نضال برقان
استضافت الجمعية الخيرية الشركسية حفل إشهار رواية «شركيسيا قصة حب وصلوات الغائب»، للروائية نرين طلعت، يوم السبت الماضي، برعاية المهندس إبراهيم إسحاقات، رئيس الهيئة الإدارية للجمعية، وبمشاركة الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش، والأستاذة الدكتورة هند أبو الشعر، والكاتب جهاد أبو حشيش (مدير دار فضاءات للنشر والتوزيع)، فيما أدار مفردات الحفل الروائي محمد أزوقة.
الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش قدم وقفة نقدية مع الرواية، قال فيها: «الرواية موسوعية فهي تتكون من ثلاث أجزاء بمجموع صفحات من القطع المتوسط يصل إلى 700 صفحة تقريبا. وهي موسوعية أيضا من حيث إطارات السرد الروائي التي جاءت واسعة، متنوعة، وممتدة عبر الزمان والمكان الروائي. وحيث أن الحبكة الرئيسية في الرواية تتعلق بالهُوية والتراث وآليات المحافظ عليهما فقد قامت الراوية بتتبع تراث الماضي الشركسي وأساطيرهم لعدة قرون قبل الميلاد موثّقة الغزوات والحروب مع قبائل الخزر، والفرس، والفايكنج، والسلاف، وتحالفهم مع البيزنطيين في هذه الغزوات والحروب حيث تمكنوا من الانتصار على قبائل الخزر، وصد غزوات القبائل الأخرى.  ثم في قرون لاحقة تصدوا لغزوات التتر والمغول، الذين انكفئوا مهزومين من مصر وبلاد الشام بجهود الجيوش العربية والإسلامية بقيادة المماليك الشراكسة وعلى رأسهم السلطان الشركسي قطز، والسلطان الظاهر بيبرس في المعركة المشهورة «عين جالوت». ثم تحالفهم مع العثمانيين ودخولهم في حرب غير متكافئة ضد روسيا القيصرية التي هاجمت مناطقهم».
الدكتورة هند أبو الشعر قدمت ورقة نقدية بعنوان «تجليات الرواية الشركسية/ نرين طلعت نموذجا»، وفيها تقول: «تقع هذه الرواية في 822 صفحة، مقسمة على ثلاث مجدات، صدرت عن «دار فضاءات» قبل أكثر من شهر، وربما كانت علامة فارقة في الرواية التاريخية العربية، أما ملحوظاتي عليها فهي على النحو الآتي: لا يمكن لقارئ هذه الرواية أن يكون حياديا ، سيشتبك مع الشخصيات والآراء والتحليلات ، ولا يمكنه أن يمر على الصفحات بلا مشاعر.
هناك فارق ملموس في مادة المجلدات الثلاث ، فقارئ المجلد الأول يستمتع بحضور واف لكل الشخصيات ، ولكنه يفاجئ في المجلد الثاني بحضور طاغ للباحثة ، فهي التي تتحدث من خلال الشخصيات ، تحلل ، وتستنج ، وتشرح ، وكأنها محاضرة راقية في جامعة ، وهو ما يجعل الرواية أقرب للبحث الأكاديمي الغني ، أما في المجلد الثالث فتعود الروائية لمقعد الكاتبة الموجهة الذكية.
الشخصيات في هذه الرواية ناضجة ، أدوارها مدروسة ، والبناء التراكمي لنموها ممتاز ، لولا تدخل الروائية الواضح ، وقد أحسنت الروائية اختيار الفترة الزمنية بذكاء.
هذه الرواية أنصفت (النارتيين) وتراثهم الراقي ، وكل ما ورد من تفاصيل يؤكد أننا أمام حضارة متجذرة ، ولها ضوابط أخلاقية وقواعد يلتزم بها الشعب.
سيرة آل جانوروقه التي تختصرها الشخصية الرئيسة جان ، سيرة تستحق السرد الروائي ، وقد أبدعت الروائية بتقديمها بكل التفاصيل في الجزأين الأول والثالث.
نرين طلعت اسم معروف في عالم المقالات والإذاعة والصحافة ، لكنها الآن بعد هذا العمل روائية وصلت العالمية ، فهذه الخصوصية في عملها تجعل روايتها حالة مميزة تستحق أن تحول لعمل درامي كبير.
وفي كلمته حول الرواية قال الكاتب جهاد أبو حشيش: «نارين طلعت، ليستْ كاتبةً مكرسةً، ولم أكنْ أتخيلُ وهي تتحدثُ عن عملِها الأولِ أنّني أمامَ عملٍ بهذه الضخامةِ وبهذا الغنى، وبتلكَ السلاسةِ التي لا تُعيقُها المراجعُ المستخدمةُ، ولربَّما أدركتِ الكاتبةُ مسبقًا، أنَّ الخلطةَ السرد تاريخيّةَ التي حاكتْ بها الروايةَ، ستسببُ الكثيرَ من العطشِ للقارئِ ممّا دفعَها لفردِ الكثيرِ من الينابيعِ بين الفينةِ والفينةِ لكي يظلَّ قادرًا على الالتحامِ بالنصِّ وعدمِ الانفكاكِ منهُ حتى النهايةِ.
وبالرغمِ من سلاسةِ السردِ الذي يأسرُكَ لتبقى، إلا أنَّ الحكاياتِ التي تتوالَدُ الأسئلةُ من أصابعِ مفرداتِها، تُدهشُكَ، وتثيرُ لديكَ أسئلتَكَ التي لطالما تجاوزتها لكي لا تصطدمَ بالهوياتِ المبعثرةِ والمتخالطةِ/ المتشظيةِ داخلَك.
إنَّ روايةَ شركيسيا كما أراها، ليستْ مجرَّدَ نصٍّ سرديٍّ، قدرَ ما هي وثيقة، تتضحُ فيها القدرةُ على التعاملِ مع المتعددِ، فلا وجودَ للواحديَّةِ الملغيةِ للآخرِ في مساحاتِها. وهي وثيقةٌ تهتمُّ باندماجِ المتماثلِ وجذبِهِ إلى التوحُّدِ في أتونِ الهويَّةِ الشركسيةِ وملامحِها الخاصّةِ، دونَ مغادرةِ القدرةِ على التحاورِ مع الهوياتِ الأخرى».
وكانت مؤلفة الرواية قدمت شهادة إبداعية في الحفل، قالت فيها: «إنّ العالم الذي تدور فيه أحداثُ رواية شيركيسيا قصة حب وصلوات الغائب، كان بالنسبة لي عالماً موازياً يحيا بجانب عالمي الواقعي الذي أعيش فيه. عالم يجري في روحي وذهني وعقلي. مادّةُ هذا العالم هي الذكريات والمواقفُ والقصص التي مرت عليَّ في حياتي. أمّا الطاقة المحركة له فهي الأسئلة البسيطة التي بدأت معي منذ الطفولة واستمرت عبر سنين حياتي.
الأسئلة التي لم تقبل بالإجابات الجاهزة المصنعة المُتكلفة، والتي كنت أجدها عاجزة تماما عن تفسير ما أودّ معرفته.
من حسن حظي أنَّ أبي كان منفتحاً فكريّاً، فلم يعترض أو يرفض يوماً أي سؤال كنت أسأله إياه. كان يجيب عن بعض أنواع الأسئلة بتفسيرات بسيطة وواضحة، ونوع آخر منها كان يحتاج تفسيره لها أن يروي لي بعض القصص والأحداث والمواقف، لتعطيني وإياه احتمالات لأجوبة معقولة. وكان هناك نوع ثالث من الأسئلة كان يسميها بالأسئلة الخطيرة والقوية، وكان جوابه عنها أنه لا يعرف لها جوابا ويقول لي: حين تكبرين ربما تجدين لنا تفسيراً لها. لكن لم يحصل أبدا أن قال عن أي تساؤل بأنه سخيف أو تافه أو ممنوع أو لا يجور طرحه. كل الأسئلة كانت مسموحة ولا يوجد أفق أو حدود للأسئلة.  
حاولت في هذه الرواية أن أجيب عن أسئلة تتعلق بأمور جوهرية في الهوية الشركسية والوعي بها، من خلال التاريخ وأحداثه وتفاعل المجتمعات الشركسية معها. ولكنّني اكتشفت حين أنهيت الرواية أن تلك الأسئلة وتلك التجارب تتعلق بكل إنسان وبكل المجتمعات وليس فقط بالشركس والمجتمعات الشركسية، بل تتعلق بهوية كل شعب، وهوية كل فرد، وسعي الأفراد والمجتمعات لتحقيق معنى حياتها، ولكن ثاءبت الأقدار أن تَحدَّثتُ عن تجربة الهوية الشركسية لأني أنا شركسية ونشأت في هذا المجتمع وعرفته من داخله.  لكنها تجربة كل إنسان وكل مجتمع في العالم».