د. حمدى بشير محمد على > كاتب المقال: عضو المكتب الفنى لوزير التجارة والصناعـة لا شك أن رياح التغيير، التي إجتاحت العالم العربي من غربه إلي شرقه ومن شماله إلي جنوبه، قد حملت في أدراجها تغييرات سياسية عميقة في النظم السياسية العربية في توقيت متزامن، سواء كانت تغييرات في النظم أو في سياسات النظم الحاكمة، وعلي الأقل أصبحت الحكومات العربية أكثر إنتباهاً إلي حل المشكلات الاجتماعية والاستجابة لمطالب الشعوب علي الصعيد الوطني. وفي الوقت ذاته لا تزال الشعوب العربية وخاصة في الدول التي تمر بأزمات سياسية مثل فلسطين وسوريا تتطلع إلي تغيير أعم وأشمل في النظام العربي يتجسد في جامعة الدول العربية باتخاذ قرارات تتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية، وتتناسب مع ما وصلت إليه الشعوب العربية من نضج سياسي بعد نجاحها في تغيير أكبر أربعة نظم عاتية كانت جاثمة علي صدورهم لعقود. فعلي الرغم من الانجازات السياسية التي حققتها بعض الدول العربية في الإصلاح السياسي، إلا أنها لا تزال تمر بمرحلة إعادة البناء السياسي والاقتصادي، في حين أن بعضها لازال رهناً بالحروب الأهلية والمشكلات السياسية المتفاقمة، خاصة في ظل احتمالات تفتيت بعض الكيانات العربية إلي دويلات منفصلة علي النحو الذي حدث في السودان الذي انقسم إلي دولتين بظهور دولة جنوب السودان، ليصبح الوطن العربي 23 دولة عربية، بل احتمال تقسيم العراق ودول عربية أخري. وبلا شك أضافت هذه الظروف الجديدة تحديات أخري أمام المحافظة علي تماسك بنيان النظام العربي، الذي يتفتت يوماً بعد يوم، تجد فيه إسرائيل فرصة سانحة لفرض سيطرتها علي المسجد الأقصي والتوسع في بناء المستوطنات مستغلة إنشغال العالم العربي بأزماته السياسية، ويمكن أن نزعم أن التطورات الجارية في الاراضي الفلسطينية هي محصلة للتطورات السياسية الجارية في العالم العربي ككل، بل أعتقد أنها المرآة العاكسة لحال النظام العربي، فكلما تردت الأوضاع السياسية العربية وتأزمت العلاقات العربية البينية، وانشقت المواقف العربية بسبب المصالح المتصارعة، زادت إسرائيل من شن هجماتها الوحشية للتوسع وتحقيق أطماعها الاستعمارية، بل شن الهجمات العسكرية علي الدول العربية المجاورة، وآخرها الغارة الإسرائيلية علي سوريا. إن ثمة تحديا هاما وجادا يواجه جامعة الدول العربية في الوقت الحالي، وهو أن هناك تحولا نوعيا في ظاهرة الإرهاب، التي تتعدد قنواته وروافده، في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة والمتغيرة، لا سيما الثورة الهائلة في الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي ربطت أجزاء العالم من أقصاه إلي أدناه، وتداعياتها السلبية علي الرأي العام باستغلال الجماعات المتطرفة لهذه الوسائل في تأجيج مشاعر الاستقطاب السياسي وإثارة النزعات الداخلية وحركات التمرد.. .. .. .الخ. وحاصل القول، إن التحديات الصعبة التي تواجه الجامعة العربية اليوم لاسبيل لمواجهتها إلي بتحقييق المصالحة العربية، وتنقية الأجواء العربية من الخلافات البينية وتحقيق التضامن العربي، فالعالم العربي بحاجة إلي احتواء صراعاته الداخلية، وليس المزيد من الخلافات والتفرقة التي تؤدي مع مرور الوقت إلي تفتيت بنيانه، وبدون ذلك تصبح توصيات أو قرارات جامعة الدول العربية هي حبر علي ورق، ولن تجد الآذان الصاغية والعقول المنتبهة إلي المخاطر السياسية والأمنية التي تحيط بها. وسوف تكون معظم قراراتها قرارات سياسية، ولن تتعامل مع الأزمات السياسية بمنطق يساير العصر، والتفاعل مع المعطيات السياسية الجديدة ومع ما توصلت إليه الشعوب العربية من حالة من النضج السياسي، وتنتبه إلي »تغريدات « الشعوب العربية التي ملت التصريحات والخطب الرنانة.