|
عرار:
حميد سعيد ما أقصده بحكايات الليالي، هو السفر العربي الخالد» ألف ليلة وليلة» وقد شاع استعمال هذا الوصف في الكتابات العربية والأجنبية، وهو من شجرة وصف كان وما زال أكثر شيوعاً وأقدم حضوراً، هو، الليالي العربية. إن حكايات الليالي في مرحلتها المحكية التي سبقت النصوص المكتوبة، نهلت من عدد من المناهل، مصادر تاريخية وجغرافية وعلمية ومقالات رحالة وحكايات بحارة وتجار ومغامرين وجنود عائدين وبشر ضائعين دفعت بهم الأقدار من أصقاع شتى، إلى المدن العربية، فكانت رحم حكايات الليالي وحاضنتها ومربيتها الأولى، وحين نقول بوجود مؤثرات أجنبية فيها، هندية وفارسية وصينية، بل إغريقية غير مباشرة، فليس هذا القول جديداً، وليس من ثقافة نقية الدم ولم تتأثر بثقافات أخرى. لقد كان هذا التأثير أكثر وضوحاً في حكايات الليالي لأن الراوي الشعبي في معظم العصور والمجتمعات يعتمد الخيال وغير معني بتشريح ما يروي أو تدقيقه، فهو أكثر ميلاً إلى ما يدخل مدخل العجيب الغريب ليستأثر باهتمام المستمعين إليه. كتبت من قبل عن كتاب» صورة الشرق الأقصى والعالم في حكايات ألف ليلة وليلة» للباحث شمس الدين الكيلاني، الذي حاول فيه كشف انتساب ما ورد في الحكايات من معلومات عن الشرق الأقصى في المتخيل العربي في العصر الوسيط ومن ثم كشف انتساب مصادر هذا المتخيل إلى مدونات عربية معروفة، كتبها مؤرخون وجغرافيون ورحالة، والكيلاني في كتابه هذا ممن يرون أن حكايات الليالي، تأليف عربي، بصرف النظر عما يقال عن بداياتها التكوينية وأصولها البعيدة إذ « تمثَّل العرب في العصر الوسيط، معرفياً وتخيلياً، هذا العالم برمته، بأطرافه المختلفة، وضمَّنوا هذا التمثّل معارفهم وتخيلاتهم وأحكامهم وتحيزاتهم، فامتزجت الصورة التي كونوها عنه بمواقفهم الوجدانية، بأحكامهم ومعاييرهم». ويقول الكيلاني:» راكم العرب معارفهم عن الشرق الأقصى وأغنوا تصوراتهم عنه، وذلك عن طريق التعرف المباشر عليه بواسطة التجارة والترحال إلى أصقاعه، وعن طريق معارفهم الجغرافية وتأليفهم التاريخي والأدبي، فعكست حكايات ألف ليلة وليلة صورة الثقافة العربية عن هذا العالم الشرقي الكبير» وإذ انتقلت المعارف من مصادرها المكتوبة إلى أفواه الرواة ومن ثم إلى صفحات الليالي في طورها المكتوب، مثلما انتقلت إليها حكايات من مظانها المكتوبة في عدد من المصادر العربية، وقد سبق أن رصد هذه الحكايات د. محسن جاسم الموسوي في كتابه» مجتمع ألف ليلة وليلة» وقد أشرت إليها من قبل في بعض ما كتبته عن الليالي العربية، غير أن شمس الدين الكيلاني يتوسع في متابعة التآليف العربية ويشير إلى ما ظهر مما جاء فيها في حكايات الليالي، وبحدود متابعاتي فإن بعض ما ذكره لم أكن أعرف من قبل على أنه من مصادر رواة الليالي ومن ثم من مصادر كتابتها ، فهو يذكر الرحالة سليمان التاجر وأبو دلف وعبد الله بن القاسم، ومن الموسوعيين المسعودي والبيروني والنويري والقلقشندي، ومن كتاب العجائب، ابن الوردي والقزويني وشمس الدين الأنصاري، ومن الجغرافيين الشريف الإدريسي وابن خرداذبة والهمداني. بل لقد دخلت مرويات الشيخ شمس الدين محمد الطنجي المعروف بابن بطوطة، من كتابه الشهير» تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» إلى محيط الذاكرة الشعبية ، ومنها إلى حكايات الليالي، كما في رحلات السندباد البحري، ويمكننا أن نقول: إن المتخيل البطوطي هو بعض متخيل الحكايات العربية ، ومما ينبغي تأكيده هنا أن ابن بطوطة كان واسع الخيال، ويقول عن الكثير مما سمعه هنا أو هناك بأنه رآه، وهو لم يره،، حيث وقف الشيخ الطنجي غير بعيد عن السيدة شهرزاد التي حملها رواة الليالي العربية مروياتهم بجميع صفحاتها ومصادرها التاريخية والجغرافية والأسطورية ، ما هو متخيل وما هو حقيقي. وما دمنا نتحدث عن المصادر العربية في حكايات ألف ليلة وليلة، لابد أن نتوقف عند المدن العربية التي كانت فضاء تلك الحكايات مكانا ومجتمعاً، حيث المصدر يكون عربياً حتى حين يكون المروي غير عربي وهو كثير كما نعلم، ومن المدن العربية التي كانت الحاضنة المكانية للحكايات، كما يذكر ذلك الدكتور محمد عبد الرحمن يونس في كتابه» المدينة في ألف ليلة وليلة، ملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية» مدينة بغداد التي تجمع بين الثراء والفقر، بين الأمان والمخاطر ، بين المرح والغناء والحزن والقلق، ومدينة البصرة التي تفوقت على غيرها من المدن فهي الميناء التجاري المهم بسطوته الاقتصادية وعطائه الثقافي، ودمشق الجميلة الفاتنة، مدينة الأنهار والحدائق التي تبهج القلب والعين، وهي في الوقت ذاته السوق الذي يتلاعب به التجار حيث الاستغلال والغش بالأسعار والربح الفاحش، أما مدينة القاهرة كما تصورها لنا حكايات الليالي، فهي فضاء الاحتيال والشطارة، غير أن الحياة فيها طيبة والتجارة مزدهرة ، التجار فيها أثرياء وأرباب المهن البسيطة فقراء معوزون. إن سِفر ألف ليلة وليلة، الذي ظل مفتوحا للتلقي والاجتهادات والإضافات، ينجح شمس الدين الكيلاني في كتابه الذي توقفنا عنده، في تنبيهنا إلى مصادر جديدة غير التي كنا قد عرفناها من قبل من مصادر سفر ألف ليلة وليلة في الكتابات التي تناولته، وما تتميز به حكايات الليالي، كونها تظل قادرة على أن تضيف إلى ما اكتشفنا من قبل فيها من جديد، كما تظل مفتوحة على الكثير مما هو جديد في مضامينها وأحداثها وأشخاصها وجغرافياتها ومصادرها، ومثلما لا يتوقف من قرأها وأحبها وأعجب بها عن تكرار قراءتها، فإن الكتابة عنها هي الأخرى لا حدود لها، فكانت وما زالت في تواصل واستمرار، يأتيان بكثير مما هو جديد. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 08-01-2022 10:46 صباحا
الزوار: 468 التعليقات: 0
|