أمل عقرباوي مع رائحة الطين كان الأمس القريب يوماً من أيام الزمن الجميل، إذ عندما يجتمع الجمال تحت ظلال قامات طاولت الجمال جمالاً، ودنا القمر من قلوب المحلقين بألفة نادرة ليكون اللقاء ربداوياً مشبعاً بالمحبة والإبداع. أمسية رائعة جمعت رائحة الطين المضمخة بمشاعر الإنسانية بين طيات الكتاب البكر للكاتب المتألق محمد الياسين، وأماط اللثام عنها ففاح عطرها فارس الأمسية ومقدمها الشاعر نضال الرفاعي، الذي تفتحت أزرار الحروف على شفتية كالورود بين لفيف من الأدباء والشعراء والمثقفين والإعلاميين ومحبي الحرف الجميل والكلمة النابضة، لاسيما وأنه كان لقاء جميلاً امتزجت به رائحة الطين بأنفاس الحاضرين ونسيم الشمال، فكان العليل دواء لكل ذائقة تبحث عن الحب والحياة، بعد أن موسق المشاركون فيه رائحة الطين على أنغام الأرض، فتجلت أصابع العازف من نبرات صوت الفنان نزار العيسى الذي دوزن بالنبض أوتار الهواء بكلمات من أشعار الياسين، حيث الألحان المضمخة بالحب والجمال وسط إصغاء جميل من الحضور وتفاعل بمنتهي الرُقي. فارس النقد وسيد الإبداع الشاعر عبدالرحيم جداية حضر بألق من خلال قراءة نقدية أدبية، مبيناً فيها النموذج الأدبي المتبع في بناء النص النثري عند الكاتب، ثم قرأ قصيدة مهداة للكاتب زادت من بريق الأمسية بريقاً. وبعد ذلك قُدّمت قراءة إبداعية من الجميل الشفاف الرخيم الصوت الأنيق الصورة وصاحب الإحساس المرهف المتدفق بالأشياء الكاتب جروان المعاني. وما زاد من رائحة الطين القوية التي غاصت في أعماق الحاضرين، تمازج أنفاس عازف كلارينت وساكسفون المبدع الفنان هيثم اللحام، وهو يرسلها متراقصة مع صوت القراءات التي اختارها محمد الياسين لترحل بنا إلى مواطن الجمال والإبداع اللا متناهي، ليثبت أنّ الكلمة جموح لا يستطيع ترويضها إلا من كتب بصدق وعمق ووجدان، لتترأى لنا أن الأحلام الوردية ليست مستحيلة. كل هذا أظهر أنّ محمد الياسين في الكتابة صاحب حاله خاصة ومختلفة، إذ إنّه شديد التأثير، حيث يكتب الفكرة بأسلوب مشوّق وجميل ونقي، لأنّه المتقن اللعب بالكلمات. سر المشاركون والحضور بالسهرة الجميلة تحت دالية الحرف والعبارات، وفي الختام لم يغب كرم الضيافة عن هذه الفعالية، حيث افترشت الشرفة الخارجية بالقهوة العربية والحلويات والخبز التراثي (قرص العيد) ذي النكهة الخاصة، الذي صنع بيدي إحدى نشميات إربد. كلّ ذلك كان فرحاً مستحقاً يليق بالشاعر محمد الياسين وبهذه المودة مع موائد الشعر والإبداع. أمسية رائعة شعراً وعزفاً وغناء حتى اكتملت أركان التجلي بالحضور المميّز، فشكلت سيمفونية شجن وسعادة، كانت خليطاً من عسل الكلام وخمرة الشعر والنغم، وقد حملتنا إلى تجليات الروح ورائحة الطين العبق.