|
عرار: عرار- دار الخليج:بعد انتهاء الشاعر، من الكتابة الأولى لقصيدته، فإن العلاقة بينهما لا تنقطع، لأن هناك وشائج قوية تربطه بها، وهي بمثابة المولود الحقيقي له، لأنها صدى لروحه، ورؤاه، بل إنها تمثل شخصيته، في عمقها، وماعلاقة أي منا-الآن- بالشعراء الذين عاشوا قبلنا، إلا من خلال القصائد التي تركوها لنا، إذ تتبدى لنا ملامحهم من خلال تلك الإبداعات، لأنها تعكس خصالهم وصفاتهم وقدراتهم وأنماط حياتهم، بل وعلاقاتهم بمن حولهم اجتماعياً ونخبوياً، وغير ذلك الكثير . وهذا يعني أن الشاعر المبدع، يعنى بقصيدته جيداً، ولا يمكن أن يقدمها لمتلقيه، إلا بعد أن يطمئن أن هذه القصيدة، قد استوفت شروطها الفنية، وأنها قادرة على حمل خطابه الرؤيوي إلى متلقيه انطلاقاً من أن للفن أكثر من رسالة جمالية ومعرفية، في آن .إن عملية كتابة القصيدة، تتطلب من صاحبها، الجهد والوقت الكبيرين، ليتم التفاعل الحقيقي، في مختبره الشعري، بين رؤيته الخاصة، وجمالية النص الذي يقدمه، وذلك لأن القصيدة، ليست مجرد شكل فني، كما أنها ليست مجرد أداة معرفية، بل هي هذا وذاك، إضافة إلى أنها تجسد عالم الشاعر، وروحه من داخلهما، عبر أدق تفاصيلهما، وهي فوق هذا وذاك، تحدد درجة رهافة موهبته، ومدى براعته في استخدام أدواته الإبداعية، إضافة حسن الذائقة، وغير ذلك من الشروط اللازمة لصناعة النص الشعري . كما أن مواقف الشعراء تختلف عادة من نصوصهم الشعرية، بعد عملية الانتهاء من كتابتها، حيث نجد شاعراً، يمت بوشائج قوية مدهشة تجاه نصه، ما إن يفرغ منه، يعود إليه بين الفينة والأخرى، على مدار يوم أو أسبوع أو سنة، وربما أكثر، وتعتبر هذه العملية، دليل عافية، ضمن شرطها الطبيعي . ولقد كان هناك الشعراء الحوليون، الذين يكتبون قصائدهم، ويعالجونها لمدة عام كامل، وهي المسافة الزمنية بين مهرجانين حولين متتاليين، كما هو حال سوق عكاظ، أوذي المجاز، والمربد وغيرها، من أسواق الشعر التي سها عنها التدوين، وكانت موجودة، على مستوى البيئة الاجتماعية الواحدة، وضمن فضائها الخاص . ولعل النقاد، انتبهوا إلى مسألة مهمة، وهي أن القصيدة، تكون ابنة الدفقة الأولى، وإن أي تدخل ولو طفيف، أو أي تماد من قبل صاحبها، في إعادة كتابتها، ، ليعدان انتهاكاً لبراءة القصيدة، وعفويتها، مادام النص الشعري نتاج تفاعل أدوات كثيرة،ضمن شرط زماني محدد، وإن الكتابة التالية للنص، لتعني المزاوجة بين نصين شعريين، كل منهما ينتمي إلى لحظته الخاصة التي لاتقبل أي إخلال بحرمتها . وإذا كان من شأن الكتابات التالية للقصيدة، أن تضفي عليها لمسة جمالية، فإن من شأنها أيضاً، وفي ظل تجارب الكثيرين من الشعراء، أن تسيء إلى القصيدة، لا سيما عندما يتعدى التدخل الجديد، في كتابة القصيدة، ما هو جزئي، ليكون ذلك بمثابة إعادة كتابة لها، ما يوصل الأمر إلى حد الإسفاف، بل والتشويه بحق القصيدة، لأن القصيدة التي تكتب، في أزمنة مختلفة، قد تحقق الرصانة، والجمالية للوهلة الأولى، إضافة إلى أداء الوظيفة المعرفية التي تعد -في رأي بعضهم- شرطاً من شروط الأدب والفن، بيد أنها تبدو كأنها وضعت تحت مجهر الذائقة السليمة، مفتقدة إلى شيء مهم، ربما هو روح القصيدة، نفسها، وما أكثر مثل هذا الأنموذج! ولئلا نقسو -هنا- على من يعيد كتابة قصيدته، مرة أو أكثر، فإنه يمكننا التأكيد أن الخلق الأول، ربما يتعرض لتشوهات ما، نتيجة خلل معين، في أدوات الخلق، وإن إبقاء حبل هذه القصيدة، على غاربها، سيسيء إليها، ولابد من أن يستخدم الشاعر مبضعه، أمام ورم ما، أو استطالة ما، ظهرا في جسد القصيدة، أو أمام أو نقص ما لوحظ فيه، على حين غرة، ويتصرف كما يتصرف الطبيب مع مريضه، إذ عليه بتر ما هو فائض، ومعالجة ضمور العضو الذي بدا بعد ولادة الجنين، وأن يتم كل ذلك، وفق دراية، وحرص، وخبرة، من أجل ولادة قصيدة معافاة . أكد الشاعر حارب الظاهري أنه اعتاد ألا يعود إلى قصيدته، بعد كتابتها، لأنه مؤمن بأن القصيدة تنتهي بكتابتها الأولى، وهي الكتابة الأولى والأخيرة معاً، ليكون من حق المتلقي، أن يطلع عليها، وإن عدد المرات التي يعود فيها إلى قصيدته جد قليل . بينما راح علي الشعالي، على العكس منه، إذ بين أن قصيدته تظل مفتوحة، ولا يحول العامل الزمني، من دون العودة إليها، بعد حين وآخر، لأنه يغير مفردة هنا، ويشذب أخرى هناك، حتى تغدو بالشكل اللائق بها . وأضاف الشعالي: إن علاقتي بقصيدتي لا تنتهي، حتى بعد نشرها، في جريدة أو مجلة، أو حتى في كتاب، لأني من هؤلاء الذين يتواصلون مع نصوصهم باستمرار، وأحس بوشائج تواصل وقربى بها، وإن كان لابد من التحلي بنوع من الانضباط تجاه أمانة النشر بعد نشر النص، إلا أنه هناك بعض الحالات التي يكسر فيها الشاعر، هذا الانضباط، ويخرج عليه عندما يكون الداعي إلى ذلك ذا مسوغ فعلي، وهذا من حقه . كذلك هو شأن الهنوف محمد التي ترى أنها ما إن تنتهي من كتابة نصها، حتى تعود لقراءته، بل ونقده وتقويمه، وإعادة كتابته، وإن كان العامل الزماني - بنظرها- الذي يسمح لها بمراجعة النص، وتعديله غير محدد . وفرق الشاعر محمد البريكي بين نوعين من الشعر لديه، أحدهما الفصيح الذي يعيد كتابته أكثر من مرة، بعد الانتهاء منه وذلك بغرض التدقيق، بيد أن قصيدته النبطية، يركنها جانباً، ما إن ينتهي منها، ولا يتدخل في كتابتها، في ما بعد إلا نادراً، وفي فترات متباعدة، بغرض تبديل بعض المفردات بغيرها . الكاتب:
مديرة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 19-06-2012 12:04 صباحا
الزوار: 1826 التعليقات: 0
|