنا

غريبًا

لا نصله أبدًا.

 

تشير الشاعرة بعد ذلك إلى الأصوات المحشورة في أفواه البشرية وصدورهم المتعبة وهي تبحث عن السلام وتطلق هامسة شكواها من شتى أشكال العنف ومن الحروب بشكل خاص واصفة السلام بأنه حمامة بيضاء في صدورنا الجريحة حين تحلّق لا تخاف ولا تعرف الحدود بين الدول وترى كلّ ما على الأرض.

في قصيدتها الثانية تثير هاربَكِّن العديد من الأسئلة:

هل نحن نسمع الأصوات المغمغمة حولنا، أم نحن لا نصغي إليها جيدًا؟

هل نرى حقًا أهوال الحرب تنعكس على العيون الحزينة، أم نُغمض عيوننا عن روعها وسوادها؟

هل نفعل كلّ شيء من أجل السلام أم أننا نفعل ما يكفي لتهدئة الضمير فقط؟

ثم تقول أخيرًا، نعم، نحن جميعًا نتحدث عن السلام، لكن هل نفهمه؟

 

انغريد هوفمان.. السلام أن نذهب إلى الناس ونشاركهم حياتهم.

الشاعرة انكريد هوفمان تتناول السلام بمفهوم آخر يشمل الحياة اليومية للبشرية جمعاء وترى هوفمان أن تمتين صلات الصداقة مع الناس في كلّ مكان من العالم كفيل بنشر السلام بين البشرية، أن نذهب إليهم ونعيش معهم، نأكل من طعامهم ونغني أغانيهم ونرقص في دبكاتهم الشعبية ونسهر معهم ونتدفأ بنارهم ونسير تحت ظلال كرومهم ونخيلهم. تقول في سيرتها الذاتية:

إن الذهاب إلى الناس لا يكلفها سوى أن تتناول الأقل، جواز سفرها وحافظة نقودها لأنها حرّة.

في قصيدتها سيرة ذاتية تستعيد الشاعرة هوفمان ذكرياتها برومانسية فذّة في تفاصيل رحلتها إلى الشام، ولقاء أصدقائها هناك في منطقة باب توما بدمشق ومشاركتها مع مئات النساء في منطقة الحسكة رقصة الدبكة.

أعيش حياةً شديدة التنوع والتلوّن

هنا في لوستيغ كولا، نهارًا وليلاً

لم أعد أمسح أنوف الأطفال،

نادرًا ما أنظف الأرضية.

أرسم، أعزف في مزماري الفضيّ أحيانًا

وأكتب العديد من القصائد أحيانًا.

 

لا أحيا حياةً هادئة

أسافر بعيدًا في كثير من الأحيان،

حينها أسكن في منزل قديم بفناء داخلي

وطابق علوي

وأسير في ضوء القمر تحت الكروم

في أزقة باب توما

بعيدًا في دمشق.

مع أنني سويدية

لكنني أعشق الغناء العربي

وأن أكون في هذه الليلة الشرقية الدافئة

هناك حيث لم تعد ثمة حاجة

لأن أحلم بألف نجمة.

هناك أجلس في الشرفة تحت عناقيد العنب

وأصدقائي يدخنون الأرجيلة،

نجلس متقاربين، متقاربين معًا ونغنّي في الصباح

وقتها لا أحلم.

 

بغداد حلم الشاعرة هوفمان الكبير

وما يزال حلم كبير يداعب الشاعرة هوفمان منذ أن كانت طفلة في الرابعة من عمرها. حلمها القادم هو بغداد وبابل والجنائن المعلقة. تقول:

(بغداد، مدينة في ذاكرتنا. بغداد؟ كيف جعلتك هذه الحاضرة تبذلين من أجلها كلّ هذا الاهتمام؟ تتساءل في لحظة صفاء وهي تعدّ القهوة لأبي.

نعم، أقول بقليل من الحرج، حينها كنت حديثة عهد في مثل هذا الأمر. منذ طفولتي كانت بغداد حلمي. كنت في الرابعة فقط من عمري. أجلس على الأريكة وأقرأ حكايات لشقيقي الصغير. الحكايات مأخوذة من كتاب ألف ليلة وليلة!

بغداد هي أصلاً المدينة التي وُهبت اسم أورشليم. دار السلام، أو سكن السلام! أي اسم جميل هذا!

هل أثارت غيرة وحسد الكثيرين؟ ما الذي تملكه مدينة على ضفاف نهر دجلة كي يريدها الجميع؟ الكنوز الموجودة منذ زمن سحيق؟ الثقافة التي ازدهرت ومازالت تزدهر حتى اليوم؟ ألأنها مهد الحضارة؟ جنكيز الذي اقتحمها بخيوله البرية واستولى عليها؟ لماذا؟

وما تبع ذلك أكثر..)

الحياة والتوق إلى تلوين هذه الحياة هي ثيمة الشاعرة فيما تكتبه من قصائد، فهي ترى أن الحياة يجب أن تتسع للسلام ليحل في كل أرض وبيت وفي أعماق كلّ إنسان منا. ولقاء الناس ومشاركتهم في كلّ شيء هو السبيل إلى السلام.

 

جاسم الولائي.. السلام، أن نبقي ذكرى الحروب ومشاهد الدمار.

الشاعر العراقي جاسم الولائي يعيد إلى الأذهان بعضًا من مشاهد الحروب التي تعرضت لها بلاده في قصيدتيه (هديل القماش الحزين ومبرد الحرب). أن تبقى تفاصيل ما عانته البشرية من الحروب ومآسيها وما سببته من كوارث، وتخليد بعض آثارها وخرابها هي الوقاية والضمانة لعدم إعادة الكرة وخلق معاناة جديدة للبشرية ولخلق قانون جمعي يرفض العنف والحروب وأعمال العزل والتهميش والطائفية والاضطهاد ويكافح من أجل عدم تكرارها.

في قصيدته هديل القماش الحزين يُدخل الولائي المتلقين في مشاهد رومانسية لمدينته بغداد أوقات السلام النادرة القصيرة. يصف الناس ونهر دجلة والمصابيح التي تهمس لامعة على شاطئيه، ثم ينتقل إلى كابوس الحرب وأحوال الناس وهي تعيش رعبًا من الآخرين وحتى من ظلالهم.

حينَ كان النعاسُ يُداعبُ أهدابَ بغدادَ في الليلِ

يُلقي غِلالتَهُ فوقَ أشجارِها ودكاكينِها والبيوتْ

وبعضُ الشَّبابيكِ تَهمِسُ في صفحةِ النهرِ،

كانت تُزيّنُ ذاك الهدوءَ الجميلْ

وكانتْ على الجسرِ بعضُ المصابيحِ تُلقي

بوسواسِها الحلوِ فوقَ حريرِ المياهْ

وبغدادُ في حُلْمِها السندباديِّ هادئةٌ

والنسائمُ تُثقل ذاك النعاسَ الجليلْ

وملائكةُ النومِ مأخوذةٌ بالندى

وهو يَغْسِلُ وجهَ النخيلْ.

 

وكان الشاعر قد تنبّأ في قصيدته (مبرد الحرب) التي كتبها عام 2001، أن تتفتت الحروب التقليدية إلى حروب وحرائق صغيرة تدخل بيوت الآمنين وحدائقهم وتنشر الموت فيها وتشعل الحرائق.

قريباً من البيتِ

من شجرٍ في الحديقةِ

تلعبُ بعضُ الحروبِ الصغيرةِ

فلتقترحْ سَجَقاً ونبيذاً

لنولِمَ للحرب، نسرقَ بعضَ انتباهاتِها

واقترحْ عطلةً

وصديقاً من الوقتِ

بعضَ الشرودِ النقيِّ

اقترحْ إبَراً، كي نُخَدِّرَ بعضَ السويعاتِ

نَسحبَ أعمارَها

مِبْرَدُ الحرب يأكلُ أيامَنا

أهلُنا الطيّبونَ

سعادتهم كالإجازات عند الحروب

كنشوةِ إغماءةِ السُّكَّريِّ

الدُّوارِ الذي يرتقي دَرَجَ الضغطِ

يخطفهمْ، قبلَ أن يوشكوا يخطفوه.

إنعام عبد المجيد وطلتها الفيحائية

وكان لحضور الفنانة ومقدمة البرامج الناجحة انعام عبد المجيد مروراً جميلاً كنسمة عذبة نشرت الفرح على الاحتفالية وفقراتها واضفت عليها تنوعاً بإقامة عدة لقاءات مباشرة مع جمهور الحاضرين والمشاركين في فعاليات الاحتفالية.

أزياء العراق في عرض شامل

في فقرة عرض الأزياء التي صممتها الفنانة نيان مصطفى قادر، قدمت مجوعة من الشابات والشباب عرضًا رائعًا للأزياء العراقية. حيث استعرض الشباب والشابات أمام الجمهور الحاضر أزياءهم العربية والكوردية والتركمانية والآشورية والأيزيدية وأزياء شعبية أخرى تجاوزت الأربعين زيا تمثل بغداد وباقي المدن العراقية وسط مقطوعات من موسيقى التراث العراقي.

وقد تم تكريم كل المساهمين والمساهمات في هذا الاحتفال الكبير (بغداد.. ثقافة ضد العنف) بالزهور والهدايا وشهادات التقدير. . . كان هذا جميلٌ منك وواجب عليك أديته ايها المركز الثقافي العراقي.

 

الشاعر والكاتب

جاسم الولائي