|
عرار:
الدكتورة رؤى حوامدة صدر مؤخرًا عن دار التكوين ضمن سلسلة إشراقات التي يشرف عليها الشاعر أدونيس وتتكون من 39 قصيدة تتنوع ما بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. ويقول أدونيس عن هذه السلسلة بأنها تهدف للتخلص من التقليد وتبحث عن الصوت الفردي الخاص، فنحن في زمن مليء بالمشاكل الحضارية وقد نحتاج الشعر فيها أكثر فأكثر. وأتفق معه في ذلك لأنه مهما وصلنا من التطور فلا آلة تستطيع أن تكتب العلاقات الإنسانية المتفردة بحساسيتها ومشاعرها وتأثيرها، أما الشعر فيضمن ذلك. سيظل الموت يحوم فوقنا وسيظل الحب يقتلنا ويحيينا، وستظل الصداقة حاجة دائمة وسيبقى الشعر قادرًا على مواجهة كل شيء مهما حدث. تبدأ مها العتوم ديوانها بقصيدة عنوانها «دون شروط» وتقول فيها: «شروط المجازات توجع رأسي ويرهقني الوزن» «أفكر في خفة الكلمات» وهكذا نقرأ بقية القصائد بخفة ومتعة وبشوقٍ للعبور من واحدةٍ لأخرى، حتى نصل لآخر قصيدة تقول فيها: «طالني العمر أم صرت أقصر منه» والحق يقال إن من يكتب مثل هذه القصائد يتجاوز العمر إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، ويترك علامة فارقة في جدار الزمن. *** أما في القصيدة التي سميت الديوان باسمها، تقول: «أنا امراةُ الوقتِ زوجة هاديس بدلتُ جلدي لأعرف نفسي وأنشبتُ نابي في جلد تلك الحياة» ونستطيع أن نرى فيها الزمن بخطيّه؛ نرى بيرسيفوني زوجة هاديس، ملكة عالم الموتى في الأساطير الإغريقيّة القديمة التي تقضي ثلث العام في عالم الموتى وتعود مع الربيع حين يثمر الشجر وتثمر الحقول بالسنابل. ونرى انعكاسًا واضحاً لمها التي تعرف الموت جيدًا وتعرف كيف تفلسف الموت وتحدق فيه، ومن ثمّ تعود لأجل طفلها ورد، ولأجل القصيدة الغير مكتملة، ولأجل الربيع والسنابل في قصائدها. *** يقول أفونسو كروش: «أنّ أبيات الشعر تحُرر الأشياء وإننا حين ندرك شاعرية الحجر نحرره من تحجّره.. ينظر الشاعر إلى جذع ميت فيبعث فيه الحياة.» والحق يقال إنه قلة هم الشعراء اللذين يستطيعون أن يبعثوا الحياة من الأشياء الميتة وأن يخلقوا الجمال من الزوايا الموحشة. الشاعر الحقيقي هو الذي يأخذك إلى لحظة الخطف تلك، حين تأخذك قصيدتهُ لمكانٍ بعيد وتضعك أمام مواجهة كنت تهرب منها. والقصيدة الحقيقية هي التي تقول عنك ما لا يستطيع لسانك صياغته. وأجمل ما في الشعر الحقيقي الصادق حينما يخامرك ذلك الشعور بأن تلك القصيدة كتبت خصيصًا لأجلك وكأن تلك الكلمات وجهت مباشرة إليك. يقال إن المرأة هي أول من اخترع الحكايات، وشئنا أم أبينا هناك بهاء خاص يتجسد في النساء خاصة دونما عن الرجال، فكيف اذاً عندما تكتب المرأة مثل مها ذلك البهاء شعرًا وقصائد كالأغنيات بإيقاعات مدهشة في اللون والصورة. وكيف تسرق البهاء رغمًا عنه من كل شيء، حتى من الموت نفسه. تكتب مها في قصائدها رسائل للنفس، للحب، للحياة، للعاشقات وللموت وهو يعُلّم في الخطوات، وترينا مها في هذه القصائد كيف تكون الشاعرة المبدعة حينما تكتب حوارات مفتوحة مع الحياة. في «امرأة الوقت» نرى مها الطفلة ومها الأم ومها الزوجة ونساء كثيرات محتشدات في السطور.. لكن الأهم أنك عندما تنتهي من القصيدة لا تغادرك دون أن تترك شيئًا من روحها في نفسك. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 01-07-2024 09:25 مساء
الزوار: 133 التعليقات: 0
|