#الرحمة : 

من خلال ما لاحظته اليوم من تعاملات المجتمعات و تغيّر الطباع و التخلّي عن الآداب العامّة و تفشّي الغلظة و الشدّة و القسوة و العنف و النفاق و الكذب و الأنانية و التكبّر و... و التعدّي على الحقوق و التغاضي عن الواجبات التي علّمنا إيّاها معلّمنا و رسولنا - صلَّ الله عليه وسلَّم – من خلال وحي الإله والتي تملي علينا قواعد الأخلاق والآداب السليمة في حياة الفرد و علاقته بالمجتمع و بسببها نُعِتنا بالأمّة الوسط و فُضِّلنا على غيرنا بالأخلاق و التراحم في ما بيننا لكن ... أين نحن من هذا اليوم؟ ! في هذا العالم الذي يحكمه قانون الغاب و لا قاعدة فيه غير " أنا ومن بعدي الطّوفان "

فقط عندما يتخلّى الأغلبيّة عن اللامبالاة و حب الذّات وعدم الاكتراث و يهتمونّ بالغير و يراعونهم عند احتياجهم ستولد عاطفة الرحمة و نتغلّب على الأنانية والماديّة التي غزت العالم من حولنا .... العالم الذي خَفَتَ فيه إشعاع نور الهداية في أرواح البشريّة إذن نحن اليوم في أمسِّ الحاجة لنشر الرحمة بين خلقه عزّ و جل ...الرحمان الرحيم و نحتذي حذو رسوله الكريم سيد الخلق سيدنا محمد صلّ الله عليه و على آله و صحبه أجمعين 

 قال الله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم:1 2 ]

 قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾ [البلد : 17، 18]

 وفي صحيح مسلم أيضا عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ فِى الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلاَئِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ».

و نأخذ العبر كذلك ممّن ينيرون عقولنا من الفلاسفة والحكماء السابقين الذين ينيرون بحكمتهم دروب البشريّة مهما اختلفنا معهم (في العقيدة أو العرق أو الجنس )

و في هذا السياق يقول الأديب والمفكر جبران خليل جبران: «أنت أخي وأنا أحبّك.. أحبّك ساجدًا في جامعك، وراكعًا في هيكلك، ومصلّيًا في كنيستك، فأنت وأنا أبناء دين واحد هو الروح، وزعماء فروع هذا الدين أصابع ملتقية في يد الإلوهية المشيرة إلى كمال النفس».

أيّها الإنسان الرحمة رقّة و رأفة و عطف و رفق ... تتلخّص جميع المعاني في هذه العاطفة التي تجعل فرح الناس فرحنا و حزنهم حزننا بل و أكثر من ذلك لتصل إلى الإحساس بوجع الحيوان فهو الآخر كائن حي لا تدرك كنه ألمه فالحياة لا تتعلق بذاتنا فقط فهناك آخر يقاسمنا الوجود علينا أن نتفهّم أحواله وأفكاره وآماله وتطلّعاته فما أجمل أن نعيش في الحياة نحبّ بعضنا و نتراحم ... ربّما أبالغ عندما أقول إن من يملك شعور الرحمة قد تفيض عواطفه حتّى على الشجر و النبات و الطبيعة بعناصرها ولكن هذا ما علّمنا ايّاه ديننا السَّمح.... أخوتي سنواجه جميعنا محنًا و صعوبات و يجب أن نعالجها بحكمة تجعل لوجودنا قيمة و تخفّف من وطأتها فتستمرّ بنا الحياة نحو الأفضل و نكون أسعد كي نستطيع أن نساعد غيرنا لتعرف السعادة طريقهم فالإنسان الحقيقي الذي يحمل في داخله جوهر الطبيعة البشريّة و يستطيع استغلال نعمة الله التي وهبنا إياها ألا و هي إنسانيتنا التي توحي إلينا بالرّحمة تجاه غيرنا بشكل صحيح و مهما اختلفت ألوانهم و أصولهم و عقائدهم و مذاهبهم.

يا بني جلدتنا العالم مليء بالقسوة والوحشيّة لذلك علينا أن نكون أكثر إنسانية و نزرع بذور الرّحمة فنجني منها الثمار الطيّب اليانع و يا حبّذا لو يغيّر البعض مواقفهم الأنانيّة بمواقف أكثر إنسانية حينها فقط سيزدهر عالمنا بقيم الدّين الصحيحة فجميعنا إخوة في الله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نتعاون ونشد أزر بعض و كيف لا و نحن أبناء آدم و حواء .

(رتيبة سليم/تونس)