كان إحساسها في الحب غضا، وكانت طرية ندية، حُسنها يبدو موغلا في أحشاء عمره الموحش. لم تكن تبحث سوى عن طوق نم الأنس ليجدد حياتها الباهتة..
ومع ذلك لم تدر إلى أين يتجه المصير، هي تشعر بدفء المشاعر ينحدر صوبها، لم تتضح لها الرؤية بعد، كيف تتبدد الغيوم وتتلاشى بقايا الأوجاع؟ فعند عودتها تظل مُطرقة التفكير في نظراته، إيماءاته، حركاته أنامله، محيط الحياة بمجملها يتحدث بإطراء من الجميع بمشاعر الغموض التي عُرفت بالحب .. ذلك الحب الذي لم يُمنح سوى لمن آمن بالحياة وقدسيتها، واجتاز أبلغ الصعاب ليصل بديمومة الحياة إلى مصاف أرحب في الحرية والأمل .
لكنها آمنت بحبها له رغم قصر المدة، وأضحت تفكر في كل الأشياء في محيطها، وهنالك كان لا بد لها من أن تفصح عن حبها له، لكن ظلت مترددة تتساءل : كيف ؟ بالمقابل لم يتسن له إظهار تلك المشاعر بجلاء كي تقف أمام خطوات في ترتيب الحياة. واستمرت تحلم بأجمل ما حوت العقول من كلمات الغزل ،
تود لو تمتلكها كي تنثرها في طريقه وطريقها المحفوفة بأشواك شائكة المعالم. كانا معا يتوسدان الأمل في بارقة الغد عله يأتي أكثر إشراقا. كي يمحو ضبابية العمر المتوجس خشية الحاضر، هنالك كان إصرارها أن تتجه وفق معالم من فضاءات الإبداع وتذهب بلادا لا تعرف سوى الحب على غرار أغنية ( عبدالباسط): ( أشتي أسافر بلاد ما تعرف إلا الحب ) تلك كانت أمنيتها أن تصافح الزمن، وتدنو من سنواته قليلا،
وتهجو بعضا من معضلات الأيام وتطمرها في سياق ما يسمى بالنسيان. واستمرت حيرتها تتكرر وصعُب عليها فهم مشاعرها نحوه، وتمتمت بكلمات هي الأقدر على فهمها: قد يكون القادم أملا يبدد جور الأيام التي خلت، وقد يكون ممزوجا بلوعة الهيام والفراق معا، وقد يكون إغاثة من لهفة الفرقة والبين.. وقد يكون أشياء أخرى. كل تلك الأسئلة طرحتها مخيلتها وعجزت عن الإتيان بالإجابة .. فهو برأيها لم يبد أي وسائط توحي بقرب اللقاء فقط ، تركا قلبيهما ينثران أريج المحبة بديلا عن الكلمات.
رغم أن الكلمات أثبتت وقع صداها تلك النظرات الخارجة من رحم الإحساس المعبأ بالثقة والود. فنظراته وإيماءاته كانت أكثر وقعا على جذب طيف جميل يُعبد الطرقات ويكبح الجور في مساحات من فراغ أيامها الخالية. فقط . ظل يستوقف أفكاره عنها ، خواطرها الغاية في الروعة .. فلم تكن شاعرة على نسق (نازك الملائكة).
لم تكن سوى نسمة مملوءة بالعطف والجمال المتواري خلف سياج أسود ممهور بلون الحياة والعفة.. عندما كان يقصد الحديث إليها كان يفرط في الكلام احيانا يعود إلى متكئه يسترجع بعضا من مقتطفات الحديث الذي لم يكتمل أركانه بعد. ومع ذلك الطيف الجميل في ضحى ذلك الحب المملوء بالصدق والمعمق بالوفاء ، وكان لها في الأخير أن تقول : الغوص في عيون الناس ليس صعبا، فهناك أشياء تخفيها تلك العيون التي تنظر للآفاق بسعة من ترتيب الغد المتفائل . وعندما اجتمعا معا كانت الكلمات تمتزج بالواقع ،
وهنالك كانت تقول للحب : لا تلعب بمشاعري ، فالشعور الذي يختزل داخل القلب ليس من السهل إظهاره أو العبث بملامحه الحرى الكامنة في ينبوع ما تبقى من شدو الأيام التي سوف تأتي تباعا. كرر المطلب للحياة مرارا : كفى وجعا فالقلوب المحبة لا تقوى على هذا النوع من المزاج.