فلسطين - عرار-آمال عوّاد رضوان:ندوة أدبيّة أقامتها مؤسّسة محمود درويش للإبداع في قاعة المركز الثقافي- كفر ياسيف الجليل، تحت عنوان "سالم جبران أحد روّاد الحركة الأدبيّة الفلسطينيّة"، وذلك بتاريخ 25-2-2012،
بحضور عدد كبير من المثقفين والشعراء والأدباء ومن عائلة ومُحبّي ومريدي سالم جبران، وقد تولّى عرافة الندوة الممثّل القدير محمّد بكري، وافتتحَ الندوة بحوارٍ مصوّر أجراهُ مع الأديب سالم جبران، يدورُ حول طفولة سالم وأيّام النكبة! ثمّ جاء في كلمة بروفيسور فاروق مواسي "سالم جبران مفكرًا": على كثرة الدّراسات التي تناولت هذا الأديب أو ذاك في كتاباته شكلاً ومضمونًا، إلاّ أنّ من الندرة أن نجد دراسة لفكر أديب بيننا من حيث منطلقاته ورؤيته، أو على سبيل التجاوز فلسفته ونظريته،أو موقفه- والإنسان موقف. يُلقّب هذا شاعر المرأة، وذاك شاعر العروبة، هذا شاعر القضيّة الفلسطينيّة، وذاك شاعر الكنعانيّة، ونجد مسمّيات أخرى ككاتب الأرض وكاتب الوطن وأديب المقاومة...إلخ أما ما معنى ذلك باتّساع الشرح، وتعمّق الفكرة، باستقصاء المعنى، وبأن يوشك المدلول على أن يكون جامعًا مانعًا فهذا ما لا سبيل إليه. سأتناول في هذه الصّفحات فكر سالم جبران في مرحلة ما بعد انفصاله عن الحزب الشيوعيّ، ذلك لأن المرحلة الشيوعيّة النشطة كانت غير مستقلّة التعبير، فهو جزء من آلة، وعضو من جسم، حتى ولو كانت له آراؤه الخاصّة، فما دامت غير منشورة فهي لا تقع في هذه الدّراسة ضمن دائرة المساءلة. يشفع لي في دراسة سالم جبران المفكر القلق المنظر طول صحبة، سواء في مكان عمله في جبعات حبيبة القريبة من سكناي، أو في الزيارات المتبادلة، أو في المؤتمرات التي عقدتها منظمة التوجيه السّياسيّ الألمانيّ، حيث شاركنا في سبعة مؤتمرات- خمسة منها في ألمانيا، وواحد في جبعات حبيبة، وواحد في أريحا، وهي تضمّ أدباء فلسطينيّين وإسرائيليّين وألمانًا. ولا أنسى قراءتي له في المقالات التي نشرها في الصّحف والمجلات والمواقع، وهي كثيرة وفيرة في البلاد وخارجها. وقد أصدر مجلّة الثقافة التي شرّفني بأن أكون عضوًا في هيئة تحريرها، كما أصدر مجلة المستقبل. ومَن يبحث عن دلالة الأسماء على طريقة جينيت في بيان وظائف العنوان التعيينيّة والوصفيّة والإيحائيّة، يستطيع أن يطمئنّ إلى أنّ عنصرَ الثقافة كان مُوجّهًا في حسابه نحو مستقبل هذا الشعب- أو الأهالي، (سمّى صحيفة رأس تحريرها هذا الاسم)- الأهالي الّذين يُؤرقه حالهم، ويبحث لهم عن كلمة مقرونة بالفعل. يرى سالم أن ليس هناك فصل أو عزل بين الثقافة والمجتمع، بين الإبداع الرّوحيّ والنّضال الاجتماعيّ، فالإبداع هو وليد طبيعيّ للمجتمع، ومن أجل مستقبله يُساهم في التغيير. (المستقبل، عدد نيسان 2005، ص 4)، وفي السّطرين اللّذيْن سطرَهما على غلاف هذا العدد الأوّل من المستقبل ما يؤكّد ذلك: "نحو المستقبل- منبر للثقافة والنقد، منبر للحوار والصراع والتغيير". في العدد الأوّل من مجلة الثقافة التي حرّرها سالم (كانون الأول 1992) يُقدّم "بطاقة هُويّة" تعريفيّة لطموحات المجلة، فيبدأ بمقولة شبلي الشّميل: "إنّ مجتمعنا العربيّ الرّاكد الخامل بحاجة إلى هزّة ورجة". لا أظنّ أنّ سالم لم يكن وراء النصّ الغائب، ووراء النصّ المُنبثق من قرارته وقراراته، فهو يرى أنّ من واجبه أن يُحرّكَ ويتحرّكَ في هذا العالم، الذي يموجُ بالمتغيّرات السّياسيّة والثقافيّة والفكريّة والاجتماعيّة. ويسوق لنا في مكان آخر مقولة الشاعر إبراهيم نصرالله: إنّ "المثقف ينسجُ حلمًا ويقترحه على شعبه" - (الثقافة - العدد الثاني كانون الثاني،1993، ص 4)، ففي رأي سالم أن هذه الرّؤية التي يتبنّاها هي ماركسيّة حقيقيّة، ويستشهد بقول غرامشي الإيطاليّ: "إن الشّكّ فقط يوصل لليقين، ويجب عدم الخلود لليقين لحظة واحدة، فكما أنّ المادّة في حركة دائمة هكذا أيضًا هي المعرفة الإنسانيّة. الطموح إلى التجديد، والصّراع في سبيل التجديد هو روح الثورة". وقد طالعنا في افتتاحية العدد الأوّل من مجلة المستقبل (نيسان 1995)، أنّه يريد أن يجعل من المجلة ساحة نقاشاتٍ وصراعات حقيقيّة بين الأدباء في إطار من احترام التعددية، وانتهاج الصّراع كشفًا للحقيقة، فغياب الصّراع هو الموت الثقافيّ، وحيويّة الصّراع هي تجدّد الحياة والثقافة. إذن؛ فمِن أجل تحقيق التغيير يرى أن نوليَ الصّراعَ أهميّةً بالغة، حتى نترجم الحقيقة إلى بناء، إلى جدوى.