|
عرار:
الشارقة: علاء الدين محمود الكتاب يعيد الاعتبار للمعنى؛ أي المضمون والفكرة وراء السرد والغايات التي تكشف عنها العلامات والإشارات في الفعل الروائي عبر الحض على التأمل والتفكير، فالروائي وفقاً للكتاب هو صاحب موقف ويعمل على تعميق إحساس القارئ بالواقع الذي يعيشه، فالكتابة التي تفتقر إلى المعنى هي عبثية وتهويمية، لكن يجب الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية فالمعنى لا يعني الحضور الأيديولوجي الفاضح عبر تبنّي مواقف أيديولوجية وسياسية أو مذهبية بشكل مباشر في السرد، فتلك مسألة في غاية الفجاجة وتقتل الإبداع، فالمقصود هو حضوره بما يخدم كذلك البعد الجمالي، فلابد للكاتب من موقف يتخذه ويتبنّاه تجاه الواقع الذي يعيشه ويعبّر عنه في الكتابة الروائية والسردية، وذلك هو المعنى، فالسرد هو لقاء الجمال والفكرة. وقد رصد الكاتب عدداً كبيراً من الأعمال الروائية العربية والإماراتية التي يحضر فيها المعنى عبر المواقف المختلفة، ويتجول الكاتب عبر خلال نماذج مميزة، وتحضر شخصية المثقف صاحب الموقف والرسالة في أعمال سردية مثل روايات جبرا إبراهيم جبرا، وكذلك قدم الكتاب نماذج من السودان والمغرب وبلدان عربية أخرى يتجلّى فيها الوعي بالذات وبالآخر، ونماذج من روايات صوفية وتاريخية يحضر فيها الوعي بالتاريخ والمجتمع والذات، ويستدعي الكتاب مؤلفات سردية تحمل بين سطورها وأحداثها ومنعطفاتها الوعي بالقضية والوطن والمجتمع والواقع لنجيب محفوظ وواسيني الأعرج وإبراهيم الكوني ويوسف إدريس وجمال الغيطاني. كما قدم الكتاب نماذج لأعمال روائية وسردية إماراتية تتبنّى المواقف وتبرز فيها القضايا والهمّ الوطني ورصد الواقع والمتغيرات الاجتماعية لجمال الشحي، وريم الكمالي، وسارة الجروان، وصالحة عبيد، وصالحة غابش، ولولوة المنصوري، وميسون صقر القاسمي، ومريم الغفلي، وغيرهم. ويشير الكاتب إلى مؤلفين كان لهما أثر في صدور هذا الكتاب، وهما «مسالك المعنى»، الصادر عام 2009، و«البحث عن المعنى»، وهما للكاتب سعيد بنكراد، حيث اطّلع نبيل سليمان على الكتابين وتأمل في الأفكار المطروحة فيهما اختلافاً واتفاقاً، وكان لذلك الأمر أثره في الرؤى التي طرحها سليمان في كتابه، غير أن سليمان يراهن في هذا المؤلف على «القارئ»، حيث إن المعنى لا يقوم بالكتابة وحدها، بل بالقراءة أيضاً، فهو يقول: «لم تكن غاية التحليل سواء في هذا الكتاب، أم في كل ما حاولت في النقد، أن يقبض على المعنى ويقدمه للقارئ على طبق؛ أي مجرداً من الإشارة». الكتاب يقع في 336 صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على مقدمة و12 فصلاً، يتناول الأول «وعي الذات والآخر»، ويحتوي على عدد من النماذج الروائية من بلدان عربية مختلفة، ويبحث الفصل الثاني في «السيرة الروائية والصوفية»، بنماذج لأعمال سردية عربية تحلق في فضاءات روحية، يطل من خلالها الكتاب على حضور الإشارة والمعنى، وفي الفصل الثالث يتحدث عن موضوع «شهادة الرواية على زمانها»، ويركز على السرد في تعبيره عن الواقع والعصر الذي أنتج فيه العمل الروائي، ويشتمل كذلك على نماذج سردية، أما الفصل الرابع فقد جاء بعنوان: «الفانتاستيك في الرواية»؛ ويعني «الفانتازيا»، حيث يشتبك العجائبي بالغرائبي بالخارق..إلخ. ويرصد الكتاب قضايا متعلقة بالمتغيرات العصرية مثل: ثورة الاتصالات، والإرهاب والفن، ويعرج في الفصل التاسع على توظيف السخرية في الأعمال السردية الروائية، فيما جاء الفصل العاشر بعنوان «التاريخ روائياً»، ويستعرض نماذج لأعمال روائية بثيمة التاريخ، أما الفصل الثاني عشر والأخير، فقد جاء بعنوان: «سرديات سايكس بيكو»، في إشارة للاتفاقية الشهيرة في 1916، ويتتبع هذا الفصل عدداً من الأعمال الروائية التي تناولت ذلك الحدث. الكتاب تناول عدداً كبيراً من الروايات العربية التاريخية، مثل «هرمز»، للكاتبة ريم الكمالي، إذ تحتل الرواية التاريخية موقعاً مهماً في الأدب العربي الراهن، ويحذر سليمان من مغبة الكتابة اللحظية عن موضوعات سياسية واجتماعية تحتاج إلى التبصر والتفكير، لا سيما أن هذه الموضوعات تحتاج إلى حس تاريخي عميق، ويرى بضرورة أن يحذر الكاتب من الوقوع في فخ ما هو «شعاري»، فيخرج بأعمال عابرة وليست عميقة، ويقول: «يشغلني في هذه الأيام سؤال ملحّ هو: كيف يمكن أن نتلمس نبض التاريخ في ما يحدث اليوم؟»، ولعل رواية الكمالي توفر فيها المعنى من خلال الذهاب إلى التاريخ وتفسير أحداثه وإسقاطها على واقع اليوم. وفي منعطف حمل المتعة وحشد من الجماليات، تناول الكتاب المصادر التي ألهمت الروائيين العرب في الكتابة عن الصحراء، والقيم والمعاني التي تحملها كتاباتهم، ويشير إلى أن السرديات العربية قد شهدت منذ ستينيات القرن الماضي اهتماماً بالثقافة الشعبية: الحكايات الشعبية، الأساطير، ألف ليلة وليلة، الصوفية، الغناء.. إلخ ومن قبل، حيث حضرت الصحراء كعنصر مهم من الثقافة الشعبية العربية بما يعنيه ذلك من الاشتغال على بنى فنية واجتماعية: السوالف «الحكايات»، الأعراف والعادات والأزياء والأعراس والغناء والرقص والعديد «النواح»، والثأر والكرم وقص الأثر والخيول والأنساب والفراسة والعرافة والترحل والخرافة والشعر والجن والجوارح، حيث جاء التناول الروائي للصحراء بدرجات متفاوتة، سواء في المستوى الفني أم في شمول النظر وعمقه. نبيل سليمان ناقد وكاتب صاحب مسيرة معتبرة، من مواليد عام 1945 في سوريا، درس الأدب العربي وتخرج في جامعة دمشق عام 1967. صدر له سبعة وخمسون كتاباً منها 22 رواية. حصل على عدد من الجوائز، آخرها جائزة سلطان العويس الثقافية 2021. ترجمت بعض رواياته إلى الإسبانية والإنجليزية والدانماركية والروسية والفارسية، ومن بين رواياته، «ليل العالم»، و «تاريخ العيون المطفأة»، و«تحولات الإنسان الذهبي» وقد احتلت روايته الرباعية «مدارات الشرق» (2012) المرتبة ال 20 في لائحة من أفضل مئة رواية عربية في القرن العشرين، اختارها اتحاد الكتاب العرب. ومن مؤلفاته النقدية: «فتنة السرد والنقد». المصدر: الخليج الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأربعاء 19-06-2024 01:11 صباحا
الزوار: 251 التعليقات: 0
|