|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
«أين يختبئ النور؟».. أمل رجب ومونولوج نفسي للألم
عاشقة
الصحراء :
أشرف قاسم تسير قصيدة النثر في طريقها بخطى ثابتة رغبة في إثبات وجودها في المشهد الشعري، متكئة على ثرائها الباذخ بالصور الشعرية المطردة، وموسيقاها الداخلية، وإيجازها المحكم، وإيحاءاتها الدالة «مضغوطة كقطعة بلور، إيحائية لا نهائية» على حد تعبير سوزان برنار. وهي نتاج طبيعي للكثير من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي طرأت على العالم أجمع، ولذا نرى أن مظاهر الشعرية في قصيدة النثر كثيرة ومتعددة. وإذا كان الشعر في جوهره صدى لما يخالج النفس البشرية من أسئلة مؤرقة، نتاج واقع مأزوم قاس فلا بد أن يكون الخطاب الشعري منسجماً مع تلك النفس المأزومة معبراً عنها بشكل إنساني يحمل رؤية الشاعر إلى المتلقي الذي هو بالأساس شريك في النص. يمثل هذا الديوان «أين يختبئ النور؟» للشاعرة أمل رجب مونولوجا مطولاً لحوار الذات الشاعرة مع نفسها من ناحية، وحوارها مع الآخر/المتلقي/ من ناحية أخرى بشكل غير مباشر ذي رؤى متعددة مفتوحة على التأويل، مما يثري النص الشعري، ويقيم وشائح قربى بين عناصره المختلفة، من لغة وخيال وصور شعرية مبتكرة ورؤى وأفكار: يا مساكين الأرق، السهد لم يترك متسعاً لجفنِ العين أن يتخد طقوسه الرتيبة من يتراكم بشحناته فوق بعضه ليصير « حلمًا» طيفٌ داخل جسد يسري حرًا هناك ملايين الخيالات تحبو ونركض وراءها.. ص47 إذن يعتمد النص الشعري عند أمل رجب في تلك المجموعة التي بين أيدينا على محورين مهمين: أولاً: الحالة النفسية والتي تنطلق من الخاص إلى العام. ثانياً: الواقع الاجتماعي الذي يعبر عنه النص وهنا تجمع الشاعرة بين القيمة الجمالية، والقيمة الاجتماعية التي ينطلق النص الشعري من مكمنه تجاهها. ولعل تتابع الصور الشعرية في نصوص الشاعرة، وتوظيف الخيال البكر في صياغة تلك الصور هو ما يعطي النص دهشته ومفارقته التي تثير القارئ وتؤثر فيه بشكل كبير، تلك الدهشة المنبثقة من عمق الفكرة دون انفلات يجنح بالنص إلى الوحشة والتغريب: أقرأ لتشيخوف كل ليلة يتسع صدري أكثر لأعانق الأبرياء بكل سطر أزدري الحروف المتقاطعة والأقلام الملونة كأس الحليب اليومي لفتاة لا تنعس بسهولة وتتفوه بنقاط ضعفها حين تنام الليل قبعة رديئة لمساكين السهر ومتوحدي الرسمة التي بلا ظل وبلا وطن دفين ص 83 ولأن قصيدة النثر تختلف في طبيعتها وسيكلوجيتها ومعمارها الجمالي وموسيقاها وإيقاعاتها الداخلية عن القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة فكان لا بد أن تختلف رؤاها وطرق تعبيرها، من جمال وخيال وصور شعرية ذات مضامين إنسانية سامية، ورمزية تشكل نمطاً مختلفاً عن السائد، يربط بين أضلاع النص الشعري بشفافية، دون غموض، عن طريق لغة سلسة موحية: الجميع لديه غابة وحشية من الغضب الذي يتبادر عند منتصف الليل، لا أحد يروض الخفاش ولا الذئب، تتجلط دمويتنا حين لا نسير على جفون الحياة، ونعجن ألف مرة داخل صندوق أسود! ماهي المهارة الحقيقية للمفترس؟ ص75 في هذا المونولوج المطول لحوار الذات مع مأساويتها تتجلى الغنائية الآسرة في معاناة الأنا الشاعرة وافتقادها القدرة على المواجهة لتلك التناقضات الحياتية التي تواجهها، فتمزح الواقع بالخيال، حتى ليشعر المتلقي باللهاث خلف أبجدية النص اللاهث أيضاً، وما يستتبع ذلك من مزاح وسخرية أحياناً، تلك السخرية المريرة الناتجة عن واقع ضاغط قاس في جمل قصيرة سريعة الإيقاع: الأشياء كلها تعرف معنى المجاعة الأغنيات كلها تعرف معنى العطش والبرية بأكملها تحقق مثلث البقاء للأقوى لكن الورد المتبقي من حطام الخريف يغرد زجاج الأبنية يقع، والحديقة، التي خرجت منها الفراشات متوجة بكى الندى لأجلها فهل يبكي الحجر؟ ص 69 اللغة في تلك النصوص لغة ذات حساسية خاصة، تصل إلى المعنى بحنكة ودهشة، لا ترضى الشاعرة لنصها أن يكون متواضعاً في المتناول، ولكنه نص مراوغ، ملتبس أحياناً، هذا الالتباس الذي يضيف للنص جمالاً ودهشة: ضحكةٌ نابعة من مأتمٍ مزين بالنور، العتمةُ أصلُ الحكاية هذه المرة تلوّت سبعَ آياتٍ كيّ يظهرَ وجهي بالمرآة.. مسحةً من ظِل، وقطرةٌ تنزلِق من جفني لتلامِس الأرض.. كلُ الضحكات.. ص 13 في تلك النصوص التي حملها الديوان ابتعدت أمل رجب عن النمطية بمختلف أشكالها ، نمطية الشكل ، ونمطية التناول، ونمطية التعبير، لتكتب نصا مغايراً في حداثته، بعيداً عن الخطابية والمباشرة الفجة، والصوت الزاعق الأجوف، لتصنع وجوداً وعالما شعرياً موازياً يعبر عن الإنسان ، ويتأمل الواقع من منظور مغاير يثير مخيلة المتلقي وانفعاله ويترك في نفسه أثره الجمالي، فقد حفلت النصوص بالانزياح الأسلوبي والدلالي، متجاوزة الخطاب المباشر، كاشفة عن جماليات التفاصيل الصغيرة، مما يثري النص بأبعاد جمالية ودلالية مغايرة، تفتح النص على تعدد القراءات والتأويل، ويترك في نفس المتلقي إبهارا ودهشة، بعيداً عن النمطية المملة: كيّف بإمكانِ أحدُهم أن يعثر عليّك.. في ظلماتٍ تفرَقت جميعُها، كلُ ظلمة تجردَت بجسدِها لتُصبِح» عتمَة فرديّة»! هل بإمكانِ أفراد الطبيعةا أن تصِل لدفقاتِ الألم الذي وُلِدَ لتوّه الآن؟ ص 53 نحن هنا إذن إزاء نصوص مصفاة، بعيدة عن الحشو واللغو، بعيدة عن تحميل النص ما لا يحتمل، قريبة من روح المتلقي، دون معاضلة، ودون مجانية مفرطة، تلتحم بالإنسان في شتى حالاته وتصوراته، وترسم واقعاً موازياً، يخفف عن الذات المعذبة عذاباتها وآلامها، وكأنها كف حانية تربت على تلك الذات بكثير من الرحمة. جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الجمعة 08-12-2023 10:27 مساء الزوار: 138
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
قراءة في قصيدة الشاعرة مريم خضراوي (إني ... | النقد والتحليل الادبي | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 10-04-2020 |