|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
الكاتب الروائي سليم عوض عيشان " يعمر بيت الحكومة"
مقدمة : عيشان الكاتب الروائي " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الأول ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) مقدمة : أعتقد بأنه قد حق لنا بأن نستريح قليلاً .. وأن نريح أعصابنا بعض الشيء ، وأن يكون لنا " استراحة محارب " .. عفوًا .. أقصد " استراحة كاتب " قصيرة بعد تلك النصوص الأدبية الدسمة .. ذوات الوزن الثقيل ، وذوات التكثيف العالي .. والتي شدت الأعصاب بشكل مكثف .. وذلك بأن أقدم لكم اليوم نصاً أدبياً خفيفاً .. ولعله سوف يكون من وزن" الريشة " ..- كخفة ظل بطل النص .. وليس كوزنه بالطبع - . النص هذا ، هو من النوع المضحك ، الكوميدي ، وما يطلق عليه " الفانتازيا " . ولكن .. حذارِ .. فالنص ليس بريئاً بما فيه الكفاية ؟؟!! ( الكاتب ) --------------- تنويه وتوضيح لا بد منه : هذا النص هو من أعمال " الفانتازيا " فحسب . ولا يقصد به الكاتب أي بُعدٍ سياسي . ولا يقصد به أيّ حكومة .. خاصة العربية منها !!! اللهم إلا إذا رأى القارئ غير ذلك ..؟؟!! ( الكاتب ) -------------- اعتذار سوف أعتذر للجميع سلفًا .. وذلك لطول النص .. حيث عاب عليّ البعض .. بأن نصوصي طويلة ؟؟!! ... ووجب الاعتذار أيضا لمن سبق لهم المرور على نصي عند نشره سابقا .. ------------------ (( يعمر بيت الحكومة ؟؟!! )) قال محدثي النابلسي العجوز وهو يبتسم ابتسامة عريضة ؛ وقد فتح فاهاً خلا من جميع محتوياته من الأسنان : - اسمع يا ولدي .. أمران من لا يعرفهما .. لا يعرف نابلس .. تشوقت للحديث مع العجوز أكثر .. انبريت هاتفاً وبي شوق عظيم للمعرفة : - ما هما بالله عليك يا سيدي ؟؟؟ ابتسامته أصبحت بمساحة أكبر ... هتف جذلاً: - أول الأمرين .." الكنافة النابلسية " .. اندفعت مستبشراً بالمعرفة مردداً : - ومن في الوطن لا يعرف الكنافة النابلسية ؟؟!! .. أنا أعرفها جيداً .. وأعرف معظم محلاتها الشهيرة والمنتشرة في أرجاء المدينة العريقة .. - إذن .. فأنت بذلك تعرف نصف نابلس فقط .. - وما هو النصف الثاني بالله عليك ؟؟؟ - " أحمد سقف الحيط " ! - ماذا ؟؟!! .. إنني لا أعرفه .. لم أسمع بهذا الاسم من قبل ؟؟ - إذن فأنت لا تعرف النصف الآخر لنابلس . - وما هي حكاية " أحمد سقف الحيط " هذا ؟؟! - اسمع يا ولدي .. " أحمد سقف الحيط " هذا هو رجل كان يعمل " أجيراً " في أحد محلات بيع الحلويات وخاصة الكنافة النابلسية الشهيرة في المدينة الكبيرة ... القوم كانوا يتهافتون على الشراء من ذلك المحل بشكل غريب .. السر لا يكمن في طعم ومذاق الكنافة النابلسية الرائع فحسب .. بل بوجود " أحمد سقف الحيط " نفسه على رأس العمل في المحل .. لم يكن الرجل يختلف عن باقي البشر في شيء .. سوى روح الدعابة الغريبة التي استولت على الرجل .. فكان يلقي عبارات الترحيب المحببة .. والحديث العذب ... والنكات المختلفة على مسامع رواد المحل فيصيبهم الحبور والسرور أثناء تناولهم الوجبة اللذيذة .. أو خلال قيامه بلف ما اشتروه بشكل غريب ملفت للنظر وبطريقة بهلوانية رائعة . لم يكن هذا كل ما يميز " أحمد سقف الحيط " عن باقي البشر فحسب .. بل هناك أمر آخر ظريف .. ولكنه ظرف من النوع الثقيل .. فلقد كان الرجل فعلاً من الوزن الثقيل .. لذا أطلق عليه البعض لقب " الريشة " على سبيل الدعابة والتفكه !! .. فالرجل كان ضخم الجثة بشكل ملفت للنظر .. يقارب وزنه الثلاثمائة كيلو ؟؟!! .. لا يستطيع التحرك أو الانتقال من مكانه إلا بصعوبة بالغة .. ولكنه رغم ذلك كان يتمتع بخفة الظل وروح الدعابة الدائمة والمرح المستمر .. في شتى الظروف والأوقات .. كان الرجل – والحال كذلك – يعتبر مَعلماً هاماً من معالم المدينة الكبيرة العريقة .. مزاراً للسياح القادمين من الخارج أو من الداخل .. فلا بد لزائر المدينة من زيارة محل " أحمد سقف الحيط " .. وإلا اعتبرت زيارته للمدينة منقوصة بشكل كبير ؟؟!! .. فهو حديث المجالس في المدينة والمدن الأخرى .. والقرى المجاورة والبعيدة أيضاً .. فأصبح اسمه على كل لسان . ذات يوم .. كان طفل يبلغ حوالي العاشرة من العمر .. يقود دراجة هوائية في أحد الأزقة الجانبية من المدينة .. لم يلبث أن ألقى القبض عليه أحد رجال شرطة المرور .. لأن الطفل كان يقود الدراجة الهوائية في مكان غير مسموح فيه بسير الدراجات الهوائية .. سأله الشرطي عن اسمه وعنوانه لكي يحرر له مخالفة سير .. بدون تردد أو خوف أو وجل .. قال له الطفل : اسمي " أحمد سقف الحيط " .. تركه الشرطي على أن يحرر له المخالفة فيما بعد ويرسلها له على العنوان الذي أعطاه له الطفل .. ولم يتنبه الشرطي للأمر.. إذ يبدو بأنه ليس من سكان المدينة أو القرى القريبة منها .. ولم يسمع باسم " أحمد سقف الحيط " قبل ذلك . بعد عدة أيام كان موزع البريد .. يصل إلى المحل الذي يعمل به " أحمد سقف الحيط " ليسلمه إشعار المخالفة .. ولما وصل ناحية " أحمد سقف الحيط " بادره قائلاً :- - تفضل يا " أحمد سقف الحيط " .. هذا إشعار من الحكومة .. بادره " أحمد سقف الحيط " بعبارته الفكهة المعهودة .. وروح الدعابة التي يتمتع بها : - " يعمر بيت الحكومة سيدي .. الحمد لله إللي الحكومة فاكراني .. شو.. بدهم يعطوني مساعدة ؟؟ .. يعمر بيت الحكومة ". حاول ساعي البريد بكل جهده أن يفهمه بأن الأمر ليس كذلك .. وأن هذه الورقة هي بمثابة مخالفة وليست مساعدة ... ولكن " أحمد سقف الحيط " رفض أن يفهم ذلك .. وأصر على فهمه الخاص بأن الحكومة قد أرسلت له هذه الورقة على سبيل المساعدة ؟؟!! .. ثم غادره الساعي بعد أن بذل كل المساعي لإفهامه الحقيقة دون جدوى . في اليوم الموعود .. كان " أحمد سقف الحيط " يتوجه إلى قاعة المحكمة .. بعد أن سأل بعض المحلات المجاورة .. وبعض السابلة عن موقعها .. دخل قاعة المحكمة من بابها الضخم الواسع .. محدثاً جلبة وضوضاء .. وقد اعتقد بأن جميع الجالسين في القاعة قد حضروا من أجل استقباله ؟؟!! .. فاندفع نحو هذا يصافحه .. ونحو ذاك يقبله .. ونحو ثالث يحتضنه : - سلاموا عليكم ... أهلاً سيدي .. أهلاً حبيبي ... كيفك أخي .. تنبه كبير القضاة لمصدر الجلبة والضوضاء .. فأمسك بـ " الشاكوش " الخشبي المعهود وانهال به طرقاً على المنضدة .. صارخاً بحدة : - - سكوت .. سكوت .. سكوت .. لم يأبه " أحمد سقف الحيط " بصراخ القاضي وحدته .. ولا بطرقاته الخشبية المدوية المجلجلة المتتابعة .. بل يبدو بأنه قد تنبه إلى موقع الرجل المهم !! .. فاندفع نحوه كالقاطرة يريد أن يحتضنه .. يقبله .. يصافحه .. فلما تنبه بعض الحراس للأمر .. اندفعوا ناحية " أحمد سقف الحيط " واعترضت طريقه ثلة منهم .. حاولوا إيقاف القاطرة البشرية بكل قواهم وكل جهدهم .. ولكن يبدو أن الرجل قد أصر على ما نوى .. فراح يزيح الحراس العديدين من طريقه .. بكل بساطة .. وكأنه العملاق " جلفر " في بلاد الأقزام .. ولم يلبث أن انضم إلى المدافعين مجموعة جديدة من الفراشين والبوابين والأذنة .. وحاول الجميع إيقاف القاطرة البشرية .. فاستخدم أحدهم مقعداً .. واستخدم آخر منضدة .. محاولين إيقاف زحف القاطرة واندفاعها ناحية منصة القضاة .. بينما غطت أرجاء القاعة ضحكات الحضور وقهقهاتهم للمشهد الغريب .. وسيادة كبير القضاة مازال يستعمل صرخاته المتتالية و" مدقته " الخشبية بقوة وعنف وعصبية .. فضاع صوته .. وصوت " مدقته " بين الأصوات المدوية .. بالكاد .. تمكن فريق الإنقاذ من إيقاف تقدم القاطرة البشرية واندفاعها .. وقد تملكهم التعب .. وسال منهم العرق غزيراً ... وما كاد الهدوء يخيم بعض الشيء على المكان .. حتى ارتفع صوت الرجل مجلجلاً في جنبات القاعة :- - سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. وين المساعدة سيدي؟؟ أنا حضرت سيدي علشان استلم المساعدة .. المعونة .. عادت " المدقة " الخشبية للعمل .. وعاد صوت كبير القضاة للصراخ .. - اسكت .. اسكت .. اجلس .. - حاضر سيدي ... حاضر ... " يعمر بيت الحكومة " . " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الثاني – الأخير - ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ .... حاول الرجل أن ينفذ الأمر .. وإطاعة القاضي .. فسكت .. ولما أراد أن يكمل تنفيذ بقية الأمر .. نظر إلى المقاعد .. فوجدها صغيرة لا يتسع أيٍ منها لجلوسه بأي حال من الأحوال ... فلما تتابعت الأوامر بالجلوس له من سيادة القاضي .. لم يجد بداّ من الجلوس .. على الأرض ؟؟!! فما كان منه إلا أن أزاح الحراس .. وباقي الرجال المدافعين من حوله .. ليفسح لنفسه مكاناً للجلوس ؟؟!! .. فأزاح هذا .. وأبعد ذاك .. ثم أخذ في تنفيذ المهمة الصعبة بين همهمات وهمسات وضحكات الجمهور .. نزل إلى الأرض على إحدى ركبتيه بتمهل وروية وجهد عظيم .. لم يلبث أن أتبعها بالأخرى بصعوبة .. فلما تم له ما أراد .. بدأ بالنزول على مؤخرته رويداً رويداً .. حتى تم له أخيراً التمكن من الجلوس على مؤخرته التي التصقت بركبتيه وفخذيه .. بعد أن هدأت الأمور بعض الشيء .. وبعد أن صمت الحضور إلا من همسات وابتسامات .. وبعد أن تمالك كبير القضاة أعصابه .. وبعد أن تمالك بقية القضاة أنفسهم .. وكتموا ضحكاتهم .. راح القضاة يكملون ما تبقى من القضية المنظورة أمام حضراتهم .. فلما تم لهم ما أرادوا .. تنفسوا الصعداء قليلاً .. وفجأة كان صوت القاضي ومطرقته الخشبية يدويان في القاعة : - القضية التالية ... " أحمد سقف الحيط " .. ما كاد الرجل يستمع إلى القاضي وهو ينطق باسمه حتى دوى صوته مجلجلاً كالرعد : - نعم سيدي .. أنا موجود .. أجيت آخذ المساعدة .. شكراً إلك سيدي .. يعمر بيت الحكومة . صرخ القاضي بحدة : - أسكت يا رجل ... من أنت ؟؟ - " أحمد سقف الحيط " .. " أحمد سقف الحيط " .. سيدي .. - إذن .. يجب أن تقف احتراماً لهيبة المحكمة والقضاة .. قف .. وبدأت رحلة المعاناة والعذاب من جديد .. فها هو القاضي يأمره بالوقوف بعد أن أمره بالجلوس .. تمايل جسد الرجل بتؤدة يميناً .. ثم شمالاً .. . إلى الأمام .. ثم إلى الخلف .. بالكاد .. استطاع أن يرفع مؤخرته عن فخذيه وركبتيه .. ثم أخذ في الاستعداد لإكمال بقية المهمة الشاقة للوقوف .. وبعد محاولات ومحاولات .. وبين ضحكات وهمهمات الجمهور من الحاضرين .. استطاع الوقوف بعد أن هبت مجموعة الحراس والرجال الآخرين لمساعدته في تنفيذ المهمة .. وقد هده وهدهم التعب والإرهاق .. هتف لاهثاً : - وقفت سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. راح ممثل الإدعاء يسرد لائحة الدعوى بالمخالفة الموجهة إلى " أحمد سقف الحيط " .. واستغرق في الإسهاب والتفاصيل .. فأصيب " أحمد سقف الحيط " بالغثيان وبنوبة تثاؤب ونعاس .. فتمايل الجسد .. وكان أن يقع على الأرض .. لولا مسارعة رجال الحرس والآخرين لإسناد الكتلة اللحمية الضخمة ومنعها من السقوط .. وبعد أن تثاءب الرجل بما فيه الكفاية .. هتف بصوت شبه نائم .. - سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. أعطيني المساعدة .. خليني أمشي سيدي ؟؟!! راح ممثل الإدعاء يستأنف سرد بقية ملف القضية .. بينما الرجل ينظر حوله في كل الاتجاهات وكأنه لا يعي ولا يفهم ماذا يقول ممثل الإدعاء هذا .. فلما تبين لهيئة القضاة حقيقة الأمر .. تطوع أحدهم بتوضيح الأمر للرجل .. فراح يخاطبه بلهجة بعيدة كل البعد عن لهجة ولغة الإدعاء والقضاء والقوانين .. وراح يفهمه حقيقة الأمر .. ووضح له بأنه قد ارتكب مخالفة سير .. وذلك عندما قاد " البسكليت " في شارع يحظر فيه سير الدراجات الهوائية . فجأة كان " أحمد سقف الحيط " يرفع عقيرته بالتساؤل بتعجب واستغراب : - شو هذا " فسقليت " سيدي ؟؟!! - " بسكليت " .. بسكليت .. يا سيد " أحمد سقف الحيط " . - ما بعرف شو " فسقليت " سيدي .. تطوع القاضي باستئناف الشرح وإكمال المهمة .. فتناول لوحة كبيرة على مسند خشبي .. وأمسك بقلم ذو خط عريض .. وراح يرسم " الدراجة الهوائية " برسم توضيحي مبسط ، ثم أردف: - هذا هو " البسكليت " يا سيد " أحمد سقف الحيط " .. - يعني شو سيدي ؟؟!! .. شوية أسلاك .. وصاج رقيق .. وعجل كاوشوك رفيع.. هذا هو الـ " فسقليت " ؟؟!! - أيوه يا سيد " أحمد سقف الحيط " .. - اسمع سيدي .. والله عشرة " فسقليت " من هذا اللي بتقول عنه ما بيحملوني ؟؟!! تنبه المدعي العام والقضاة .. وكبير القضاة للحقيقة التي غابت عن الجميع .. فحقاً بأن الرجل ثقيل الوزن بشكل كبير ومن المستحيل أن يقود دراجة هوائية .. ولن تتحمل ثقله أية دراجة حتى البخارية منها .. فكيف غابت عنهم هذه الحقيقة ؟؟؟!!! تداول القضاة الأمر فيما بينهم بالهمس.. ولأول مرة تظهر الابتسامة على وجه كبير القضاة .. وهو يطرق بمطرقته الخشبية بطرقات أقل حدة .. يتبعها بابتسامة عريضة .. هاتفاً : - " أحمد سقف الحيط " .. براءة .. - يعني شو سيدي ؟؟!! - يعني براءة .. " أحمد سقف الحيط " .. يعني ما فيه مخالفة ؟؟.. - شو .. يعني ما فيه مساعدة سيدي ؟؟!! .. يعمر بيت الحكومة .. - براءة .. وهيا .. اذهب إلى بيتك يا سيد " أحمد سقف الحيط " . - مستحيل سيدي .. كل هذا .. أقعد .. أوقف .. تعال .. روح .. وفي الآخر ما فيه مساعدة ؟؟ .. بدي المساعدة سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. صرخ القاضي بشيء من الحدة : - لا توجد مساعدة .. هيا .. انصرف .. - شو انصرف هاي سيدي .. بدي المساعدة .. ما بتحرك من هون إلا ومعي المساعدة .. يعمر بيت الحكومة .. - انصرف .. هيا .. هدر كبير القضاة بالأمر .. وأشار للحراس والفراشين والأذنة بضرورة إخراج الرجل من القاعة بالقوة .. فاندفع الجميع نحوه .. أحاطوا به .. وحاولوا زحزته من المكان .. فتشبث الرجل بالموقف وبالأرض .. فانضمت إليهم مجموعة أخرى .. ثم أخرى والجميع يحاولون إخراج " أحمد سقف الحيط " من القاعة بالقوة .. والرجل يقاومهم بلا هوادة .. بينما الضحكات المجلجلة من جمهور الحاضرين تغطي أرجاء القاعة .. خطوة خطوة .. شيئاً فشيئاً .. استطاع الرجال زحزحة " أحمد سقف الحيط " عن مكانه .. وبدأت القاطرة البشرية في التحرك إلى الخارج ببطء شديد بجهود مضنية لمجموعات كبيرة من الرجال .. الذين أصابهم الجهد والتعب والإرهاق .. وانساب العرق من أجسامهم غزيراً .. فلما تمكن الجميع من الوصول بالرجل إلى باب القاعة الضخم .. تشبث " أحمد سقف الحيط " بزواياه الجانبية بكل قوته .. فعملوا جاهدين على إتمام المهمة العويصة دون جدوى .. وقبل أن يفلت الرجل يديه من جوانب الباب الضخم .. كان يطل برأسه داخل قاعة المحكمة .. ويوجه بصره ناحية كبير القضاة .. ويصرخ بصوت جهوري مدوٍ تردد صداه في أرجاء القاعة : - سيدي ... " يخرب بيت الحكومة " ؟؟؟؟!!!! " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الأول ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ مقدمة : أعتقد بأنه قد حق لنا بأن نستريح قليلاً .. وأن نريح أعصابنا بعض الشيء ، وأن يكون لنا " استراحة محارب " .. عفوًا .. أقصد " استراحة كاتب " قصيرة بعد تلك النصوص الأدبية الدسمة .. ذوات الوزن الثقيل ، وذوات التكثيف العالي .. والتي شدت الأعصاب بشكل مكثف .. وذلك بأن أقدم لكم اليوم نصاً أدبياً خفيفاً .. ولعله سوف يكون من وزن" الريشة " ..- كخفة ظل بطل النص .. وليس كوزنه بالطبع - . النص هذا ، هو من النوع المضحك ، الكوميدي ، وما يطلق عليه " الفانتازيا " . ولكن .. حذارِ .. فالنص ليس بريئاً بما فيه الكفاية ؟؟!! ( الكاتب ) --------------- تنويه وتوضيح لا بد منه : هذا النص هو من أعمال " الفانتازيا " فحسب . ولا يقصد به الكاتب أي بُعدٍ سياسي . ولا يقصد به أيّ حكومة .. خاصة العربية منها !!! اللهم إلا إذا رأى القارئ غير ذلك ..؟؟!! ( الكاتب ) -------------- اعتذار سوف أعتذر للجميع سلفًا .. وذلك لطول النص .. حيث عاب عليّ البعض .. بأن نصوصي طويلة ؟؟!! ... ووجب الاعتذار أيضا لمن سبق لهم المرور على نصي عند نشره سابقا .. ------------------ (( يعمر بيت الحكومة ؟؟!! )) قال محدثي النابلسي العجوز وهو يبتسم ابتسامة عريضة ؛ وقد فتح فاهاً خلا من جميع محتوياته من الأسنان : - اسمع يا ولدي .. أمران من لا يعرفهما .. لا يعرف نابلس .. تشوقت للحديث مع العجوز أكثر .. انبريت هاتفاً وبي شوق عظيم للمعرفة : - ما هما بالله عليك يا سيدي ؟؟؟ ابتسامته أصبحت بمساحة أكبر ... هتف جذلاً: - أول الأمرين .." الكنافة النابلسية " .. اندفعت مستبشراً بالمعرفة مردداً : - ومن في الوطن لا يعرف الكنافة النابلسية ؟؟!! .. أنا أعرفها جيداً .. وأعرف معظم محلاتها الشهيرة والمنتشرة في أرجاء المدينة العريقة .. - إذن .. فأنت بذلك تعرف نصف نابلس فقط .. - وما هو النصف الثاني بالله عليك ؟؟؟ - " أحمد سقف الحيط " ! - ماذا ؟؟!! .. إنني لا أعرفه .. لم أسمع بهذا الاسم من قبل ؟؟ - إذن فأنت لا تعرف النصف الآخر لنابلس . - وما هي حكاية " أحمد سقف الحيط " هذا ؟؟! - اسمع يا ولدي .. " أحمد سقف الحيط " هذا هو رجل كان يعمل " أجيراً " في أحد محلات بيع الحلويات وخاصة الكنافة النابلسية الشهيرة في المدينة الكبيرة ... القوم كانوا يتهافتون على الشراء من ذلك المحل بشكل غريب .. السر لا يكمن في طعم ومذاق الكنافة النابلسية الرائع فحسب .. بل بوجود " أحمد سقف الحيط " نفسه على رأس العمل في المحل .. لم يكن الرجل يختلف عن باقي البشر في شيء .. سوى روح الدعابة الغريبة التي استولت على الرجل .. فكان يلقي عبارات الترحيب المحببة .. والحديث العذب ... والنكات المختلفة على مسامع رواد المحل فيصيبهم الحبور والسرور أثناء تناولهم الوجبة اللذيذة .. أو خلال قيامه بلف ما اشتروه بشكل غريب ملفت للنظر وبطريقة بهلوانية رائعة . لم يكن هذا كل ما يميز " أحمد سقف الحيط " عن باقي البشر فحسب .. بل هناك أمر آخر ظريف .. ولكنه ظرف من النوع الثقيل .. فلقد كان الرجل فعلاً من الوزن الثقيل .. لذا أطلق عليه البعض لقب " الريشة " على سبيل الدعابة والتفكه !! .. فالرجل كان ضخم الجثة بشكل ملفت للنظر .. يقارب وزنه الثلاثمائة كيلو ؟؟!! .. لا يستطيع التحرك أو الانتقال من مكانه إلا بصعوبة بالغة .. ولكنه رغم ذلك كان يتمتع بخفة الظل وروح الدعابة الدائمة والمرح المستمر .. في شتى الظروف والأوقات .. كان الرجل – والحال كذلك – يعتبر مَعلماً هاماً من معالم المدينة الكبيرة العريقة .. مزاراً للسياح القادمين من الخارج أو من الداخل .. فلا بد لزائر المدينة من زيارة محل " أحمد سقف الحيط " .. وإلا اعتبرت زيارته للمدينة منقوصة بشكل كبير ؟؟!! .. فهو حديث المجالس في المدينة والمدن الأخرى .. والقرى المجاورة والبعيدة أيضاً .. فأصبح اسمه على كل لسان . ذات يوم .. كان طفل يبلغ حوالي العاشرة من العمر .. يقود دراجة هوائية في أحد الأزقة الجانبية من المدينة .. لم يلبث أن ألقى القبض عليه أحد رجال شرطة المرور .. لأن الطفل كان يقود الدراجة الهوائية في مكان غير مسموح فيه بسير الدراجات الهوائية .. سأله الشرطي عن اسمه وعنوانه لكي يحرر له مخالفة سير .. بدون تردد أو خوف أو وجل .. قال له الطفل : اسمي " أحمد سقف الحيط " .. تركه الشرطي على أن يحرر له المخالفة فيما بعد ويرسلها له على العنوان الذي أعطاه له الطفل .. ولم يتنبه الشرطي للأمر.. إذ يبدو بأنه ليس من سكان المدينة أو القرى القريبة منها .. ولم يسمع باسم " أحمد سقف الحيط " قبل ذلك . بعد عدة أيام كان موزع البريد .. يصل إلى المحل الذي يعمل به " أحمد سقف الحيط " ليسلمه إشعار المخالفة .. ولما وصل ناحية " أحمد سقف الحيط " بادره قائلاً :- - تفضل يا " أحمد سقف الحيط " .. هذا إشعار من الحكومة .. بادره " أحمد سقف الحيط " بعبارته الفكهة المعهودة .. وروح الدعابة التي يتمتع بها : - " يعمر بيت الحكومة سيدي .. الحمد لله إللي الحكومة فاكراني .. شو.. بدهم يعطوني مساعدة ؟؟ .. يعمر بيت الحكومة ". حاول ساعي البريد بكل جهده أن يفهمه بأن الأمر ليس كذلك .. وأن هذه الورقة هي بمثابة مخالفة وليست مساعدة ... ولكن " أحمد سقف الحيط " رفض أن يفهم ذلك .. وأصر على فهمه الخاص بأن الحكومة قد أرسلت له هذه الورقة على سبيل المساعدة ؟؟!! .. ثم غادره الساعي بعد أن بذل كل المساعي لإفهامه الحقيقة دون جدوى . في اليوم الموعود .. كان " أحمد سقف الحيط " يتوجه إلى قاعة المحكمة .. بعد أن سأل بعض المحلات المجاورة .. وبعض السابلة عن موقعها .. دخل قاعة المحكمة من بابها الضخم الواسع .. محدثاً جلبة وضوضاء .. وقد اعتقد بأن جميع الجالسين في القاعة قد حضروا من أجل استقباله ؟؟!! .. فاندفع نحو هذا يصافحه .. ونحو ذاك يقبله .. ونحو ثالث يحتضنه : - سلاموا عليكم ... أهلاً سيدي .. أهلاً حبيبي ... كيفك أخي .. تنبه كبير القضاة لمصدر الجلبة والضوضاء .. فأمسك بـ " الشاكوش " الخشبي المعهود وانهال به طرقاً على المنضدة .. صارخاً بحدة : - - سكوت .. سكوت .. سكوت .. لم يأبه " أحمد سقف الحيط " بصراخ القاضي وحدته .. ولا بطرقاته الخشبية المدوية المجلجلة المتتابعة .. بل يبدو بأنه قد تنبه إلى موقع الرجل المهم !! .. فاندفع نحوه كالقاطرة يريد أن يحتضنه .. يقبله .. يصافحه .. فلما تنبه بعض الحراس للأمر .. اندفعوا ناحية " أحمد سقف الحيط " واعترضت طريقه ثلة منهم .. حاولوا إيقاف القاطرة البشرية بكل قواهم وكل جهدهم .. ولكن يبدو أن الرجل قد أصر على ما نوى .. فراح يزيح الحراس العديدين من طريقه .. بكل بساطة .. وكأنه العملاق " جلفر " في بلاد الأقزام .. ولم يلبث أن انضم إلى المدافعين مجموعة جديدة من الفراشين والبوابين والأذنة .. وحاول الجميع إيقاف القاطرة البشرية .. فاستخدم أحدهم مقعداً .. واستخدم آخر منضدة .. محاولين إيقاف زحف القاطرة واندفاعها ناحية منصة القضاة .. بينما غطت أرجاء القاعة ضحكات الحضور وقهقهاتهم للمشهد الغريب .. وسيادة كبير القضاة مازال يستعمل صرخاته المتتالية و" مدقته " الخشبية بقوة وعنف وعصبية .. فضاع صوته .. وصوت " مدقته " بين الأصوات المدوية .. بالكاد .. تمكن فريق الإنقاذ من إيقاف تقدم القاطرة البشرية واندفاعها .. وقد تملكهم التعب .. وسال منهم العرق غزيراً ... وما كاد الهدوء يخيم بعض الشيء على المكان .. حتى ارتفع صوت الرجل مجلجلاً في جنبات القاعة :- - سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. وين المساعدة سيدي؟؟ أنا حضرت سيدي علشان استلم المساعدة .. المعونة .. عادت " المدقة " الخشبية للعمل .. وعاد صوت كبير القضاة للصراخ .. - اسكت .. اسكت .. اجلس .. - حاضر سيدي ... حاضر ... " يعمر بيت الحكومة " . " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الثاني – الأخير - ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ .... حاول الرجل أن ينفذ الأمر .. وإطاعة القاضي .. فسكت .. ولما أراد أن يكمل تنفيذ بقية الأمر .. نظر إلى المقاعد .. فوجدها صغيرة لا يتسع أيٍ منها لجلوسه بأي حال من الأحوال ... فلما تتابعت الأوامر بالجلوس له من سيادة القاضي .. لم يجد بداّ من الجلوس .. على الأرض ؟؟!! فما كان منه إلا أن أزاح الحراس .. وباقي الرجال المدافعين من حوله .. ليفسح لنفسه مكاناً للجلوس ؟؟!! .. فأزاح هذا .. وأبعد ذاك .. ثم أخذ في تنفيذ المهمة الصعبة بين همهمات وهمسات وضحكات الجمهور .. نزل إلى الأرض على إحدى ركبتيه بتمهل وروية وجهد عظيم .. لم يلبث أن أتبعها بالأخرى بصعوبة .. فلما تم له ما أراد .. بدأ بالنزول على مؤخرته رويداً رويداً .. حتى تم له أخيراً التمكن من الجلوس على مؤخرته التي التصقت بركبتيه وفخذيه .. بعد أن هدأت الأمور بعض الشيء .. وبعد أن صمت الحضور إلا من همسات وابتسامات .. وبعد أن تمالك كبير القضاة أعصابه .. وبعد أن تمالك بقية القضاة أنفسهم .. وكتموا ضحكاتهم .. راح القضاة يكملون ما تبقى من القضية المنظورة أمام حضراتهم .. فلما تم لهم ما أرادوا .. تنفسوا الصعداء قليلاً .. وفجأة كان صوت القاضي ومطرقته الخشبية يدويان في القاعة : - القضية التالية ... " أحمد سقف الحيط " .. ما كاد الرجل يستمع إلى القاضي وهو ينطق باسمه حتى دوى صوته مجلجلاً كالرعد : - نعم سيدي .. أنا موجود .. أجيت آخذ المساعدة .. شكراً إلك سيدي .. يعمر بيت الحكومة . صرخ القاضي بحدة : - أسكت يا رجل ... من أنت ؟؟ - " أحمد سقف الحيط " .. " أحمد سقف الحيط " .. سيدي .. - إذن .. يجب أن تقف احتراماً لهيبة المحكمة والقضاة .. قف .. وبدأت رحلة المعاناة والعذاب من جديد .. فها هو القاضي يأمره بالوقوف بعد أن أمره بالجلوس .. تمايل جسد الرجل بتؤدة يميناً .. ثم شمالاً .. . إلى الأمام .. ثم إلى الخلف .. بالكاد .. استطاع أن يرفع مؤخرته عن فخذيه وركبتيه .. ثم أخذ في الاستعداد لإكمال بقية المهمة الشاقة للوقوف .. وبعد محاولات ومحاولات .. وبين ضحكات وهمهمات الجمهور من الحاضرين .. استطاع الوقوف بعد أن هبت مجموعة الحراس والرجال الآخرين لمساعدته في تنفيذ المهمة .. وقد هده وهدهم التعب والإرهاق .. هتف لاهثاً : - وقفت سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. راح ممثل الإدعاء يسرد لائحة الدعوى بالمخالفة الموجهة إلى " أحمد سقف الحيط " .. واستغرق في الإسهاب والتفاصيل .. فأصيب " أحمد سقف الحيط " بالغثيان وبنوبة تثاؤب ونعاس .. فتمايل الجسد .. وكان أن يقع على الأرض .. لولا مسارعة رجال الحرس والآخرين لإسناد الكتلة اللحمية الضخمة ومنعها من السقوط .. وبعد أن تثاءب الرجل بما فيه الكفاية .. هتف بصوت شبه نائم .. - سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. أعطيني المساعدة .. خليني أمشي سيدي ؟؟!! راح ممثل الإدعاء يستأنف سرد بقية ملف القضية .. بينما الرجل ينظر حوله في كل الاتجاهات وكأنه لا يعي ولا يفهم ماذا يقول ممثل الإدعاء هذا .. فلما تبين لهيئة القضاة حقيقة الأمر .. تطوع أحدهم بتوضيح الأمر للرجل .. فراح يخاطبه بلهجة بعيدة كل البعد عن لهجة ولغة الإدعاء والقضاء والقوانين .. وراح يفهمه حقيقة الأمر .. ووضح له بأنه قد ارتكب مخالفة سير .. وذلك عندما قاد " البسكليت " في شارع يحظر فيه سير الدراجات الهوائية . فجأة كان " أحمد سقف الحيط " يرفع عقيرته بالتساؤل بتعجب واستغراب : - شو هذا " فسقليت " سيدي ؟؟!! - " بسكليت " .. بسكليت .. يا سيد " أحمد سقف الحيط " . - ما بعرف شو " فسقليت " سيدي .. تطوع القاضي باستئناف الشرح وإكمال المهمة .. فتناول لوحة كبيرة على مسند خشبي .. وأمسك بقلم ذو خط عريض .. وراح يرسم " الدراجة الهوائية " برسم توضيحي مبسط ، ثم أردف: - هذا هو " البسكليت " يا سيد " أحمد سقف الحيط " .. - يعني شو سيدي ؟؟!! .. شوية أسلاك .. وصاج رقيق .. وعجل كاوشوك رفيع.. هذا هو الـ " فسقليت " ؟؟!! - أيوه يا سيد " أحمد سقف الحيط " .. - اسمع سيدي .. والله عشرة " فسقليت " من هذا اللي بتقول عنه ما بيحملوني ؟؟!! تنبه المدعي العام والقضاة .. وكبير القضاة للحقيقة التي غابت عن الجميع .. فحقاً بأن الرجل ثقيل الوزن بشكل كبير ومن المستحيل أن يقود دراجة هوائية .. ولن تتحمل ثقله أية دراجة حتى البخارية منها .. فكيف غابت عنهم هذه الحقيقة ؟؟؟!!! تداول القضاة الأمر فيما بينهم بالهمس.. ولأول مرة تظهر الابتسامة على وجه كبير القضاة .. وهو يطرق بمطرقته الخشبية بطرقات أقل حدة .. يتبعها بابتسامة عريضة .. هاتفاً : - " أحمد سقف الحيط " .. براءة .. - يعني شو سيدي ؟؟!! - يعني براءة .. " أحمد سقف الحيط " .. يعني ما فيه مخالفة ؟؟.. - شو .. يعني ما فيه مساعدة سيدي ؟؟!! .. يعمر بيت الحكومة .. - براءة .. وهيا .. اذهب إلى بيتك يا سيد " أحمد سقف الحيط " . - مستحيل سيدي .. كل هذا .. أقعد .. أوقف .. تعال .. روح .. وفي الآخر ما فيه مساعدة ؟؟ .. بدي المساعدة سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. صرخ القاضي بشيء من الحدة : - لا توجد مساعدة .. هيا .. انصرف .. - شو انصرف هاي سيدي .. بدي المساعدة .. ما بتحرك من هون إلا ومعي المساعدة .. يعمر بيت الحكومة .. - انصرف .. هيا .. هدر كبير القضاة بالأمر .. وأشار للحراس والفراشين والأذنة بضرورة إخراج الرجل من القاعة بالقوة .. فاندفع الجميع نحوه .. أحاطوا به .. وحاولوا زحزته من المكان .. فتشبث الرجل بالموقف وبالأرض .. فانضمت إليهم مجموعة أخرى .. ثم أخرى والجميع يحاولون إخراج " أحمد سقف الحيط " من القاعة بالقوة .. والرجل يقاومهم بلا هوادة .. بينما الضحكات المجلجلة من جمهور الحاضرين تغطي أرجاء القاعة .. خطوة خطوة .. شيئاً فشيئاً .. استطاع الرجال زحزحة " أحمد سقف الحيط " عن مكانه .. وبدأت القاطرة البشرية في التحرك إلى الخارج ببطء شديد بجهود مضنية لمجموعات كبيرة من الرجال .. الذين أصابهم الجهد والتعب والإرهاق .. وانساب العرق من أجسامهم غزيراً .. فلما تمكن الجميع من الوصول بالرجل إلى باب القاعة الضخم .. تشبث " أحمد سقف الحيط " بزواياه الجانبية بكل قوته .. فعملوا جاهدين على إتمام المهمة العويصة دون جدوى .. وقبل أن يفلت الرجل يديه من جوانب الباب الضخم .. كان يطل برأسه داخل قاعة المحكمة .. ويوجه بصره ناحية كبير القضاة .. ويصرخ بصوت جهوري مدوٍ تردد صداه في أرجاء القاعة : - سيدي ... " يخرب بيت الحكومة " ؟؟؟؟!!!! Sluta gilla · · Följ inlägget · Dela · för 2 minuter sedanعيشان الكاتب الروائي " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الأول ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ مقدمة : أعتقد بأنه قد حق لنا بأن نستريح قليلاً .. وأن نريح أعصابنا بعض الشيء ، وأن يكون لنا " استراحة محارب " .. عفوًا .. أقصد " استراحة كاتب " قصيرة بعد تلك النصوص الأدبية الدسمة .. ذوات الوزن الثقيل ، وذوات التكثيف العالي .. والتي شدت الأعصاب بشكل مكثف .. وذلك بأن أقدم لكم اليوم نصاً أدبياً خفيفاً .. ولعله سوف يكون من وزن" الريشة " ..- كخفة ظل بطل النص .. وليس كوزنه بالطبع - . النص هذا ، هو من النوع المضحك ، الكوميدي ، وما يطلق عليه " الفانتازيا " . ولكن .. حذارِ .. فالنص ليس بريئاً بما فيه الكفاية ؟؟!! ( الكاتب ) --------------- تنويه وتوضيح لا بد منه : هذا النص هو من أعمال " الفانتازيا " فحسب . ولا يقصد به الكاتب أي بُعدٍ سياسي . ولا يقصد به أيّ حكومة .. خاصة العربية منها !!! اللهم إلا إذا رأى القارئ غير ذلك ..؟؟!! ( الكاتب ) -------------- اعتذار سوف أعتذر للجميع سلفًا .. وذلك لطول النص .. حيث عاب عليّ البعض .. بأن نصوصي طويلة ؟؟!! ... ووجب الاعتذار أيضا لمن سبق لهم المرور على نصي عند نشره سابقا .. ------------------ (( يعمر بيت الحكومة ؟؟!! )) قال محدثي النابلسي العجوز وهو يبتسم ابتسامة عريضة ؛ وقد فتح فاهاً خلا من جميع محتوياته من الأسنان : - اسمع يا ولدي .. أمران من لا يعرفهما .. لا يعرف نابلس .. تشوقت للحديث مع العجوز أكثر .. انبريت هاتفاً وبي شوق عظيم للمعرفة : - ما هما بالله عليك يا سيدي ؟؟؟ ابتسامته أصبحت بمساحة أكبر ... هتف جذلاً: - أول الأمرين .." الكنافة النابلسية " .. اندفعت مستبشراً بالمعرفة مردداً : - ومن في الوطن لا يعرف الكنافة النابلسية ؟؟!! .. أنا أعرفها جيداً .. وأعرف معظم محلاتها الشهيرة والمنتشرة في أرجاء المدينة العريقة .. - إذن .. فأنت بذلك تعرف نصف نابلس فقط .. - وما هو النصف الثاني بالله عليك ؟؟؟ - " أحمد سقف الحيط " ! - ماذا ؟؟!! .. إنني لا أعرفه .. لم أسمع بهذا الاسم من قبل ؟؟ - إذن فأنت لا تعرف النصف الآخر لنابلس . - وما هي حكاية " أحمد سقف الحيط " هذا ؟؟! - اسمع يا ولدي .. " أحمد سقف الحيط " هذا هو رجل كان يعمل " أجيراً " في أحد محلات بيع الحلويات وخاصة الكنافة النابلسية الشهيرة في المدينة الكبيرة ... القوم كانوا يتهافتون على الشراء من ذلك المحل بشكل غريب .. السر لا يكمن في طعم ومذاق الكنافة النابلسية الرائع فحسب .. بل بوجود " أحمد سقف الحيط " نفسه على رأس العمل في المحل .. لم يكن الرجل يختلف عن باقي البشر في شيء .. سوى روح الدعابة الغريبة التي استولت على الرجل .. فكان يلقي عبارات الترحيب المحببة .. والحديث العذب ... والنكات المختلفة على مسامع رواد المحل فيصيبهم الحبور والسرور أثناء تناولهم الوجبة اللذيذة .. أو خلال قيامه بلف ما اشتروه بشكل غريب ملفت للنظر وبطريقة بهلوانية رائعة . لم يكن هذا كل ما يميز " أحمد سقف الحيط " عن باقي البشر فحسب .. بل هناك أمر آخر ظريف .. ولكنه ظرف من النوع الثقيل .. فلقد كان الرجل فعلاً من الوزن الثقيل .. لذا أطلق عليه البعض لقب " الريشة " على سبيل الدعابة والتفكه !! .. فالرجل كان ضخم الجثة بشكل ملفت للنظر .. يقارب وزنه الثلاثمائة كيلو ؟؟!! .. لا يستطيع التحرك أو الانتقال من مكانه إلا بصعوبة بالغة .. ولكنه رغم ذلك كان يتمتع بخفة الظل وروح الدعابة الدائمة والمرح المستمر .. في شتى الظروف والأوقات .. كان الرجل – والحال كذلك – يعتبر مَعلماً هاماً من معالم المدينة الكبيرة العريقة .. مزاراً للسياح القادمين من الخارج أو من الداخل .. فلا بد لزائر المدينة من زيارة محل " أحمد سقف الحيط " .. وإلا اعتبرت زيارته للمدينة منقوصة بشكل كبير ؟؟!! .. فهو حديث المجالس في المدينة والمدن الأخرى .. والقرى المجاورة والبعيدة أيضاً .. فأصبح اسمه على كل لسان . ذات يوم .. كان طفل يبلغ حوالي العاشرة من العمر .. يقود دراجة هوائية في أحد الأزقة الجانبية من المدينة .. لم يلبث أن ألقى القبض عليه أحد رجال شرطة المرور .. لأن الطفل كان يقود الدراجة الهوائية في مكان غير مسموح فيه بسير الدراجات الهوائية .. سأله الشرطي عن اسمه وعنوانه لكي يحرر له مخالفة سير .. بدون تردد أو خوف أو وجل .. قال له الطفل : اسمي " أحمد سقف الحيط " .. تركه الشرطي على أن يحرر له المخالفة فيما بعد ويرسلها له على العنوان الذي أعطاه له الطفل .. ولم يتنبه الشرطي للأمر.. إذ يبدو بأنه ليس من سكان المدينة أو القرى القريبة منها .. ولم يسمع باسم " أحمد سقف الحيط " قبل ذلك . بعد عدة أيام كان موزع البريد .. يصل إلى المحل الذي يعمل به " أحمد سقف الحيط " ليسلمه إشعار المخالفة .. ولما وصل ناحية " أحمد سقف الحيط " بادره قائلاً :- - تفضل يا " أحمد سقف الحيط " .. هذا إشعار من الحكومة .. بادره " أحمد سقف الحيط " بعبارته الفكهة المعهودة .. وروح الدعابة التي يتمتع بها : - " يعمر بيت الحكومة سيدي .. الحمد لله إللي الحكومة فاكراني .. شو.. بدهم يعطوني مساعدة ؟؟ .. يعمر بيت الحكومة ". حاول ساعي البريد بكل جهده أن يفهمه بأن الأمر ليس كذلك .. وأن هذه الورقة هي بمثابة مخالفة وليست مساعدة ... ولكن " أحمد سقف الحيط " رفض أن يفهم ذلك .. وأصر على فهمه الخاص بأن الحكومة قد أرسلت له هذه الورقة على سبيل المساعدة ؟؟!! .. ثم غادره الساعي بعد أن بذل كل المساعي لإفهامه الحقيقة دون جدوى . في اليوم الموعود .. كان " أحمد سقف الحيط " يتوجه إلى قاعة المحكمة .. بعد أن سأل بعض المحلات المجاورة .. وبعض السابلة عن موقعها .. دخل قاعة المحكمة من بابها الضخم الواسع .. محدثاً جلبة وضوضاء .. وقد اعتقد بأن جميع الجالسين في القاعة قد حضروا من أجل استقباله ؟؟!! .. فاندفع نحو هذا يصافحه .. ونحو ذاك يقبله .. ونحو ثالث يحتضنه : - سلاموا عليكم ... أهلاً سيدي .. أهلاً حبيبي ... كيفك أخي .. تنبه كبير القضاة لمصدر الجلبة والضوضاء .. فأمسك بـ " الشاكوش " الخشبي المعهود وانهال به طرقاً على المنضدة .. صارخاً بحدة : - - سكوت .. سكوت .. سكوت .. لم يأبه " أحمد سقف الحيط " بصراخ القاضي وحدته .. ولا بطرقاته الخشبية المدوية المجلجلة المتتابعة .. بل يبدو بأنه قد تنبه إلى موقع الرجل المهم !! .. فاندفع نحوه كالقاطرة يريد أن يحتضنه .. يقبله .. يصافحه .. فلما تنبه بعض الحراس للأمر .. اندفعوا ناحية " أحمد سقف الحيط " واعترضت طريقه ثلة منهم .. حاولوا إيقاف القاطرة البشرية بكل قواهم وكل جهدهم .. ولكن يبدو أن الرجل قد أصر على ما نوى .. فراح يزيح الحراس العديدين من طريقه .. بكل بساطة .. وكأنه العملاق " جلفر " في بلاد الأقزام .. ولم يلبث أن انضم إلى المدافعين مجموعة جديدة من الفراشين والبوابين والأذنة .. وحاول الجميع إيقاف القاطرة البشرية .. فاستخدم أحدهم مقعداً .. واستخدم آخر منضدة .. محاولين إيقاف زحف القاطرة واندفاعها ناحية منصة القضاة .. بينما غطت أرجاء القاعة ضحكات الحضور وقهقهاتهم للمشهد الغريب .. وسيادة كبير القضاة مازال يستعمل صرخاته المتتالية و" مدقته " الخشبية بقوة وعنف وعصبية .. فضاع صوته .. وصوت " مدقته " بين الأصوات المدوية .. بالكاد .. تمكن فريق الإنقاذ من إيقاف تقدم القاطرة البشرية واندفاعها .. وقد تملكهم التعب .. وسال منهم العرق غزيراً ... وما كاد الهدوء يخيم بعض الشيء على المكان .. حتى ارتفع صوت الرجل مجلجلاً في جنبات القاعة :- - سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. وين المساعدة سيدي؟؟ أنا حضرت سيدي علشان استلم المساعدة .. المعونة .. عادت " المدقة " الخشبية للعمل .. وعاد صوت كبير القضاة للصراخ .. - اسكت .. اسكت .. اجلس .. - حاضر سيدي ... حاضر ... " يعمر بيت الحكومة " . " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الثاني – الأخير - ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ .... حاول الرجل أن ينفذ الأمر .. وإطاعة القاضي .. فسكت .. ولما أراد أن يكمل تنفيذ بقية الأمر .. نظر إلى المقاعد .. فوجدها صغيرة لا يتسع أيٍ منها لجلوسه بأي حال من الأحوال ... فلما تتابعت الأوامر بالجلوس له من سيادة القاضي .. لم يجد بداّ من الجلوس .. على الأرض ؟؟!! فما كان منه إلا أن أزاح الحراس .. وباقي الرجال المدافعين من حوله .. ليفسح لنفسه مكاناً للجلوس ؟؟!! .. فأزاح هذا .. وأبعد ذاك .. ثم أخذ في تنفيذ المهمة الصعبة بين همهمات وهمسات وضحكات الجمهور .. نزل إلى الأرض على إحدى ركبتيه بتمهل وروية وجهد عظيم .. لم يلبث أن أتبعها بالأخرى بصعوبة .. فلما تم له ما أراد .. بدأ بالنزول على مؤخرته رويداً رويداً .. حتى تم له أخيراً التمكن من الجلوس على مؤخرته التي التصقت بركبتيه وفخذيه .. بعد أن هدأت الأمور بعض الشيء .. وبعد أن صمت الحضور إلا من همسات وابتسامات .. وبعد أن تمالك كبير القضاة أعصابه .. وبعد أن تمالك بقية القضاة أنفسهم .. وكتموا ضحكاتهم .. راح القضاة يكملون ما تبقى من القضية المنظورة أمام حضراتهم .. فلما تم لهم ما أرادوا .. تنفسوا الصعداء قليلاً .. وفجأة كان صوت القاضي ومطرقته الخشبية يدويان في القاعة : - القضية التالية ... " أحمد سقف الحيط " .. ما كاد الرجل يستمع إلى القاضي وهو ينطق باسمه حتى دوى صوته مجلجلاً كالرعد : - نعم سيدي .. أنا موجود .. أجيت آخذ المساعدة .. شكراً إلك سيدي .. يعمر بيت الحكومة . صرخ القاضي بحدة : - أسكت يا رجل ... من أنت ؟؟ - " أحمد سقف الحيط " .. " أحمد سقف الحيط " .. سيدي .. - إذن .. يجب أن تقف احتراماً لهيبة المحكمة والقضاة .. قف .. وبدأت رحلة المعاناة والعذاب من جديد .. فها هو القاضي يأمره بالوقوف بعد أن أمره بالجلوس .. تمايل جسد الرجل بتؤدة يميناً .. ثم شمالاً .. . إلى الأمام .. ثم إلى الخلف .. بالكاد .. استطاع أن يرفع مؤخرته عن فخذيه وركبتيه .. ثم أخذ في الاستعداد لإكمال بقية المهمة الشاقة للوقوف .. وبعد محاولات ومحاولات .. وبين ضحكات وهمهمات الجمهور من الحاضرين .. استطاع الوقوف بعد أن هبت مجموعة الحراس والرجال الآخرين لمساعدته في تنفيذ المهمة .. وقد هده وهدهم التعب والإرهاق .. هتف لاهثاً : - وقفت سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. راح ممثل الإدعاء يسرد لائحة الدعوى بالمخالفة الموجهة إلى " أحمد سقف الحيط " .. واستغرق في الإسهاب والتفاصيل .. فأصيب " أحمد سقف الحيط " بالغثيان وبنوبة تثاؤب ونعاس .. فتمايل الجسد .. وكان أن يقع على الأرض .. لولا مسارعة رجال الحرس والآخرين لإسناد الكتلة اللحمية الضخمة ومنعها من السقوط .. وبعد أن تثاءب الرجل بما فيه الكفاية .. هتف بصوت شبه نائم .. - سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. أعطيني المساعدة .. خليني أمشي سيدي ؟؟!! راح ممثل الإدعاء يستأنف سرد بقية ملف القضية .. بينما الرجل ينظر حوله في كل الاتجاهات وكأنه لا يعي ولا يفهم ماذا يقول ممثل الإدعاء هذا .. فلما تبين لهيئة القضاة حقيقة الأمر .. تطوع أحدهم بتوضيح الأمر للرجل .. فراح يخاطبه بلهجة بعيدة كل البعد عن لهجة ولغة الإدعاء والقضاء والقوانين .. وراح يعيشان الكاتب الروائي " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الأول ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ مقدمة : أعتقد بأنه قد حق لنا بأن نستريح قليلاً .. وأن نريح أعصابنا بعض الشيء ، وأن يكون لنا " استراحة محارب " .. عفوًا .. أقصد " استراحة كاتب " قصيرة بعد تلك النصوص الأدبية الدسمة .. ذوات الوزن الثقيل ، وذوات التكثيف العالي .. والتي شدت الأعصاب بشكل مكثف .. وذلك بأن أقدم لكم اليوم نصاً أدبياً خفيفاً .. ولعله سوف يكون من وزن" الريشة " ..- كخفة ظل بطل النص .. وليس كوزنه بالطبع - . النص هذا ، هو من النوع المضحك ، الكوميدي ، وما يطلق عليه " الفانتازيا " . ولكن .. حذارِ .. فالنص ليس بريئاً بما فيه الكفاية ؟؟!! ( الكاتب ) --------------- تنويه وتوضيح لا بد منه : هذا النص هو من أعمال " الفانتازيا " فحسب . ولا يقصد به الكاتب أي بُعدٍ سياسي . ولا يقصد به أيّ حكومة .. خاصة العربية منها !!! اللهم إلا إذا رأى القارئ غير ذلك ..؟؟!! ( الكاتب ) -------------- اعتذار سوف أعتذر للجميع سلفًا .. وذلك لطول النص .. حيث عاب عليّ البعض .. بأن نصوصي طويلة ؟؟!! ... ووجب الاعتذار أيضا لمن سبق لهم المرور على نصي عند نشره سابقا .. ------------------ (( يعمر بيت الحكومة ؟؟!! )) قال محدثي النابلسي العجوز وهو يبتسم ابتسامة عريضة ؛ وقد فتح فاهاً خلا من جميع محتوياته من الأسنان : - اسمع يا ولدي .. أمران من لا يعرفهما .. لا يعرف نابلس .. تشوقت للحديث مع العجوز أكثر .. انبريت هاتفاً وبي شوق عظيم للمعرفة : - ما هما بالله عليك يا سيدي ؟؟؟ ابتسامته أصبحت بمساحة أكبر ... هتف جذلاً: - أول الأمرين .." الكنافة النابلسية " .. اندفعت مستبشراً بالمعرفة مردداً : - ومن في الوطن لا يعرف الكنافة النابلسية ؟؟!! .. أنا أعرفها جيداً .. وأعرف معظم محلاتها الشهيرة والمنتشرة في أرجاء المدينة العريقة .. - إذن .. فأنت بذلك تعرف نصف نابلس فقط .. - وما هو النصف الثاني بالله عليك ؟؟؟ - " أحمد سقف الحيط " ! - ماذا ؟؟!! .. إنني لا أعرفه .. لم أسمع بهذا الاسم من قبل ؟؟ - إذن فأنت لا تعرف النصف الآخر لنابلس . - وما هي حكاية " أحمد سقف الحيط " هذا ؟؟! - اسمع يا ولدي .. " أحمد سقف الحيط " هذا هو رجل كان يعمل " أجيراً " في أحد محلات بيع الحلويات وخاصة الكنافة النابلسية الشهيرة في المدينة الكبيرة ... القوم كانوا يتهافتون على الشراء من ذلك المحل بشكل غريب .. السر لا يكمن في طعم ومذاق الكنافة النابلسية الرائع فحسب .. بل بوجود " أحمد سقف الحيط " نفسه على رأس العمل في المحل .. لم يكن الرجل يختلف عن باقي البشر في شيء .. سوى روح الدعابة الغريبة التي استولت على الرجل .. فكان يلقي عبارات الترحيب المحببة .. والحديث العذب ... والنكات المختلفة على مسامع رواد المحل فيصيبهم الحبور والسرور أثناء تناولهم الوجبة اللذيذة .. أو خلال قيامه بلف ما اشتروه بشكل غريب ملفت للنظر وبطريقة بهلوانية رائعة . لم يكن هذا كل ما يميز " أحمد سقف الحيط " عن باقي البشر فحسب .. بل هناك أمر آخر ظريف .. ولكنه ظرف من النوع الثقيل .. فلقد كان الرجل فعلاً من الوزن الثقيل .. لذا أطلق عليه البعض لقب " الريشة " على سبيل الدعابة والتفكه !! .. فالرجل كان ضخم الجثة بشكل ملفت للنظر .. يقارب وزنه الثلاثمائة كيلو ؟؟!! .. لا يستطيع التحرك أو الانتقال من مكانه إلا بصعوبة بالغة .. ولكنه رغم ذلك كان يتمتع بخفة الظل وروح الدعابة الدائمة والمرح المستمر .. في شتى الظروف والأوقات .. كان الرجل – والحال كذلك – يعتبر مَعلماً هاماً من معالم المدينة الكبيرة العريقة .. مزاراً للسياح القادمين من الخارج أو من الداخل .. فلا بد لزائر المدينة من زيارة محل " أحمد سقف الحيط " .. وإلا اعتبرت زيارته للمدينة منقوصة بشكل كبير ؟؟!! .. فهو حديث المجالس في المدينة والمدن الأخرى .. والقرى المجاورة والبعيدة أيضاً .. فأصبح اسمه على كل لسان . ذات يوم .. كان طفل يبلغ حوالي العاشرة من العمر .. يقود دراجة هوائية في أحد الأزقة الجانبية من المدينة .. لم يلبث أن ألقى القبض عليه أحد رجال شرطة المرور .. لأن الطفل كان يقود الدراجة الهوائية في مكان غير مسموح فيه بسير الدراجات الهوائية .. سأله الشرطي عن اسمه وعنوانه لكي يحرر له مخالفة سير .. بدون تردد أو خوف أو وجل .. قال له الطفل : اسمي " أحمد سقف الحيط " .. تركه الشرطي على أن يحرر له المخالفة فيما بعد ويرسلها له على العنوان الذي أعطاه له الطفل .. ولم يتنبه الشرطي للأمر.. إذ يبدو بأنه ليس من سكان المدينة أو القرى القريبة منها .. ولم يسمع باسم " أحمد سقف الحيط " قبل ذلك . بعد عدة أيام كان موزع البريد .. يصل إلى المحل الذي يعمل به " أحمد سقف الحيط " ليسلمه إشعار المخالفة .. ولما وصل ناحية " أحمد سقف الحيط " بادره قائلاً :- - تفضل يا " أحمد سقف الحيط " .. هذا إشعار من الحكومة .. بادره " أحمد سقف الحيط " بعبارته الفكهة المعهودة .. وروح الدعابة التي يتمتع بها : - " يعمر بيت الحكومة سيدي .. الحمد لله إللي الحكومة فاكراني .. شو.. بدهم يعطوني مساعدة ؟؟ .. يعمر بيت الحكومة ". حاول ساعي البريد بكل جهده أن يفهمه بأن الأمر ليس كذلك .. وأن هذه الورقة هي بمثابة مخالفة وليست مساعدة ... ولكن " أحمد سقف الحيط " رفض أن يفهم ذلك .. وأصر على فهمه الخاص بأن الحكومة قد أرسلت له هذه الورقة على سبيل المساعدة ؟؟!! .. ثم غادره الساعي بعد أن بذل كل المساعي لإفهامه الحقيقة دون جدوى . في اليوم الموعود .. كان " أحمد سقف الحيط " يتوجه إلى قاعة المحكمة .. بعد أن سأل بعض المحلات المجاورة .. وبعض السابلة عن موقعها .. دخل قاعة المحكمة من بابها الضخم الواسع .. محدثاً جلبة وضوضاء .. وقد اعتقد بأن جميع الجالسين في القاعة قد حضروا من أجل استقباله ؟؟!! .. فاندفع نحو هذا يصافحه .. ونحو ذاك يقبله .. ونحو ثالث يحتضنه : - سلاموا عليكم ... أهلاً سيدي .. أهلاً حبيبي ... كيفك أخي .. تنبه كبير القضاة لمصدر الجلبة والضوضاء .. فأمسك بـ " الشاكوش " الخشبي المعهود وانهال به طرقاً على المنضدة .. صارخاً بحدة : - - سكوت .. سكوت .. سكوت .. لم يأبه " أحمد سقف الحيط " بصراخ القاضي وحدته .. ولا بطرقاته الخشبية المدوية المجلجلة المتتابعة .. بل يبدو بأنه قد تنبه إلى موقع الرجل المهم !! .. فاندفع نحوه كالقاطرة يريد أن يحتضنه .. يقبله .. يصافحه .. فلما تنبه بعض الحراس للأمر .. اندفعوا ناحية " أحمد سقف الحيط " واعترضت طريقه ثلة منهم .. حاولوا إيقاف القاطرة البشرية بكل قواهم وكل جهدهم .. ولكن يبدو أن الرجل قد أصر على ما نوى .. فراح يزيح الحراس العديدين من طريقه .. بكل بساطة .. وكأنه العملاق " جلفر " في بلاد الأقزام .. ولم يلبث أن انضم إلى المدافعين مجموعة جديدة من الفراشين والبوابين والأذنة .. وحاول الجميع إيقاف القاطرة البشرية .. فاستخدم أحدهم مقعداً .. واستخدم آخر منضدة .. محاولين إيقاف زحف القاطرة واندفاعها ناحية منصة القضاة .. بينما غطت أرجاء القاعة ضحكات الحضور وقهقهاتهم للمشهد الغريب .. وسيادة كبير القضاة مازال يستعمل صرخاته المتتالية و" مدقته " الخشبية بقوة وعنف وعصبية .. فضاع صوته .. وصوت " مدقته " بين الأصوات المدوية .. بالكاد .. تمكن فريق الإنقاذ من إيقاف تقدم القاطرة البشرية واندفاعها .. وقد تملكهم التعب .. وسال منهم العرق غزيراً ... وما كاد الهدوء يخيم بعض الشيء على المكان .. حتى ارتفع صوت الرجل مجلجلاً في جنبات القاعة :- - سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. وين المساعدة سيدي؟؟ أنا حضرت سيدي علشان استلم المساعدة .. المعونة .. عادت " المدقة " الخشبية للعمل .. وعاد صوت كبير القضاة للصراخ .. - اسكت .. اسكت .. اجلس .. - حاضر سيدي ... حاضر ... " يعمر بيت الحكومة " . " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الثاني – الأخير - ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ .... حاول الرجل أن ينفذ الأمر .. وإطاعة القاضي .. فسكت .. ولما أراد أن يكمل تنفيذ بقية الأمر .. نظر إلى المقاعد .. فوجدها صغيرة لا يتسع أيٍ منها لجلوسه بأي حال من الأحوال ... فلما تتابعت الأوامر بالجلوس له من سيادة القاضي .. لم يجد بداّ من الجلوس .. على الأرض ؟؟!! فما كان منه إلا أن أزاح الحراس .. وباقي الرجال المدافعين من حوله .. ليفسح لنفسه مكاناً للجلوس ؟؟!! .. فأزاح هذا .. وأبعد ذاك .. ثم أخذ في تنفيذ المهمة الصعبة بين همهمات وهمسات وضحكات الجمهور .. نزل إلى الأرض على إحدى ركبتيه بتمهل وروية وجهد عظيم .. لم يلبث أن أتبعها بالأخرى بصعوبة .. فلما تم له ما أراد .. بدأ بالنزول على مؤخرته رويداً رويداً .. حتى تم له أخيراً التمكن من الجلوس على مؤخرته التي التصقت بركبتيه وفخذيه .. بعد أن هدأت الأمور بعض الشيء .. وبعد أن صمت الحضور إلا من همسات وابتسامات .. وبعد أن تمالك كبير القضاة أعصابه .. وبعد أن تمالك بقية القضاة أنفسهم .. وكتموا ضحكاتهم .. راح القضاة يكملون ما تبقى من القضية المنظورة أمام حضراتهم .. فلما تم لهم ما أرادوا .. تنفسوا الصعداء قليلاً .. وفجأة كان صوت القاضي ومطرقته الخشبية يدويان في القاعة : - القضية التالية ... " أحمد سقف الحيط " .. ما كاد الرجل يستمع إلى القاضي وهو ينطق باسمه حتى دوى صوته مجلجلاً كالرعد : - نعم سيدي .. أنا موجود .. أجيت آخذ المساعدة .. شكراً إلك سيدي .. يعمر بيت الحكومة . صرخ القاضي بحدة : - أسكت يا رجل ... من أنت ؟؟ - " أحمد سقف الحيط " .. " أحمد سقف الحيط " .. سيدي .. - إذن .. يجب أن تقف احتراماً لهيبة المحكمة والقضاة .. قف .. وبدأت رحلة المعاناة والعذاب من جديد .. فها هو القاضي يأمره بالوقوف بعد أن أمره بالجلوس .. تمايل جسد الرجل بتؤدة يميناً .. ثم شمالاً .. . إلى الأمام .. ثم إلى الخلف .. بالكاد .. استطاع أن يرفع مؤخرته عن فخذيه وركبتيه .. ثم أخذ في الاستعداد لإكمال بقية المهمة الشاقة للوقوف .. وبعد محاولات ومحاولات .. وبين ضحكات وهمهمات الجمهور من الحاضرين .. استطاع الوقوف بعد أن هبت مجموعة الحراس والرجال الآخرين لمساعدته في تنفيذ المهمة .. وقد هده وهدهم التعب والإرهاق .. هتف لاهثاً : - وقفت سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. راح ممثل الإدعاء يسرد لائحة الدعوى بالمخالفة الموجهة إلى " أحمد سقف الحيط " .. واستغرق في الإسهاب والتفاصيل .. فأصيب " أحمد سقف الحيط " بالغثيان وبنوبة تثاؤب ونعاس .. فتمايل الجسد .. وكان أن يقع على الأرض .. لولا مسارعة رجال الحرس والآخرين لإسناد الكتلة اللحمية الضخمة ومنعها من السقوط .. وبعد أن تثاءب الرجل بما فيه الكفاية .. هتف بصوت شبه نائم .. - سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. أعطيني المساعدة .. خليني أمشي سيدي ؟؟!! راح ممثل الإدعاء يستأنف سرد بقية ملف القضية .. بينما الرجل ينظر حوله في كل الاتجاهات وكأنه لا يعي ولا يفهم ماذا يقول ممثل الإدعاء هذا .. فلما تبين لهيئة القضاة حقيقة الأمر .. تطوع أحدهم بتوضيح الأمر للرجل .. فراح يخاطبه بلهجة بعيدة كل البعد عن لهجة ولغة الإدعاء والقضاء والقوانين .. وراح يفهمه حقيقة الأمر .. ووضح له بأنه قد ارتكب مخالفة سير .. وذلك عندما قاد " البسكليت " في شارع يحظر فيه سير الدراجات الهوائية . فجأة كان " أحمد سقف الحيط " يرفع عقيرته بالتساؤل بتعجب واستغراب : - شو هذا " فسقليت " سيدي ؟؟!! - " بسكليت " .. بسكليت .. يا سيد " أحمد سقف الحيط " . - ما بعرف شو " فسقليت " سيدي .. تطوع القاضي باستئناف الشرح وإكمال المهمة .. فتناول لوحة كبيرة على مسند خشبي .. وأمسك بقلم ذو خط عريض .. وراح يرسم " الدراجة الهوائية " برسم توضيحي مبسط ، ثم أردف: - هذا هو " البسكليت " يا سيد " أحمد سقف الحيط " .. - يعني شو سيدي ؟؟!! .. شوية أسلاك .. وصاج رقيق .. وعجل كاوشوك رفيع.. هذا هو الـ " فسقليت " ؟؟!! - أيوه يا سيد " أحمد سقف الحيط " .. - اسمع سيدي .. والله عشرة " فسقليت " من هذا اللي بتقول عنه ما بيحملوني ؟؟!! تنبه المدعي العام والقضاة .. وكبير القضاة للحقيقة التي غابت عن الجميع .. فحقاً بأن الرجل ثقيل الوزن بشكل كبير ومن المستحيل أن يقود دراجة هوائية .. ولن تتحمل ثقله أية دراجة حتى البخارية منها .. فكيف غابت عنهم هذه الحقيقة ؟؟؟!!! تداول القضاة الأمر فيما بينهم بالهمس.. ولأول مرة تظهر الابتسامة على وجه كبير القضاة .. وهو يطرق بمطرقته الخشبية بطرقات أقل حدة .. يتبعها بابتسامة عريضة .. هاتفاً : - " أحمد سقف الحيط " .. براءة .. - يعني شو سيدي ؟؟!! - يعني براءة .. " أحمد سقف الحيط " .. يعني ما فيه مخالفة ؟؟.. - شو .. يعني ما فيه مساعدة سيدي ؟؟!! .. يعمر بيت الحكومة .. - براءة .. وهيا .. اذهب إلى بيتك يا سيد " أحمد سقف الحيط " . - مستحيل سيدي .. كل هذا .. أقعد .. أوقف .. تعال .. روح .. وفي الآخر ما فيه مساعدة ؟؟ .. بدي المساعدة سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. صرخ القاضي بشيء من الحدة : - لا توجد مساعدة .. هيا .. انصرف .. - شو انصرف هاي سيدي .. بدي المساعدة .. ما بتحرك من هون إلا ومعي المساعدة .. يعمر بيت الحكومة .. - انصرف .. هيا .. هدر كبير القضاة بالأمر .. وأشار للحراس والفراشين والأذنة بضرورة إخراج الرجل من القاعة بالقوة .. فاندفع الجميع نحوه .. أحاطوا به .. وحاولوا زحزته من المكان .. فتشبث الرجل بالموقف وبالأرض .. فانضمت إليهم مجموعة أخرى .. ثم أخرى والجميع يحاولون إخراج " أحمد سقف الحيط " من القاعة بالقوة .. والرجل يقاومهم بلا هوادة .. بينما الضحكات المجلجلة من جمهور الحاضرين تغطي أرجاء القاعة .. خطوة خطوة .. شيئاً فشيئاً .. استطاع الرجال زحزحة " أحمد سقف الحيط " عن مكانه .. وبدأت القاطرة البشرية في التحرك إلى الخارج ببطء شديد بجهود مضنية لمجموعات كبيرة من الرجال .. الذين أصابهم الجهد والتعب والإرهاق .. وانساب العرق من أجسامهم غزيراً .. فلما تمكن الجميع من الوصول بالرجل إلى باب القاعة الضخم .. تشبث " أحمد سقف الحيط " بزواياه الجانبية بكل قوته .. فعملوا جاهدين على إتمام المهمة العويصة دون جدوى .. وقبل أن يفلت الرجل يديه من جوانب الباب الضخم .. كان يطل برأسه داخل قاعة المحكمة .. ويوجه بصره ناحية كبير القضاة .. ويصرخ بصوت جهوري مدوٍ تردد صداه في أرجاء القاعة : - سيدي ... " يخرب بيت الحكومة " ؟؟؟؟!!!! " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الأول ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ مقدمة : أعتقد بأنه قد حق لنا بأن نستريح قليلاً .. وأن نريح أعصابنا بعض الشيء ، وأن يكون لنا " استراحة محارب " .. عفوًا .. أقصد " استراحة كاتب " قصيرة بعد تلك النصوص الأدبية الدسمة .. ذوات الوزن الثقيل ، وذوات التكثيف العالي .. والتي شدت الأعصاب بشكل مكثف .. وذلك بأن أقدم لكم اليوم نصاً أدبياً خفيفاً .. ولعله سوف يكون من وزن" الريشة " ..- كخفة ظل بطل النص .. وليس كوزنه بالطبع - . النص هذا ، هو من النوع المضحك ، الكوميدي ، وما يطلق عليه " الفانتازيا " . ولكن .. حذارِ .. فالنص ليس بريئاً بما فيه الكفاية ؟؟!! ( الكاتب ) --------------- تنويه وتوضيح لا بد منه : هذا النص هو من أعمال " الفانتازيا " فحسب . ولا يقصد به الكاتب أي بُعدٍ سياسي . ولا يقصد به أيّ حكومة .. خاصة العربية منها !!! اللهم إلا إذا رأى القارئ غير ذلك ..؟؟!! ( الكاتب ) -------------- اعتذار سوف أعتذر للجميع سلفًا .. وذلك لطول النص .. حيث عاب عليّ البعض .. بأن نصوصي طويلة ؟؟!! ... ووجب الاعتذار أيضا لمن سبق لهم المرور على نصي عند نشره سابقا .. ------------------ (( يعمر بيت الحكومة ؟؟!! )) قال محدثي النابلسي العجوز وهو يبتسم ابتسامة عريضة ؛ وقد فتح فاهاً خلا من جميع محتوياته من الأسنان : - اسمع يا ولدي .. أمران من لا يعرفهما .. لا يعرف نابلس .. تشوقت للحديث مع العجوز أكثر .. انبريت هاتفاً وبي شوق عظيم للمعرفة : - ما هما بالله عليك يا سيدي ؟؟؟ ابتسامته أصبحت بمساحة أكبر ... هتف جذلاً: - أول الأمرين .." الكنافة النابلسية " .. اندفعت مستبشراً بالمعرفة مردداً : - ومن في الوطن لا يعرف الكنافة النابلسية ؟؟!! .. أنا أعرفها جيداً .. وأعرف معظم محلاتها الشهيرة والمنتشرة في أرجاء المدينة العريقة .. - إذن .. فأنت بذلك تعرف نصف نابلس فقط .. - وما هو النصف الثاني بالله عليك ؟؟؟ - " أحمد سقف الحيط " ! - ماذا ؟؟!! .. إنني لا أعرفه .. لم أسمع بهذا الاسم من قبل ؟؟ - إذن فأنت لا تعرف النصف الآخر لنابلس . - وما هي حكاية " أحمد سقف الحيط " هذا ؟؟! - اسمع يا ولدي .. " أحمد سقف الحيط " هذا هو رجل كان يعمل " أجيراً " في أحد محلات بيع الحلويات وخاصة الكنافة النابلسية الشهيرة في المدينة الكبيرة ... القوم كانوا يتهافتون على الشراء من ذلك المحل بشكل غريب .. السر لا يكمن في طعم ومذاق الكنافة النابلسية الرائع فحسب .. بل بوجود " أحمد سقف الحيط " نفسه على رأس العمل في المحل .. لم يكن الرجل يختلف عن باقي البشر في شيء .. سوى روح الدعابة الغريبة التي استولت على الرجل .. فكان يلقي عبارات الترحيب المحببة .. والحديث العذب ... والنكات المختلفة على مسامع رواد المحل فيصيبهم الحبور والسرور أثناء تناولهم الوجبة اللذيذة .. أو خلال قيامه بلف ما اشتروه بشكل غريب ملفت للنظر وبطريقة بهلوانية رائعة . لم يكن هذا كل ما يميز " أحمد سقف الحيط " عن باقي البشر فحسب .. بل هناك أمر آخر ظريف .. ولكنه ظرف من النوع الثقيل .. فلقد كان الرجل فعلاً من الوزن الثقيل .. لذا أطلق عليه البعض لقب " الريشة " على سبيل الدعابة والتفكه !! .. فالرجل كان ضخم الجثة بشكل ملفت للنظر .. يقارب وزنه الثلاثمائة كيلو ؟؟!! .. لا يستطيع التحرك أو الانتقال من مكانه إلا بصعوبة بالغة .. ولكنه رغم ذلك كان يتمتع بخفة الظل وروح الدعابة الدائمة والمرح المستمر .. في شتى الظروف والأوقات .. كان الرجل – والحال كذلك – يعتبر مَعلماً هاماً من معالم المدينة الكبيرة العريقة .. مزاراً للسياح القادمين من الخارج أو من الداخل .. فلا بد لزائر المدينة من زيارة محل " أحمد سقف الحيط " .. وإلا اعتبرت زيارته للمدينة منقوصة بشكل كبير ؟؟!! .. فهو حديث المجالس في المدينة والمدن الأخرى .. والقرى المجاورة والبعيدة أيضاً .. فأصبح اسمه على كل لسان . ذات يوم .. كان طفل يبلغ حوالي العاشرة من العمر .. يقود دراجة هوائية في أحد الأزقة الجانبية من المدينة .. لم يلبث أن ألقى القبض عليه أحد رجال شرطة المرور .. لأن الطفل كان يقود الدراجة الهوائية في مكان غير مسموح فيه بسير الدراجات الهوائية .. سأله الشرطي عن اسمه وعنوانه لكي يحرر له مخالفة سير .. بدون تردد أو خوف أو وجل .. قال له الطفل : اسمي " أحمد سقف الحيط " .. تركه الشرطي على أن يحرر له المخالفة فيما بعد ويرسلها له على العنوان الذي أعطاه له الطفل .. ولم يتنبه الشرطي للأمر.. إذ يبدو بأنه ليس من سكان المدينة أو القرى القريبة منها .. ولم يسمع باسم " أحمد سقف الحيط " قبل ذلك . بعد عدة أيام كان موزع البريد .. يصل إلى المحل الذي يعمل به " أحمد سقف الحيط " ليسلمه إشعار المخالفة .. ولما وصل ناحية " أحمد سقف الحيط " بادره قائلاً :- - تفضل يا " أحمد سقف الحيط " .. هذا إشعار من الحكومة .. بادره " أحمد سقف الحيط " بعبارته الفكهة المعهودة .. وروح الدعابة التي يتمتع بها : - " يعمر بيت الحكومة سيدي .. الحمد لله إللي الحكومة فاكراني .. شو.. بدهم يعطوني مساعدة ؟؟ .. يعمر بيت الحكومة ". حاول ساعي البريد بكل جهده أن يفهمه بأن الأمر ليس كذلك .. وأن هذه الورقة هي بمثابة مخالفة وليست مساعدة ... ولكن " أحمد سقف الحيط " رفض أن يفهم ذلك .. وأصر على فهمه الخاص بأن الحكومة قد أرسلت له هذه الورقة على سبيل المساعدة ؟؟!! .. ثم غادره الساعي بعد أن بذل كل المساعي لإفهامه الحقيقة دون جدوى . في اليوم الموعود .. كان " أحمد سقف الحيط " يتوجه إلى قاعة المحكمة .. بعد أن سأل بعض المحلات المجاورة .. وبعض السابلة عن موقعها .. دخل قاعة المحكمة من بابها الضخم الواسع .. محدثاً جلبة وضوضاء .. وقد اعتقد بأن جميع الجالسين في القاعة قد حضروا من أجل استقباله ؟؟!! .. فاندفع نحو هذا يصافحه .. ونحو ذاك يقبله .. ونحو ثالث يحتضنه : - سلاموا عليكم ... أهلاً سيدي .. أهلاً حبيبي ... كيفك أخي .. تنبه كبير القضاة لمصدر الجلبة والضوضاء .. فأمسك بـ " الشاكوش " الخشبي المعهود وانهال به طرقاً على المنضدة .. صارخاً بحدة : - - سكوت .. سكوت .. سكوت .. لم يأبه " أحمد سقف الحيط " بصراخ القاضي وحدته .. ولا بطرقاته الخشبية المدوية المجلجلة المتتابعة .. بل يبدو بأنه قد تنبه إلى موقع الرجل المهم !! .. فاندفع نحوه كالقاطرة يريد أن يحتضنه .. يقبله .. يصافحه .. فلما تنبه بعض الحراس للأمر .. اندفعوا ناحية " أحمد سقف الحيط " واعترضت طريقه ثلة منهم .. حاولوا إيقاف القاطرة البشرية بكل قواهم وكل جهدهم .. ولكن يبدو أن الرجل قد أصر على ما نوى .. فراح يزيح الحراس العديدين من طريقه .. بكل بساطة .. وكأنه العملاق " جلفر " في بلاد الأقزام .. ولم يلبث أن انضم إلى المدافعين مجموعة جديدة من الفراشين والبوابين والأذنة .. وحاول الجميع إيقاف القاطرة البشرية .. فاستخدم أحدهم مقعداً .. واستخدم آخر منضدة .. محاولين إيقاف زحف القاطرة واندفاعها ناحية منصة القضاة .. بينما غطت أرجاء القاعة ضحكات الحضور وقهقهاتهم للمشهد الغريب .. وسيادة كبير القضاة مازال يستعمل صرخاته المتتالية و" مدقته " الخشبية بقوة وعنف وعصبية .. فضاع صوته .. وصوت " مدقته " بين الأصوات المدوية .. بالكاد .. تمكن فريق الإنقاذ من إيقاف تقدم القاطرة البشرية واندفاعها .. وقد تملكهم التعب .. وسال منهم العرق غزيراً ... وما كاد الهدوء يخيم بعض الشيء على المكان .. حتى ارتفع صوت الرجل مجلجلاً في جنبات القاعة :- - سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. وين المساعدة سيدي؟؟ أنا حضرت سيدي علشان استلم المساعدة .. المعونة .. عادت " المدقة " الخشبية للعمل .. وعاد صوت كبير القضاة للصراخ .. - اسكت .. اسكت .. اجلس .. - حاضر سيدي ... حاضر ... " يعمر بيت الحكومة " . " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الثاني – الأخير - ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ .... حاول الرجل أن ينفذ الأمر .. وإطاعة القاضي .. فسكت .. ولما أراد أن يكمل تنفيذ بقية الأمر .. نظر إلى المقاعد .. فوجدها صغيرة لا يتسع أيٍ منها لجلوسه بأي حال من الأحوال ... فلما تتابعت الأوامر بالجلوس له من سيادة القاضي .. لم يجد بداّ من الجلوس .. على الأرض ؟؟!! فما كان منه إلا أن أزاح الحراس .. وباقي الرجال المدافعين من حوله .. ليفسح لنفسه مكاناً للجلوس ؟؟!! .. فأزاح هذا .. وأبعد ذاك .. ثم أخذ في تنفيذ المهمة الصعبة بين همهمات وهمسات وضحكات الجمهور .. نزل إلى الأرض على إحدى ركبتيه بتمهل وروية وجهد عظيم .. لم يلبث أن أتبعها بالأخرى بصعوبة .. فلما تم له ما أراد .. بدأ بالنزول على مؤخرته رويداً رويداً .. حتى تم له أخيراً التمكن من الجلوس على مؤخرته التي التصقت بركبتيه وفخذيه .. بعد أن هدأت الأمور بعض الشيء .. وبعد أن صمت الحضور إلا من همسات وابتسامات .. وبعد أن تمالك كبير القضاة أعصابه .. وبعد أن تمالك بقية القضاة أنفسهم .. وكتموا ضحكاتهم .. راح القضاة يكملون ما تبقى من القضية المنظورة أمام حضراتهم .. فلما تم لهم ما أرادوا .. تنفسوا الصعداء قليلاً .. وفجأة كان صوت القاضي ومطرقته الخشبية يدويان في القاعة : - القضية التالية ... " أحمد سقف الحيط " .. ما كاد الرجل يستمع إلى القاضي وهو ينطق باسمه حتى دوى صوته مجلجلاً كالرعد : - نعم سيدي .. أنا موجود .. أجيت آخذ المساعدة .. شكراً إلك سيدي .. يعمر بيت الحكومة . صرخ القاضي بحدة : - أسكت يا رجل ... من أنت ؟؟ - " أحمد سقف الحيط " .. " أحمد سقف الحيط " .. سيدي .. - إذن .. يجب أن تقف احتراماً لهيبة المحكمة والقضاة .. قف .. وبدأت رحلة المعاناة والعذاب من جديد .. فها هو القاضي يأمره بالوقوف بعد أن أمره بالجلوس .. تمايل جسد الرجل بتؤدة يميناً .. ثم شمالاً .. . إلى الأمام .. ثم إلى الخلف .. بالكاد .. استطاع أن يرفع مؤخرته عن فخذيه وركبتيه .. ثم أخذ في الاستعداد لإكمال بقية المهمة الشاقة للوقوف .. وبعد محاولات ومحاولات .. وبين ضحكات وهمهمات الجمهور من الحاضرين .. استطاع الوقوف بعد أن هبت مجموعة الحراس والرجال الآخرين لمساعدته في تنفيذ المهمة .. وقد هده وهدهم التعب والإرهاق .. هتف لاهثاً : - وقفت سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. راح ممثل الإدعاء يسرد لائحة الدعوى بالمخالفة الموجهة إلى " أحمد سقف الحيط " .. واستغرق في الإسهاب والتفاصيل .. فأصيب " أحمد سقف الحيط " بالغثيان وبنوبة تثاؤب ونعاس .. فتمايل الجسد .. وكان أن يقع على الأرض .. لولا مسارعة رجال الحرس والآخرين لإسناد الكتلة اللحمية الضخمة ومنعها من السقوط .. وبعد أن تثاءب الرجل بما فيه الكفاية .. هتف بصوت شبه نائم .. - سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. أعطيني المساعدة .. خليني أمشي سيدي ؟؟!! راح ممثل الإدعاء يستأنف سرد بقية ملف القضية .. بينما الرجل ينظر حوله في كل الاتجاهات وكأنه لا يعي ولا يفهم ماذا يقول ممثل الإدعاء هذا .. فلما تبين لهيئة القضاة حقيقة الأمر .. تطوع أحدهم بتوضيح الأمر للرجل .. فراح يخاطبه بلهجة بعيدة كل البعد عن لهجة ولغة الإدعاء والقضاء والقوانين .. وراح يفهمه حقيقة الأمر .. ووضح له بأنه قد ارتكب مخالفة سير .. وذلك عندما قاد " البسكليت " في شارع يحظر فيه سير الدراجات الهوائية . فجأة كان " أحمد سقف الحيط " يرفع عقيرته بالتساؤل بتعجب واستغراب : - شو هذا " فسقليت " سيدي ؟؟!! - " بسكليت " .. بسكليت .. يا سيد " أحمد سقف الحيط " . - ما بعرف شو " فسقليت " سيدي .. تطوع القاضي باستئناف الشرح وإكمال المهمة .. فتناول لوحة كبيرة على مسند خشبي .. وأمسك بقلم ذو خط عريض .. وراح يرسم " الدراجة الهوائية " برسم توضيحي مبسط ، ثم أردف: - هذا هو " البسكليت " يا سيد " أحمد سقف الحيط " .. - يعني شو سيدي ؟؟!! .. شوية أسلاك .. وصاج رقيق .. وعجل كاوشوك رفيع.. هذا هو الـ " فسقليت " ؟؟!! - أيوه يا سيد " أحمد سقف الحيط " .. - اسمع سيدي .. والله عشرة " فسقليت " من هذا اللي بتقول عنه ما بيحملوني ؟؟!! تنبه المدعي العام والقضاة .. وكبير القضاة للحقيقة التي غابت عن الجميع .. فحقاً بأن الرجل ثقيل الوزن بشكل كبير ومن المستحيل أن يقود دراجة هوائية .. ولن تتحمل ثقله أية دراجة حتى البخارية منها .. فكيف غابت عنهم هذه الحقيقة ؟؟؟!!! تداول القضاة الأمر فيما بينهم بالهمس.. ولأول مرة تظهر الابتسامة على وجه كبير القضاة .. وهو يطرق بمطرقته الخشبية بطرقات أقل حدة .. يتبعها بابتسامة عريضة .. هاتفاً : - " أحمد سقف الحيط " .. براءة .. - يعني شو سيدي ؟؟!! - يعني براءة .. " أحمد سقف الحيط " .. يعني ما فيه مخالفة ؟؟.. - شو .. يعني ما فيه مساعدة سيدي ؟؟!! .. يعمر بيت الحكومة .. - براءة .. وهيا .. اذهب إلى بيتك يا سيد " أحمد سقف الحيط " . - مستحيل سيدي .. كل هذا .. أقعد .. أوقف .. تعال .. روح .. وفي الآخر ما فيه مساعدة ؟؟ .. بدي المساعدة سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. صرخ القاضي بشيء من الحدة : - لا توجد مساعدة .. هيا .. انصرف .. - شو انصرف هاي سيدي .. بدي المساعدة .. ما بتحرك من هون إلا ومعي المساعدة .. يعمر بيت الحكومة .. - انصرف .. هيا .. هدر كبير القضاة بالأمر .. وأشار للحراس والفراشين والأذنة بضرورة إخراج الرجل من القاعة بالقوة .. فاندفع الجميع نحوه .. أحاطوا به .. وحاولوا زحزته من المكان .. فتشبث الرجل بالموقف وبالأرض .. فانضمت إليهم مجموعة أخرى .. ثم أخرى والجميع يحاولون إخراج " أحمد سقف الحيط " من القاعة بالقوة .. والرجل يقاومهم بلا هوادة .. بينما الضحكات المجلجلة من جمهور الحاضرين تغطي أرجاء القاعة .. خطوة خطوة .. شيئاً فشيئاً .. استطاع الرجال زحزحة " أحمد سقف الحيط " عن مكانه .. وبدأت القاطرة البشرية في التحرك إلى الخارج ببطء شديد بجهود مضنية لمجموعات كبيرة من الرجال .. الذين أصابهم الجهد والتعب والإرهاق .. وانساب العرق من أجسامهم غزيراً .. فلما تمكن الجميع من الوصول بالرجل إلى باب القاعة الضخم .. تشبث " أحمد سقف الحيط " بزواياه الجانبية بكل قوته .. فعملوا جاهدين على إتمام المهمة العويصة دون جدوى .. وقبل أن يفلت الرجل يديه من جوانب الباب الضخم .. كان يطل برأسه داخل قاعة المحكمة .. ويوجه بصره ناحية كبير القضاة .. ويصرخ بصوت جهوري مدوٍ تردد صداه في أرجاء القاعة : - سيدي ... " يخرب بيت الحكومة " ؟؟؟؟!!!! Sluta gilla · · Följ inlägget · Dela · för 2 minuter sedanعيشان الكاتب الروائي " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الأول ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ مقدمة : أعتقد بأنه قد حق لنا بأن نستريح قليلاً .. وأن نريح أعصابنا بعض الشيء ، وأن يكون لنا " استراحة محارب " .. عفوًا .. أقصد " استراحة كاتب " قصيرة بعد تلك النصوص الأدبية الدسمة .. ذوات الوزن الثقيل ، وذوات التكثيف العالي .. والتي شدت الأعصاب بشكل مكثف .. وذلك بأن أقدم لكم اليوم نصاً أدبياً خفيفاً .. ولعله سوف يكون من وزن" الريشة " ..- كخفة ظل بطل النص .. وليس كوزنه بالطبع - . النص هذا ، هو من النوع المضحك ، الكوميدي ، وما يطلق عليه " الفانتازيا " . ولكن .. حذارِ .. فالنص ليس بريئاً بما فيه الكفاية ؟؟!! ( الكاتب ) --------------- تنويه وتوضيح لا بد منه : هذا النص هو من أعمال " الفانتازيا " فحسب . ولا يقصد به الكاتب أي بُعدٍ سياسي . ولا يقصد به أيّ حكومة .. خاصة العربية منها !!! اللهم إلا إذا رأى القارئ غير ذلك ..؟؟!! ( الكاتب ) -------------- اعتذار سوف أعتذر للجميع سلفًا .. وذلك لطول النص .. حيث عاب عليّ البعض .. بأن نصوصي طويلة ؟؟!! ... ووجب الاعتذار أيضا لمن سبق لهم المرور على نصي عند نشره سابقا .. ------------------ (( يعمر بيت الحكومة ؟؟!! )) قال محدثي النابلسي العجوز وهو يبتسم ابتسامة عريضة ؛ وقد فتح فاهاً خلا من جميع محتوياته من الأسنان : - اسمع يا ولدي .. أمران من لا يعرفهما .. لا يعرف نابلس .. تشوقت للحديث مع العجوز أكثر .. انبريت هاتفاً وبي شوق عظيم للمعرفة : - ما هما بالله عليك يا سيدي ؟؟؟ ابتسامته أصبحت بمساحة أكبر ... هتف جذلاً: - أول الأمرين .." الكنافة النابلسية " .. اندفعت مستبشراً بالمعرفة مردداً : - ومن في الوطن لا يعرف الكنافة النابلسية ؟؟!! .. أنا أعرفها جيداً .. وأعرف معظم محلاتها الشهيرة والمنتشرة في أرجاء المدينة العريقة .. - إذن .. فأنت بذلك تعرف نصف نابلس فقط .. - وما هو النصف الثاني بالله عليك ؟؟؟ - " أحمد سقف الحيط " ! - ماذا ؟؟!! .. إنني لا أعرفه .. لم أسمع بهذا الاسم من قبل ؟؟ - إذن فأنت لا تعرف النصف الآخر لنابلس . - وما هي حكاية " أحمد سقف الحيط " هذا ؟؟! - اسمع يا ولدي .. " أحمد سقف الحيط " هذا هو رجل كان يعمل " أجيراً " في أحد محلات بيع الحلويات وخاصة الكنافة النابلسية الشهيرة في المدينة الكبيرة ... القوم كانوا يتهافتون على الشراء من ذلك المحل بشكل غريب .. السر لا يكمن في طعم ومذاق الكنافة النابلسية الرائع فحسب .. بل بوجود " أحمد سقف الحيط " نفسه على رأس العمل في المحل .. لم يكن الرجل يختلف عن باقي البشر في شيء .. سوى روح الدعابة الغريبة التي استولت على الرجل .. فكان يلقي عبارات الترحيب المحببة .. والحديث العذب ... والنكات المختلفة على مسامع رواد المحل فيصيبهم الحبور والسرور أثناء تناولهم الوجبة اللذيذة .. أو خلال قيامه بلف ما اشتروه بشكل غريب ملفت للنظر وبطريقة بهلوانية رائعة . لم يكن هذا كل ما يميز " أحمد سقف الحيط " عن باقي البشر فحسب .. بل هناك أمر آخر ظريف .. ولكنه ظرف من النوع الثقيل .. فلقد كان الرجل فعلاً من الوزن الثقيل .. لذا أطلق عليه البعض لقب " الريشة " على سبيل الدعابة والتفكه !! .. فالرجل كان ضخم الجثة بشكل ملفت للنظر .. يقارب وزنه الثلاثمائة كيلو ؟؟!! .. لا يستطيع التحرك أو الانتقال من مكانه إلا بصعوبة بالغة .. ولكنه رغم ذلك كان يتمتع بخفة الظل وروح الدعابة الدائمة والمرح المستمر .. في شتى الظروف والأوقات .. كان الرجل – والحال كذلك – يعتبر مَعلماً هاماً من معالم المدينة الكبيرة العريقة .. مزاراً للسياح القادمين من الخارج أو من الداخل .. فلا بد لزائر المدينة من زيارة محل " أحمد سقف الحيط " .. وإلا اعتبرت زيارته للمدينة منقوصة بشكل كبير ؟؟!! .. فهو حديث المجالس في المدينة والمدن الأخرى .. والقرى المجاورة والبعيدة أيضاً .. فأصبح اسمه على كل لسان . ذات يوم .. كان طفل يبلغ حوالي العاشرة من العمر .. يقود دراجة هوائية في أحد الأزقة الجانبية من المدينة .. لم يلبث أن ألقى القبض عليه أحد رجال شرطة المرور .. لأن الطفل كان يقود الدراجة الهوائية في مكان غير مسموح فيه بسير الدراجات الهوائية .. سأله الشرطي عن اسمه وعنوانه لكي يحرر له مخالفة سير .. بدون تردد أو خوف أو وجل .. قال له الطفل : اسمي " أحمد سقف الحيط " .. تركه الشرطي على أن يحرر له المخالفة فيما بعد ويرسلها له على العنوان الذي أعطاه له الطفل .. ولم يتنبه الشرطي للأمر.. إذ يبدو بأنه ليس من سكان المدينة أو القرى القريبة منها .. ولم يسمع باسم " أحمد سقف الحيط " قبل ذلك . بعد عدة أيام كان موزع البريد .. يصل إلى المحل الذي يعمل به " أحمد سقف الحيط " ليسلمه إشعار المخالفة .. ولما وصل ناحية " أحمد سقف الحيط " بادره قائلاً :- - تفضل يا " أحمد سقف الحيط " .. هذا إشعار من الحكومة .. بادره " أحمد سقف الحيط " بعبارته الفكهة المعهودة .. وروح الدعابة التي يتمتع بها : - " يعمر بيت الحكومة سيدي .. الحمد لله إللي الحكومة فاكراني .. شو.. بدهم يعطوني مساعدة ؟؟ .. يعمر بيت الحكومة ". حاول ساعي البريد بكل جهده أن يفهمه بأن الأمر ليس كذلك .. وأن هذه الورقة هي بمثابة مخالفة وليست مساعدة ... ولكن " أحمد سقف الحيط " رفض أن يفهم ذلك .. وأصر على فهمه الخاص بأن الحكومة قد أرسلت له هذه الورقة على سبيل المساعدة ؟؟!! .. ثم غادره الساعي بعد أن بذل كل المساعي لإفهامه الحقيقة دون جدوى . في اليوم الموعود .. كان " أحمد سقف الحيط " يتوجه إلى قاعة المحكمة .. بعد أن سأل بعض المحلات المجاورة .. وبعض السابلة عن موقعها .. دخل قاعة المحكمة من بابها الضخم الواسع .. محدثاً جلبة وضوضاء .. وقد اعتقد بأن جميع الجالسين في القاعة قد حضروا من أجل استقباله ؟؟!! .. فاندفع نحو هذا يصافحه .. ونحو ذاك يقبله .. ونحو ثالث يحتضنه : - سلاموا عليكم ... أهلاً سيدي .. أهلاً حبيبي ... كيفك أخي .. تنبه كبير القضاة لمصدر الجلبة والضوضاء .. فأمسك بـ " الشاكوش " الخشبي المعهود وانهال به طرقاً على المنضدة .. صارخاً بحدة : - - سكوت .. سكوت .. سكوت .. لم يأبه " أحمد سقف الحيط " بصراخ القاضي وحدته .. ولا بطرقاته الخشبية المدوية المجلجلة المتتابعة .. بل يبدو بأنه قد تنبه إلى موقع الرجل المهم !! .. فاندفع نحوه كالقاطرة يريد أن يحتضنه .. يقبله .. يصافحه .. فلما تنبه بعض الحراس للأمر .. اندفعوا ناحية " أحمد سقف الحيط " واعترضت طريقه ثلة منهم .. حاولوا إيقاف القاطرة البشرية بكل قواهم وكل جهدهم .. ولكن يبدو أن الرجل قد أصر على ما نوى .. فراح يزيح الحراس العديدين من طريقه .. بكل بساطة .. وكأنه العملاق " جلفر " في بلاد الأقزام .. ولم يلبث أن انضم إلى المدافعين مجموعة جديدة من الفراشين والبوابين والأذنة .. وحاول الجميع إيقاف القاطرة البشرية .. فاستخدم أحدهم مقعداً .. واستخدم آخر منضدة .. محاولين إيقاف زحف القاطرة واندفاعها ناحية منصة القضاة .. بينما غطت أرجاء القاعة ضحكات الحضور وقهقهاتهم للمشهد الغريب .. وسيادة كبير القضاة مازال يستعمل صرخاته المتتالية و" مدقته " الخشبية بقوة وعنف وعصبية .. فضاع صوته .. وصوت " مدقته " بين الأصوات المدوية .. بالكاد .. تمكن فريق الإنقاذ من إيقاف تقدم القاطرة البشرية واندفاعها .. وقد تملكهم التعب .. وسال منهم العرق غزيراً ... وما كاد الهدوء يخيم بعض الشيء على المكان .. حتى ارتفع صوت الرجل مجلجلاً في جنبات القاعة :- - سيدي .. يعمر بيت الحكومة .. وين المساعدة سيدي؟؟ أنا حضرت سيدي علشان استلم المساعدة .. المعونة .. عادت " المدقة " الخشبية للعمل .. وعاد صوت كبير القضاة للصراخ .. - اسكت .. اسكت .. اجلس .. - حاضر سيدي ... حاضر ... " يعمر بيت الحكومة " . " يعمر بيت الحكومة" ( الجزء الثاني – الأخير - ) بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه ) ************************ .... حاول الرجل أن ينفذ الأمر .. وإطاعة القاضي .. فسكت .. ولما أراد أن يكمل تنفيذ بقية الأمر .. نظر إلى المقاعد .. فوجدها صغيرة لا يتسع أيٍ منها لجلوسه بأي حال من الأحوال ... فلما تتابعت الأوامر بالجلوس له من سيادة القاضي .. لم يجد بداّ من الجلوس .. على الأرض ؟؟!! فما كان منه إلا أن أزاح الحراس .. وباقي الرجال المدافعين من حوله .. ليفسح لنفسه مكاناً للجلوس ؟؟!! .. فأزاح هذا .. وأبعد ذاك .. ثم أخذ في تنفيذ المهمة الصعبة بين همهمات وهمسات وضحكات الجمهور .. نزل إلى الأرض على إحدى ركبتيه بتمهل وروية وجهد عظيم .. لم يلبث أن أتبعها بالأخرى بصعوبة .. فلما تم له ما أراد .. بدأ بالنزول على مؤخرته رويداً رويداً .. حتى تم له أخيراً التمكن من الجلوس على مؤخرته التي التصقت بركبتيه وفخذيه .. بعد أن هدأت الأمور بعض الشيء .. وبعد أن صمت الحضور إلا من همسات وابتسامات .. وبعد أن تمالك كبير القضاة أعصابه .. وبعد أن تمالك بقية القضاة أنفسهم .. وكتموا ضحكاتهم .. راح القضاة يكملون ما تبقى من القضية المنظورة أمام حضراتهم .. فلما تم لهم ما أرادوا .. تنفسوا الصعداء قليلاً .. وفجأة كان صوت القاضي ومطرقته الخشبية يدويان في القاعة : - القضية التالية ... " أحمد سقف الحيط " .. ما كاد الرجل يستمع إلى القاضي وهو ينطق باسمه حتى دوى صوته مجلجلاً كالرعد : - نعم سيدي .. أنا موجود .. أجيت آخذ المساعدة .. شكراً إلك سيدي .. يعمر بيت الحكومة . صرخ القاضي بحدة : - أسكت يا رجل ... من أنت ؟؟ - " أحمد سقف الحيط " .. " أحمد سقف الحيط " .. سيدي .. - إذن .. يجب أن تقف احتراماً لهيبة المحكمة والقضاة .. قف .. وبدأت رحلة المعاناة والعذاب من جديد .. فها هو القاضي يأمره بالوقوف بعد أن أمره بالجلوس .. تمايل جسد الرجل بتؤدة يميناً .. ثم شمالاً .. . إلى الأمام .. ثم إلى الخلف .. بالكاد .. استطاع أن يرفع مؤخرته عن فخذيه وركبتيه .. ثم أخذ في الاستعداد لإكمال بقية المهمة الشاقة للوقوف .. وبعد محاولات ومحاولات .. وبين ضحكات وهمهمات الجمهور من الحاضرين .. استطاع الوقوف بعد أن هبت مجموعة الحراس والرجال الآخرين لمساعدته في تنفيذ المهمة .. وقد هده وهدهم التعب والإرهاق .. هتف لاهثاً : - وقفت سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. راح ممثل الإدعاء يسرد لائحة الدعوى بالمخالفة الموجهة إلى " أحمد سقف الحيط " .. واستغرق في الإسهاب والتفاصيل .. فأصيب " أحمد سقف الحيط " بالغثيان وبنوبة تثاؤب ونعاس .. فتمايل الجسد .. وكان أن يقع على الأرض .. لولا مسارعة رجال الحرس والآخرين لإسناد الكتلة اللحمية الضخمة ومنعها من السقوط .. وبعد أن تثاءب الرجل بما فيه الكفاية .. هتف بصوت شبه نائم .. - سيدي ... يعمر بيت الحكومة .. أعطيني المساعدة .. خليني أمشي سيدي ؟؟!! راح ممثل الإدعاء يستأنف سرد بقية ملف القضية .. بينما الرجل ينظر حوله في كل الاتجاهات وكأنه لا يعي ولا يفهم ماذا يقول ممثل الإدعاء هذا .. فلما تبين لهيئة القضاة حقيقة الأمر .. تطوع أحدهم بتوضيح الأمر للرجل .. فراح يخاطبه بلهجة بعيدة كل البعد عن لهجة ولغة الإدعاء والقضاء والقوانين .. وراح ي الكاتب:
ابتسام حياصات بتاريخ: الخميس 19-09-2013 08:56 مساء الزوار: 1235
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
من كتابي،"رسائلُ إلى بحّارٍ ورسائلُ ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 16-09-2024 |
إشهار رواية "اعتراف" للروائية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 18-05-2024 |
"البيرق.. سراة الجبل".. لشريفة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 05-04-2024 |
"أنت والنرجسي" لسخنيني.. ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 17-02-2024 |
حفل توقيع رواية "غيمة" للكاتبة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 11-02-2024 |
والعاديات ..اخر اعمال الكاتبة دنيا ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 23-08-2022 |
بقلم الكاتبة هدى شفيق الالوسي | القصة والرواية | اسرة التحرير | 0 | الجمعة 24-06-2022 |
بقلم الشاعرة والكاتبة رانية مرعي ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 24-12-2021 |
الدروع: "زيتون وقمر" حلم ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 17-12-2021 |
"سفينة بوح" سِر نجاح كِتاب لم ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 10-10-2021 |
«لعنة فردوس» جديد الكاتبة الأردنية نور ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 10-09-2021 |
بقلم الكاتبة أماني الراشد الأهواز رواية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 25-05-2021 |
أوّل رواية فتيان عربيّة .."أصدقاء ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 05-03-2021 |
"كجثة في رواية بوليسية" جديد ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 25-12-2020 |
بقلم الشاعرة والكاتبة ابتسام الخميري قصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 16-10-2020 |