the Conspiracy بالإنجليزية, هي نظرية تخيف العرب منذ عدة عقود, وتعني: المؤامرة, وتعود هذه الكلمة عربيا إلى الجذر اللغوي ءَ مَ رَ, ومصدرها أمر, ثم نشتق منه مؤامرة, لنفهم منها بعد ذلك اجتماع عدة أفكار مسؤولة واتفاقها على فعل شيء داخل دائرة معينة ذات صلة بالشر وتحويله إلى دائرة أخرى ذات صلة بالخير, هكذا فهمت في بداية بحثي عن هذه النظرية, والتي نستلهم منها معنى
عاشقة
الصحراء :
الشرية والإيذاء, لأننا في المقابل نجد أن اجتماع الأفكار المسؤولة على فعل الخير يسمى التعاون. وعند إيجاد إعدادات أخرى للبحث عن مدلولات هذه الكلمة, نجد أنها تغيب بوفرة عن المجتمعات المتحضرة أو القوية, في حين تنشط في البيئات الجاهلة أو المتخلفة, وهذا ما يفسر نشوء ظواهر الانغلاق ونبذ الجديد والتمسك بالأفكار السلبية نتيجة إيمان هذه المجتمعات بنظرية المؤامرة. كما يفسر أيضاً نشوء ثلاثة مصطلحات أخرى انعكاسية لوجود مؤامرة ما وهي: الغزو الفكري, والتغريب والتبعية. ولقد كانت العرب أشد الناس خوضا في جدلية المؤامرة, حين غزت بلاد الغرب العقلية العربية بفكرها وسياستها وتقنيتها وطبها وخيرها وشرها قبل قرنين من الزمان. إلا أن أسباب هذا الاعتقاد اختلفت حسب فهم العقل العربي, فالمتدين يرى المؤامرة في هدم الدين, والقومي يراها في الإطاحة بالعرق والدم, والسياسي يراها في زعزعة الأمن القومي ومس السيادة الوطنية كما يحاول ترويجه لنا النظام السوري الحالي بوصفه ما يحدث له بالمؤامرة الكونية.
والحقيقة أننا لا نجد بدا من الاعتراف الجزئي بهذه النظرية, كما هو الحال في تعريف كلمة الحيادية بين الأوساط المثقفة, فهي تعني العدل وعدم الانحياز, لكن اختيارك للحياد هو انحياز له على كل حال. كذلك في إيماننا بالمؤامرة, فالتشكل الدفاعي الاجتماعي -على سبيل المثال- لصد مؤامرة ما هو مؤامرة أيضا إذا ما التزمنا بالوقوف على معنى هذه الكلمة. ولم تكن يوما نتائج المؤامرة مثمرة, سواء عند التصديق بها أو لا, فقد أفضت بالقائد هتلر إلى الفتك باليهود نظير تصديقه لما يسمى «بروتوكولات حكماء صهيون» حيث قال إنها تكشف الأهداف النهائية لليهود وتفضح منطقهم الداخلي. وهذا يعني بالضرورة إيمانه بالمؤامرة ضد الشعب الألماني. كما يمكن لنا تفسير نشاط الجماعات الإرهابية والمسلحة بوجود انعكاس سلبي على مثل هذه النظريات, فرؤيتهم للعالم أجمع وهو يقف صفا واحدا ضدهم جعلهم يتجهون لفرضيات عكسية كونهم أفرادا يحاولون إنقاذ العالم من خلال قتل الكفار والاستحواذ على السلطة.
في حين تتجه العقليات المتوازنة إلى مقابلة الفكرة بالفكرة والتنافس على نفس خط الاتجاه, ولنرى كيف أدى الاعتقاد بوجود المؤامرة من عدمها إلى وجود مثالين في غاية الوضوح وهما الكوريتان الجنوبية والشمالية, ففي حين تبلغ صادرات كوريا الجنوبية خلال اليوم الواحد أكثر من مليار ونصف المليار دولار بحسب التقارير, تأتي كوريا الشمالية بين أكثر دول العالم فقراً, نتيجة انشغالها بالحصول على الدرع النووي لتكون جاهزة للتصدي لمؤامرات الولايات المتحدة وطفلتها كوريا الجنوبية, لكننا نجد في المقابل جمهورية إيران وقد جمعت مؤامرتين في نفس الوقت, فالسعي الطردي لتخصيب اليوارانيوم نعده رسالة شديدة اللهجة للمتآمرين على الثورة الفارسية, وبلوغها أقصى نواحي إفريقيا وأمريكا الجنوبية عبر منحها مقاعد التعليم المجانية وصنع حلفاء -قادمون- يراه البعض رسالة تآمر إيراني على استقرار المنطقة. إن إيماننا بالخطأ والخطر هو المهم في نهج العقل العربي اليوم, دون الانتظار للتأكد من وجود مؤامرة أو لا؟
وعلى الفكر العربي بمسؤولياته المختلفة الانتقال من مرحلة الخوف من المؤامرات أو تصديرها إلى مرحلة التعايش والتنافس والموازنة, فعند الخوف من مؤامرة ما لإضعاف أمننا أو اقتصادنا أو ديننا أو قوتنا, نعمل بجهد حتى نبلغ ما يسمى بتوازن القِوَى, وهي توازن النقد والرعب والعلم.